.

اليوم م الموافق ‏17/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

الصراع بين الحق والباطل

2503

العلم والدعوة والجهاد

القتال والجهاد, قضايا دعوية

أسامة بن عبد الله خياط

مكة المكرمة

5/3/1423

المسجد الحرام

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- حتمية الصراع بين الكفر والإيمان. 2- تاريخ هذا الصراع. 3- إبراهيم مع قومه المشركين. 4- موسى مع فرعون وجنده. 5- نبينا مع أبي جهل وصناديد قريش. 6- المسلمون تجاه الحروب الصليبية. 7- الانتفاضة الفلسطينية مظهر من مظاهر الصراع بين الحق والباطل. 8- وجوب الثبات على الحق حتى ينتصر ويظهر.

الخطبة الأولى

أما بعد:

فيا عباد الله، اتقوا الله وأنيبوا إليه، فقد فاز من اتقاه، وأخذ من دنياه لأخراه.

أيها المسلمون، إن معركة المصير التي قضى الله أن لا تَخْبُوَ نارُها ولا تخمد جذوتها ولا يسكن لهيبها، بل تظلُّ مستعرةً حتى يرث الله الأرض ومن عليها، هي معركة الحق مع الباطل والهدى مع الظلال والكفر مع الإيمان. وإن هذه المعركة في واقعها ـ يا عباد الله ـ انتفاضةُ الخير أمام صولةِ الشر في كل صوره وألوانه، ومهما اختلفت راياته وكثر جنده وعظم كيده وأحدق خطره، وهي لذلك ليست وليدةَ اليوم بل هي فصولٌ متعاقبة موغلةٌ في القدم يرويها الذكر الحكيم، ويتلو علينا الربُّ الكريم من أنبائها تبصرةً وذكرى للذاكرين، وهدى وموعظة للمتقين.

فهذه انتفاضة الخليل إبراهيم عليه السلام لتقويض عبادة الأصنام التي عكف عليها قومه واستنقاذِهم من وهدة هذا الضلال المبين، حتى يكون الدين كلُّه لله، وحتى لا يُعبد في الأرض سواه، ثم ما كان من مقابلة الباطل هذا الحقَّ بأعنف ما في جعبته من سهام الكيد والأذى، حتى انتهى به إلى إلقائه حياً في النار، لكن هذه الحملة باءت بالفشل فيما قصدت إليه، وسجَّل سبحانه على المبطلين ذلك في قرآن يتلى، ليُذكِّر به على الدوام أن الغلبة للحق، وأن الهزيمة للباطل كما قال سبحانه: قَالُواْ حَرّقُوهُ وَٱنصُرُواْ ءالِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَـٰعِلِينَ قُلْنَا يٰنَارُ كُونِى بَرْداً وَسَلَـٰمَا عَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَـٰهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ وَنَجَّيْنَـٰهُ وَلُوطاً إِلَى ٱلأرْضِ ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَـٰلَمِينَ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَـٰلِحِينَ [الأنبياء:68-72].

وهذه معركة الحق الذي رفع لواءه موسى عليه السلام مع الباطل الذي رفع لواءه فرعون، وتمادى به الشر والنُّكر حتى قال لقومه: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى [القصص:38]، وحتى قال لهم: أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ [النازعات:24]، وقال متوعِّداً الحقَّ وأهله بالنكال وأليم العذاب: سَنُقَتّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـى نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَـٰهِرُونَ [الأعراف:127]، ولكن إرادة الله للحق أن ينتصر وللباطل أن يندحر أعقبت هلاك فرعونَ وجنودِه ونجاةَ موسى ومن معه، كما قال سبحانه: فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى أَنِ ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ [الشعراء:63-68]. أما المستضعفون من قوم موسى فكان امتنان الله عليهم عظيماً، إنها منة الإنعام بالإمامة والتمكين في الأرض والنصر على الظالمين المستكبرين المتجبرين: وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِى ٱلأرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ [القصص:5، 6].

وتلك معركة الحق مع الباطل التي استعرت نيرانها بين خاتم النبيين وإمام المتقين عليه أفضل الصلاة والتسليم وبين أبي جهل والملأ من قومه صناديدِ قريش وأشياعهم الذين حسبوا بالتياس عقولهم وغلبة الشقاء عليهم أنهم قادرون على إطفاء نور الله بأفواههم وإيقاف مد الحق الذي دهمهم في عُقر دورهم، فلم تكن العاقبة إلا ما قضى الله به من ظهورٍ لدينه وغلبةٍ لجنده وهزيمةٍ لعدوه وقطعٍ لدابره، تجلّت صورته في نهاية الأمر بوقوف رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه أمام هذا البيت المشرَّف، يطيح الأصنام من فوقه تالياً قول ربه سبحانه: وَقُلْ جَاء ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ إِنَّ ٱلْبَـٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81].

وحين تضافرت قوى الباطل وتداعت إلى هزيمة الحق في الحروب الصليبية الظالمة، وأجلبت على أهله بخيلها ورجلها وأموالها وكيدها، فاجتاحت ديار الإسلام حتى رفعت ألويتَها على أسوار بيت المقدس، لم تفلح في استدامة هذه السيادة الظالمة، واستبقاء هذه السيطرة على الأرض المباركة، مع بقائلها في حوزتها تسعين عاماً، حين قيَّض الرحمن لجنده الصادقين الصابرين عبدَه الصالح المجاهد صلاحَ الدين، فاستعادها في حطين بإخلاصه لله رب العالمين، وجهاده الصادق الذي لا يستكين.

وإن انتفاضةَ المسلمين اليوم في فلسطين المسلمة هي حلقة من حلقات معركة المصير؛ لأنها صورة حية من صور المواجهة بين الحق المدافع عن دينه ومقدساته الذابِّ عن حريته وعزته وكرامته، وبين الباطل الغاصب المعتدي المنتهك للحرمات المدنِّس للمقدسات الذي لا يرقب في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، والذي يقيم بما يصنع في أرض المعراج من جرائم ومظالم وما يجترحه من فظائع وبلايا، يقيم البراهين الواضحة للعالمين على صدق أحكم الحاكمين بقوله: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ [المائدة:82]. لكن معركة المصير ـ يا عباد الله ـ وإن تكن طويلة الأمد متصلة الحلقات، غير أنها كما كانت في الماضي ـ بتقدير من العزيز الحكيم ـ نصراً للحق، ودحراً للباطل، ورِفعةً للمؤمنين، وذلاً وصغاراً للمبطلين الكافرين، فسوف تكون كذلك ـ إن شاء الله ـ عزاً وظفراً وغلبةً للإسلام، ورفعاً للواء الحق على رُبوع بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وذلاً وهزيمة لليهود المجرمين الطاغين، وعِظةً وذكرى للذاكرين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَـٰتِلُ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ رَأْىَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِى ٱلأَبْصَـٰرِ [آل عمران:13].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


 

الخطبة الثانية

الحمد لله له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، أحمده سبحانه الحَكَمُ العدل اللطيف الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله، إن في العبر التي لا تُحصى الماثلة في انتصار الحق على الباطل في كل معركةٍ ما يجب أن يشُدَّ عزائمَ المؤمنين للثبات على ما هم عليه من الحق، والحذر من التردي في كل ما يضادُّه، أو يصرفه عن وجهه، أو يحوِّله عن طريقه، حتى يحقِّق الله سبحانه وعدَه بالنصر كما حققه لسلف هذه الأمة؛ إذ هو وعدٌ حقٌّ لا يتخلف ولا يتبدل: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ [الروم:47].

ألا فاتقوا الله عباد الله، وصلوا وسلموا على خير خلق الله محمد بن عبد الله فقد أُمرتم بذلك في كتاب الله حيث قال سبحانه: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة...

 

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً