الحمد لله الذي أحيا بذكره قلوب أوليائه فقال جل جلاله: ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ [الرعد: 28] أحمده سبحانه على عوائده الجميلة وفوائده الجليلة، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له المتصف بصفات الكمال، ذو الجلال والإكرام، المتنزه عن جميع النقائص، الملك المنان، ذو المواهب العظام، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المجتبى المختار من جميع الأنام، المبعوث إلى الخلق كافة، والهادي من ظلام الكفر إلى نور الإسلام ودار السلام، صلى الله عليه وسلم وعلى إله الغر الميامين وأصحابه النجباء الكرام.
أما بعد: أيها المسلمون إن الثبات على المبدأ والثبات على العقيدة هو أساس الإيمان وكلمة الحق، الكلمة الواعية الصادقة، فافتحوا آذانكم وقلوبكم وعقولكم لهذه الكلمة، إن أمتنا الإسلامية بعقيدتها ووجودها وكرامتها في مشارق الأرض ومغاربها مهددة أكثر من أي وقت مضى، فالهجمة الإستعمارية الشرسة على أمتنا اليوم أسوأ بكثير من الهجمات السابقة؛ لأن تلك الهجمات كانت تنحصر في إقليم من الأقاليم أما اليوم فالحملة الصليبية الصهيونية تستهدف المسلمين في كل مكان، وذلك أن الصحوة الإسلامية قد أقلقت أعداء الإسلام، وأن إقبال أبناء الديانات الأخرى على إعتناق الإسلام قد أخذ يزداد يوما بعد يوم والحمد لله.
فلم يرق لأعداء الإسلام النور الرباني الذي يضيء الآفاق ويستظل به المسلمون، لقد نجح المستعمرون في القرن الماضي في تمزيق الدولة الإسلامية، وأضحت دولة الخلافة دويلات صغيرة، يحكمها حكام طغاة وغاب حكم الإسلام عن المسلمين، وتحول الولاء من الإسلام إلى أعداء الإسلام.
واليوم في غمرة التشرذم والذل والهوان أصبح شعار حكام المسلمين هو الولاء لأمريكا بعد أن تغيب الإسلام السياسي الفاعل والموجه عن حياة المسلمين العامة واقتصر على أداء الشعائر.
أيها المسلمون، لقد سمعتم عن مؤتمرات ما أسموه حوار الأديان ووحدة الأديان، فما المؤتمرات إلا محاولات مكشوفة لتقزيم الإسلام والقفز عن الإسلام كمنهج حياة ودستور حياة أبدي أزلي، فالله سبحانه وتعالى يقول: إِنَّ الدّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلَـٰمُ [آل عمران: 19]، ويقول كذلك: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ [آل عمران: 85] وما الإنسياق وراء الأهداف الإستعمارية والتي تندرج في إطار ثقافة العلمنة والمسيمات المتعددة التي ما أنزل الله بها من سلطان إلا فسق وضلال، والذين يدلون بدلوهم في مستنقع الشبهات ما هم إلا أبواق جوفاء تنعق في الخراب والدمار والفساد، ألم يسمعوا قول الله تبارك وتعالى: قُل لاَّ يَسْتَوِى ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ [المائدة: 100] فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون، كفاكم يا من تنتسبون إلى الإسلام هراءًا، كفاكم خداعا وزيفا وتضليلا، ونحن يكفينا فخرًا أن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بحفظ الإسلام فقال سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ [الحجر: 9].
أيها المسلمون، إن الأحداث التي تشهدها الساحة الفلسطينية اليوم تقع ضمن مسلسل التآمر على شعبنا المسلم في أرض فلسطين الصامدة، يأتي تزويدًا للصمت العربي المطبق، المتتبع للسياسة الإسرائيلية يرى أنها تسير في ثلاثة إتجاهات لتحقيق هدف واحد وهو بقاء إسرائيل، على حساب الأرض والإنسان الفلسطيني.
الإتجاه الأول: هو المحور التأبيدي، إن إسرائيل بتصفية العديد من كوادر شعبنا المسلم واعتقال الآلاف وعلاوة على الحصار الخانق وسياسة التجويع والقهر تهدف إلى إطفاء شرعية وتكريس الإحتلال لإيجاد مواطئ قدم لها في رحاب المسجد الأقصى المبارك، معتقدين أن محاربة شعبنا المسلم قد يعطيها مرونة الحركة وسهولة تحقيق أطماعها التوسعية بإقامة الهيكل المزعوم أو تقسيم الأقصى لا سمح الله.
ولكن الأمة الإسلامية ورغم تكبيل أيدي شعوبها لن تستكين ولن تقبل بذلك أبدا مهما كلف الثمن، فكل ذرة تراب في أرضنا تستحق التضحية من أجلها وفي سبيل إعلاء كلمة الله.
أما الإتجاه الثاني: فهو المحور السياسي، فإن إسرائيل لن تقبل بإقامة دولة فلسطينية ولو كانت منزوعة السلاح أو حتى مقطعة الأوصال؛ لأن إسرائيل ترى أن البعد الإستراتيجي لأي دولة فلسطينية هو تهديد لها، فهي تعمل جاهدة لإلغاء أية إتفاقات قد تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، وذلك لأنها تنظر احتمالات المستقبل البعيد وليس لآنية الحدث، وهذا يؤكد حتمية كنا قد أكدناها سابقا وهي حتمية أن فلسطين هي أرض إسلامية لا تقبل التجزئة أو التقسيم وأن كل الإتفاقات المبرمة تخالف أحكام الإسلام ولا نرضى بها أبدا.
أما الإتجاه الثالث: فهو المحور التفاوضي، فأنتم تسمعون إسرائيل قد طلبت من أمريكا إعتبار المنظمات الفلسطينية منظمات إرهابية، ومجتمعنا الفلسطيني متكامل مترابط، فمجتمعنا أصبح إرهابيًا من وجهة نظر أمريكا وإسرائيل، فهي تعمل جاهدة لتجد من يوقع معها معاهدة إستسلام، ويقدم لها المزيد من التنازلات، وهي تسعى لخلق روابط قرى، وتعود لدفاترها القديمة التي عفى عليها الزمن.
أيها المؤمنون، بوحدتنا الإيمانية الصادقة وصمودنا وصبرنا على الشدائد نستطيع أن ننتصر على أعدائنا وأن ندحر الباطل.
|