الحمد لله العلي الأعلى، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، نحمده سبحانه ونشكره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه والتابعين لهم على الهدى.
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله عز وجل، والزموا شكره وذكره، فقد حثكم سبحانه على ذلك، ووعدكم الأجر الأوفى والفضل العظيم، وقال سبحانه: فَٱذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ [البقرة:152].
وتذكروا ـ أيها المؤمنون ـ أن للذكر منزلة عظيمة، منها يتزود المؤمن، وفيها يستجم، وإليها يتردد، وهو قوت القلوب، وسلاح المؤمن الذي يقاتل به، وهو رأس مال السعادة، يجعل القلب الحزين ضاحكاً مسروراً، زين الله به ألسنة الذاكرين كما زين بالنور أبصار الناظرين، فاللسان الغافل كالعين العمياء والأذن الصماء واليد الشلّاء، وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده ما لم يغلقه العبد بيد غفلته، قال الإمام الحسن البصري رحمه الله: " تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة وفي الذكر وقراءة القرآن، فإن وجدتم، وإلا فاعلموا إن الباب مغلق".
عباد الله، ما طابت الدنيا إلا بذكره، ولا طابت الآخرة إلا بعفوه، ولا طابت الجنة إلا برؤيته، وقد ورد في بعض الآثار أنه ما من يوم إلا وينادي الله تبارك وتعالى: ((عبدي ما أنصفتني، أذكرك وتنساني، وأدعوك إلي، وتذهب إلى غيري، وأُذهب عنك البلايا، وأنت معتكف على الخطايا))[1]، هذا هو أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه قالت امرأته يوم قتل: (إن تقتلوه فإنه كان يحيي الليل كله في ركعة، يجمع فيها القرآن)، وفيه نزل قول الله تبارك وتعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء ٱلَّيْلِ سَـٰجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ ٱلاْخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو ٱلاْلْبَـٰبِ [الزمر:9].
عباد الله، أين أصحاب الأذكار؟ أين قوّام الأسحار؟ أين صوام النهار؟ خلت والله منهم الديار، ما أحسن من التجأ إلى الله، وما أطيب حال من انتمى إلى عباده الصالحين، وما أحسن حديث المحبين، وما أنفع بكاء المحزونين، وما أعذب مناجاة القائمين، ما أمرّ عيش المحرومين، وما أذل نفوس الخاسئين، وما أسوء حال الظالمين، وما أعظم حسرة الغافلين، وصدق الله تبارك وتعالى وهو يقول: فَوَيْلٌ لّلْقَـٰسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مّن ذِكْرِ ٱللَّهِ أُوْلَـئِكَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ [الزمر:22]، فاتقوا الله أيها المؤمنون والمؤمنات، وأكثروا من ذكره، فقد وعدكم الله المغفرة والأجر العظيم، فقال سبحانه: وَٱلذٰكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذٰكِرٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35].
أيها المؤمنون، إن تصاعد التوتر، واستمرار دوامة العنف في منطقة الشرق الأوسط مرجعه ضعف الأمة قادة وشعوباً أمام غطرسة أعداء الله وعلى رأسهم أمريكا الحاقدة، التي ما برحت تمد أعداء الأمة بكل مقومات القوة عسكرياً ومالياً وسياسياً، لتظل عصاها المشرعة في وجه الأنظمة العربية، فالغارة التي شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية على الأراضي السورية تعتبر خرقاً فاضحاً لسيادة دولة، هي عضو فيما يسمى: الأمم المتحدة أو الجامعة العربية أو المؤتمر الإسلامي، فماذا فعل العالم أمام هذا العدوان؟
أمريكا وعلى لسان رئيسها أيدت العدوان علناً، واعتبره دفاعاً عن النفس، ودعت سوريا للكف عن إيواء الجماعات المسلحة على حد زعمها، فالرسالة الأمريكية كانت جائزة للغطرسة الإسرائيلية التي طالبت بدورها سوريا التخلي عن إيواء الفلسطينيين، متناسية أن احتلال فلسطين في سنة ثمان وأربعين هو السبب المباشر والعامل الجوهري في نزوحهم إلى سوريا.
أيها المسلمون، هل آن الأوان لضرب سوريا وعلى غرار ما حدث في العراق تحت ذرائع واهية، أهمها دعم سوريا للإرهاب على حد زعمه، إن توقيت العدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية عشية ما يسمى عيد الغفران اليهودي رسالة إلى سوريا بأن إسرائيل لن تقبل بالهزيمة مرة ثانية، على غرار الهزيمة التي منيت بها في حرب رمضان عام ثلاث وسبعين، والتي لا تزال تتجرع مرارتها، أم أن هذا العدوان هو مقدمة لهجوم أكثر اتساعاً وشمولاً، ولن تكون سوريا وحدها المستهدفة، وإنما لبنان أيضاً، ولن تكون إسرائيل وحدها هي المهاجمة المعتدية.
وهذا التطور الخطير هو الأمر الذي طالما حذرنا منه في السابق، هو أن اللا مبالاة والفرقة التشرذم الذي يشهده عالمنا العربي في هذه الأيام يعطي دول الكفر والاستعمار الجديد فرصة للسيطرة والتحكم في الشعوب والدول الإسلامية.
عباد الله، هل آن الأوان وبدأ العد التنازلي لضرب الوحدة الفلسطينية على الثرى الفلسطيني؟ هل آن الأوان لتحقيق أهداف إسرائيل من خلال ضغطها المستمر على السلطة الفلسطينية، لإحداث شرخ داخل البيت الفلسطيني الواحد؟ وهو الأمر الذي حذرنا منه أيضاً ومن على هذا المنبر الشريف في مرات سابقة، إن الدم الفلسطيني لا يمكن أن يراق لإرضاء أعداء الإسلام.
اعلموا ـ أيها المؤمنون ـ أن الأمة الإسلامية عندما تؤمن بالله إيماناً راسخاً، وتعمل على تطبيق منهج الله دستوراً ونظام حياة، وتلتزم بتعاليم الإسلام وفق الركائز والأسس التي حددها نبينا صلى الله عليه وسلم، فهي أمة لا ولن تهزم أبداً، أمة سيكتب لها النصر بإذن الله تبارك وتعالى وصدق الله عز وجل وهو يقول: كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى [المجادلة:21]، فالأمة القوية هي الأمة التي تصنع التاريخ لنفسها وبنفسها، وتبني مجدها بتضحيات أبنائها، أما الأمة الضعيفة فهي التي يحدد لها أعداؤها مسيرة حياتها ومستقبل وجودها، إن القيادات المؤمنة هي التي تربي الأجيال والشعوب على الكبرياء والعزة والوحدة والكرامة، وليست الشعوب التي تصنع القيادات، فها هي الشعوب العربية والإسلامية التي يفوق عددها أكثر من مليار مسلم، ماذا بيدها أن تصنع أمام الاعتداءات المتواصلة والمتعددة على الإسلام والمسلمين؟ فهذه الشعوب لا تملك حرية الكلمة أو حرية المبادرة لصنع القرار أو فرض إرادة التحدي والدفاع عن حقوقها المسلوبة أو كرامتها المهدورة، فها هي الدول العربية تمنت من أمريكا عدم استخدام حق النقض ضد قرار إدانة العدوان الإسرائيلي على سوريا، منتهى الصغار ومنتهى الضعف وهي صاحبة الحق، وهي المعتدى عليها، موقف استجداء العطف، في حين تبجحت إسرائيل وواصلت تهديداتها لسوريا ولبنان، فكيف يكون الانتصار؟ وكيف يمكن وقف العدوان؟
أما موقف الدول العربية مما يجري على الساحة الفلسطينية فليس أكثر غرابة، فبعضهم لم يعد يتكلم، وبعضهم لم يعد يشجب، وبعضهم لم يعد يستنكر، لقد بين لنا ديننا الحنيف أسس الحياة الحرة الكريمة، وأوضح لنا أن الدولة الإسلامية هي الاستراتيجية الحقيقة والقوة الفعلية والبعد المستقبلي والرؤية السليمة الحل الأمثل لكل قضايانا المصيرية، فلا عزة لنا بدون الإسلام، ولا كرامة لنا بدون الدولة والإسلامية، فالتاريخ لن يرحم المتخاذلين ولا المتساقطين، ألم يأن لأمتنا في مشارق الأرض ومغاربها أن تعود إلى رشدها وتنهض من كبوتها وتتمسك بدينها وتعمل على إقامة دولتها، دولة الخلافة، دولة الحق والعدل والانتصار.
عباد الله، إن أعداء الإسلام عندما يحاولون ضرب الإسلام يضربون المساجد، لا نقول يضربونها بالمدفعية الثقيلة، إنما يضربون المساجد لتخويف الناس من دخولها.
أنتم تعرفون أيضاً أن سلطات الاحتلال دأبت على منع المصلين من دخول المسجد الأقصى، أعداد كبيرة من شبابنا يمنعون من دخول المسجد وبأمر من سلطات الاحتلال، أعداد كبيرة منعوا من أداء الصلاة في المسجد الأقصى المبارك ولفترة طويلة من الزمن، لماذا كل هذا التشديد على المسجد الأقصى وأهل المسجد الأقصى؟
ومن هنا نتوجه للمسلمين في كل مكان أن يعمروا المسجد الأقصى المبارك، وأن يكونوا موجودين فيه، فالأجر فيه مضاعف، والصلاة فيه مضاعفة الأجر والثواب، والبركة فيه في كل مكان، وخاصة أننا مقبلون على شهر رمضان المبارك، إننا وباسم المسلمين نستنكر هذه الممارسات الظالمة، فأين ما تتشدقون به من حرية العبادة؟
ثمة ملاحظة ثانية، مستشفى المقاصد الخيرية يهيب بالمسلمين ليتبرعوا بالدم، فالنقص لديهم كبير، لعدم تمكن سكان الضفة الغربية من الوصول إلى المستشفى، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
اللهم إنا نسألك ونحن واقفون بين يديك وأنت في عليائك وكبريائك أن تنصر الإسلام وتعز المسلمين.
[1] عزاه المناوي في فيض القدير (4/494)، للطبراني في الكبير عن معاذ بن أنس بن مالك، قال: وقال الهيثمي: إسناده حسن. ا.هـ، قلت: لم أجده في المعجم ولا المجمع.
|