.

اليوم م الموافق ‏09/‏رمضان/‏1445هـ

 
 

 

الدين النصيحة

3276

الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد

أحاديث مشروحة, الآداب والحقوق العامة

علي بن عبد الرحمن الحذيفي

المدينة المنورة

22/7/1424

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضل كلام الله وكلام رسوله . 2- من جوامع كلمه . 3- منزلة النصيحة في الإسلام. 4- تعريف النصيحة. 5- النصح من صفات الأنبياء والمؤمنين. 6- معنى النصيحة لله تعالى. 7- معنى النصيحة لكتاب الله تعالى. 8- معنى النصيحة لرسول الله . 9- معنى النصيحة لأئمة المسلمين. 10- معنى النصيحة لعامة المسلمين. 11- تذكير باليوم الآخر.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فاتّقوا اللهَ واخشَوه، ومَن يَخْش اللّهَ وَيَتَّقه فأولئك همُ الْفائِزون.

أيّها المسلمون، إنَّ خيرَ ما وُعِظت بهِ القلوبُ وهُذِّبت به النّفوس آياتٌ مِن كتاب الله تعالى أو أحاديثُ من كلام رسول الله ، قال الله تعالى: هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلأُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَلٍ مُّبِينٍ [الجمعة:2].

فألقوا الأسماعَ، وافتَحوا القلوب، وتفكّروا بالعقول في كلماتٍ معدوداتٍ لسيّد البشَر محمّد ، جمَعت الدّينَ الإسلاميّ كلَّه، واستوعَبت مصالحَ الدّين والدّنيا، فما مِن خيرٍ إلاّ تضمّنته هذه الكلماتُ، ولا شرٍّ إلا حذّرت مِنه؛ لأنّ نبيَّنا أُوتيَ جوامعَ الكلِم واختُصِر له الكلامُ اختصارًا، فألفاظُه القليلةُ جمعت المعانيَ النّافعة العظيمةَ الكثيرة، وقد تكون الكلمة الواحدةُ متضمِّنةً الإسلامَ بتعاليمِه كلِّها، كقولِه : ((الإحسانُ أن تعبدَ اللهَ كأنّك تراه)) رواه مسلم من حديث عمر رضي الله عنه[1]، وقوله : ((البرّ ما اطمَأنّت إليه النّفسُ واطمأنّ إليه القَلب، والإثمُ ما حاكَ في النّفس وتردّد في الصّدر وكرِهتَ أن يطّلعَ عليه النّاس وإن أفتاك النّاس)) رواه أحمد وروى مسلم بعضه[2].

ومِن جوامِع كلِمِه النّافِعة المبارَكة قولُه : ((الدّين النّصيحة، الدّين النّصيحة، الدّين النّصيحة))، قلنا: لمن يا رَسول الله؟ قال: ((لله ولكتابِه ولرسولِه ولأئمّةِ المسلمين وعامَّتِهم)) رواه مسلم من حديث تميم الداريّ رضي الله عنه[3].

وهذا الكلامُ فيه حصرٌ وقَصر، بمعنى أنّ الدّين محصور ومقصورٌ في النّصيحة، فمنِ اتّصف بالنّصيحة فقد أحرَز الدينَ كلَّه، ومن حُرِم النصيحةَ فقد فاتَه من الدّين بقدر ما حُرم من النصيحة.

وتفسيرُ النّصيحة هي القيامُ بحقوق المنصوح له مَع المحبّة الصادقةِ للمنصوح له، والحقوقُ تكونُ بالأقوال والأعمال وإراداتِ القلب، قال الأصمعي: "النّاصحُ الخالِص من الغِلّ، وكلّ شيء خلُص فقد نصح"[4]، وقال الخطابيّ: "وأصلُ النّصح في اللّغة الخلوص، يقال: نصحتُ العسلَ إذا خلّصته من الشّمع"[5].

والنّصحُ مِن صفاتِ الأنبيَاء والمرسَلين والمؤمنِين، والغشُّ والخِداع والمَكر وفسادُ النوايا من صفات الكفّار والمنافقين، قال الله تعالى عن نوحٍ عليه الصلاة والسلام: أُبَلّغُكُمْ رِسَـٰلـٰتِ رَبّى وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:62]، وهو أنّه أرادَ بأمّته الخيرَ ونصح لهم، وقال تعالى عن هودٍ عليه الصلاة والسلام: أُبَلّغُكُمْ رِسَـٰلـٰتِ رَبّى وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف:68]، وقال عن صالح عليه السلام: لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّـٰصِحِينَ [الأعراف:79]، وقال عن شعيب عليه السلام: يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَـٰفِرِينَ [الأعراف:93]، وقال تعالى: لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَاء وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:91]، وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بايعتُ النبيَّ على إقامِ الصّلاة وإيتاءِ الزّكاة والنّصحِ لكلِّ مسلم. رواه البخاريّ ومسلم[6]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ قال: ((حقُّ المسلم على المسلم ستّ: إذا لقيتَه فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجِبه، وإذا استنصَحَك فانصَح له، وإذا عَطس فحمِدَ الله فشمِّته، وإذا مرِض فعُده، وإذا ماتَ فاتبَعه)) رواه مسلم[7]. وعن جبير بن مطعم أنّ النبيّ قال: ((ثلاثٌ لا يَغلّ عليهن قلبُ امرئ مسلم: إخلاصُ العملِ لله، ومناصحةُ ولاةِ الأمر، ولزوم جماعة المسلمين)) رواه أحمد وابن حبان[8]. ومعنى الحديث أنّ هذِه الخلالَ الثلاث تصلِح القلوبَ وتطهّرها مِن الخيانة والغِلّ والخبائث.

وصُلحاءُ هذِه الأمّة هم المتّصِفون بالنّصيحة لله ولكتابِه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم، قال أبو بكر المزنيّ رضي الله عنه: "ما فاقَ أبو بكر رضي الله عنه أصحابَ رسول الله بصومٍ ولا بصلاةٍ، ولكن بشيءٍ كان في قلبِه"، قال: "الذي كانَ في قلبِه الحبّ لله عزّ وجلّ والنصيحةُ في خلقه"[9]، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: "ما أدرَك عندنا مَن أدرَك بكثرةِ الصّلاة والصّيام، وإنّما أدرَك عندَنا بسخاوةِ الأنفُس وسلامةِ الصّدور والنّصح للأمّة"[10]، وسئل ابنُ المبارك رحمه الله: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: "النّصح لله"[11]، وقال معمَر: كانَ يقال: "أنصحُ النّاس لك من خافَ الله فيك"[12]، وقال بعضُ السلف: "من وعَظ أخاه فيما بينَه وبينَه فهي نصيحة، ومن وعَظه على رؤوسِ النّاس فإنّما وبّخه"[13].

ومعنى النّصيحةِ لله تعالى هِي عبادتُه وحدَه لا شريكَ له بإخلاصٍ ومتابعةٍ للهدي النبويّ مع كمالِ الذلّ والخضوع والمحبّة لله عزّ وجلّ، وعدمُ الإشراك به في الدّعاء أو الذّبح أو النّذر أو الاستعانَة أو الاستعاذَة أو الاستغاثَة أو التّوكّل أو الرّجاء أو الرّغبَة أو الرّهبَة أو أيّ نوعٍ من أنواع العبادة لقوله تعالى: وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا [النساء:36]، وقال تعالى: وَأَنَّ ٱلْمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال عز وجل: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِى ءادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَـٰنَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ ٱعْبُدُونِى هَـٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ [يس:60-61].

والنّصيحةُ للهِ تعالى أيضًا هِي الإيمانُ بصفاتِه جلّ وعلا التي وصَف بها نفسَه أو وصفَه بها رسولُه ، وإثباتُها كلِّها لله تعالى إثباتًا بلا تمثيل، وتنزيهُه عزّ وجلّ عمّا لا يليقُ به تنزيهًا بلا تعطيل للصّفات، واعتقادُ توحُّده وتفرُّده سبحانَه بالخَلق والتّدبير وتصريفِ الكونِ في الدّنيا والآخرة، لقوله تعالى: أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ [الأعراف:54]، والتقرّبُ إليه بكلِّ فريضةٍ ونافلة، ومجانبةُ محرَّماتِه، فمَن قام بهذه الحقوقِ لربّه فقد نصح لخالقه، وفي مراسيل الحسن البصريّ عن النبيّ قال: ((أرأيتُم لو كانَ لأحدِكم عبدان فكان أحدُهما يطيعُه إذا أمرَه، ويؤدّي إليه إذا ائتمَنَه، وينصَح له إذا غابَ عنه، وكانَ الآخر يعصيه إذا أمَرَه، ويخونُه إذا ائتمَنَه، ويغشّه إذا غابَ عنه، أيكونان سواء؟)) قالوا: لا، قال: ((فكذلكم أنتم عندَ الله عزّ وجلّ)) خرّجه ابن أبي الدنيا[14]، وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النّبيّ قال: ((قال الله تعالى: أحبُّ ما تعبَّدني به عَبدي النّصحُ لي)) رواه أحمد[15].

ومِن النّصح لله تعالى أيضًا محبّة ما يحبّ الله تعالى من الأقوال والأفعال، وبغضُ ما يبغضه الله تعالى.

قال بعضُ أهلِ العلم: "جماعُ تفسير النّصيحة هو عنايَة القلبِ للمنصوح له مَن كان، وهي على وجهين: أحدُهما فرضٌ، والآخر نافلة. فالنّصيحة المفترَضة لله تعالى هي شدَّة العنايةِ من النّاصح باتّباع محبّةِ الله في أداءِ ما افترَض ومجانبةِ ما حرّم. وأمّا النّصيحة التي هي نافلة فهي إيثار محبَّتِه على محبّة نفسِه، وذلك أن يَعرِضَ أمران: أحدُهما لنفسِه والآخر لربّه، فيبدأ بما كان لربِّه ويؤخِّر ما كانَ لنفسِه"[16].

وأمّا معنَى النّصيحةِ لكتاب الله تعالى فشدّةُ حُبِّه وتعظيمُه وشدّة الرّغبة في فهمِه والعناية بتدبُّره والاهتمام بحفظِه بقدرِ الاستطاعة وبقدر ما يوفِّق الله تعالى ويعين ومداومة تلاوته والتخلُّق بآدابه وأوامره والبعدُ عن نواهيه والتّحاكمُ إليه ودعوة النّاس إلى العنايةِ به تعلُّمًا وتعليمًا وعملاً، قال الله تعالى: إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا [الإسراء:9].

وأمّا النّصيحة لرسولِ الله فطاعةُ أمره واجتناب نهيِِه وتصديقُ أخباره وعبادةُ الله بشرعِه ونُصرة سنّته، والعناية بهديه تعلُّما وتعليمًا، وبُغضُ من يكرَه سنّتَه، والاقتداء به ظاهرًا وباطنًا، ومحبتُه أكثر من النّفس والمال والأهلِ والولد، قال : ((لا يؤمنُ أحدُكم حتّى أكونَ أحبَّ إليه من نفسِه وأهلِه وماله وولدِه والناس أجمعين))[17]، والردُّ من العلماء على الأهواءِ المضلّة بالكتابِ والسنّة والذبُّ عن سنّته .

ومعنى النّصيحةِ لأئمّة المسلمين الدعاءُ لهم بالصّلاحِ وحبُّ صلاحِهم وحبُّ عدلِهم ورشدِهم وحبُّ اجتماعِ الكلمة عليهم ومحبةُ نشرِ حسناتهم وبُغضُ ذكرِ مثالبِهم وطاعتُهم في طاعةِ الله ومحبةُ إعزازِهم وعدمُ الخروجِ عليهم بقولٍ أو فعل وبُغضُ مَن يَرى الخروجَ عليهم ومناصحتُهم فيما يعودُ على الأمّة بالخير في دينِهم ودنياهم بالرّفق والحكمةِ والإخلاصِ لله تعالى وعدمُ الدّعاء عليهم والقيامُ بما يُسندون إلى الأمّة من الأعمالِ على الوَجه الذي يُرضي الله ويخدمُ مصلحةَ المسلمين.

وأمّا معنى النّصيحة لعامّة المسلمين فأن يحبَّ لهم ما يحبُّ لنفسِه ويكرَهَ لهم ما يكرهُ لنفسه ويرحمَ الصغير منهم ويوقّرَ الكبيرَ وأن يعاونهم على الحقّ ويعلّمهم ما ينفعهم ويذكِّرهم وينشرَ الأمرَ بالمعروف بينهم والنهيَ عن المنكر بقدر ما تتحقّق به مصلحةُ المجتمع في حدود الشرع الحَنيف قال : ((لا يؤمن أحدُكم حتّى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه))[18]، ويدفعَ عنهم الأذَى والمكروهَ ويدفعَ عن العامّة فسادَ المفسدين وشرورَ المارقين المجرمين، كالخوارج والبغاة وقطّاع الطّرق ومروِّجي المخدِّرات والمعتدين على حدود الله، لحماية دين النّاس ودنياهم، قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْء وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ [الأنفال:24، 25].

بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعنا وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهديِ سيّدِ المرسلين وبقولِه القويم، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرّحيم.


 



[1] صحيح مسلم: كتاب الإيمان (8).

[2] أخرجه أحمد (4/227، 228)، وأبو يعلى (1586، 1587)، والطبراني في الكبير (22/147، 148) من حديث وابصة بن معبد رضي الله عنه بنحوه، وحسن إسناده المنذري في الترغيب (2/351)، وقال الألباني في صحيح الترغيب (1734): "حسن لغيره". ويشهد له حديث مسلم في البر (2553) عن النواس بن سمعان رضي الله عنه بنحوه.

[3] صحيح مسلم: كتاب الإيمان (55).

[4] انظر: تفسير القرطبي (7/234).

[5] انظر: جامع العلوم والحكم (ص79).

[6] أخرجه البخاري في الإيمان (57)، ومسلم في الإيمان (56).

[7] صحيح مسلم: كتاب السلام (2162).

[8] أخرجه أحمد (4/80، 82)، وابن ماجه في المناسك (3056)، والبزار (3417)، وأبو يعلى (7413)، والطبراني في الكبير (2/126، 127)، وصححه الحاكم (294، 295، 296)، وقال الهيثمي في المجمع (1/139): "في إسناده ابن إسحق عن الزهري وهو مدلس، وله طريق عن صالح بن كيسان عن الزهري ورجالها موثقون"، وهو في صحيح سنن ابن ماجه (2480). وصححه ابن حبان (67، 680) من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال الحاكم: "وفي الباب عن جماعة من الصحابة منهم: عمر وعثمان وعلي وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وأنس رضي الله عنهم وغيرهم عدة"، ومنهم: أبو سعيد الخدري وأبو الدرداء والنعمان بن بشير وأبوه بشير وأبو قرصافة وجابر رضي الله عنهم، انظر: مجمع الزوائد (1/137-140). وقد ذكر السيوطي هذا الحديث في الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة.

[9] انظر: جامع العلوم والحكم (ص81).

[10] أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/103)، والبيهقي في الشعب (7/439).

[11] انظر: جامع العلوم والحكم (ص81).

[12] انظر: جامع العلوم والحكم (ص81-82).

[13] انظر: جامع العلوم والحكم (ص82).

[14] عزاه ابن رجب في جامع العلوم والحكم (ص78) لابن أبي الدنيا.

[15] مسند أحمد (5/254)، وأخرجه أيضا الروياني (1193)، والطبراني في الكبير (8/206)، وأبو نعيم في الحلية (8/175)، والبيهقي في الزهد الكبير (702)، وأشار المنذري في الترغيب (2/362) إلى ضعفه، وقال الهيثمي في المجمع (1/87): "فيه عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد وكلاهما ضعيف"، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (4032).

[16] انظر: تعظيم قدر الصلاة للمروزي (2/691).

[17] أخرجه البخاري في الإيمان (15)، ومسلم في الإيمان (44) من حديث أنس رضي الله عنه بلفظ: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده والناس أجمعين)).

[18] أخرجه البخاري في الإيمان (13)، ومسلم في الإيمان (45) من حديث أنس رضي الله عنه.

الخطبة الثانية

الحمد لله ربّ العالمين، القويّ المَتين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له الملك الحقّ المبين، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيِّدنا محمّدًا عبدُه ورسوله الصادِق الوعد الأمين، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولك محمّد، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.

أمّا بعد: فاتّقوا الله أيّها المسلمون، واخشَوا يَومًا تُرجعُون فيهِ إِلى اللَّه ثمَّ توَفَّى كلُّ نفسٍ ما كسَبت وهم لا يُظلمون.

وتمسَّكوا بوصيّة سيٍِّد البشر لمعاذ رضي الله عنه لمّا قال له: ((اتَّقِ اللهَ حيثما كنتَ، وأتبِع السيئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالقِ النّاسَ بخلقٍ حسن))[1].

فإنّ لكلّ حسنةٍ ثوابًا، ولكلّ سيّئةٍ عقابًا، فربّكم قائمٌ على كلّ نفسٍ بما كسبت، يُحصي على الخلقِ أعمالَهم، ثمّ يدينُهم عليها، ويقول في الحديثِ القدسيّ: ((يا عبادِي، إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوَفِّيكم إيّاها، فمَن وجدَ خيرًا فليحمدِ الله، ومن وجَد غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه))[2].

وكلّ إنسانٍ يلقى كتابَه، الذي عمله في الدّنيا كتبَه الله عليه في الدّنيا ويلقاه يومَ القيامَة، فآخذٌ كتابَه بيمينِه، وآخذٌ كتابَه بشمالِه، قال عزّ وجلّ: وَكُلَّ إِنْسَـٰنٍ أَلْزَمْنَـٰهُ طَـئِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ كِتَابًا يَلْقَـٰهُ مَنْشُورًا ٱقْرَأْ كَتَـٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:13، 14]، فأعِدُّوا لهذا اليَوم، وقدِّموا لأنفسِكم أفضلَ ما تقدِرون عليه من العمَل فإنّ هذه الدار دار عمل، الآخرة دار جزاء وليس فيها عمل، قدِّموا لأنفسكم، واعلموا بأنكم ستعرضون على الله عزّ وجلّ، باديةً صفحاتُكم لا تخفى عليه أعمالكم.

عبادَ الله، إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

فصلّوا وسلِّموا على سيّد الأوّلين والآخرين وإمام المرسلين.

اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم، إنّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما بارَكت على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيم، إنّك حميد مجيدٌ، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

اللهمَّ وارضَ عن الصحابة أجمعين...



[1] أخرجه الترمذي في كتاب البر والصلة (1987)، والدارمي في الرقاق (2791) من حديث أبي ذر رضي الله عنه وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، ثم أخرجه عن محمود بن غيلان عن وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن معاذ به، وقال: "قال محمود: والصحيح حديث أبي ذر". وهذا الاختلاف من سفيان الثوري، فقد أخرجه أحمد في المسند (5/153) عن وكيع عن سفيان، وقال في آخره: "قال وكيع: وقال سفيان مرة: عن معاذ، فوجدت في كتابي عن أبي ذر، وهو السماع الأول". وروي من وجه آخر مرسلاً، ورجحه الدارقطني كما في جامع العلوم والحكم (1/395). ثم قال ابن رجب: "وقد حسن الترمذي هذا الحديث، وما وقع في بعض النسخ من تصحيحه فبعيد، ولكن الحاكم خرجه وقال: صحيح على شرط الشيخين، وهو وهم من وجهين" ثم ذكرهما رحمه الله. فالحديث حسن، وقد حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2655، 3160).

[2] جزء من حديث أبي ذر القدسي الطويل في تحريم الظلم، أخرجه مسلم في البر (2577).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً