.

اليوم م الموافق ‏17/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

قصة شعيب عليه السلام

3495

سيرة وتاريخ

القصص

ناصر بن محمد الأحمد

الخبر

14/1/1409

النور

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- بعثة شعيب إلى أهل مدين (معان). 2- دعوة شعيب قومه إلى التوحيد وإصلاحه مخالفاتهم السلوكية. 3- بعض صور الانحراف عند أهل مدين. 4- الداعية أول الملتزمين بما يدعون إليه. 5- هلاك قوم شعيب وخروجه إلى أصحاب الأيكة. 6- هلاك أصحاب الأيكة بالظلة. 7- التطفيف في المكيال والميزان وصوره الحديثة.

الخطبة الأولى

أما بعد: أيها المسلمون، قال الله عز وجل في كتابه العزيز، فيما قص علينا من قصة شعيب عليه السلام ما جاء في سورة الأعراف: وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَـٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيّنَةٌ مّن رَّبّكُمْ فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلّ صِرٰطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ ءامَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَٱذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مّنكُمْ ءامَنُواْ بِٱلَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَٱصْبِرُواْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَـٰكِمِينَ قَالَ ٱلْمَلاَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يـٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَـٰرِهِينَ قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْء عِلْمًا عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَـٰتِحِينَ وَقَالَ ٱلْمَلاَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَـٰسِرُونَ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِى دَارِهِمْ جَـٰثِمِينَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ ٱلْخَـٰسِرِينَ فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَـٰفِرِينَ [الأعراف:85-93].

شعيب عليه السلام، كان يسمى خطيب الأنبياء، لفصاحته وبلاغته، وحسن تأديته في دعوة قومه إلى الإيمان برسالته. أرسله الله عز وجل إلى أهل مدين، وهي قرية تقع في أرض معانٍ من أطراف الشام، وأهل مدين عربٌ ينتسبون إلى مدين بن إبراهيم الخليل، وقد كانوا يحترفون التجارة، لأن مدينتهم كانت محطة للقوافل التجارية.

أيها المسلمون، كان أهل مدين، لا يؤمنون بالله، ويعبدون سواه، وكانوا من أسوأ الناس معاملة، ينقصون الكيل والميزان إذا باعوا، فبعث الله فيهم رجلاً منهم، وهو رسوله شعيب عليه السلام، فدعاهم إلى عبادة الله وحده، وأيده بالمعجزات، ونهاهم عن تعاطي هذه الأفعال القبيحة، وأمرهم بالعدل، وحذرهم عاقبة الظلم، مؤكداً لهم أن ما يبقى من المال الحلال، خير لهم من المال الذي يجمعونه من الحرام وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ إِنّى أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلأرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ [هود:84-86].

ومن ضلال أهل مدين أيضاً، أنهم كانوا يتعدون على الطرق، يرصدون الناس الذين يأتون إلى شعيب، ليصدوهم عن سبيل الله، وكانوا يعيبون رسالته، قال تعالى: وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلّ صِرٰطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ ءامَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَٱذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ [الأعراف:86]. ومن صور انحرافهم أيضاً، الاستهزاء، فقد كان القوم يستهزءون بكلام شعيب عليه السلام، وكانوا يقولون له: هل صلاتك هذه التي تصليها هي التي أثرت في نفسك، فجعلتك مرشداً لنا، تدعونا إلى ترك ما كان يعبد آباؤنا من الأصناف، وتحثنا على الامتناع عن التصرف في أموالنا كما نريد، قال الله تعالى: قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِى أَمْوَالِنَا مَا نَشَؤُا إِنَّكَ لاَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ [هود:87].

عباد الله، إن أثر الصلاة واضحةٌ في شعيب عليه السلام، وقد لاحظ قوم شعيب تأثير الصلاة عليه وعلى أتباعه، كيف أنها غيرت أوضاعهم، وأدت بهم إلى التحرر من عبادة غير الله، وترك الغش في المكاييل والأوزان.

 نعم أيها الإخوة، لقد غيرت الصلاة نفسية أتباع شعيب، لأن الصلاة تهدف إلى صنع ضمير نقي في الإنسان، فتحرك فيه مشاعر التقوى والمراقبة، وتذكره على الدوام بيوم القيامة: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا [آل عمران:30].

وقد أثرت الصلاة في شعيب وأتباعه، وجعلتهم ينكرون على مجتمعهم أفعالهم، لأنهم كانوا يصلون الصلاة الحقيقية، كما أرادها الله عز وجل، والذي يجعلنا نحن يا عباد الله، لا ننكر على من حولنا، ما نراه من فساد سلوكهم، ما هو إلا لأن صلاتنا، نسأل الله السلامة والعافية، حركات، أكثر ما تكون خالية من الخشوع والطمأنينة، وكذلك صلاة غالب المسلمين اليوم، صلاة جوفاء، النقص والخلل فيها كثير، ولهذا تجدهم، لا ينتهون عن معاصيهم والله عز وجل يقول: إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]. فكم نحن في حاجة إلى هذه الصلاة، التي بها يتوجه الإنسان إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فيتحرر من كل المعبودات الباطلة، ومن كل فساد استشرى وصعب علاجه، كم نحن في حاجة إلى الصلاة التي تعصمنا من الخطايا، وتنهى عن الفحشاء، وتنقل الإنسان من هذا العالم المائج بالفتن والأوزار، إلى رحاب الله.

 ماذا كان جواب نبي الله شعيب عليه السلام، عندما قال له قومه: يٰشُعَيْبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا. فرد عليهم شعيب عليه السلام، قال الله تعالى: قَالَ يٰقَوْمِ أَرَءيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّى وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَـٰكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلَـٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود:88].

أيها المسلمون، نقف قليلاً عند قول شعيب، في قول الله عز وجل: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَـٰكُمْ عَنْهُ [هود:88]، يؤكد شعيب عليه السلام لقومه، في هذا القول أنه لا يفعل ما ينهاهم عنه، فهنا درس عظيم يا عباد الله للمصلحين والآباء، والدعاة والوعاظ، بأن يراعي كل منهم سلوكه أشد المراعاة، كل كلمة وتصرف يصدر منه، فالسلوك يؤثر أكثر من الكلمات، مهما صدر من المصلح من حكم ومواعظ بليغة، تستهوي العقول، لن يكون لها الأثر الفعال، في نفوس مستمعيها، إذا لم يكن قائلها هو أول العاملين بمضمونها، وأول المؤتمرين بأوامرها ونواهيها، ولهذا نجد أن الله عز وجل ذم قوماً أمروا الناس بالبر ولم يلزموا أنفسهم به فقال تعالى: أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ [البقرة:44]، وقال سبحانه: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ [الصف:2، 3]، فلننتبه لهذا الأمر يا عباد الله.

سواء كنت أباً في بيتك، أو مصلحاً وداعية في مجتمعك، بألاّ يصدر منك أفعالاً تخالف أقوالك، لأن الناس يتأثرون بالقدوة أكثر من غيرها، خصوصاً الآباء، إذا كنت تريد أيها الأب بأن لا يدخن ولدك، فلا تكن من متعاطي الدخان أمامه، وإذا كنت تريد أن لا يتعود الكذب، فتنبه ألا يصدر منك ذلك، ولو على طريق المزاح، وإذا كنت تريد من ولدك أن يكون محافظاً على وقته، مجداً في دروسه، فلا يرى أباه من الذين يسمرون ويلهون إلى آخر الليل، لأنه من الفطرة أن يقلد الولد والده، ويتخذه قدوة في كل شيء، فما بالكم لو كان هذا الأب من الذين لا يستحقون أن يقتدى بهم، فماذا نتمنى بعد ذلك من أولادنا، فهل لنا من عبرة وعظة من نبي الله شعيب عليه السلام في قول الله عز وجل: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَـٰكُمْ عَنْهُ [هود:88].

أيها المسلمون، فلنعد إلى القصة: هدد أكابر القوم شعيباً عليه السلام، بإخـراجه ومـن آمـن معه من القرية، أو أن يعودوا في ملة القوم، قال تعالى: قَالَ ٱلْمَلاَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يـٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَـٰرِهِينَ [الأعراف:88]. وعاد قومه يهددونه بالرجم، وأنهم لم يمنعهم مـن ذلـك، إلا مجاملة عشيرته قال سبحانه: قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَـٰكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ [هود:91]، عند ذلك، جاء الأمر الإلهي، بهلاك أهل مدين، جزاء عصيانهم، فنجى الله شعيباً والذين آمنوا معه رحمة منه سبحانه وتعالى. وأهلك الذين كفروا، فأخذتهم صاعقة شديدة، صاحبتها زلزلة قوية، جعلتهم منكبين على وجوههم صرعى، وانتهى أمرهم، وزالت آثارهم، قال تعالى: وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِى دِيَـٰرِهِمْ جَـٰثِمِينَ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ [هود:94، 95].

بعد ذلك خرج شعيب عليه السلام من القرية الهالكة، ونجاه الله عز وجل والذين آمنوا معه، بعد ذلك أرسله الله إلى قوم آخرين، وهم أصحاب الأيكة، جماعة من الناس، كانوا يعيشون في بقاع خصبة فيها شجر كثير، وماء متدفق، لكنهم كانوا على طريقة أهل مدين، من اقتراف المعاصي، فجاءهم شعيب عليه السلام، وقال لهم إني رسول الله إليكم من رب العالمين، وجئت لهدايتكم وإرشادكم، فاحذروا عقوبة الله، وأطيعوا أمره، وكان مما وعظهم به، أن يعطوا الكيل وافياً، ويزنوا بين الناس بالميزان الحق، ولا ينقصوا الناس شيئاً من حقوقهم، ولكن لم تؤثر هذه الموعظة في نفوس القوم، واستمروا في تكذيبهم لشعيب عليه السلام، فأرسل الله عليهم العذاب. سلط عليهم الحر الشديد، فضاقت به أنفاسهم، فخرجوا إلى البرية، لعلهم يستروحون هواءً، بدل الذي هم فيه، فأرسل الله عليهم سحابة أظلتهم، وهو الذي سماه الله في كتابه بيوم الظلة، فاستبشروا خيراً من هذه السحابة واجتمعوا تحتها، فأرسل الله عليهم من هذه السحابة، بشهب وصواعق حتى أهلكتهم، وكان يوماً شديد العذاب، شديد الهول.

قال تعالى: كَذَّبَ أَصْحَـٰبُ لْـئَيْكَةِ ٱلْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ أَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُخْسِرِينَ وَزِنُواْ بِٱلْقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلاْرْضِ مُفْسِدِينَ وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ وَٱلْجِبِلَّةَ ٱلاْوَّلِينَ  قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ وَمَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مّنَ ٱلسَّمَاء إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ قَالَ رَبّى أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ [الشعراء:176-191].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم .. أقول ما سمعتم.. وأستغفر الله..


الخطبة الثانية

أما بعد: عباد الله، لاحظنا من قصة شعيب عليه السلام، أنه من جملة ما كان يدعو به قومه، ومن الأمور الأساسية التي ركز عليها في دعوته، هو أمرهم أن يوفوا المكيال والميزان، لأن هذا الأمر، يتعلق بحقوق الناس في البيع والشراء، لكنهم لم يرتدعوا، ولم تنفع معهم دعوة نبي الله شعيب عليه السلام، فأهلكهم الله سبحانه وتعالى، وجعلهم عبرة لمن بعدهم.

أيها المسلمون، إن مسألة المكيال والميزان، والبيع والشراء، مسألة تستحق الوقوف عندها، لأنها قضية لا تتعلق بالبائع والمشتري وحدهم، بل إن آثارها لتعود على المجتمع كله، فإن أي مجتمع أيها الإخوة، لا يُوفّى فيه المكيال والميزان ولا يلتزم كل من البائع والمشتري، بأحكام الله عز وجل، فإن المجتمع كله مهدد بالخطر، وعقوبة الله عز وجل، كما سمعتم ما حصل لقوم شعيب، عندما لم يوفوا المكيال والميزان.

ودعونا أيها الإخوة، نلقي بعض الضوء، على أسواقنا هذا الزمان، وما يحصل فيها من المخالفات الشرعية الواضحة، والغش الصريح، من بعض الباعة، وبعض المشترين، لتدركوا خطورة هذا الأمر، فخذ على سبيل المثال، مندوب المشتروات الذي يأتي لأي محل، من المحلات التجارية، فيقوم صاحب المحل، بإعطائه فاتورة المبايعة، بسعر يختلف عن السعر الحقيقي الذي باعه، والفرق بين السعرين، غالباً ما يذهب إلى جيب مندوب المشتريات، أو أنهما يتقاسمانه، وقد سُئل أحد أصحاب المحلات التجارية في أسواقنا، لماذا يعمل هذا العمل، ألا يخاف الله عز وجل؟ فأجاب بقوله، إذا لم أغير في سعر الفاتورة فإن المندوب يذهب إلى المحلات الأخرى ويتركني .

مثال آخر: من عدم إيفاء الكيل والميزان في أسواقنا. الاتفاقية الضمنية التي تحصل بين موردي بعض البضاعات، وبين أصحاب المصانع إما من الداخل أو من الخارج، فعلى سبيل المثال، تجد علب المناديل الورقية التي كتب عليها مائة منديل مزدوج، إذا قمت بعدها، ففي غالب الأحيان لا تجدها مائة ورقة، تكون أقل من ذلك، وهذا قد يكون معلوماً بين المورد ومن قام بتعبئة تلك العلبة، فيشتريها المورد بسعر أقل، ويبيعها على المشتري المسكين، الذي لا يدرك أغلب هذه الحيل، بسعر المائة منديل مزدوج. أو أن يقوم مورد الأجهزة كالمسجلات ونحوها، باتفاق مع صاحب المصنع، أن يضع له داخل الجهاز، الذي كتب عليه بأنه صناعة أصلية، بعض القطع من صناعة تقليدية، تكون أقل جودة، وأقل في السعر بطبيعة الحال، فهذه توفر على المورد أموالاً ضخمة على مدار السنوات، ويبيعها على المشتري على أنها صناعة أصلية بسعرها المعروف، والذي يضيع بين الطرفين هو المشتري المسكين.

هذه بعض الأمور التي تحصل في أسواقنا يا عباد الله، ذكرتها لكم على سبيل المثال، والذي يحصل أدهى من هذا وأمرّ، والذي خفي أعظم مما ظهر، ومن كان له علاقة مباشرة بالأسواق وبالتعامل مع التجار، لاشك أنه تعرض له قضايا، أعظم من هذا.

أيها المسلمون، لا نقول إلا لهؤلاء أن يتقوا الله فينا، مخافة أن تنزل عقوبة الله عز وجل، كما نزلت بقوم شعيب، عندما غشوا في أسواقهم، وخانوا في تجاراتهم، ولابد أن نتعاون نحن أيضاً جميعاً أيها الإخوة، للقضاء على هذه الظاهرة، لأن المسألة لا تخص البائع وحده، بل كما ذكرت لكم بأن المجتمع كله مهدد بالخطر، فالتاجر الذي يُعرف عنه، أنه يمارس أحد أنواع تلك المعاملات أو غيرها، لابد أن ينصح أولاً، فإن لم يرتدع، فلابد أن يفضح، ولابد أن يقاطع، كي لا يتعامل الناس معه.

وإن هذه يا عباد الله أحد علامات الساعة، أن يفتقد الأمين الذي تتعامل معه، تفتش في أسواق المسلمين، فيمن تثق في دينه وأمانته لكي تتعامل معه، تكاد لا تجد، إلا من رحم ربي وقليل ما هم.

فنسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، ومن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمته أن نغتال من تحتنا.

اللهم اجعل اجتماعنا...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً