.

اليوم م الموافق ‏23/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

أنذرتكم الفتنة

2546

الإيمان

أشراط الساعة

محمد بن حامد القرني

خميس مشيط

جامع ابن مثيب

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- عظم فتنة المسيح الدجال. 2- صفة المسيح الدجال. 3- بعض أخبار الدجال زمن خروجه. 4- العصمة من الدجال.

الخطبة الأولى

أما بعد:

فاعلموا عباد الله أنه لما كان رسولكم صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم كان واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين لكم ما تحتاجون بيانه من الأمور الشرعية، وإن من أعظم الأمور الشرعية التي تحتاج إلى بيان وإيضاح هي كل ما يتعلق باليوم الآخر من وصف وعلامات وتخويف وتصوير لمشاهده وتبيين لعلاماته وأشراطه.

 ونحن في هذه الخطبة نعرض لشيء يحتاج إلى إيضاح وتنبيه، كيف لا وهي من أكبر الفتن التي تسبق قيام الساعة تزل فيها الأقدام وتتقلب فيها القلوب ويحتار فيها الحليم، كيف لا وهي إحدى الفتن التي أمرنا بالاستعاذة منها في دبر كل صلاة، كيف لا وهي الفتنة التي ما من نبي إلاّ وهو يحذر قومه منها، كيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم يصف هذه الفتنة بأنها أعظم فتنة على وجه الأرض، إنها فتنة المسيح الدجال، فتنة كبيرة لا يثبت عندها إلاّ من ثبته الله، فتنة تطيش لها العقول وتضيق بها الصدور وتزهق فيها الأنفس، فتنة في السماء والأرض في البر والبحر، نسأل الله أن يحفظنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

عباد الله، كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أمته من المسيح الدجال بل كان يترقب خروجه حتى وهو مع صحابته، وفي المدينة ... كرر تحذيره للصحابة حتى ظنوا المسيح قد خرج عليهم وأنه في أطراف المدينة من كثرة إنذار النبي صلى الله عليه وسلم لهم منه.

استمعوا إلى المنذر البشير عليه الصلاة والسلام وهو يحذر أصحابه شر هذه الفتنة العظيمة يقول: ((يا أيها الناس، إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرا الله ذرية آدم أعظم فتنة من الدجال، وإن الله عز وجل لم يبعث نبياً إلاّ حذر أمته من الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، وإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج لكل مسلم وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، وإنه يخرج من خلة بين الشام والعراق فيعيث يمينا ً وشمالاً يا عباد الله أيها الناس اثبتوا فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي)).

وبدأ عليه الصلاة والسلام يصف الدجال وفتنته للصحابة رضوان الله عليهم ولنقف لحظات مع الحديث السابق يقول عليه الصلاة والسلام: ((إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرا الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال)) إي والله فتنة عظيمة والناس عنها غافلون، من منا تذكر هذه الفتنة يوماً أو سأل نفسه حين دعا في آخر صلاته (ونعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) من الدجال؟ ومتى يخرج؟ وكيف؟ وماذا يصنع؟ وما هي فتنته التي نستعيذ منها دبر كل صلاة؟؟ فتن ودواهي يشيب منها الولدان، ولذا يقول الرؤوف الرحيم بأمته ((وإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج لكل مسلم، وإن يخرج بعدي فكل حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم)).

عباد الله، الدجال رجل قصير أعور العين مكتوب بين عينيه (ك ف ر) يقرؤها المؤمنون الصادقون الذين يعرفون القراءة والذين لا يعرفونها. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ما من نبي إلاّ وقد أنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور وإن ربكم عز وجل ليس بأعور مكتوب بين عينيه: ك ف ر)) لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور؟ قال عليه الصلاة والسلام ذلك ليحذركم من اتباعه وتصديقه في دجله وافتراءاته فإنه سيدعي أنه الرب المحيي المميت الرازق المانع، وسيصدقه أقوام ويكفرون بالله فيعبدونه من دون الله لأنهم سيرون منه عجباً كيف؟ إن الله عز وجل ما جعل هذا المسيح الدجال إلاّ فتنة واختباراً لعباده الصادق منهم في إيمانه العارف بربه، وحتى يتبين الذين ما آمنوا إلاّ تبعاً للأباء والأمهات ما عرفوا الله وما قرؤوا حديث رسول الله وما تنبهوا لمواعظه وصدقوها، ولذلك فإن من حكمة الله أنه يجعل هذا الدجال فتنة للناس قاطبة.

أيها الناس، لو خرج فينا الآن من يدعي الألوهية وأنه الرب هل منا من سيصدقه؟ أو يؤمن بما يقوله؟ لا تتصور ذلك أبداً ولذلك جعل الله مع المسيح الدجال فتناً تنطلي على عقول السفهاء حتى يصدقوه، منها أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت ويمر على القرية فيدعوهم إلى الإيمان به فيكذبوه فينصرف عنهم فيصبحون فقراء مجدبين كل هذا فتنة للناس يمتحن الله بها إيمانهم ومعرفتهم بربهم، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور)) ثم أخبر صحابته أنه لا يمكن لهم أن يروا الله في الدنيا فكأنه يقول: فمهما جاءكم الدجال بالخوارق فلا تصدقوه ولا تؤمنوا به لكن من يأمن نفسه في مثل هذه الفتن العظيمة نسأل الله الثبات على دينه.

فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة وفيه قال: ((فيأتي على القوم ـ أي الدجال ـ فيدعوهم فيؤمنوا به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم ـ يعني بهائمهم ـ أطول ما كانت دراً وأسبغه ضروعاً وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ـ يعني فقراء مجدبين ـ ليس بأيديهم شيء من أموالهم فيمر يعني الدجال بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل)) فتنة نسأل الله العافية والسلامة، وكل هذا أيها الأحبة جزء بسيط من بلاء هذا الدجال وفتنته.

تعالوا الآن إلى فتنة أخرى وبلاء أشد: يأتي الدجال بمثال لجنة ونار فيقول للناس: أنا ربكم وهذه جنتي وناري فمن يريد الجنة فليدخلها ومن يريد النار فليدخلها، فمن دخل جنته فقد دخل النار الحقيقية ومن دخل ناره فهو في الجنة الحقيقية، لا إله إلاّ الله ما أشد فتنة هذا الدجال. اللهم سلم سلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أحدثكم حديثاً عن الدجال ما حدث به نبي قومه؟ إنه أعور، وإنه يجيء بمثال الجنة والنار، فالتي يقول: إنها الجنة، هي النار، وإني أنذركم به كما أنذر به نوح قومه)).

أحبتي في الله، ولنعرض إلى فتنة أخرى من فتنه العظيمة يأتي إلى شاب صالح من الذين تربوا على (قال الله وقال رسوله) فيأمره أن يعترف له بالعبودية فيرفض الشاب المؤمن الصادق فيهدد بالقتل ويزداد الشاب في إصراره، حينها يقتله اللعين الدجال ويقول للناس: أتشكون فيّ إن أنا أحييته. فيقول الناس: لا، فيحيي الشاب ثم يأمره بالعبودية له فيقول الشاب المستنير بهدي الكتاب والسنة: ما ازددت فيك إلاّ بصيرة. يعني عرفتك أنك الدجال الذي أخبر به الرسول، وهذه من علاماتك.

لمسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فتلقاه المسالح مسالح الدجال يعني أصحاب سلاحه فيقولون له: أين تعمد ؟ فيقول: إلى هذا الذي خرج قال: فيقولون له: أوما تؤمن بربنا ؟ فيقول: ما بربنا خفاء، فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحداً دونه ؟ قال فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم قال: فيأمر الدجال به فيشبح يعني يبطح قال: فيقول: أوما تؤمن بي ؟ قال: فيقول: أنت المسيح الكذاب قال: فيؤمر به فينشر بالنشار من مفرقه يعني رأسه حيث يفرق بين رجليه قال: ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم فيستوي قائماً، ثم يقول له: أتؤمن بي ؟ فيقول: ما ازددت بك إلاّ بصيرة قال: فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً، فلا يستطيع إليه سبيلاً، قال: فيأخذه بيديه ورجليه فيقذف به، فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة)) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين)).

ننتقل أيها الأحبة إلى نقطة أخرى أين تكون هذه الفتن من الأرض؟

اعلموا ـ أيها الأحبة ـ أن الدجال لا يترك أرضاً إلاّ وطئها ودخلها وأفسد فيها إلاّ مكة والمدينة فإن الملائكة تحرسها، وكم يستغرق إذن حتى يطوف بجميع الأرض؟ لا يستغرق شيئاً كثيراً، سرعته في الأرض كسرعة المطر إذا هبت به الرياح، ففي حديث النواس السابق، قلنا يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: ((كالغيث استدبرته الريح)) إذاً البلاء سيعم الأرض جميعاً إلاّ مكة والمدينة فلن يدخلها الدجال ولكن ليس معنى هذا أنهم لا يفتنون بل لهم فتنة، وهي أن المدينة ترجف ثلاث رجفات بأهلها فلا يبقى فيها منافق إلاّ خرج إلى الدجال ويبقى فيها المؤمنون فقط.

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك فيقول الأعرابي: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك)).

وأما مدة لبثه في الأرض فقد وردت في حديث النواس بن سمعان السابق إجابة الرسول على هذا السؤال جاء في الحديث: ... قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض قال: ((أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة يعني أسبوع، وسائر أيامه كأيامكم))، قلنا يا رسول الله فذاك اليوم الذي كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: ((لا، اقدروا له قدره)).

عباد الله، هذه جملة من فتن هذا الدجال الكافر، الذي يخرج في أمة محمد لا محالة، نسأل الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يعصمنا من مضلات الفتن، وأن يفقهنا في أمور ديننا، وأن يجعل ما تعلمناه حجة لنا لا علينا.

عباد الله، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي غفور رحيم.


 

الخطبة الثانية

الحمد لله ولي الصالحين ولا عدوان إلاّ على الظالمين وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

وبعد:

فاعلموا عباد الله، إن نهاية الدجال سوف تكون على يد نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام حيث سينزل إلى الأرض، والمؤمنون في ضعف وخوف شديد من الدجال وفتنته، فيطرد الدجال فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء حتى يدركه عيسى فيقتله، وحينها يحكم عيسى الأرض بشريعة محمد، ويعم الرخاء، وتكثر الأموال حتى ما تجد من يأخذها، وتبارك الأرض فتخرج كنوزها وثمراتها، في صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: ((والله لينزلن ابن مريم حكماً عادلاً فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص يعني الإبل فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد)) ولمسلم أيضاً في حديث آخر عن النواس: ((ثم يقال للأرض أنبتي ثمرك، فيومئذٍ تأكل العصابة الرمانة، ويستظلون بقحفها)).

الله أكبر، تفتح كنوز الأرض وبركتها، حتى إن الجماعة تشبعهم الرمانة الواحدة، ثم يستظلون بقشرتها، وصدق الله: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ [الأعراف:96].

وأخيراً أيها المسلمون: هذه وصية مقدمة لكل مسلم يريد النجاة من فتنة الدجال:

أولاً: اعلم أن الدجال أعور وربك ليس بأعور، واعلم أنك لا يمكن أن ترى ربك في الدنيا.

ثانياً: عليك بحفظ عشر آيات من أول سورة الكهف أو من آخرها فإنها تعصم من فتنة المسيح الدجال، فقد صح عن النبي أنه قال: ((من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال)) وفي رواية: ((من آخر سورة الكهف)).

ثالثاً: عليك بملازمة الاستعاذة من شر فتنة المسيح الدجال في كل صلاة بعد التشهد.

رابعاً: التزم ذكر الله دائماً واستحضر أحاديث الدجال واعرفها واعرف صفته وفتنته لتكون على بصيرة من أمره.

أعاذنا الله وإياكم من شر فتنته إنه سميع مجيب.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً