.

اليوم م الموافق ‏23/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

خطر السحر والشعوذة

2532

التوحيد, الرقاق والأخلاق والآداب

الكبائر والمعاصي, نواقض الإسلام

عبد الرحمن السديس إمام الحرم

مكة المكرمة

10/2/1422

المسجد الحرام

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- اعتداء الخرافة على العقل البشري. 2- إعادة الإسلام للعقول اعتبارها ومنزلتها. 3- محاربة الإسلام للأوهام والشعوذة الخرافة والدجل. 4- التلبيس على الناس بتقديم الخرافة والسحر في ثوب حضاري. 5- مفاسد الشعوذة وأخطارها. 6- طرق المشعوذين في التلبيس على الناس. 7- من صنوف الشعوذة التعلق بالنجوم والأبراج. 8- واجب تكثيف الحصانة العقدية ومعاقبة السحرة. 9- انتشار الشعوذة حتى في المجتمعات المتحضرة. 10- علاج السحر.

الخطبة الأولى

أما بعـد: فاتقوا الله عباد الله، فإن تقواه سبحانه جُنةٌ من النار، وسبب لدخول الجنة دار القرار، فاسلكوا ـ رحمكم الله ـ مسالك المتقين الأبرار، واحذروا مسالك الأشرار وطرائق الفجار.

أيها المسلمون، المستقرئ للتأريخ البشري والمتأمل للتراث الإنساني يجد أن ثمة حقيقة مُرّة مؤلمة، وهي أن العقول البشرية قد تعرضت لعمليات وأدٍ واغتيال خطيرة عبر حقبٍ طويلة، يتولى كبر أسلحتها خناجر الوهم والخرافة، وألغام الدجل والشعوذة، وتلك ـ لعمرو الحق ـ أعتى طعنة تسدَّد في خاصرة الإنسان العقلية وقواه الفكرية والمعنوية، ومن ثم فإن التحرر الحقيقي من أغلال الوهم والخرافة وآصار الدجل والشعوذة إنما يمثِّل السياج المحكم والدرع الواقي والحصن الحصين لحقٍّ من أهم حقوق الإنسان وهو تحصين عقله من الخيالات، وحفظ فكره من الخرافات. ومن هنا كانت أنبل معارك العقيدة تحرير العقول الإنسانية من كل ما يصادم الفطر، ويصادر الفكر، ويغتال المبادئ والقيم. وهيهات أن تُعمر الحياة وتُشاد الحضارات بالمشعوذين البله الذين لا يرعون للإنسان كرامة، ولا للعقول حصانة وصيانة.

إخوة العقيدة، لقد بعث الله نبيه محمدًا بالهدى ودين الحق، فأبطل الله به مسالك الجاهلية، وقضى على معالم الشرك والوثنية، فاستأصل شأفتها، واجتث جرثومتها. وفي طليعة ذلك الأوهام والخزعبلات لِما تُمثله من إزراء بالعقول، يعمد أحدهم إلى نُصُبٍ وحجارة فيعلق بها آماله وآلامه، فيبول عليها الثعلبان فيتركها، وآخر إلى مجموعة من تمر وطعام فيجوع فيأكلها، وثالث يتعلق بحروز وتمائم وخيوط وطلاسم، في انتشار لسوق التخرصات والشعوذات، وإلغاء للتفكير وسلب للعقول.

فلما جاء الإسلام بعقيدة التوحيد الخالصة لله، وأشرقت أنوارها في جميع أصقاع المعمورة، حررت القلوب من رِق العبودية لغير الله، ورفعت النفوس إلى قمم العز والشرف والصفاء، وسمت بالعقول عن بؤر الوثنية ومستنقعات الخرافة والشقاء، كيف وعقيدة المسلم أعز شيء عليه، وأغلى شيء لديه، بها يواجه أعتى التحديات، وبها يصبر على مُرّ الابتلاءات، ويقاوم موجات القلق والأرق والاكتئاب النفسي والاضطرابات، وبها يُقيم سدًا منيعًا ودرعًا مكينًا أمام زحف الأباطيل والضلالات، وغزو الشعوذة والخرافات، قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَـٰنَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ [التوبة:51]، قُلْ أَفَرَأيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ ٱللَّهُ بِضُرّ هَلْ هُنَّ كَـٰشِفَـٰتُ ضُرّهِ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَـٰتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكّلُونَ [الزمر:38].

إخـوة الإيمان، لقد نأى الإسلام بأتباعه عن أوهام الجاهلية وأوضارها، وطهر نفوسهم من رجز الوثنية وأباطيلها، وابتعد بهم عن براثن الإسفاف وبؤر الاستخفاف في كل صوره وأنماطه، ويأتي في الطليعة منها مظاهر السحر والشعوذة والتجهيل، ومعالم الخرافة والدجل والتضليل، لما تمثله من طعنة نافذة في صميم العقيدة، وشرخ خطير في صرح التوحيد الشامخ، وانهيار مُزرٍ يثلم القوة، ويذهب العزة، ويجلب الانتكاسة، ويُلحق الهزائم، ويقضي على العزائم، ويشكك في الثوابت واليقينيات، ويروج لبضاعة التخرصات والخزعبلات، فيقع الاضطراب في المجتمع، وتحصل الفوضى في الأمة، ويُخرق سياج أمنها العقدي، فتغرق سفينتها في مهاوي العدم وبؤر الفنـاء، وقد قال عز وجل: ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82].

أمـة الإسـلام، إنه مع طول الأمد وحصول التخلف المشين لدى فئام كثيرة في الأمة، ووقوع أنواع من التغافل والتزييف للحقائق، مع غلبة الجهل الذريع عند كثير من الناس في أعقاب الزمن، صحب ذلك تلاعب بالألفاظ وتغيير للمصطلحات تحت ستار مسميات معسولة، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، نتج عن ذلك كله تمرير بعض الصور الشركية وتسويق بعض الطقوس البدعية. ولعل مظاهر السحر والشعوذة من أوضح النماذج على هذا التزييف الذي أصاب الأمة في أعز ما تملك من الثوابت والمسلمات، وأغلى ما لديها من المبادئ والمقومات، وهو تمسكها بعقيدتها الإسلامية الصافية من اللوثات الشركية والصور الخرافية.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد ليقذف كل يوم بجديد في عالم الخرافة والدجل، ونسج الأكاذيب والشعوذات، وبث الشائعات والخزعبلات، مما يؤكد أهمية حماية جانب الأمن العقدي في الأمة، حتى لا تؤثر سوس الأوهام وتنخر خلايا هذا الإجرام سلبًا في جوانب شتى من حياة الأمة والمجتمع، وتلك عاقبة وخيمة المراتع، ونتيجة تجعل الديار بلاقع، فما حلت أعمال الشعوذة في قلوب إلا أظلمتها، ولا في مجتمعات إلا دمرتها. ويزداد ذهول أهل التوحيد حينما تجد هذه الأوهام رواجًا لدى جبِلٍّ كثيرٍ من العامة ممن ينساقون وراء الشائعات، ويلغون عقولهم عند جديد الذائعات، ويتهافتون تهافت الفراش على النار على الأوهام، ويستسلمون للأباطيل والأحلام، حتى أضل سُرادق الشعوذة عقول كثيرٍ من أهل الملّة والديانة.

ولا تسأل بعد ذلك عما تفعله هذه المسالك المرذولة في أوساط كثيرٍ من الدهماء، وما تحدثه في عقول كثيرٍ من السُذّج والبسطاء. فأين الإيمان عباد الله؟! وأين الحجى والعقول السليمة؟! أوَلسنا نتلو ونؤمن بقول الحق تبارك وتعالى: وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ [يونس:107]؟! لكن العجب ـ والعجائب جمّةٌ ـ حينما تُلغى العقول والأفكار أمام قول كل دعي مأفون.

إخـوة الإسلام، إن تصديق أدعياء علم الغيب وإتيان السحرة والعرافين والكهنة والرمالين والمنجمين والمشعوذين الذين يزعمون ـ وبئس ما زعموا ـ الإخبار عن المغيبات أو أن لهم قوى خارقة يستطيعون من خلالها جلب شيء من السعد أو النحس أو الضر أو النفع لهو ضلالٌ عظيم وإثمٌ مُبين، فعلم الغيب مما استأثر الله به وحده سبحانه وتعالى: قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وٱلأرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ [النمل:65]، وإننا اليوم لفي زمانٍ كثر فيه هؤلاء الأدعياء الدجاجلة لا كثّرهم الله، فهم داءٌ خطير، وشرٌ مستطير، يُقوِّض سعادة الأفراد واستقرار الأُسر وأمن المجتمعات.

إن أعمال الشعوذة خصلة شيطانية، وخُلّة إبليسية، ولوثةٌ كفرية، ودسيسة يهودية. لقد أمِر أمرهم، وتعاظم خطرهم، وتطاير شرهم، واستفحل شررهم، فكم من بيوت هُدِمت، وعلاقات زوجية تصرّمت، وحبال مودة تقطعت بسببهم ـ حسيبهم الله ـ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْء وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَـٰقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [البقرة:102]، قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ [يونس:81، 82].

معاشر المسلمين، في تعاطي السحر وإتيان السحرة جمعٌ بين الكفر بالله والإضرار بالناس والإفساد في الأرض، فكم في كثير من المجتمعات من محترفي هذا العفن ممن يعملون ليل نهار لإفساد عقائد الأمة، مُقابل مبلغ زهيد يتقاضونه من ضعاف النفوس وعديمي الضمائر الذين أكل الحسد قلوبهم، فيتفرجون على إخوانهم المسلمين، ويتشفون برؤيتهم وهم يُعانون آثار السحر الوخيمة، فلا براحةٍ يهنؤون، ولا باستقرار يسعدون، حتى حقق هؤلاء المشعوذون رواجًا كثيرًا، وانتشارًا كبيرًا.

فتارة يأتون من باب العلاج الشعبي والتداوي، وأخرى من باب التأليف والمحبة بين الزوجين، وهو ما يُسمى بالتِّوَلَة، وهي أشياء يزعمون أنها تُحبب الزوجين لبعضهما، وتارة من باب الانتقام بين الخصمين، ومنه الصرفُ والعطف، فاستشرى فسادهم حتى على كثيرٍ من المتعلمين والمتعبدين، فكم من جناياتٍ حصلت بسبب هؤلاء التُعساء، وعداوات زُرعت بسبب هؤلاء الأشقياء ـ عليهم من الله ما يستحقون ـ مُتظاهرين للناس بشيء من الخوارق، موهمين السُذّج بشيء من القُدَر والعلائق. وخسئ أعداء الله وإن طاروا في الهواء، ومشوا على الماء، وزعموا تحضير الأرواح، والتنويم المغناطيسي، ولبّسوا على العيون بما يسمونه بطريقة الكف والفنجان وغيرها من الأعمال البهلوانية. فهذا دعيٌّ مأفون يزعم أنه يجر المركبات الثقيلة بأسنانه، وآخر يستلقي فتمر المركبة على بطنه، وآخر يبدل العشرات مئينا، والآلاف ملايينا، فتضيع عقول كثيرٍ من الناس ممن يصابون بالهوس المادي، وقد قال : ((من أتى عرافًا فسأله لم تُقبل له صلاة أربعين يومًا)) خرّجه مسلم في صحيحه[1]، وأخرج الحاكم وأهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد ))[2]، وقد عـدّ المصطفى السـحر من السبع الموبقات أي المهلكات، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه[3].

ومن ذلكم ـ يا عباد الله ـ التعلق بالنجوم والمطالع والأبراج والكواكب، فمن وُلِدَ في برج كذا فهو السعيد في حياته، وسيحصل على ما يريد من مال أو جاهٍ أو حظوظ، ومن وُلِدَ في برج كذا فهو التعيس المنحوس، وسيحصل له كذا وكذا من الشرور والبلايا، في سردٍ للفضائح وإعلان بالقبائح، لا يُقره شرع ولا عقلٌ ولا منطق. وإنك لواجدٌ في بعض الأسواق والمدارس وعند الخدم من ذلك شيئًا عجيبًا.

 ومن هنا يأتي الواجب العظيم في تكثيف الحصانة العقدية الإيمانية ضد هذه الأعمال الشيطانية، كما أن الواجب القضاء على هذه الفئة الضالة لما تُمثله من خطر على الأمة وإخلال بأمن المجتمع وإفساد لعقائد الناس واستهانة بعقولهم وابتزاز لأموالهم. روى الترمذي عن جُندب مرفوعًا وموقوفًا: ((حد الساحر ضربةٌ بالسيف))[4]، وفي حديث بجالة التميمي قال: كتب عمر رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحرٍ وساحرة، قال: فقتلنا ثلاث سواحر، خرّجه أحمد والبخاري وأبو داود والبيهقي[5]، وصح عن حفصة رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فَقُتِلت، رواه مالك في الموطأ[6]، وثبت قتل الساحر عن عدد من الصحابة والتابعين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أكثر العلماء على أنه يُقتل الساحر، وهو قول أبي حنيفة وأحمد ومالك رحمهم الله"[7]، قال ابن قُدامة رحمه الله: "وهذا اشتُهِرَ فلم يُنكَر، فكان إجماعًا"[8].

كما أن واجب المسلمين جميعًا التكاتف في القضاء على هؤلاء المشعوذين والإبلاغ عنهم، والتعاون مع الجهات الاحتسابية والأمنية في ذلك، حتى لا يحُلُّوا عِقْد ثوابت الأمة، ويُشتِّتوا لآلئ أمنها ونظامها واستقرارها، ويقضوا على البقية الباقية من تألُقِها.

ومع أن العالم يعيش عصر المدنيات والتقانات التي يُفترض أنها تُناوئ الخرافة، وتناقض الشعوذة، وتحارب الدجل، فإن الغيور ليأسى حينما تطورت الخرافة بتطور الزمن، ودخلت مجالات شتى في الاقتصاد والاجتماع والإعلام وغيرها طلبًا للحظ بزعمهم، بل سُخرت بعض وسائل الإعلام وبعض القنوات الفضائية لبثها للتشويش والإثارة، مما يتطلب من أهل العلم والدعوة التركيز على الجانب العقدي في الأمة وإعزاز جانب الحسبة والإصلاح.

ولئن بدت الصورة قاتمة نتيجة الجرح العميق الذي نكأته الشعوذات والخرافات في عقول كثيرٍ من أبناء الأمة فإن الأمل كبير في أن يسترجع المسلمون ما فرطوا فيه من أمر عقيدتهم، ويجدّوا في إنقاذ التائهين في دروب الباطل والأوهام إلى شاطئ النجاة وساحل الأمان بإذن الله، وكان الله في عون العاملين المخلصين لعقيدتهم ومجتمعاتهم وأمتهم، إنه خير مسؤول، وأكرم مأمول.

أقول قولي هذا، وأسأل الله أن يبارك لي ولكم في القرآن، وينفعنا بما فيه من الآيات والهدى والبيان، وأن يرزقنا السير على سنة المصطفى من ولد عدنان.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إنك أنت الغفور الرحيم.




[1] أخرجه مسلم في السلام (2230) عن بعض أزواج النبي بلفظ: ((أربعين ليلة)).

[2] أخرجه البزار (6045ـ كشف الأستار) من حديث جابر رضي الله عنهما، وجوده المنذري في الترغيب (3/619)، وقال الهيثمي في المجمع (5/117): "رجاله رجال الصحيح خلا عقبة بن سنان وهو ضعيف"، وصححه الألباني في غاية المرام (285). وله شواهد منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه زيادة، أخرجه أحمد (9290، 9536)، وأبو داود في الطب (3904)، والترمذي في الطهارة (135)، والنسائي في الكبرى (9017)، وابن ماجه في الطهارة (639)، والدارمي (1136)، وابن الجارود (107)، والحاكم (1/8)، وقال الترمذي: "ضعف محمد ـ يعني البخاري ـ هذا الحديث من قبل إسناده"، ونقل المناوي في الفيض (6/24) تضعيف البغوي وابن سيد الناس والذهبي لحديث أبي هريرة، ووافقهم على ذلك.

[3] أخرجه البخاري في الوصايا (2767)، ومسلم في الإيمان (89).

[4] هذا الحديث أخرجه الترمذي في الحدود (1460)، والدارقطني (3/114)، والحاكم (4/460) وغيرهم من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جندب مرفوعا، وقال الترمذي: "هذا الحديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وإسماعيل بن مسلم المكي يُضعف في الحديث من قبل حفظه، وإسماعيل بن مسلم العبدي البصري قال وكيع: هو ثقة ويروي عن الحسن أيضا، والصحيح عن جندب موقوفا"، وقال في العلل: "سألت عنه محمدا ـ يعني البخاري ـ فقال: هذا لا شيء، وإسماعيل ضعيف جدا"، وقال القرطبي في تفسيره (2/48): "خرجه الترمذي وليس بالقوي، انفرد به إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف عندهم، رواه ابن عيينة عن إسماعيل عن الحسن مرسلا، ومنهم من جعله عن الحسن عن جندب"، وقال الحافظ في الفتح (10/236): "في سنده ضعف"، وضعفه أيضا المباركفوري في التحفة (5/23)، ورجح وقفه الذهبي في الكبائر (ص20)، وكذا الألباني في السلسلة الضعيفة (1446).

[5] أخرجه أحمد (1/191)، وأبو داود في الخراج (3043)، والبيهقي (8/136)، وصححه ابن الجارود (1105)، وأصل الحديث في البخاري في أول كتاب الجزية (3156، 3157) وليس فيه الأمر بقتل السحرة ولا قتل السواحر الثلاث، وصححه الألباني بكامله في صحيح أبي داود (2624).

[6] أخرجه مالك في الموطأ في كتاب العقول، باب: ما جاء في الغيلة والسحر (1624) عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه أن حفصة زوج النبي ... القصة، ولها طريق أخرى عند عبد الزراق في مصنفه (10/180)، والطبراني في الكبير (23/187)، والبيهقي في السنن (8/136) وغيرهم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن جاريةً لحفصة سحرتها...

[7] انظر: مجموع الفتاوى (28/346).

[8] المغني (12/303).

 

الخطبة الثانية

الحمد لله خلق فأمر، وملك فقهر، وكل شيء عنده بقضاء وقدر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغامًا لمن جحد به وكفر، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله الشافع المشفع في المحشر، القائل فيما صح عنه: ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر))[1]، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه السادة الغرر، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما اتصلت عين بنظر وأذن بخبر.

أمـا بعــد: فاتقوا الله عباد الله، ففيها الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.

واعلموا أن أشد ما ابتليت به النفوس وأصيبت به المجتمعات دخول النقص عليها في أعز ما لديها، في عقيدتها وثوابتها، ومن ذلك أعمال السحر والشعوذة والتطير والتشاؤم والتعلق بالأوهام من بعض الشهور والليالي والأيام وذوي العاهات والأمراض والأسقام. والمؤمن الحق يعيش نقي السيرة صافي السريرة، لا يعرف الوهم إلى نفسه سبيلا، ولا يجد الهلع عليه مدخلاً وطريقا.

أيها الإخـوة، ومع أن السحر حقيقة واقعة، والمس والتلبس والإصابة بالعين كلها حقائق شرعية وواقعية، إلا أن بعض الناس يعيش حياة الوهم في كافة أموره، فكثيرون هم صرعى الأوهام والوساوس، إذا آلم أحدهم صداع قال: هذا مسٌّ، وإذا أُصيب بزكام قال: أوّه هذه عين. ومن المقرر أن الابتلاء سنة وتمحيص، والبشر عرضة للأمراض والأسقام.

 إخوة الإسلام، ومع تشخيص الداء فلا بد من وصف العلاج والدواء، إلا أن الله سبحانه لم يجعل شفاء أمة محمد فيما حرم عليها، والتداوي بالرقى المشروعة أو بألوان الطب الحديث كل ذلك مشروع، ولا ينافي التوكل على الله، لكن لا بد من النظر في أهلية المداوي دينًا وعقيدة واستقامة وصدقًا وأمانة، وحَلُّ السحر ودواء العين لا يكون بسحر مثله، وهو ما يعرف بالنشرة وهي حلّ السحر عن المسحور، وقد سئل عنها فقال: ((هي من عمل الشيطان)) خرجه أحمد وأبو داود بسند جيد[2]، بل بالأدوية الشرعية، ولا يلزم أن يكون من يرقي معروفًا أو مشهورًا أو ممن اتخذ هذا الأمر حرفة يستدر من خلالها أموال الناس ويبتز جيوبهم، بل القرآن شفاء من كل مرض وداء، هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ هُدًى وَشِفَاء [فصلت:44]، وَنُنَزّلُ مِنَ ٱلْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا [الإسراء:82].

فعليكم ـ رحمكم الله ـ بالإقبال على القرآن، والبعد عن المعاصي، فلم تكن أعمال الشعوذة لتروج في بعض المجتمعات لولا ضعف الإيمان لدى كثير من أهل الإسلام، وانتشار المعاصي في كثير من البيوتات والمجتمعات، وعليكم ـ يا رعاكم الله ـ بتحصين أنفسكم وأولادكم بالرقى المشروعة والأوراد المأثورة، فهي حصن حصين وحرز أمين، حافظوا على أذكار الصباح والمساء وأدعية الدخول والخروج والنوم، أكثروا من قراءة فاتحة الكتاب وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة وسورة الإخلاص والمعوذتين، فإنها حرز لصاحبها ـ بإذن الله ـ من كل داء وبلاء.

وهاكم ـ رحمكم الله ـ وصفة طبية نبوية هي خير لكم وأمان، روى أبو داود والترمذي عن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((اقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء))[3]، وعن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات إلا لم يضره شيء))[4].

فالحمد لله الذي ما أنزل من داء إلا وأنزل له دواء، ونسأله تعالى أن يمن على الجميع بالشفاء والعافية من أمراض القلوب والأبدان، إنه جواد كريم، ونشكره سبحانه أن هيأ في بلاد التوحيد وموئل العقيدة ومأرز الإيمان من يُصلت الصارم البتار على رقاب هؤلاء السحرة الأشرار، وينفذ حكم الله فيهم صلاحًا للعباد، وحفظًا لأمن البلاد، وتطهيرها من ألوان الشر والفساد، مهما حاول خفافيش الظلام إسدال الستار وتشويه الحقائق، فلن يحجب ضوء الشمس كف دعي مغرض والله المستعان.

ألا وصلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على النبي المصطفى والرسول المجتبى والحبيب المرتضى كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا فقال تعالى قولاً كريما: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صلِّ على نبينا محمد ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلِّ عليه ما اختلف الليل والنهار، وصلِّ عليه وعلى المهاجرين والأنصار، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...

 

 



[1] أخرجه البخاري في الطب (5757)، ومسلم في السلام (2220) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[2] أخرجه أحمد (3/294)، وأبو داود في الطب، باب: في النشرة (3868) من حديث جابر رضي الله عنهما، وحسن الحافظ سنده في الفتح (10/233)، وهو في صحيح السنن (3277).

[3] أخرجه أبو داود في الأدب (5082)، والترمذي في الدعوات (3575)، والنسائي في الاستعاذة (5428)، وصححه الضياء في المختارة (250)، والألباني في صحيح الترغيب (649).

[4] أخرجه أحمد (1/62، 66، 72)، والبخاري في الأدب المفرد (660)، وأبو داود في الأدب (5088)، والترمذي في الدعوات (3388)، وابن ماجه في الدعاء (3869)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب"، وصححه ابن حبان (852، 862)، والحاكم (1/695)، وحسنه الضياء في المختارة (309)، وصححه الذهبي في السير (4/352)، والألباني في صحيح الترغيب (655).

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً