.

اليوم م الموافق ‏10/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

من علامات محبته (1)

1840

الإيمان

الإيمان بالرسل

رضا بن محمد السنوسي

مكة المكرمة

السنوسي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- محبة النبي شرط من شروط الإيمان. 2- المرء مع من أحب يوم القيامة. 3- محبة النبي سبب لحصول الإيمان. 4- المحبة القلبية تستلزم عملاً بالجوارح. 5- علامات محبة النبي .

الخطبة الأولى

أما بعد:

أحبابنا في الله: ما أجمل أن يرتبط المسلم بسيرة رسول الله وبحياته! هذا الارتباط الذي هو ثمرة للإيمان وصدق اليقين، هذا الارتباط الذي فيه صدق الاتباع، وصدق المحبة.

لقد قام المسلمون الصادقون في حبهم بدراسة هذه السيرة العطرة حتى جنوا من ذلك الخير الكثير، لقد قاموا بأداء ما افترضه الله عليهم من محبة نبيه وتوقيره وإكرامه وبره واتباعه وطاعته، وظهر من حبهم لرسول الله ما جعلهم يفدونه بكل عزيز وغال، ويؤثرونه على الأهل والأوطان والأموال، حتى باعوا أنفسهم وأموالهم لرب العالمين، نصرة لدينه، ودفاعاً عن نبيه ، ونشراً لهذا الدين، فرضي الله عنهم وأرضاهم.

أحبابنا في الله: من سعادة العبد أن يرزقه الله تعالى محبة النبي ، وكيف لا يكون هذا ومحبته شرط من شروط الإيمان.

أخرج البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال النبي : ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)).

فالذين أحبوا رسول الله فازوا وغنموا، والذين أحبوا رسول الله صدقوه، وأيدوه، وناصروه، والذين أحبوا رسول الله بشرهم أنهم سيكونون معه، ففي الحديث المتفق عليه أن رجلاً سأل رسول الله فقال: المرء يحب القوم، ولم يلحق بهم، فقال رسول الله : ((المرء مع من أحب)).

ومحبته سبب لحصول حلاوة الإيمان، فقد أخرج الشيخان عن النبي أنه قال: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يُقذف في النار)).

والحب وإن كان من أعمال القلوب فإنه لابد أن تظهر آثاره على الجوارح قولاً وفعلاً، والمحب لرسول الله لابد أن تظهر محبته لحبيبه في حياته وسلوكه في عبادته وطاعته حتى يتميز المحب الصادق من الدعي الكاذب.

إخوة الإسلام: كل واحد منا يذكر أنه يحب النبي ، وأنه عليه أفضل الصلاة والسلام أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين، فهل نحن صادقون في حبنا هذا؟

لقد ذكر العلماء علامات ومقاييس لمعرفة محبة النبي في قلب الشخص، فتعالوا بنا – إخوة الإسلام – نستعرض في هذه الجمعة – إن شاء الله تعالى – بعض هذه العلامات لنعرف مدى حبنا لرسول الله ، وصدقنا معه، وإخلاصنا في هذا الحب العظيم.

أولاً: من علامات المحب لرسول الله طاعته لهذا الرسول واتباعه له. إن أقوى شاهد على صدق المحب موافقته لمحبوبه، فالاتباع هو دليل المحبة الأول وشاهدها الأمثل، وهو شرط في صحة هذه المحبة، وبدونه لا تتحقق المحبة الشرعية، يقول الحق سبحانه وتعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]. ويقول : ((من أحب سنتي فقد أحبني)) [مسند أبي يعلى].

فالصادق في حب النبي هو من أطاعه، واقتدى به، وآثر ما يحبه الله ورسوله على هوى نفسه، وظهرت آثار ذلك عليه، يقول القاضي عياض: اعلم أن من أحب شيئاً آثره، وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقاً في حبه، وكان مدعياً، فالصادق في حب النبي من تظهر عليه علامة ذلك وأولها الاقتداء به واستعمال سنته واتباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والتأدب بأدبه. انتهى.

ويقول : ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)). فإذا آثرنا طاعته فقد صدقنا في حبنا، وسلكنا المسلك الصحيح الذي يوصلنا إلى خير الدنيا والآخرة.

العلامة الثانية من علامات المحب لرسول الله هو أن يكون فقد رؤيته أشد علينا من فقد أي شيء في الدنيا، فمن المعلوم أن غاية ما يتمناه المحب هو أن يسعد برؤية حبيبه، ومحب النبي يتمنى دائماً أن يسعد برؤيته في الدنيا والآخرة، وحينما تتهيأ له فرصة الاختيار يختار رؤية النبي .

أخرج مسلم في صحيحه عن أحد المحبين الصادقين في حبهم لرسول الله إنه ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيت عند النبي فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال لي: ((سل))، فقلت: يا رسول الله، أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: ((أو غير ذلك))؟ قلت: هو ذاك، قال: ((فأعني على نفسك بكثرة السجود)).

فانظروا – رحمكم الله – إلى هذا المحب، فإنه لم يتردد في إظهار أن اختياره الأول هو الحصول على مرافقته . والمحب الصادق يحزنه حتى تصور حرمانه من رؤية حبيبه ، فعن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله وهو محزون، فقال له النبي : ((يا فلان، مالي أراك محزوناً))؟ فقال: يا نبي الله شيء فكرت فيه. فقال: ((ما هو))؟ قال: نحن نغدو ونروح، ننظر إلى وجهك، ونجالسك، وغداً ترفع مع النبيين فلا نصل إليك، فلم يرد عليه النبي شيئاً، فأتاه جبريل بقوله تعالى: وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ ٱلنَّبِيّينَ وَٱلصّدّيقِينَ وَٱلشُّهَدَاء وَٱلصَّـٰلِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً [النساء:69]. فبعث النبي فبشره.

وهذا محب آخر يأتي إلى النبي فيقول: يا رسول الله، إنك لأحب إلي من نفسي، وأحب إلي من أهلي، وأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإن دخلتُ الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يرد عليه النبي حتى نزلت الآية: وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ ٱلنَّبِيّينَ وَٱلصّدّيقِينَ وَٱلشُّهَدَاء وَٱلصَّـٰلِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً [النساء:69].

هكذا كان الصادقون في محبتهم له ، فكيف نحن في محبتنا؟ هل نحن صادقون فيها؟ ألسنا قد أحببنا أشياء كثيرة، نبذل المال الكثير للتلذذ بها والتنعم، ألسنا نضيع أوقاتنا في القيل والقال، وفيما لا نفع فيه؟ أبعد هذا نقول نحن صادقون في محبتنا لرسول الله ، إن المحب الصادق في محبته لو خير بين مجرد أن يرى النبي مناماً أو يقظة، وبين فقد أغلى شيء لديه في الحياة لاختار الأول.

فاللهم ارزقنا صدق المحبة لرسولك ، اللهم اجعلنا من الذين صدقوا في حبهم ففازوا ونجوا، اللهم اجعلنا من المتبعين، ولا تجعلنا من المبتدعين، اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك، واجعل حبك وحب نبيك، أحب إلينا من المال والأهل والولد. آمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً على ما أنعم وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على هذا العبد المحبوب وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد:

عباد الله: العلامة الثالثة من علامات المحب لرسول الله : تعظيم النبي وتوقيره والأدب معه، فتعظيم النبي هو ما يقتضيه مقام النبوة من كمال الأدب وتمام التوقير، وهو من أعظم مظاهر حبه ومن أكبر حقوقه على أمته، كما أنه من أهم واجبات الدين؛ لذا كان الصحابة رضوان الله عليهم أكثر الناس حباً وتعظيماً لرسول الله لمعايشتهم له وقربهم منه.

وتعظيم النبي يكون بالقلب واللسان والجوارح، فتعظيم القلب يكون بالاعتقاد الكامل بنبوته، وعمومية رسالته، ورفع ذكره، وتفضيله على سائر الخلق أجمعين، كما يستلزم تقديم محبته على سائر المحبات كلها.

أما تعظيم اللسان فيكون بالثناء عليه بما هو أهله، ويدخل في ذلك الصلاة والسلام عليه، كما يشمل الأدب في الخطاب معه، والحديث عنه، وغض الصوت عنده في حياته، وعدم رفع الصوت عند قبره بعد وفاته.

وأما تعظيم الجوارح فيكون بطاعته ، ومتابعته، واجتناب ما نهى عنه، والسعي في إظهار دينه، ونشر شريعته، والذب عنها، وصون حرمته، فمن فعل ذلك فقد عظم النبي ، وعرف له قدره.

إخوة الإسلام: ومن علامات نصرة شريعته نصرة المسلمين المحتاجين، الذين تكالبت عليهم المصائب من حروب ودمار وتنصير وجفاف، إخوانكم المسلمون في الصومال ذلك البلد الإسلامي الذي بُلي بحروب طاحنة وجفاف قاتل يناشدونكم اليوم يا أتباع محمد أن تؤثروهم بعطاء مما أعطاكم الله، وتفيضوا عليهم مما أنعم الله به عليكم، ويناشدونكم ألا تتركوهم للمنصرين، يعبثون بشبابهم، وينصرون أطفالهم.

إخوة الإسلام: لو تبرع كل واحد منا بقيمة طعامه في أسبوع واحد لكفى إخواننا مؤونة شهر كامل، فإنهم يكفيهم القليل، والقليل أجره عند الله كبير، فهلا بادرنا إلى جنة عرضها السموات والأرض، وأخرجنا من هذه الأموال ما يسد جوعة، ويستر عورة، ويعين مسلماً، فهذه الصناديق عند باب المسجد تنتظركم في هذا اليوم المبارك، وهذه الهيئات الإسلامية تنتظر كل يوم منكم إحساناً ومساعدة وعطفاً وحناناً، فالبدار البدار، وتأسوا بحبيبكم .

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً