.

اليوم م الموافق ‏11/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

نصائح العشر الأواخر

2251

الرقاق والأخلاق والآداب, فقه

الصوم, فضائل الأزمنة والأمكنة, فضائل الأعمال

محمد بن عبد الله السبيل

مكة المكرمة

22/9/1422

المسجد الحرام

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- فضل رمضان. 2- فضل العشر الأواخر والاجتهاد فيها. 3- فضل ليلة القدر وقيامها وتحريها. 4- فضل الذكر وقراءة القرآن. 5- الحث على إخراج الزكاة وبيان فضلها والحكمة منها. 6- الحث على الإخلاص. 7- التحذير من الذنوب والمعاصي. 8- التذكير بما يتعرض له المسلمون من اضطهاد وعدوان.

الخطبة الأولى

أما بعد:

فيا أيها المسلمون، اتقوا الله حق التقوى، فإن تقوى الله عز وجل سبيل المؤمنين، وزاد الصالحين، وبها النجاة والصلاح يوم الدين، فاتقوا الله في كل وقتٍ وحين، واتقوه في كل ما تأتون وتذرون لعلكم تفلحون، واشكروه عز وجل أن هداكم للإيمان، ومنّ عليكم ببلوغ هذا الموسم العظيم، والشهر الكريم، الذي فضله على سواه من الشهور، واختصّه بخصائص عظمى، وفضائل كبرى، أنزل فيه القرآن، هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ [البقرة:185]. شهرٌ أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتقٌ من النار، من صامه إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليله إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، كما صح بذلك الخبر عن رسول الهدى [1].

ألا وإن أفضل أيام هذا الشهر ولياليه – يا عباد الله – عشره الأخيرة، فأيام العشر أفضل أيام الشهر، ولياليه أفضل ليالي العام كله، وقد كان رسول الله يخصُّ هذه العشر بمزيد من العبادة، ويضاعف فيها الأعمال الصالحة، ويجتهد فيها بأنواع من القرب والطاعة ما لا يجتهد فيما سواها من الأزمنة، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدّ وشدّ المئزر[2].

وحسب هذه الليالي شرفاً ورفعة وفضلاً أن الله اختصّها بليلة القدر التي عظَّم سبحانه قدرها، وأعلى شأنها، وشرفها بإنزال الوحي المبين على سيد المرسلين ، وفيها يُفرق كل أمر حكيم، والعبادة فيها تفضُل عبادة ألف شهر خلت من ليلة القدر، فهي ليلة عظيمة البركات، كثيرة الخيرات، لِما يتنزل فيها على العباد من عظيم المنح الربانية، وجليل النفحات الإلهية.

وإن من صدق إيمان العبد، ودلائل توفيق الله له أن يغتنم هذه الليالي المباركة، بجلائل الأعمال الصالحة، وأنواع العبادة والطاعة، والتذلل بين يدي الله عز وجل، والإنابة إليه، أملا في إحراز فضل ليلة القدر، ونيل بركاتها، فلقد بلغ من عظيم فضلها وجليل ثوابها أن من قامها بنية خالصة وعبودية صادقة كفّر الله عنه ما سلف من ذنوبه وخطاياه، فقد قال : ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه)) [أخرجاه في الصحيحين] [3].

وقد ندب رسول الهدى أمته إلى التماس ليلة القدر في ليالي الوتر من العشر الأواخر، أو السبع البواقي من هذا الشهر الكريم، فقد روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي)) [4]، وفي لفظ آخر له: ((فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر)) [5]، وقد سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله عما تدعو به ليلة القدر إن هي علمتها، فأرشدها أن تقول: ((اللهم إنك عفو، تحب العفو، فاعف عني)) [6].

فلتغتنموا – أيها المؤمنون – ما هيأ لكم الحق عز وجل من هذه الأزمنة الفاضلة، والمواسم المباركة، التي تضاعف فيها الحسنات، وتقال فيها العثرات، بما يقربكم إلى الله، ويبلغكم رضاه، لا سيما وأنتم تتفيؤون ظلال هذا البلد الحرام الذي عظمه الله وشرفه، وجعل للعبادة فيه مزية وفضلاً، فالصلاة فيه بمائة ألف صلاة فيما سواه، وكل الأعمال الصالحة فيه تُضاعف، فقد اجتمع لكم هنا – أيها المؤمنون – فضيلة المكان وشرف الزمان، وهما فضيلتان عظيمتان، ومزيتان جليلتان، هيأهما تعالى لكم، فضلاً منه وإحساناً، فمن التوفيق والرشاد ونفاذ البصيرة وسداد الرأي أن يغتنم المسلم هذه الفضائل الربانية والمنح الإلهية بالتزود بالصالحات، والمسابقة إلى الخيرات، والمحافظة على العبادات من صلاة وصيام، وصدقة وبر وإحسان، وعطف على الفقراء والأيتام، والإكثار من الطواف والاستغفار، وإدامة ذكر الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار، فإن ذكر الله تعالى يزكي النفوس، ويشرح الصدور، ويورث الطمأنينة في القلوب، كما قال عز شأنه: أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ [الرعد:28].

وإن خير أنواع الذكر قدراً، وأعظمها عند الله أجراً تلاوة كتاب الله الكريم الذي لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42]. فقد كان من هديه الإكثار من تلاوته في رمضان أكثر من تلاوته في غيره، وكان جبريل يأتيه في رمضان يدارسه القرآن[7].

وقد أبان عن فضل تلاوة كتاب الله، وعظيم ثوابه بقوله: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) [رواه الترمذي وصححه] [8].

وإن مما ينبغي التذكير به – يا عباد الله – ولا سيما تذكير ذوي الغنى واليسار أن يعنوا بأداء الزكاة، فإنها من آكد أركان الدين، ومن أجل محاسن الشرع المبين، فرضها الحق عز وجل لمصالح ومنافع عظمى، فهي سبب لزكاء النفوس، وطهارة القلوب، ونماء الأموال، ومن أكبر عوامل الألفة والمودة بين المؤمنين، ومن أعظم مظاهر التكافل الاجتماعي بين المسلمين، فأخرجوها – أيها المؤمنون – كاملةً غير منقوصة، بنية صالحة، ونفوس بالخير مغتبطة، دون منٍّ ولا أذى، ومن غير استكبار ولا استعلاء، فقد قال جل وعلا: مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ سُنبُلَةٍ مّاْئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَـٰعِفُ لِمَن يَشَاء وَٱللَّهُ وٰسِعٌ عَلِيمٌ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُواْ مَنّا وَلا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:261، 262].

فلتحافظوا على هذه الفريضة، وغيرها من فرائض الله، وأن تخلصوا القصد والنية فيها لله عز وجل، وفي جميع أعمالكم الصالحة، فإن العمل الصالح إذا شابه شيء من الرياء أو السمعة كان من أسباب حبوطه وعدم قبوله، فقد ورد في الحديث القدسي عند مسلم وغيره أن رسول الله قال: ((قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)) [9].

فاتقوا الله عباد الله، ولتغتنموا ما تبقى من أيام هذا الشهر ولياليه، بالمسارعة إلى طاعة الله ومرضاته، والتعرض لنفحاته وألطافه، فربما أدركت العبد نفحةٌ من نفحات ربه، فارتقى بسببها إلى درجات المقربين، وكان في عداد أولياء الله المتقين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

ولتحذروا الذنوب والمعاصي، والانقياد للأهواء والشهوات، وإضاعة الأوقات باللهو والباطل مما يصدّ عن ذكر الله وطاعته، ويستجلب سخطه ومقته، فتندموا على تفريطكم عند لقاء ربكم، ولات ساعة مندم، ولتبتهلوا – أيها المؤمنون – إلى ربكم ضارعين مخبتين لمغفرة الذنوب والآثام، وحطّ الخطايا والأوزار، وسؤاله العتق من النار، فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ [آل عمران:185].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَـٰرَةً لَّن تَبُورَ لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:29، 30].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


 



[1]  قوله : ((من صام رمضان إيمانا...)) أخرجه البخاري في صلاة التراويح (2014) ، ومسلم في صلاة المسافرين (760) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقوله : ((من قام رمضان إيماناً ...)) أخرجه البخاري في الإيمان (37) ، ومسلم في صلاة المسافرين (759) من حديث أبي هريرة كذلك.

[2]  أخرجه البخاري في صلاة التراويح (2024) ، ومسلم في الاعتكاف (1174) واللفظ له.

[3]  أخرجه البخاري في الصوم (1901) ، ومسلم في صلاة المسافرين (760) من حديث أبي هريرة.

[4]  أخرجه مسلم في الصيام (1165).

[5]  أخرجه البخاري في صلاة التراويح (2015) ، ومسلم في الصيام (1165).

[6]  أخرجه أحمد (6/173) ، والترمذي في الدعوات (3513) ، وابن ماجه في الدعاء (3850) ، وقال الترمذي : "حديث حسن صحيح" ، وصححه الحاكم (1/530) ، وأقره الذهبي ، وصححه النووي في الأذكار (ص248).

[7]  أخرجه البخاري في بدء الوحي (6) ، ومسلم في الفضائل (2308) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه.

[8]  أخرجه الترمذي في فضائل القرآن (2910) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وقال : "حديث حسن صحيح غريب" ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1416).

[9]  أخرجه مسلم في الزهد (2985) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

الخطبة الثانية

الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله الأولياء، وأصحابه الأتقياء، ومن سار على هديهم واقتفى.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون، اتقوا الله حق تقاته، واستقيموا على طاعته ومرضاته، وتذكروا عباد الله وأنتم ستفيئون ظلال هذا الشهر الكريم شهر الرحمة والمواساة حال إخوان لكم في العقيدة والدين، في أنحاء من المعمورة، قد أصيبوا بمصائب عظمى، وتوالت عليهم فجائع كبرى، تتكرر على مرور الليالي والأيام، في أوطان قد استبدّ بها الطغيان، واستباحها الظالمون المعتدون، شعوبٌ شرِّدت عن أوطانها، واستبيحت حرماتها، ومزِّقت كل ممزَّق، وأذيقت ألوانا من الاضطهاد، وصنوفاً من النكال، وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ [البروج:8].

وإن من أبشع ذلك ما يحل بإخواننا في الأرض المباركة فلسطين، من عدوان أثيم من قبل اليهود الغاصبين، ومن شايعهم من الكفرة الظالمين في تحدٍ سافر، وعدوان ظاهر، على مرأى ومسمع من العالم، وفي هذا الشهر الفضيل، حتى استباحوا الحرمات، ودنسوا المقدسات، وسفكوا الدماء، وبغوا في الأرض فساداً وعدواناً، غير مبالين بالعهود الدولية، ولا بالأعراف الإنسانية، لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ [التوبة:10].

وآخرون من إخواننا في بلادٍ شتى، يعيشون أياماً قاسية، ويذوقون مرارات متنوعة، قد غلّت النكبات أيديهم، وتوالت عليهم نوائب الدهر،  حتى ثقلت عليهم أعباء الحياة، واشتد عليهم شظف العيش، وانتشر فيهم الجوع، وفتكت بهم الأمراض، في أوضاع مؤلمة، ومآس محزنة، تذوب منها قلوب أهل الإيمان كمدا وحَزَناً، ولوعة وألماً، فلتلتفتوا – أيها المسلمون – إلى إخوانكم المضطهدين في كل مكان، ولتعلموا على مناصرتهم، ورفع الظلم عنهم، ودعمهم مادياً ومعنوياً، فإن ذلك مما تفرضه أخوة الإيمان، ورابطة الإسلام، فأعينوا محتاجهم، وأغيثوا ملهوفهم، وواسوا مكلومهم، كي تخففوا بعض مآسيهم وآلامهم، وَمَا تُقَدّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [المزمل:20].

ألا وصلوا – عباد الله - على نبي الرحمة والهدى، كما أمركم بذلك المولى جل وعلا...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً