أما بعد: أيها المؤمنون، أيها المرابطون في هذه الرحاب المقدسة، تمر أمتنا الإسلامية في منعطف خطير، ينذر بانهيار الأنظمة الإسلامية، الواحد تلو الآخر، إذا لم يتدارك المسلمون قادة وحكامًا وشعوبًا أبعاد المؤامرات التي تحاك ضد الإسلام والمسلمين من قبل أعدائهم بزعامة أمريكا الحاقدة، وأوروبا الصليبية الماكرة، وروسيا الملحدة، إذا لم يعمل المسلمون على وقفة جادة وجريئة بوجه المخططات المعادية لإسلامهم، والتي تتخذ حاليًا أشكالاً متنوعة ومسميات متعددة، فمن الانفتاح والتعايش السلمي إلى العولمة، ثم العلمانية ووحدة الأديان، وإلى الوفاق الدولي لمحاربة الإرهاب، وبات واضحًا أمام الجميع مفهوم الإرهاب من وجهة نظر أعداء الإسلام.
أيها المؤمنون، لقد حذرنا في خطبة سابقة من علياء هذا المنبر الشريف أن مدينتنا المقدسة في خطر، وأن مسجدنا المبارك في خطر، وأن جدار الفصل العنصري ما هو إلا أسلوب من أساليب الاحتلال الإسرائيلي لعزل مدينة القدس عزلاً تامًا عن باقي مناطق ومدن فلسطين في الضفة الغربية المحتلة.
وما حدث ـ أيها المؤمنون ـ في الأسبوع الماضي من اقتحام مسلح للمسجد الأقصى المبارك ومهاجمة المصلين وإطلاق القنابل الصوتية والأعيرة المطاطية، حتى قبل إنهاء المصلين لصلاة السنة البعدية، ما هو إلا إرهاب دولة وممارسات احتلال، لاختبار مدى صمودكم ومدى ثباتكم بمسجدكم ودفاعكم عنه، فالاحتلال لا يزال يتحين الفرص للانقضاض على هذا المسجد المبارك، بعد أن آلت الأمور السياسية في العالم لصالح أعداء الإسلام.
أيها المسلمون، لقد ذكرت الصحف العبرية أن إسرائيل ومن خلال شركة إلعاد ستعمل على إقامة مركز تجاري سياحي في مدينة القدس، وعلى وجه التحديد في منطقة وادي حلوة، والتي يطلقون عليها مدينة داود، وستعمل المؤسسات والحكومة والجمعيات الاستيطانية لشراء العقارات لإسكان المستوطنين فيها، وذكرت الصحف أيضًا أن شركة إلعاد تمكنت من امتلاك ثلاث وأربعين منزلاً يقيم فيها حاليًا المستوطنون تحت حراسة مشددة، وأن شركة إلعاد وبالتعاون مع سلطة الأراضي ستقوم بمسح جغرافي وسكاني لمعرفة العقارات التي لا يقيم فيها أصحابها الأصليون لوضع اليد عليها باعتبارها أملاك غائبين.
أيها المؤمنون، هذا المخطط الاستعماري والاستيطاني الجديد يهدف إلى تهويد وادي حلوة بالكامل، لأن اليهود يعتبرونها على حد زعمهم أقدس من حائط البراق، لأنها المدينة التي بناها سيدنا داود عليه السلام، هذه هي المخططات الصهيونية القديمة الجديدة، والتي ستكون بداية للانقضاض على هذا المسجد المبارك لا قدر الله.
فمتى يفيق المسلمون من سباتهم العميق؟! متى تستيقظ ضمائر القادة والحكام؟! ومتى ينفضون عن كاهلهم الذل والصغار والتبعية؟! متى يدرك المسلمون في بيت المقدس أن المستوطنين يسعون للاستيلاء على مزيد من العقارات الإسلامية داخل أسوار البلدة القديمة وخارجها لتكون البلدة القديمة محاطة بالقلاع الاستيطانية من جميع الجهات ومن جميع الأمكنة؟! وقد نشرت بعض الصحف أن عدد المستوطنين الذين يسكنون في هذه الأماكن يزيد على مائة وخمسين ألف مستوطن.
ومن هذه الرحاب الطاهرة ومن هذا المنبر الشريف، وباسم جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، نستنكر الاعتداء الآثم الذي حدث يوم الجمعة الماضي على المصلين، ونحذر في الوقت ذاته من زرع بذور الشقاق واندساس العملاء بين المصلين، حتى لا نعطي الفرصة لأعدائنا لانتهاك حرمة هذا المسجد المبارك.
أيها المؤمنون، إن الوقت الذي نحياه اليوم وقت صعب يتطلب من الجميع اليقظة والحذر ووحدة الصف تحت راية الإسلام، لتفويت الفرص أمام أعداء الإسلام الذين يعيثون في الأرض فسادًا ويسعون إلى تخريب البيت الفلسطيني من الداخل، فما الاغتيالات الأخيرة والانفلات الأمني إلا مظهرًا من مظاهر التفكك والضعف الذي حل بنا في هذه الأيام، والله تبارك وتعالى يقول في محكم التنزيل: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران:102، 103].
وإن سياسة الهدم والتشريد التي تنتهجها سلطات الاحتلال تتطلب من جميع المسلمين الوحدة والترابط والتعاون والوقوف أمام المخططات التي تستهدف النيل من وجودنا الإسلامي في أرض فلسطين المسلمة، نسأل الله تبارك وتعالى أن يمن علينا جميعًا بالأمن والاستقرار والمحبة والوئام.
عباد الله، ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله قال: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) أو كما قال.
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله.
|