أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله، واعلموا أن أعظم نعمة أنعم الله بها على أهل الأرض بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، بعثه على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل وافترض على أهل الأرض طاعته، فكان صلى الله عليه وسلم دعوة أبيه إبراهيم حين قال: رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَـٰتِكَ وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ [البقرة:129]. وكان بشرى أخيه عيسى عليه السلام حين قال يٰبَنِى إِسْرٰءيلَ إِنّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى ٱسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6] فكان إجابة لدعوة الخليل ومصداقاً لبشارة عيسى عليه السلام فقد جعله الله نوراً وسراجاً منيراً أنار الله به الأرض بعد ظلمتها وهدى الله به البشرية بعد حيرتها.. فكان النعمة العظمى والمنحة الكبرى التي تفضل الله بها على أهل الأرض.
لقد ولد صلى الله عليه وسلم بمكة المشرفة عام الفيل في شهر ربيع الأول، وبعثه الله برسالته على رأس الأربعين من عمره، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أنزل الله عليه قوله تعالى: ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3].
عباد الله، إن واجبنا تجاه هذه النعمة أن نشكر الله عليها، والشكر له أركان ثلاثة لا يتم إلا بها، وهي الاعتراف بها باطناً والتحدث بها ظاهراً والاستعانة بها على طاعة الله.
إن واجبنا تجاه هذه النعمة أن نشكر الله عز وجل ليس باللسان فقط، بل بالتمسك بها والجهاد في سبيلها والمحافظة عليها، وذلك باتباع رسول الله الكريم والاقتداء به وفعل ما أمر به وتقديم أوامره على كل أمر من أمورنا وأن نترك ما نهانا عنه امتثالاً لأمره.. وأن نحبه أكثر من أنفسنا وأولادنا وأبائنا وأمهاتنا، لأن كل الخير في طاعته واتباع أمره مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ [النساء:80]، فكل عمل من أعمال العبادة يجب أن يكون موافقاً لما شرعه الله وبلغنا به رسول الله، وما لم يشرعه فهو بدعة.. قال صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
أيها المسلمون، والبدع التي أحدثها الجاهلون والمغرضون وأعداء الملة والدين كثيرة، منها ما يتكرر كل عام في هذه الأيام في شهر ربيع الأول حيث إقامة الاحتفالات بمناسبة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وربما سموا ذلك عيداً.. وهذا الاحتفال بدعة منكرة ما أنزل الله بها من سلطان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولم يفعله أصحابه رضي الله عنهم، وهم أسبق الناس إلى الخير، ولم يفعل في القرون المفضلة وإنما فعل في القرن الرابع أو السادس الهجري إبان ضعف الدولة الإسلامية. حدث فعله تقليداً للنصارى في احتفالاتهم بعيد ميلاد المسيح عليه السلام.
وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم حيث قال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم)) فهذا الاحتفال بدعة عظيمة لما فيه من التشبه بالكفار ولما فيه أيضاً من وسائل الشرك بالله. ولما فيه من المنكرات التي أعظمها الشرك بالله عز وجل، من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم من دون أو مع الله، وطلب تفريج الكربات من الرسول صلى الله لعيه وسلم وإنشاد الأشعار الشركية بمدحه.. مع ما ينفق فيها من الأموال الباهظة من أناس ربما لا يؤدون الزكاة التي هي ركن من أركان الدين.
والعجيب أيها المسلمون أن بعض الذين يحتفلون بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم هم ممن لا يعمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يحكم بشريعة الله. بل ربما لا يصلون الصلوات الخمس التي هي عمود الإسلام.
أيها المسلمون، إن الله سبحانه وتعالى لم يُنَوِّه بولادة المصطفى صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم وإنما نوَّه ببعثته، لأن البعثة هي التي تحققت بها المنة الربانية.
أيها المسلمون، إن أبناء المسلمين مستهدفون من قبل وسائل الإعلام التي تحاول جاهدة هدم عقيدة المسلمين وخدمة أعداء الدين من اليهود والنصارى وتنفيذ مخططاتهم، وذلك بتقديم الخرافات وما يخالف الدين على أنها من الدين، إننا نرى ونسمع في وسائل الإعلام الفضائية والمقروءة إبرازاً لهذه البدعة وتقديمها على أنها سنة، وذلك بمباركة من علماء السوء خدم الطواغيت من حيث يعلمون أو لا يعلمون.
أيها المسلمون، إننا لم نتكلم عن هذه البدعة لأنها موجودة في بلادنا، فإنها ولله الحمد لم تعرفها ولا تعمل بها إقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذلك بفضل الله ومنته علينا، ولكن لما كان بيننا إخوة لنا، تفعل هذه البدعة في بلادهم كان لهم حق علينا تبيان حكمها ليحذروها ويحذروا منها، و لما كان الكثير منا قد يسمع عنها في الإذاعات ووسائل الفساد الفضائية أردنا أن نبين أصلها وحكمها حتى يكون المسلمون على بصيرة منها وأن يأخذوا من دينهم باللب دون القشور التي لا أصل لها أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:152].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|