أما بعد:
فقد تقدم الكلام في الجمعة الماضية عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسؤول الأول عن الأسرة المسلمة ألا وهو الرجل، تلك الصفات التي تجعله جديرًا بأن تُسند إليه تلك المهمة، فتعالوا اليوم نتحدث عن الصفات التي يجب أن تتحلى بها المسؤولة والمشاركة الثانية في هذه المهمة مهمة الرعاية والحماية والعناية بالأسرة المسلمة وتنمية عقول أفرادها وأرواحها وأجسادها، تعالوا نتكلم عن صفات المرأة التي تجعلها جديرة بأن تُسند إليها هذه المهمة وكما ذكرنا قوله تعالى في سورة البقرة في الآية الحادية والعشرين بعد المائتين لنستدل به على أن العبد المؤمن خير من المشرك ولو أعجبنا، فنستدل بنفس الآية على ما يقابل نفس الأمر من الرجال وعلى أنه مرعي كذلك في النساء، فالله تبارك وتعالى يقول في آخر هذه الآية: وَلامَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221].
فمردّ الأمور دائمًا إلى الإيمان بالله تبارك وتعالى وبما أوجب علينا الإيمان به، فمن كان متحليًا من الرجال والنساء بالإيمان والرضى بالله تعالى ربًا وبرسوله نبينا وبالإسلام دينًا ومن كان موصولاً بجميع حياته وشؤونها بدينه فهو المُقدم عند النظر في هذه المسألة، مسألة إسناد مهمة الأسرة المسلمة.
وَلامَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221].
وفي هذا يقول رسول الله فيما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، يقول محددًا الأمور التي من أجلها يرغب الرجل في نكاح المرأة، فيُبين عليه الصلاة والسلام أنها أربعة أمور وذلك في قوله: ((تُنكح المرأة لأربع، لمالها ولجمالها وحسبها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)).
بين عليه الصلاة والسلام أنَّ الأمور التي تدعو الرجل لنكاح المرأة هي المال، أو الجمال، أو الحسب، والنسب أيضًا، والدين يدعو الرجل لنكاح المرأة، وقد يكون طلاب الدين قليلين خاصة إذا لم ينضم إلى الدين صفة أخرى، لا سيما صفة الجمال، وهنا بيَّن رسول الله أن ذات الدين تُغتنم ويُظفر بها، وذات الدين قد أصبحت في أعصارنا وأيامنا هذه بصفة خاصة، قليلة الوجود، نادرة إلى حد بعيد، وذلك لأن الشيطان وأعوانه منذ زمن ومنذ أمد يتعاهدون المسلمون بالإفساد، وبالكيد، ومن ضمن الأدوات التي استخدموها في بلوغ غايتهم؛ النساء، ويصدق ذلك ويشهد له قوله في الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال عليه الصلاة والسلام: ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)).
ويقول سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى: (ما آيس الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساء) يعني إذا أراد الشيطان أن يفسد على المؤمنين أمرًا من أمورهم فعزّ عليه وصعب وتعسر طرقه من باب النساء، فإذا هو سهل يسير، ومن هنا سُلطت النساء منذ زمن بعيد على الرجال، وأُلقىَ في أذهانهن الأفكار الخبيثة الخاطئة لكي يطلب الاختلاط والتبرج والسفور والعمل والمساواة بالرجال في جميع الأحكام والميادين.
ومن هنا فلتعلم النساء اللاتي يحاولن المساواة بالرجال في جميع الأحكام والميادين أنهن مترجلات متشبهات بالرجال، وأنهن بناء على ذلك ملعونات في كتاب الله على لسان رسوله ، وكذلك المخنثون المتشبهون من الرجال بالنساء ملعونون في كتاب الله على لسان رسوله .
أمّا النساء فقد طلبن التساوي بالرجال في كثير من الأمور والأحكام والميادين، وهن يطمعن بسبب ما أُلقيَ إليهن من هذه الأفكار الخبيثة الخاطئة يطمعن إلى مساواة الرجال في كل شيء لو أمكن ذلك.
وما وقع ذلك إلاَّ عندما فُصل بينهن وبين الدين تمامًا، وقيل لهن ولغيرهن من الرجال الذين شُوِّش عليهم: الدين دين عبادة فحسب، وأمور الحياة مرجعها إلى العادات والأقيسة العقلية وطرق الكفار في تناول هذه الأمور، ومن ثم غاب عن النساء قوله تعالى في الآية الثامنة والعشرين بعد المائة من سورة البقرة: وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228].
وبين الله هذه الدرجة في الآية الرابعة والثلاثين من سورة النساء، فقال: ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاء بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ [النساء:34].
صادمت النساء هذه الآيات فخرجن وتبرجن مدعيات أنَّ المجتمع له رئتان إحداهما معطلة بسبب جلوس النساء، وقبوعهن في بيوتهن، استجابة منهن لما ألُقي إليهن من هذه الأفكار الخبيثة الكافرة، وخرجن وتركن البيوت وعطلن أعمالهن التي لا يصلح لها سواهن، لقد حدثنا الله تعالى في الآية الثامنة عشرة من سورة الزخرف عن النقص والضعف الخلقي الذي جبل الله تعالى عليهما النساء فقال: أَوَمَن يُنَشَّأُ فِى ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِى ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18].
يُنكر على الكفار نسبة البنات إليه سبحانه ويُبَين أنّ النساء ينشأن في الحلي والزينة لجبر النقص وتغطيته. لزمها جبره وتغطيته ولهذا يقول الشاعر:
وما الحُلي إلا زينـة مـــن نقيصــة
يتمـم مـن حُسـن إذا الحُســن قصّرًا
وأما إذا كان الجمال موفـــــــرًا
كحسـنـك لــم يحتج إلى أن يزوّرا
ولهذا لم يشرع الحُلي والزينة للرجال لأن جمال الذكورة يكفيهم، وشرع الحلي والزينة للنساء لجبر النقص وتغطيته، ثم إنّ النساء إذا ظُلمن وبُغي عليهن واعتدُى عليهن لم يستطعن أن يُبن، ولم يستطعن رد الظلم عن أنفسهن لأنهن مع النقص في الخلقة ضعيفات، ولا عبرة بالنوادر من النساء، فإن النادر لا حكم له. يعني لو علم أن هناك من النساء من تستطيع أن تبغي على الرجال فإنه من النادر، والنادر لا حُكم له.
أما الشيء الثابت المعروف الدائم المنتشر في النساء. فهو ضعفهنّ، ومن هنا أوصى القرآن الكريم بهن، وشدد في الوصية، وأوصى رسول الله ، وكرر وشدد في الوصية.
أما القرآن الكريم فقال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ [النساء:19].
وفي الأمور المتعلقة بالإيلاء أي الحلف، والطلاق والرضاع ونحو ذلك من الأمور المتعلقة بالأسرة المسلمة فقد مرت الإشارة إلى الوصية القرآنية فيها، وتشديده، وإناطة الأمر في هذه المسائل بتقوى الله، وحساسية الضمير حتى يتقي الرجال ربهم في النساء.
وأما رسول الله فإنه يقول موصيًا الرجال: ((استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرًا)).
وكنت قد تكلمت على ذلك بشيء من التفصيل أثناء الحديث عن أمور الزواج في الخطب الخاصة به. أَوَمَن يُنَشَّأُ فِى ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِى ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18].
لكن الذين حرّضوا النساء على الخروج والتبذل عندما ملأ الشيطان رؤوسهنّ بهذه الأفكار الكافرة الخاطئة قالوا: إن المرأة إذا تبرجت وخرجت وتركت الحجاب، إنّ الامساس يذهب الإحساس.
يعني إذا مُسّت المرأة وتلاقت أبدان الرجال بأبدان النساء، وتكرر ذلك كثيرًا فإنه سيذهب الإحساس، ومن هنا فلا بأس أن تخرج مبدية رأسها وعنقها ومعصمها وذارعها وساقها وغير ذلك، فإن كثرة تعود رؤية الرجال لهذه العورات سيذهب إحساسهم، ولو تركنا الاستشهاد بما يصادم ذلك ويمنعه من كتاب الله وسنة رسوله وجادلناهم بالأقيسة العقلية التي يحتجون بها دائمًا لقُلنا أنتم مخطئون غاية الخطأ، وقولكم في غاية السقوط والخسة؛ لأنّ المنصف يعلم علم اليقين أن الرجل يعيش مع امرأته سنين كثيرة، ويُنجب منها الأولاد، كلما سمع صوتها، أو رأى شيئًا من جسدها حصلت عنده الشهوة إليها، ودفعته نفسه إليها، ظل دائمًا مشدودًا إليها مهما عاش معها من السنين. فكيف يذهب المساس الإحساس.
هذا كلام ساقط خسيس.
ثم إن الرجل والمرأة إذا خرجوا إلى العمل واستأجروا شخصًا يقوم بدور المرأة لحفظ الصغار والقيام على إرضاع من يحتاج إلى الرضاع منهم، وتهيئة الأكل والشرب للرجل إذا عاد إلى بيته، فإن هذا الإنسان الذي استؤجر سيُعطل ليقوم بدور غيره، وقد جعل الله تبارك وتعالى للمرأة القدرة على المشاركة في أنواع من البناء الإنساني كالحمل والوضع والرضاعة وتربية النشأ وخدمة البيت والقيام على شؤونه، هذه أمور لا يُستهان بها لأنه لا يصلح لها غيرها، وتكلمت عن ذلك في الخطبة الأولى المتعلقة بخطب الأسرة المسلمة، وعرفنا أن الطفل في العامين الأولين يحتاج حاجة نفسية إلى أم لا يشاركه فيها أحد، ويحتاج فيما بعد ذلك من السنين إلى أبوين مميزين يُنسب إليهما، هكذا فقدنا ذوات الدين، وقلَّ وجودهن، وندر عددهن لما استعدى علينا أعداؤنا باستخدام النساء في تحقيق مآربهم، ولهذا فإن كثيرًا من النساء يحاججن ويُجادلن في أمور هي من أبين الأمور البينة، صريحة في كتاب الله عز وجل، صحيحة في سنة رسول الله لكنهن لما اتبعن أعداء الإسلام في المجادلة بالأقيسة العقلية والعادات والتقاليد، وطرقهم في تناول الأمور.
عزَّ جذبهم إلى الأحكام، وإلى أنها لا تُستمد إلا من كتاب الله وسنة رسوله وعلى المسلمين ألا ييأسوا أبدًا من دعوتهن، ومحاولة إفهامهن وطرح الأباطيل ووضعها جانبًا عن أذهانهن، والحيلولة بينهن وبين هذه المؤثرات التي تأتيهن من شرق ومن غرب.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
|