أما بعد: فإن خير الهدي هدي نبينا محمد ، وخير الأخلاق الحسنة الخلق الأعظم، وخير الخلق هو الصلة بالله طريقه الأعظم، ولهذا قال الله عز وجل تقييمًا للأول والآخر في الكتاب تلك المكارم والمفاخر: لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلاْخِرَ [الأحزاب:21]، وعظم الله سبحانه وتعالى باتباع سنته الزكية، والواجب علينا ـ إخوة الإيمان ـ الاتباع والاقتداء بسنة خير الأنام، ففيها السعادة والنجاة وكل ما نتمناه، ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن يحقق لنا ولكم جميعا السعادة في الدنيا والآخرة.
عباد الله: نعيش هذه الأيام حياة صعبة ومريرة، مليئة بالأحداث والمآسي، فانظروا ـ عباد الله ـ كيف اجتمع أعداء الإسلام علينا، وأعداء الإسلام لا يجتمعون على أمر واحد إلا إذا كان لمحاربة هذا الدين والقائمين عليه، فهل سألنا أنفسنا: لماذا أصبحوا يسوموننا سوء العذاب؟! أولسنا من عباد الله وأتباع رسوله الكريم؟! إذًا، لماذا اجتمعوا علينا وقطعوا أوصالنا؟!
تعالوا ـ أيها المسلمون جميعا ـ لنعيش في رحاب أصحاب رسول الله معلم البشرية وهادي الإنسانية، وكل أصحاب نبينا يقتدى بهم لأنهم تعلموا منه، وقدموا ما يستطيعون لهذا الدين لإعلاء كلمة التوحيد، حياتهم كلها كانت لله، لم يعرفوا النفاق والملل، كانوا يحملون فكرا سليما وعقيدة صحيحة وقوة لم تعرف البشرية لها مثيلاً من قبل، فرفعوا راية الله في كل مكان، منهم سيد الشهداء حمزة عم الرسول ، والذي ضرب أبا جهل على وجهه فشجه إكراما لرسول الله، وخالد بن الوليد الذي خاض جميع معارك الإسلام، وفتح الله على يديه المشارق والمغارب، ومع ذلك مات على سريره، فهل يتعظ الجبناء؟! ومنهم عمرو بن الجموح الذي قال عنه الرسول الكريم: ((يطأ الجنة بعرجته)) ، ومنهم أنس بن النضر الذي نزل فيه قول الله تعالى: مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً [الأحزاب:23]، ومنهم أم أنس بن مالك التي رفضت الزواج من أغنى أغنياء قريش إلا بعد أن يعلن كلمة التوحيد، وجعلتها مهرا لها.
عباد الله، أريد أن أقول لكم كلمة وأرجو أن تحفظوها جيدا: إن أخطر ما يواجه الأمة أن يصبح المعروف منكرا، ويصبح المنكر معروفا، إذا أصيبت الأمة بهذا الكلام فعليها السلام.
أيها المصلون، هل أصبحت الفضيلة في نظر الناس رذيلة واختلط الأمر عليهم؟! فموائد القمار انتشرت في كل مكان، البارات تفتح أبوابها، والسرقات أصبحت في كل مكان حتى أصبح الناس لا يأمنون على أموالهم وأنفسهم، نسمع كل يوم عن هذه السرقات حتى في رحاب المسجد الأقصى، كم عانينا في شهر رمضان من حوادث السرقات التي طالت النساء المؤمنات اللواتي جئن يصلين في المسجد الأقصى، شوارعنا انتشر فيها الفساد، وأولادنا انغمسوا في الملذات والشهوات، فتركوا الصلوات فلا رقيب ولا حسيب.
ربوا البنين على الفضائل فإنها في الشرق علة ذلك الإخفاق
الأم مدرسـة إذا أعددتـهـا أعددت شعبا طيب الأعراق
إذا أصيب الإنسان في ماله فإن المال راجع، وإذا أصيب في جسمه فالمرض زائل، أما إذا أصيب في دينه فكبر عليه أربعا لوفاته.
عباد الله، ما سبب كل هذا؟ وما الطريق الصحيحة للخروج من هذه المحن؟ الجواب واضح كل الوضوح فكلنا يعرف السبيل، وذلك بالرجوع إلى الله، إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا [الإسراء:9]، ويقول تعالى: وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]، والحل في قوله تعالى: قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ [يوسف:108]، والسؤال مرة ثانية: من يتبع هذا المذهب الرباني؟! ومن يؤمن إيمانا قاطعا ويخلص لله؟! من يجاهد في الله حق جهاده ويعمل لمصلحة الإسلام ويتوجه لله وحده؟! من منا أعماله صالحة ونيته خالصة لله وحده؟!
أيها المؤمنون، عباد الله، الصحابي الجليل مصعب بن عمير أرسله نبينا الكريم للمدينة المنورة ليعلم أعداء الإسلام, فتوجه وهو يحمل رسالة الله، وكان يتسلح بالقرآن، إنه هداية الله، إنه صراطه المستقيم ونوره المبين، فلم يترك بيتا في المدينة إلا وأدخل فيه الإسلام، وأناره بالقرآن، لقد أُرسل لقبائل المدينة صحابي جليل واحد نشر الإسلام في أرض المدينة ولم يكن معه سوى القرآن، وكفى بكتاب الله واعظا ومرشدا.
إخوة الإسلام، لم يكن يريد من حطام الدنيا الفانية شيئًا، مصعب الذي أعطاه النبي الكريم اللواء يوم أحد، ونزل المعركة وهو يلبس ثوبًا رثًا وكل رقعة فيه أفضل من تيجان ملوك الأرض اليوم، أصبح مصعب في جنان النعيم، كان يلبس الحرير في الجاهلية، فحمل راية الإسلام في أحد بثياب رثة، وقاتل قتالا مريرًا، ولم يعرف الخوف ولم يرجع خطوة واحدة للوراء، تقدم بثبات وشجاعة، فضرب بالسيف فقطعت يمينه، فحمل الراية بمشاله فضربت شماله فقطعت، فحمل الراية بين عضديه فضرب فخر شهيدا، فرآه النبي وصحابته، فماذا يفعلون؟ إن الشهيد لا يكفن، ليقوم يوم القيامة ونوره بين يديه، ودمه لون الدم، وريحه ريح المسك، الشهيد يكفن بثيابه، لتكون له شفيعا يوم القيامة، الشهيد لا يصلى عليه صلاة الجنازة؛ لأن الصلاة على الأموات والشهيد حي لا يموت، وَلاَ تَقُولُواْ لِمَن يُقْتَلُ فِى سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ [البقرة:154]، الشهادة شرف لا ينالها إلا من أخلص لله. فدفن مصعب في ثيابه ولم تغط قدميه، فقال لهم رسول الله : ((غطوا رأسه بثيابه، وقدميه بنباتات خضراء)).
أيها المؤمنون، استشهد مصعب ومات ميتة الرجال الأبطال، فهل عرف المسلمون اليوم كيف يحملون راية الإسلام ويحمونه ويدافعون عنه؟! هل عرفوا كيف يسيرون إلى نهج الله ولا يلتفون حول قوة ظالمة؟!
إن أمريكا لن تغني عنكم من الله شيئا، لا يستطيعون أن يرفعوا الظلم عنكم أو يدافعوا عن أنفسهم، ففروا إلى الله فما النصر والعزة إلا من الله، فهو وحده القادر على كل شيء، فهو خير المولى ونعم النصير، ادعوا الله واستغفروه إن الله غفور رحيم.
|