.

اليوم م الموافق ‏19/‏رمضان/‏1445هـ

 
 

 

اصبروا وصابروا يا أبناء الأرض المباركة

2489

الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد, فقه

المساجد, المسلمون في العالم, مكارم الأخلاق

محمد أحمد حسين

القدس

28/2/1423

المسجد الأقصى

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضل الصبر في النكبات والمصائب. 2- تكرار الأمر بالصبر في القرآن الكريم. 3- حصار النبي صلى الله عليه وسلم في الشعب. 4- الحصار الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني. 5- بعض ما تعرض له الرسول في عام الحزن. 6- رفع الشكوى إلى الله عز وجل. 7- الصبر مفتاح للفرج.8- احتفال إسرائيل بتوحيد القدس تحت حكمهم وبعض أقوالهم فيه. 9- وقفة مع تاريخ بني إسرائيل في القدس.

الخطبة الأولى

أما بعد:

فيقول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200]، صدق الله العظيم.

أيها المسلمون، أيها المرابطون، أيها المحتسبون، إن الصبر من الفضائل الإيمانية الخلقية، وهو النفحة الروحية التي يعتصم بها المؤمن، فتخفف بأسه، وتدخل السكينة والطمأنينة إلى قلبه، وتكون بلسماً لجراحاته. ولولا الصبر لانهارت أعصاب الإنسان لما يشاهد من البلايا والمصائب والنكبات، ولأصبح عاجزا عن السير في ركاب الحياة، وتحمل المسؤوليات.

لذا أولى القرآن الكريم عنايته بالصبر، وذكره بما يزيد عن مائة موضع، وأثنى على المتصفين بالصبر، فيقول: وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل:96].

أيها المسلمون، أيها الصابرون، لم تذكر فضيلة من الفضائل الحميدة الأخرى في القرآن الكريم بمثل هذا العدد، وهذا يدل على أهمية موضوع الصبر، لأنه أساس لكثير من الفضائل، فالشجاعة هي الصبر على مكاره الجهاد والغزوات، والعفاف هو الصبر على الشهوات والمغريات، والحلم هو الصبر على المثيرات والجهالات، والكتمان هو الصبر على نشر الأخبار والمعلومات وهكذا...

أيها المسلمون، أيها المرابطون، نحن الآن نفتتن بالاجتياحات العسكرية المتكررة والحصارات الخانقة الظالمة، وبسبب الحرب الاقتصادية المدمرة الموجهة ضد الشعب الفلسطيني المؤمن المرابط، وذلك من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

إن هذا الشعب المؤمن يتأسى برسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم الذي مر في ظروف وأحوال قاسية أشد من الظروف التي نمر بها الآن، فقد قامت قريش بإنزال العقاب الجماعي على الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلى أقاربه من المسلمين، وعلى أصحابه وأتباعه المؤمنين. وقد شمل العقاب أيضاً غير المسلمين من أقاربه، لماذا؟ لأنهم رفضوا تسليمه لأهل قريش، فأصدرت قريش صحيفة حينئذ تعرف بصحيفة المقاطعة التي تتضمن عدم البيع والشراء مع المسلمين، وعدم تزويجهم كما لا يتزوجون منهم، وقد وضعت الصحيفة في جوف الكعبة، واستمر الحصار في سرب أي في واد من شعاب مكة مدة ثلاث سنوات، والمسلمون صابرون محتسبون لما أصابهم من جهد البلاء وشدة الكرب، حتى كانوا يأكلون ورق الشجر وقِطَع الجلود، ورفضوا التسليم والاستسلام، إلى أن هيأ الله العلي القدير الجبار المنتقم أسباب الفرج على أيدي نفر من أشراف قريش، قاموا ـ على شركهم وكفرهم ـ بنقض الصحيفة والمناداة برفع الحصار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أقاربه وأصحابه.

وذكرت كتب السيرة النبوية بأنهم وجدوا الصحيفة قد أكلتها الحشرات والأرضة باستثناء اسم الله عز وجل الذي بقي سالما، وهذا مظهر من مظاهر الإعجاز. ونقول للمسلمين في العالم: أين الذي سيفُكُّ الحصار عن أهل فلسطين؟!

أيها المسلمون، أيها المرابطون، أيها المحتسبون، يمر حبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة وأفضل التسليم بامتحان آخر، ويتمثل ذلك بوفاة زوجه خديجة وعمه أبي طالب في عام واحد، عرف هذا العام بعام الحزن، فازدادت قريش إيذاءً لرسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم وتنكيلا بأصحابه رضوان الله عليهم، فخطط عليه الصلاة والسلام الذهاب إلى الطائف لعله يلمس اللين من جو مكة المكفهر، فكانت المحنة والمعاناة حين تصدى له سفهاء الطائف وغلمانهم، فرجموه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين، والسفهاء كما هو مشاهد موجودون في كل عصر وفي كل موقع.

فرجع عليه الصلاة والسلام حزيناً كئيباً، ودخل في طريقه إلى كرم عنب، ولجأ إلى الله عز وجل الذي لا ملجأ غيره داعيا ومتوجها بقلبه ومشاعره وأحاسيسه إليه قائلاً: ((اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟! إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنزل بي غضبَك أو تحل عليَّ سخطَك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك)).

أيها المسلمون، في هذه اللحظات الصعبة الحرجة التي كان فيها عليه الصلاة والسلام نزل جبريل عليه السلام يقول له: اطلب ما شئت، فإن أردت أن يطبق الله عليهم الأخشبين ـ أي: الجبلين على أهل الطائف ـ لفعل، فقال عليه الصلاة والسلام صاحب القلب الكبير: ((اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون))، فأنزل الله عز وجل الآية الكريمة ثناءً على نبيه ومصطفاه بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

أيها المسلمون، هذه لمحات من سيرة رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم وكيف أنه وصحابته قد لاقوا من الشدة والعنت والحصار والمقاطعة والقوة، ونحن شعب فلسطين المرابط نمر الآن في هذه الأجواء الصعبة والعنت الشديد من قبل سلطات الاحتلال لتنفيذ المشاريع الاستسلامية. هذه السلطات التي تقوم بإجراءات تعسفية ظالمة لا إنسانية، من قتل للأبرياء وللنساء والأطفال، وتشريد للعائلات، وقصف للمنازل، ومصادرة الأراضي، وإقامة المستوطنات عليها، ومن تعذيب للمعتقلين.

ينبغي علينا ـ أيها المسلمون ـ أن نقف في وجه هذه الممارسات الظالمة الجائرة ضمن إمكاناتنا، وأن لا نيأس ولا نستسلم، وعلى كل مسلم أن يتحلى بالصبر الإيماني، وأن يتلقاها بأعصاب ثابتة، فلا يفزع ولا يجزع، ولا يفاجأ بها حين نزولها وعليه لا يجوز للإنسان أن يقدم شكواه لإنسان آخر حين تكون الشكوى لله سبحانه وتعالى خالق الكون والإنسان والحياة، فإلى من المشتكى فيما نحن فيه من محنة وشدة وعنف، فالمؤمن شاكر صابر، فهو شاكر في الرخاء، وصابر في الشدة للحديث النبوي الشريف: ((عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وان إصابته ضراء صبر فكان خيراً له)).

وإذا عرتك بلية فاصبر لها          صـبر الكـريم فإنـه بـك أعلـم

وإذا شـكـوت لابـن آدم          إنما تشكو الرحيمَ إلى الذي لا يرحم

أيها المسلمون، قد يقول القائل: إن الصبر مظهر من مظاهر السلبية والخنوع والاستسلام, إن هذا قول خاطىء مخالف لمفهوم الصبر بالشريعة الإسلامية، فإن الصبر في المفهوم الشرعي مرتبط بالإيمان وبالعمل الدؤوب، وإن الصبر يدعو إلى التخطيط والتنفيذ، وإن الصبر يحمي المسلم من القنوط والكسل.

الصبر عنصر من عناصر الرجولة والبطولة والثبات والرباط، وإن أثقال الحياة ومسؤولياتها، لا يقوى عليها إلا الرجال الصابرون، لا المهازيل ولا الجبناء ولا الأنانيون ولا الثرثارون كيف لا؟ والصبر نصف الإيمان ونصف حياة الإنسان ((واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً)) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري     وأصبر حتى يأذن الله في أمري

وأصـبر حتـى يعلـم الصـبر أنـي     صابر على شيء أمرّ من الصِبر


 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين حمد عباده الشاكرين، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، صلاة وسلاماً دائمين إلى يوم الدين، اللهم صل علي سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، أمس الخميس احتفلت السلطات الإسرائيلية بما يسمى بذكرى توحيد القدس حسب التوقيت اليهودي الشرقي، وكان ذلك القرار التوحيدي بعد احتلال القدس في حزيران عام 1967 بثلاثة أسابيع تقريباً، وكانت القدس أمس كأنها سجن كبير، وأُلقي في الاحتفالات التي أقيمت أمس عدة كلمات من المسئولين الإسرائيليين أعلنوا فيها القدس مدينة موحدة، وبأنها عاصمة إسرائيل الأبدية.

وقالوا: إن اليهود حكموا هذه البلاد منذ ألفي عام وتجاهلوا الحضارة الإسلامية التي حكمت البلاد خمسة عشر قرناً، ولكن, كم سنة دام حكم اليهود في مدينة القدس أصلاً؟ إنه لم يدم سوى سبعين سنة.

ثم تعرضوا إلى حرية العبادة، وزعموا أنها متوفرة لدى الديانات الأخرى، فأين حرية العبادة في حين أن المسلمين يحرمون من الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك؟ وأين حرية العبادة، وقد انتهكت حرمات المساجد في أنحاء فلسطين؟ منها ما قد هدم، ومنها ما  استعمل في أمور محرمة، ومنها ما هو آيل للسقوط، ومنها ما يستعمل كوكر لبيع المخدرات، و الله سبحانه وتعالى يقول: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَـٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:114]، صدق الله العظيم, ومثل ذلك الكنائس ككنيسة القيامة وكنيسة المهد.

أيها المسلمون، كيف يتحقق السلام أو الاستقرار ماداموا يزعمون بأن الأقصى بني على أنقاض هيكل سليمان، وهذا ما ورد في خطبهم أمس، ثم أن اليهود يعتبرون سليمان ملكاً ولا يعتبرونه نبياً، وبالتالي فإن الهيكل الذين ينادون به غير مقدس لديهم لأنه منسوب إلى ملك وليس إلى نبي ـ كما يعتقدون ـ.

ولأنهم يستبيحون باحات الأقصى بأسلحتهم ويقتلون المصلين المسلمين فيها، والذي يستبيح الأقصى يعني أنه ليس مقدساً في نظره.

أيها المسلمون، إننا كمسلمين نؤكد على حقنا الشرعي في القدس وأكناف بيت المقدس، ونؤكد بأن الأقصى يمثل جزء من إيمان المؤمنين والمسلمين في العالم بقرار من رب العالمين، ونحذر من المساس بالأقصى، وإن أهل بيت المقدس وأكناف بيت المقدس على موقفهم الإيماني الذي لا يتزحزح قيد أنملة، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً