الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اقتدى واهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
عباد الله، أمرنا الله بأمر ابتدأه بنفسه، وثنى بملائكة قدسه، فقال الله تعالى، ولم يزل قائلاً عليماً: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد. وارض اللهم عن جميع الصحابة والقرابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: أيها المسلمون، يختتم قمة المؤتمر الإسلامي العاشرة في ماليزيا، هذه القمة التي جمعت ما يزيد عن خمسين دولة من دول العالم الإسلامي، والناظر إلى جدول أعمال هذه القمة يخيل إليه أن مقررات وتوصيات ستصدر عن هذه القمة تعالج بعضاً من مشاكل الأمة، وما أكثر مشاكل الأمة في هذه الحقبة التي ابتعدت فيها أمتكم عن سر قوتها وعزتها، وفقدت وحدتها، مع أنها تملك من أسباب القوة وعوامل الوحدة ما لا يتوفر لأمة غيرها، فدينها الإسلام، ودستورها القرآن، وقائدها ورسولها محمد عليه الصلاة والسلام.
إننا على يقين بأن قرارات هذه القمة وتوصياتها وبياناتها ستبقى حبراً على ورق ولن تجد سبيلاً للتنفيذ مادامت دول هذه القمة لم تتخذ من الإسلام منهاجاً لحياتها، ومن القرآن دستوراً لحكمها.
فقد غاب عن القمة خطاب أول خليفة للمسلمين حيث قال مخاطباً الأمة: (أيها الناس، إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، فالضعيف فيكم قوي حتى آخذ الحق له، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه، أطيعوني ما أطعت الله رسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم).
كما غابت عن القمة نخوة المعتصم وعزة الرشيد وعزيمة صلاح الدين، وحرص السلطان عبد الحميد على الأرض المقدسة ومقدساتها.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض ديار الإسراء والمعراج، هلا كانت هذه القمة بمستوى الأحداث الجسام التي تمر بها شعوب الأمة الإسلامية في العراق وفلسطين والصومال والشيشان والفلبين وغيرها من أقطار الديار.
إن ما يجري في هذه الديار المباركة يكفي لاستنهاض الأمة ومراجعة مواقفها وأحوالها، وإيقاظها من سباتها، لقد وصل الأمر ببعض الجهات الدولية أن وصفت ما جرى من اجتياح لمدينة رفح بأنه جريمة حرب، قتل فيها الأبرياء وشرد المواطنون من بيوتهم، وأصبحوا دون مأوى بعد هدمها، ولم يتوقف العدوان الإسرائيلي على أبناء شعبنا عند هذا الحد، فالحصار ومنع التجول والقتل والاغتيال وتقطيع أوصال المدن والقرى والأرياف ومنع المواطنين من الوصول إلى أعمالهم ومدارسهم ومزارعهم، والاستمرار في بناء المستوطنات وجدران الفصل العنصري، أصبح ذلك كله ممارسات يومية للاحتلال الإسرائيلي، زد على ذلك إجراءات الإبعاد بحق بعض مواطني الضفة الغربية إلى قطاع غزة، في إجراء تعسفي ضد حقوق الإنسان وحقه في الحياة بين أهله وذويه ومنعه من ممارسة أبسط حقوقه الإنسانية.
اللهم إليك نشكو ظلم الظالمين وعدوان المعتدين، فإنهم لا يعجزونك.
فمزيداً من الصبر والثبات والرباط يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200].
اعلموا ـ أيها المسلمون ـ أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، ولن يغلب عسر يسرين.
|