فإن الواجب على المسلم أن يقصد الله سبحانه وتعالى وحده بالعبادة في قوله وعمله وجهاده ودعوته وسائر أعماله ويتبرأ من كل ما سوى الله، وذلك لا يكون إلا بإخلاص النية والقصد والإرادة لله وتخليصها من كل غرض دنيوي.
قال الله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].
وقال الله تعالى: وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ حُنَفَاء [البينة:5].
وقال الله تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـٰلِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا [الكهف:110]. وهذه الآية بينت أن ركني العمل وشرطي صحتهما إنما هو في الإخلاص والمتابعة فقوله: فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـٰلِحاً أي صواباً على السنة وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا أي إخلاصاً لله عز وجل، فهذان ركنا العمل الصالح، لا يقبل الله أي عمل إلا بهما.
إن العمل إذا كان لله فهو مقبول، وصاحبه مأجور عليه، وإن كان لغير الله فهو مردود على صاحبه، وهو مأزور عليه، فالله سبحانه وتعالى لا يقبل في العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم،وفي الحديث القدسي: ((قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)) [رواه مسلم].
ولن يقبل الله من العبد عملاً إلا إذا كان خالصاً لوجهه الكريم قال الله تعالى: أَلاَ لِلَّهِ ٱلدّينُ ٱلْخَالِصُ [الزمر:3]. وقال: فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ [غافر:14].
وتصحيح النية لله شرط في صحة العمل وقبوله، فعن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) [متفق عليه].
والقتال في سبيل الله وهو من أفضل الأعمال وأعظمها لا يقبله الله من العبد إلا إذا كان مقاتلاً في سبيله عز وجل، فعن أبي موسى الأشعري قال: سئل رسول الله عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حميّة – أي غيرة وعاراً وأنفة- ويقاتل رياءً أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله : ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)) [متفق عليه].
وإن العمل الصالح إذا أخلص فيه العبد لربه انتفع به في الدارين واستمعوا إلى حديث الثلاثة النفر الذين آواهم المبيت في غار وهم في سفر، ففيه العبرة والعظة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: ((انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار في خلوة فانحدرت صخرة من الجبل فسدّت عليهم الغار فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق - أي لا أقدم عليهما أحداً في شرب اللبن، والغبوق هو ما يشرب بالعشي - قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي طلب الشجر يوماً، فلم أرِح - أي لم أرجع إليهما – عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت والقدح على يدي – انتظر استيقاظهما حتى برق – أي ظهر الفجر، والصبية يتضاغون – أي يتباكون عند قدمي، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه، قال الآخر: اللهم إنه كان لي ابنة عم كانت أحب الناس إليّ، وفي رواية: كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء فأردتها عن نفسها – أي الزنا – فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين – أي حل بها عام قحط وجفاف ومجاعة – فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها – وفي رواية – فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفضّ الخاتم إلا بحقه – كناية عن النكاح – فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليّ وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها، وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحدٍ ترك الذي له وذهب فثمرّت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أدِّ إلي أجري، فقلت: كل ما ترى من أجرك: من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي! فقلت: لا استهزئ بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون)) [متفق عليه].
فهؤلاء الثلاثة نجاهم الإخلاص لله وابتغاء وجه الله في أعمالهم من هلاك محقق، فلما عرفوا الله في الرخاء، ما نسيهم في الشدة وصدق رسول الله إذ يقول: ((تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)) [أخرجه الترمذي بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما].
فالواجب علينا أن نخص النية ونصحح الإرادة لله سبحانه وتعالى حتى يكون عملنا خالصاً لوجهه الكريم.
أقول ما تسمعون، ادعوا الله واستغفروه.
|