فإن الصراع بين الحق والباطل قائم على أشده منذ أن خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة، فآدم عليه السلام وهو يمثل عنصر الخير في الأرض وتمثل الحق فيه، عاداه إبليس اللعين أصل كل شر وبلية، وذلك العداء من إبليس وجنده لآدم وذريته من المؤمنين قائم وسيظل قائماً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وتاريخ الأنبياء حافل بالصراع بينهم وبين الكافرين أولياء الشيطان فمنذ أن بعث الله آدم عليه السلام ومن لدن نوح عليه السلام حتى ختم الله الرسالة والنبوة، بمحمد وهداه إلى الإسلام يشنون حرباً لا هوادة فيها على الإسلام والمسلمين، وستظل هذه الحرب وإلى يومنا هذا بل وإلى يوم الدين.
والأعداء لن يكفوا عن حرب المسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وأولياء الشيطان من الجبابرة العتاة والطغاة والمتكبرين حين يصارعون أهل الحق يضعونهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما البطش والتعذيب والتنكيل بأولياء الله وحملة الدين، وإما أن يساوموهم للدخول معهم في دينهم، إما بأنصاف الحلول أو بأثلاثها وأرباعها قال الله تعالى: وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ [إبراهيم:13-14].
فهذان الخياران أحلاهما مر، إما القتل أو التنكيل والتعذيب، والتشريد وإما الدخول في ملة الكافرين، والقبول بالخيار الأخير معناه التخلي عن المبدأ والعقيدة، فإن التنازل ولو بقدر ضئيل معناه التخلي عن المبدأ، فإن من قبل أن يتنازل ولو بشيء بسيط عنده الاستعداد للتنازل إلى آخر المطاف، والذي ينتهي به إلى بيع الصفقة كلها، وهذا ما وعاه فتية الكهف فإنهم قالوا: إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذاً أبداً [الكهف].
فهذا هو منطق الطغاة والمتجبرين والطواغيت، لو ظفروا بالدعاة استخدموا معهم كل أساليب البطش والتنكيل، والتعذيب أو ساوموهم في الدخول معهم ومشاركتهم في كفرهم وباطلهم.
وإذا اختار الدعاة هذا الطريق طريق المساومة والدخول في ملة الكافرين فلن يفلحوا أبداً فإن دين الله إنما جاء لتحقيق التوحيد والقضاء على الشرك وأهله.
فيا عباد الله: إن الطريق الذي اختاره الله لنبيه محمداً وأصحابه في سبيل نشر هذا الدين كان هو طريق التوحيد والثبات على المبدأ، وهو الطريق الذي رسمه الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة، أن يفاصلوا المشركين في ملتهم ودينهم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ [الكافرون:1-6].
هذا الطريق تتطلب من المسلمين الثبات والصبر وإن ساورهم العدو على أنصاف الحلول لتمييع مبدئهم فليصبروا وليثبتوا على ما هم عليه من مبدأ الحق، فإن الله سبحانه وتعالى قد كتب التمكين لأوليائه، والاستخلاف لهم في الأرض، ولكن إلى أجل هو يعلمه سبحانه وتعالى قال الله سبحانه وتعالى: وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِى ٱلأرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ [القصص:5-6].
أيها المسلمون: إن حرب الأعداء على حملة هذا الدين ودعاته قائم، وإذا أسفر الباطل عن وجهه الكالح السواد، فكشر عن أنيابه، واستخدم كل أساليب البطش والتنكيل والتعذيب والقتل معتقداً أنه بهذا الأسلوب سيقتضي على الحق وحملته، وهذه هي سنة الله في دعاة الحق وحملته وأنصاره، فإن جاء الابتلاء وأوذوا في سبيل الله فما عليهم إلا الصبر والثبات على الحق، وعدم المساومة في دين الله إلى أن يفتح الله بينهم وبين الكافرين، فعن أبي عبد الله خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال: ((قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)) [رواه البخاري وأبو داود والنسائي].
إن الأنبياء وهم أكرم الخلق عند الله ما سلموا من الإيذاء والتعذيب بل إن منهم من قتل في سبيل الدين فقال الله تعالى عن اليهود وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [البقرة:61].
فعن عبد الله بن مسعود قال: كأني أنظر إلى رسول الله يحكي نبياً من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربة قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه يقول: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)) [متفق عليه].
هذا هو طريق الدعوة والتوحيد، هذا هو سبيل الله الذي اختاره لأوليائه فما على الدعاة وأتباعهم وحملة هذا الدين إلا أن يصبروا إلى أن يأذن الله لهم بالفرج. |