.

اليوم م الموافق ‏15/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

إن فرعون علا في الأرض

2716

سيرة وتاريخ

القصص

عبد الله العلوي الشريفي

فاس

10/7/1422

الجامع المحمدي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- وجوه في التشابه بين فرعون الماضي وفرعون الحاضر. 2- ولادة موسى عليه السلام ونجاته في كيد فرعون في طفولته. 3- عودة موسى في أرض مدين ودعوته فرعون. 4- خروج بني إسرائيل من مصر وانفلاق البحر أمامهم. 5- غرق فرعون ونجاة المؤمنين.

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا إخوة الإيمان، إن طغيانَ واستكبارَ واستعلاءَ أمريكا بقيادةِ الإرهابيِّ بوش وأعوانِه هذه الأيام يذكرنا بعلو وطغيان فرعون، فلسان حاله اليوم يقول: أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ [النازعات: 24]، ورأيه هو الرأي السديد، وكذلك قَالَ فِرْعَوْنُ من قبل: مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ [غافر: 29].

وهو في الحقيقة لا رأي له ولا خير، ولا أمن في تخطيطه وتفكيره، بل هو ضالٌّ مُضِلٌّ لشعبه، وكذلك قال الله تعالى عن فرعون: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ [طه: 79]، وقال سبحانه: فَٱتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هود: 97].

بوش استكبر واستعلى، وطغى وتجبر هو وأعوانه، فظلموا وأفسدوا في الأرض، وفرعون قال الله عز وجل عنه وعن جنوده: وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى ٱلأرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ [القصص: 39]. بوش فرعون هذا القرن، يريد أن يقسم الأرض حسب مزاجه ورغباته ومصالحه، وكذلك فعل فرعون من قبل: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى ٱلأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا [القصص: 4].

إخوة الإيمان، وتعالوا معي لنتأمل القرآن الكريم وهو يقص علينا من قصص المرسلين قصة نبيه موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون، فقد ذكر الله تعالى قصته في مواضع متعددة لنأخذ العبر منها، قال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِى ٱلألْبَـٰبِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَىْء وَهُدًى وَرَحْمَةً لْقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [يوسف: 111].

تعلمون ـ أيها الإخوة ـ أنه لما بلغَ فرعونَ أنه سَيَخْرُجُ من ذرية إبراهيمَ من بني إسرائيلَ غلامٌ يكون هَلاكهُ على يديه أمَر بقتل أبناء بني إسرائيل حذرًا من وجود هذا الغلام، ولكن لنْ يُغْنِيَ حَذَرٌ من قدر، فيولد موسى في ظِلِّ تلك الأوضاع القاسية، والخطرُ محدق به، والسِّكِّينُ مشرعة على عنقه، فتقفُ أمُّهُ حائرة خائفة عليه، تخشى أن يصل نبؤُهُ إلى الجلادين، ولا تدري ماذا تعمل به، ولكن حسبك بمن كان الله حافظه، قال الله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى ٱليَمّ وَلاَ تَخَافِى وَلاَ تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَـٰعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ [القصص: 7]. فألقته في النهر بعد وضعه في تابوت، فحمله الماء حتى مر على قصر فرعون، فَٱلْتَقَطَهُ ءالُ فِرْعَوْنَ [القصص: 8].

انظروا إلى عناية الله وحفظه، ما بالكم بطفل رضيع وقع في أيدي أعدائه الذين ينتظرونه ليقتلوه؟! وكم قتلوا مثله، لا يستطيع أن يدفع عن نفسه شيئًا، أو يستنجدَ بأحدٍ، فحماهُ الله منهم، لا بالسلاح، ولكن بستار رقيق، وهو محبة امرأةِ فرعونَ لهُ، أوقع الله محبته في قلبها، فآثرَتِ الإبقاءَ عليه، قال تعالى: وَقَالَتِ ٱمْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لّى وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ [القصص: 9].

ولما استقر موسى في دار فرعون أرادوا أن يرضعوه، فلم يرضع ثديًا؛ حكمة العليم الحكيم، قال تعالى: وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ [القصص: 12].

فأرسلوه مع القوابل لعلهم يجدون من المراضع من يقبل ثديها، فرأته أخته لما رأت ارتباكهم واهتمامهم برضاعه، ولم تظهر أنها تعرفه، بل قالت: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَـٰصِحُونَ [القصص: 12]. ففرحوا بذلك وذهبوا معها إلى منزلهم، فأخذته أمه فالتقم ثديها ورضع منه، قال تعالى: فَرَدَدْنَـٰهُ إِلَىٰ أُمّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ [القصص: 13].

ونشأ موسى وترعرع في مصر، ثم فر هاربًا إلى أرض مدين، وتزوج هناك، ومكث عشر سنين، ثم رجع بزوجته يريد أرض مصر، وفي طريقه أكرمه الله بالرسالة، وأوحى إليه بوحيه، وخاطبه بكلامه العظيم، وأرسله إلى فرعون بالآيات والسلطان المبين، أرسله إلى الطاغية المتكبر وقدوة الطغاة، فدعاه إلى توحيد الله رَبِّ الأرض والسماء.

فلما عجز فرعونُ عن ردِّ الحق لجأ إلى ما يلجأ إليه العاجزون المتكبرون من الإرهاب، فتوعد موسى بالاعتقال والسجن فقال: لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهًا غَيْرِى لأجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ [الشعراء: 29]، ولم يقل: لأسجننك؛ ليزيد في إرهاب موسى، وليخبره أن لديه من القوة والسلطان والنفوذ ما يمكنه من أن يسجن الناس الذين سيكون موسى من جملتهم على حد تهديده وإرهابه.

وبأسلوب الطغاة والجبابرة في كل عصر قال فرعون: ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنّى أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى ٱلأرْضِ ٱلْفَسَادَ [غافر: 26]. فالطغاة يعتبرون أنفسهم هم المصلحون، وهم الغيورون على مصلحة شعوبهم، ويعتبرون المعارضين لظلمهم وطغيانهم مفسدين يجب إخماد أنفاسهم.

وبعد سنين أقامها موسى عليه السلام في مصر يدعو فرعونَ وقومَه بآياتِ اللهِ إلى الحقِّ فلم يزدادوا إلا عتوًا وفسادًا وإعراضًا وعنادًا واستكبارًا أوحى الله إلى موسى أن يسري بقومه ليلاً من مصر: وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ [الشعراء: 52].

فلما علم فرعون بخروج موسى بقومه غاظه ذلك، واشتد غضبه، فأرسل في أنحاء بلاده من يجمع له الجند، فلما تكامل جمعهم سار بهم فرعون يريد اللحاق بموسى وقومِهِ، وخرج في أثر موسى متجهًا إلى جهة البحر، فَلَمَّا تَرَاءا ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَـٰبُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء: 61]، البحر من أمامنا، فإن خضناه غرقنا، وفرعونُ وقومُه من خلفنا، إن وقفنا أدركنا، فقال موسى: كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ % فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى أَنِ ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ [الشعراء: 63].

انفلق البحر اثني عشر طريقًا، وصار الماء السيال بين هذه الطرق كأطواد الجبال، فلما تكامل موسى وقومه خارجين وتكامل فرعون بجنوده داخلين أمر الله البحر أن يعود إلى حاله، فانطبق على فرعون وجنوده، فكانوا من المغرقين، قال تعالى: وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى ٱلأرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَـٰهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَـٰهُمْ فِى ٱلْيَمّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ وَجَعَلْنَـٰهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ لاَ يُنصَرُونَ وَأَتْبَعْنَـٰهُم فِى هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَـٰمَةِ هُمْ مّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ [القصص: 39-42].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.

أما بعد: فيا إخوة الإيمان، وفي قصة موسى مع فرعون عبر لمن اعتبر، فانظروا ـ رحمكم الله ـ إلى ما في هذه القصة من العبر، انظروا كيف كان فرعون يقتل أبناء بني إسرائيل خوفًا من موسى، فتربى موسى في بيته، تحت حجر امرأته، وكيف قابل موسى هذا الجبار العنيد مصرحًا معلنًا الحق هاتفًا به، فأنجاه الله منه، وانظروا كيف كان الماء السيال شيئًا جامدًا كالجبال بقدرة الله، وكان الطريق يبسًا لا وحل فيه في الحال، فمن خاصة الماء السيلان، وأنه لا يستطيع أحد السير فوقه بقدميه، ولكن الله سلبه هذه الخاصية في تلك اللحظة، وأصبح طريقًا يبسًا، وقف الماء حاجزًا بين كل طريق وآخر، حتى عبر موسى وقومُه، ودخل فرعون وجنوده، ثم رجع إلى حالته بحرًا متلاطم الأمواج.

انظروا كيف أهلك الله هذا الجبار العنيد المتكبر بمثل ما كان يفتخر به، فقد كان يفتخر بالأنهار التي تجري من تحته، فأهلك بالماء، وأصبح الماء يجري من فوقه، وبوش الفرعون الصغير يفتخر بصواريخه وطائراته وقنابله، وسيهلك بها إن شاء الله، وستتفجر فيه وفي جيوشه، وسيجعل الله عز وجل منه ومن جنوده عبرة للمعتبرين من الفراعنة الصغار طواغيتِ الأرض في هذا العصر.

فتذكروا ـ عباد الله ـ ما حل بفرعون وجنوده حتى لا تيأسوا من هلاك الطغاة وأعوانهم، فما حل بفرعون في الماضي سيحُلُّ بأمثاله من الفراعنة الصغار في الحاضر والمستقبل، وهذه هي سنة الله في الطغاة الظالمين، فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً [فاطر: 43].

وأخيرًا أيها الإخوة، لا بد أن نشير إلى أن أيّ دولة إسلامية أعانت أمريكا الظالمة في عدوانها أو تحالفت معها أو أيدتها صارت ظالمة بإعانتها للظالمين، فأعوانُ الظلمةِ ظلمة مثلهم، والله تعالى يقول: وَٱلظَّـٰلِمُونَ مَا لَهُمْ مّن وَلِىّ وَلاَ نَصِيرٍ [الشورى: 8]، ويقول سبحانه: وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّار [هود: 113]، أي: ولا تميلوا إلى الظالمين بمودتهم أو مداهنتهم أو مصاحبتهم أو مجالستهم أو الرضا بأعمالهم أو استحسان طريقتهم وتزيينها، فإذا كان كل هذا داخلاً في معنى الركون إلى الذين ظلموا المنهي عنه فكيف بمن يعينهم فعلاً على ظلمهم وينفذ أوامرهم الظالمة؟!

هذا، وصلوا وسلموا على المبعوثِ رحمة للعالمين محمد سيدِ الأولين والآخِرين.

اللهم صل وسلم وبارك عليه، وارض اللهم عن آله وخلفائه وأصحابه الأطهار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وارض اللهم عنا معهم برحمتك يا رب العالمين.

اللهم ردنا إلى دينك ردًّا جميلاً، اللهم انصر دينك وعبادك الصالحين، اللهم دمر الجبابرة والظلمة والملحدين وجميعَ أعداء الدين، اللهم اشدد وطأتك على المتكبرين والمعاندين وسائر الطغاة والمفسدين، اللهم عليك بمن أراد إثارة الفتن بين صفوفِ المسلمين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً