الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علماً، وجعل لكل أمة منسكاً وأجلاً مسمى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، فتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وأصحابه الذين آتيتهم من لدنك علماً.
أما بعد: اعلموا يا عباد الله أننا الآن في حالة هي من أمس الأوقات إلى أن نصطلح مع الله، أن نعود إلى الله تبارك وتعالى، إلى صاحب القوة والعظمة، فأحوالنا لا ترضي الله، انتشر الفساد في مجتمعنا، صار المال بين الناس يسلب سلباً وينهب نهباً، منعنا الزكاة، ونظرنا إليها على أنها خسارة، أكلنا الأمانات، وساءت المعاملات بين الولد ووالديه وبخاصة عقب زواجه، ماذا حدث في هذه الأيام! يطيع الرجل زوجته، ويعق والديه، يكرم الرجل مخافة شره، ترف وإسراف وتبذير، شرب للخمر ولعب للقمار وسماع لآلات الطرب والمعازف والموسيقى، رشاوى تفتك بالمجتمع، نساء كاسيات عاريات.
كم حذرنا من فساد الشباب والبنات، في المدارس شباب لا يعرفون الله، علماء لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، كيف سيكتب لنا النصر وأحوالنا كما ترون، أحوالنا يرثى لها، وبنفس الوقت نريد النصر، فإذا أردتم النصر يا عباد الله فعودوا إلى الله، عودوا إلى كتابه، وطبقوا أحكامه، فقد تكفل الله عز وجل بنصركم فقال سبحانه: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ [الروم:47]، يقول الله عز وجل في محكم التنـزيل: فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت:40].
انظروا أيها المؤمنون لهذا النص الكريم، هذا المثل الإلهي في سورة العنكبوت، وهل هناك أضعف من خيوط العنكبوت؟ لماذا لم تذكر هذه الآية في سورة أخرى من سور القرآن؟ لماذا لم تذكر في سورة الأنفال أو سورة القتال مثلاً؟ إن الله ذكر هذه المصارع في سورة العنكبوت بالذات ليعلن للبشرية جميعاً أن الذي يعتمد على الله لا تهمه أي قوة مهما بلغ حجمها، لأن الله يملك قوة لا تضارعها قوة، أما الذي يتوكل على غير الله فقد اعتمد على خيوط العنكبوت مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [العنكبوت:41]، كل من يعتمد على غير الله فمثله كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً.
ولذلك فإن نبي الله موسى عليه السلام قال لله: يا رب ماذا تقول للعبد إذا قال: يا رب، وهو راكع؟ قال له مولانا تبارك وتعالى: أقول له: لبيك يا عبدي، قال موسى: فإذا قال العبد: يا رب وهو ساجد؟ قال الله: أقول له: لبيك يا عبدي، قال له موسى: فإذا قال: يا رب وهو عاصٍ؟ قال الله عز وجل: لبيك لبيك لبيك يا عبدي، يا موسى ما أحبني من أحب المال، وما أحبني من أحب الدنيا، يا موسى ما خافني من خاف الخلق، وما توكل علي من خاف فوات الرزق، وعزتي وجلالي ما توكل علي عبد إلا كفيته، وبيدي مفاتح الملك والملكوت، وما اعتمد علي عبد إلا أدخلته الجنة وكفيته كل مهمة، ومن اعتصم بغيري أُسخط الأرض من تحته وقطعته الأسباب من فوقه، ولا أبالي كيف أهلكته.
يا موسى خمس كلمات ختمت لك بهن التوراة، إن عملت بهن نفعك العلم كله: الأولى: كن واثقاً من رزق مضمون لك ما دامت خزائني مملوءة، وخزائني مملوءة لا تنفد أبداً.
الثانية: لا تخف ذا سلطان ما دام سلطاني باقياً، وسلطاني دائم لا يزول أبداً.
الثالثة: لا ترى عيب غيرك ما دام فيك عيب، والمرء لا يخلو من عيب أبداً.
الرابعة: لا تدع محاربة الشيطان ما دامت روحك في بدنك، فإنه لا يدع محاربتك أبداً.
الخامسة: لا تأمن من مكري حتى ترى نفسك في الجنة، وفي الجنة أصاب آدم ما أصاب فلا تأمن مكري أبداً.
اسمعوا ماذا قال موسى عليه السلام لبني إسرائيل قال لهم: يا بني إسرائيل سيأتي عليكم زمان تقاتلون قوماً وتنصرون عليهم، واعلموا أنكم لا تنصرون لأنكم صلحاء، بل أنتم يومئذ مفسدون، ولكنكم تنصرون عليهم لأنهم سيكونون أشد منكم فساداً، إن الله تعالى جعل الأتقياء فإذا لم يكن هناك أتقياء فإن نصر الله يكون للأقوياء[1].
ونحن اليوم وللأسف الشديد لا تقوى ولا قوة، ولذلك ضاعت الأرض بما فيها المسجد الأقصى المبارك، وضيعنا كل شيء لأننا نحارب الله، كفوا عن حرب الله فإن الله قادر عليكم أَءمِنتُمْ مَّن فِى ٱلسَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ أَمْ أَمِنتُمْ مّن فِى ٱلسَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَـٰصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ [الملك:16-18].
كفوا عن معصية الله يا أيتها الآذان التي تكره سماع الحق، ويا أيتها القلوب الحاقدة على الإسلام والمسلمين اعلموا أن الله شديد العقاب، تذكروا أن الله أهلك من هو أشد منكم قوة وأكثر جمعاً، كفاكم غطرسة واستكباراً في الأرض، تذكروا أن الله قد أهلك أبرهة الأشرم وجنوده، أهلكهم بسرب من سلاح إلهي، لم يكن هذا السرب من طراز الطيران الروسي ولا الأمريكي ولا الفرنسي إنما كان من صنع الله الذي يقول للشيء كُنْ فَيَكُونُ [البقرة:117]، ماذا كان يحمل ذلك السلاح يومها، لم يكن يحمل القنابل الذرية ولا النووية ولا الهيدروجينية ولا الأسلحة البيئية ولا الأسلحة الكيماوية، إنما كان يحمل قنابل صنعت في نار جهنم، جرت إلى أرض المعركة. من الذي كان يقودها يومئذ؟ من هم الطيارون الذين قادوا هذه الأسراب؟ وفي أي الكليات تخرجوا؟ سبحان الله كيف يصفى الحساب مع كل جبار عنيد.
سبحانك يا الله، يوم قال فرعون يوم قال للناس: أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ [النازعات:24]، ويوم قال: أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَـٰرُ تَجْرِى مِن تَحْتِى [الزخرف:51]، فماذا أرسلت له عندما قال ذلك؟ كيف جعلت الأنهار تجري من فوقه! لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
أيها المؤمنون، أما آن للقلوب أن تخشع، أما آن للآذان أن تسمع، أما آن للعيون أن تدمع، أما آن للأجساد أن تسجد لله وتركع.
|