.

اليوم م الموافق ‏16/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

مواقِف وتأمّلات

3556

العلم والدعوة والجهاد, فقه

الصوم, المسلمون في العالم

حسين بن عبد العزيز آل الشيخ

المدينة المنورة

7/1/1425

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- حاجة الأمة إلى المحاسبة والمراجعة. 2- توديع العام يذكر بالرحيل من الدنيا. 3- ضرورة النهوض لإصلاح الأوضاع. 4- وجوب الدفاع عن الإسلام. 5- فضل شهر المحرم وعاشوراء.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ ولزومِ طاعته والحذَر من معاصيه، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70، 71].

معاشرَ المسلمين، في مستهَلِّ كلِّ عام ومع إشراقة كلِّ سنَة تبرُز الحاجةُ الفرديّة والجماعية إلى المراجعة والمحاسبة ليقوَّم الماضي ويُصلَح الحاضر ويُخطَّط للمستقبل، وَفقَ منهج سليمٍ يقود للمنافع الخيِّرة ويوصِل للمقاصد المنشودة.

وإنّ أمَّتنا وهي تستقبل عامًا جديدًا بعد انصرامِ عامِها الماضي حاملاً الأحداثَ الجسامَ والوقائع العِظام لهي في ضرورة قُصوى إلى إدراكِ التحدِّيات التي تواجهُها والأخطار التي تعاني منها، وفي الوقت ذاته هي في حاجةٍ ماسّة إلى موقفٍ صحيح ومعالَجة ناجعة وتحسينات نافعة، كلُّ ذلك وَفق أسُسٍ إصلاحية ومشروعاتٍ علمية تحدَّد مقوّماتها وتُرسى أصولُها من منطلقاتِ دينها وثوابت عقيدتها وهدي نبيِّها محمّد عليه أفضل الصلاة والسلام.

معاشرَ المسلمين، وثمَّتَ مواقفُ ينبغي التركيز عليها ونحن نعيش مستهلَّ هذا العام الذي نسأل الله جلّ وعلا أن يجعلَه عامَ بركة وخيرٍ ومَسرَّة على الأمّة الإسلامية جمعاء.

وهذه المواقف أوّلها: أنّ استقبالَ المسلمين لعام جديدٍ من حياتهم هو بمجرَّده حدث كبيرٌ، يذكِّر بحقيقةٍ مستَيقَنة بأنّ الأيام مراحلُ ومطايا، تُبعِد من الدنيا، وتُدني من الآخرة، يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا مَتَـٰعٌ وَإِنَّ ٱلآخِرَةَ هِىَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ [غافر:39]. فهل يكونُ توديع عامٍ واستقبالُ آخر سببًا لتحريك همَمِنا واستنهاض عزائمنا؟! فالموفَّق من يسعى لإصلاح حاله وإدراك ما تبقَّى من حياته؛ بحيث يكون غدُه خيرًا من يومه، ويومُه أفضلَ من أمسِه، وعامُه الجديدُ أفضلَ من عامه المنصرِم، والكيِّس على لسانِ المصطفى هو من حاسَب نفسه وراجع حساباته، وتزوَّد من الأعمالِ الصالحة وحقَّق توبةً نصوحًا إلى ربّه مما مضى منه من الذنوب وما حصل منه من الهفوات، فربّنا جلّ وعلا يذكِّرنا بقاعدة الإصلاح وأصلِ الخير بقوله جل وعلا: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7، 8]، ونبيُّنا فيما يحكيه عن ربِّه في الحديث القدسي الطويل، ويُوجز فيما يرويه عن ربّه قولَ ربّه جلّ وعلا في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إنما هي أعمالُكم أحصيها لكم، ثمّ أوفِّيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمدِ الله، ومن وجَد غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه)) رواه مسلم[1].

وثاني هذه الوقفات أيها المسلمون: أنَّ عامَنا الماضي انصرَم وانتهى، والأمةُ الإسلامية والأمّة المحمَّدية حُبلى بالمشكلاتِ وثكلَى بالفِتَن والمغريات، غيومٌ على حياتها من المِحَن، وسُحُب على واقعها من الإحَن، فكلُّ ذلك يتطلَّب من أبناء المسلمين جميعًا حُلولاً عاجِلة وإراداتٍ جازمةً، وعزائم صادقة في الإصلاح والتقويم من قِبَل الأفراد والمجتمعات، من قبل الحُكّام والمحكومين، وَفقَ يقينٍ من الجميع بأنّه لا مخلِّصَ للأمة من أزماتها الخانقة وأوضاعها المتردِّية إلا بالإسلام الحقّ الصافي الذي نزل به القرآنُ وجاء به سيِّد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام، الإسلام الذي فهِمه صحابتُه الكرام، إنّه الإسلامُ الصافي الذي يُمارَس في الجوانب كلِّها والنواحي الحياتية جميعها، سياسيًا واقتصاديًا، ثقافيًا واجتماعيًا، علمًا وعَمَلا، حُكما وتحَاكُمًا، وَفق فهمٍ لمعرفة مقاصد الإسلام من إقامة حياةٍ مثاليّة نافعةٍ صالحة حضاريّة راقية مُثمرةٍ الثمرات الخيِّرة في الدنيا والآخرة، في ظلِّ عَيش يُطبَّق فيه قول الله جلّ وعلا: وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلأرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئًا [النور:55].

فعلى أمَّةِ الإسلام اليومَ أن تعلمَ علمَ اليقين وهي تعيش على مَفرَق الطرُق وتشعُّب السبُل أنَّ عزَّها وقوَّتها وخيرَها وحضارتَها هو ارتباطُها بدينها والالتزام بشريعة ربِّها والاهتداء بهدي نبيِّها عليه أفضل الصلاة والتسليم، فذلكم هوا السِّلاح الفاعل الذي يدرأ الشرورَ والأخطار عنها, والدِّرعُ الحصين الذي تتقي به في وجه الهجَمات الكاسِحة والصِّراع العنيف الذي تعيشه قوى الأرض، فربّنا جل وعلا يقول: وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ [المنافقون:8].

وإنّ الواجبَ الوقوفُ أمام التحدِّيات التي تواجه المسلمين وتَنال من دينهم، وإنّ الواجبَ أيضًا سَدُّ الباب أمام كلِّ من يريد الاصطياد في الماء العكِر من أصحاب الاتِّجاهات المنحرفةِ والمسالك الضّالة والمشارب المشبوهة التي تحرِصُ على صرف المسلمين عن التوجُّهات الصحيحة لواقع الحياة المستمَدِّ من دينهم بدعاوَى من أولئك مزركشَة وأقوال مزخرفة وسذاجات فكريّة لا تنطلي إلا على مغفَّل.

ثالثُ هذه الوقفات أيها المسلمون: أنَّ الإسلامَ أصبح يُتَّهم من الأعداء الحاقدين بما هو منه بَراء، كلُّ ذلك للصَّدِّ عن سبيل الله، ولإبعاد البشرية عن منهجه الوضّاء، ولذا فأبناءُ العالَم الإسلامي مطالبون بتصحيح المسارات التي يتَّخذها الآخرون سبيلاً لتشويه صورةِ الإسلام النقيّة، ويبتغيها الحاقدون سُلَّمًا لطمس حقائقه المضيئة، وإنَّ واجبَ المسلمين تجاه دينهم أن يثبتوا للعالم كلِّه صدقَ التوجُّه وسلامةَ المقاصد وسموَّ الأهداف وإظهارَ الإسلام الحقِّ للعالم كلِّه، الإسلام الذي تضمَّن الرحمةَ بأوسع معانيها، والعدلَ بأدقِّ تفاصيله، والإحسانَ بشتَّى صُوَره، وإصلاحَ الدارين بكلِّ وسيلة ممكِنة.

وعلى العلماء والمفكِّرين النظرُ لكلِّ قضيَّة تُطرَح في عالمهم نظَرَ تدقيق وتفهُّمٍ وتمحيص للاستفادة من الإيجابيات التي لا تتعارض مع مصالح أمَّتنا، ولا تتنافى مع ثوابتِ عقيدتنا ومسلَّمات شريعتنا، ولن يتمَّ هذا إلا بتوحيد الجهود وتنسيقِ المواقِف في إطار فهمٍ صحيح من الكتاب والسنة ونيّةٍ صادقة للإصلاح، في محيطِ وعيٍ تامّ وإدراكٍ كامل بعالم يموجُ بالتَّحوُّلات وتعصِف باستقراره المتغيِّرات، عَملٌ من العلماء والمفكّرين وَفقَ قاعدةٍ متمكِّنة لا يبادِرها تفريطٌ في شيء من الثوابت، ولا يَخترقها تنازُل عن شيء من الخصائص، وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ [الأنعام:153].

اللهمّ انفعنا بهذا الدين، وأصلِح حياتنا بسيرةِ سيّد الأنبياء والمرسلين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.


 



[1] صحيح مسلم: كتاب البر (2577) عن أبي ذر رضي الله عنه.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ نبيَّنا محمَّدًا عبده ورسوله الدَّاعي إلى رضوانه، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وإخوانه.

أمّا بعد: فيا أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فبها يصلُح الحال ويسعَد المآل.

معاشرَ المسلمين، شهرُ الله المحرَّم مِن أعظم شهور الله جلّ وعلا، مكانتُه عظيمة، وحرمتُه كبيرة، يقول النبي فيما رواه مسلم: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم))[1].

وأفضلُ أيَّام هذا الشهر يومُ عاشوراء، ففي الصحيحين أنَّ نبيَّ الله صام عاشوراء وأمر بصيامه[2]، وفي صحيح مسلم أنّ رسولَ الله سُئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: ((أحتسِبُ على الله أن يكفِّر السنةَ التي قبله))[3].

والسنةُ ـ أيّها المسلمون ـ أن يصومَ المسلم معه التاسعَ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبيّ : ((لئن بقيتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التاسِع))[4]، فإن لم يتيسَّر صامَ الحاديَ عشر، والأكملُ صومُ يومٍ قبلَه ويوم بعده.

ثمّ إنَّ الله أمرنا بأمرٍ عظيم تصلُح به حياتنا وتزكو به سرائرنا وتسعَد به دنيانا وأخرانا، ألا وهو الإكثار من الصلاة والتسليم على النبيّ الكريم.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيّدنا ونبيِّنا محمّد، وارض اللهمّ عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين...



[1] صحيح مسلم: كتاب الصيام (1163) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[2] صحيح البخاري: كتاب الصوم (1892، 2002، 2004)، صحيح مسلم: كتاب الصيام (1126، 1125، 1130) عن ابن عمر وعائشة وابن عباس رضي الله عنهم.

[3] صحيح مسلم: كتاب الصيام (1162) عن أبي قتادة رضي الله عنه.

[4] أخرجه مسلم في كتاب الصيام (1134).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً