.

اليوم م الموافق ‏26/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

من الحروب الصليبية إلى التنصير

1808

أديان وفرق ومذاهب

أديان

مصطفى بن سعيد إيتيم

مكة المكرمة

غير محدد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- عموم رسالة النبي . 2- موقف أهل الكتاب من بعثة النبي . 3- لا يقبل الله دينا غير الإسلام. 4- رحمة الإسلام بأهل الكتاب. 5- اعتداءات النصارى على المسلمين. 6- عداوة النصارى للمسلمين. 7- زيارة البابا يوحنا بولص لسوريا. 8- ما وراء هذه الزيارة (التنصير).

الخطبة الأولى

أما بعد:

لقد بعث الله سبحانه وتعالى نبيه محمدًا إلى الناس كافة: عربهم وعجمهم، باديهم وحاضرهم، إنسهم وجنهم، قال تعالى: وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا ولكن أكثر الناس لا يعلمون [سبأ: 28]، وأمره سبحانه أن يقول: يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا [الأعراف: 158].

بعثه الله سبحانه وأهل الأرض صنفان: أهل كتاب، وزنادقة لا كتاب لهم، وكان أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى أشرف الصنفين لما عندهم من النصيب من الكتاب الذي أوتوه على نسيانهم حظًا منه، وتحريفهم لما حرّفوا.

أشرقت شمس الرسالة على أهل الأرض فكانت لهم سراجًا منيرًا، فأنعم الله بها عليهم نعمة لا يستطيعون لها شكورًا، وأهل الكتاب وقتئذ مترقبون ينتظرون، فلما أشرقت من مكة ببعثة محمد بن عبد الله الهاشمي كفروا بها وجحدوها إلا قليلاً منهم، وكانوا هم أولى باتباع النبي لما يجدونه مكتوبًا عندهم في كتبهم، ولأنهم كانوا أعرف به منهم بأبنائهم، قال تعالى: الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل [الأعراف: 157]، وقال تعالى: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقًا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون [البقرة: 146].

أرسل الله نبيه بالهدى ودين الحق، وأنزل معه الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، ولم يقبل سبحانه بعد الإسلام دينًا سواه، قال تعالى: أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون [آل عمران: 83].

وخص الله سبحانه أهل الكتاب بدعوة خاصة فقال تعالى: يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرًا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم [المائدة: 15، 16].

فناداهم بـ(يا أهل الكتاب) تشريفًا وتكريمًا، وليكون ذلك أدعى لقبول ما جاء به محمد لأنه من جنس ما جاءت به الرسل قبله، فالإيمان بالكتب إيمان بالوحي، وهو جنس واحد لا يتجزأ ولا يفترق.

فكان منهم من أسلم فسلم، وآمن فأمن، وكتب له الأجر مرتين، قال : ((من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين، وله ما لنا، وعليه ما علينا))[1] .

وكان منهم من أخذه الكبر والحسد، فكفر وجحد، ومع ذلك أقرهم الإسلام على دينهم، وأذن للمسلمين في الإحسان إليهم، وعصم دماءهم وأموالهم، وحفظ لهم حقوقهم، وأبقاهم بين المسلمين رجاء الخير لهم بإسلامهم وإيمانهم.

فكان الإسلام عليهم نعمة، والمسلمون لهم رحمة، ما ظنكم ـ أيها المسلمون ـ بدين يفتي علماؤه ويقررون بأن من كان معه ماء لوضوئه ووجد مضطرًا من أهل الكتاب أو من دوابهم المعصومة وجب عليه أن يعدل إلى التيمم وأن يسقي ذلك المضطر أو تلك الدابة[2] إنه مصداق قوله تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [الأنبياء: 107].

أيها المسلمون، إن أهل الكتاب ما نعموا بعدل ولا سعدوا بأمن إلا تحت حكم المسلمين، وشواهد التاريخ على ذلك كثيرة:

لما انسحب أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه من حمص ـ بعد أن فرض عليها الجزية ـ بكى النصارى في حمص وقالوا: "يا معشر المسلمين، أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كانوا على ديننا، أنتم أوفى لنا وأرأف بنا، وأكف عن ظلمنا، وأحسن ولاية علينا، ولكنهم ـ أي الروم ـ غلبونا على أمرنا وعلى منازلنا"[3].

ولما قتل صالح بن علي بن عبد الله بن العباس مقاتِلةَ لبنان وأجلى بعضهم، كتب إليه الإمام الأوزاعي رحمه الله: "وقد كان من إجلاء أهل الذمة من جبل لبنان ممن لم يكن ممالئًا لمن خرج على خروجه ممن قتلتَ بعضهم ورددت باقيهم إلى قراهم ما قد علمت، فكيف تؤخذ عامةٌ بذنوب خاصةٍ حتى يُخرَجوا من ديارهم وأموالهم، وحُكمُ الله تعالى أن لا تزر وازرة وزر أخرى، وهو أحق ما وقف عنده واقتدي به، وأحق الوصايا أن تحفظ وترعى وصية رسول الله فإنه قال: ((من ظلم معاهدًا وكلفه فوق طاقته فأنا حجيجه))" [4].

وإليكم أيها المسلمون شاهدًا آخر لكنه هذه المرة من أهلهم، يقول جوستاف لوبون: "ما كانت انتصارات العرب لتعمي أبصارهم لأول أمرهم، وتحملهم على الإفراط المألوف عند الفاتحين في العادة، ولا اشتدوا في إرهاق المغلوبين على أمرهم، ولا فرضوا عليهم بالقوة دينهم الجديد الذي كانوا يريدون بثه في أقطار العالم، ولو عملوا ذلك لأهاجوا عليهم جميع الشعوب التي لم تخضع لهم، فاتقَوا حق التقاة هذه التهلكة التي لم ينج منها الصليبيون الذين دخلوا الشام في القرون اللاحقة، بل رأيناهم ـ أي المسلمين ـ حيث دخلوا في الشام ومصر وإسبانيا يعاملون الشعوب بمنتهى الرفق، تاركين لهم أنظمتهم وأوضاعهم ومعتقداتهم، غير ضاربين عليهم في مقابل السلام الذي ضمنوه لهم إلا جزية ضئيلة، كانت على الأغلب أقل من الضرائب التي كان عليهم أداؤها من قبل. وما عرفت الشعوب فاتحًا بلغ هذا القدر من المسامحة، ولا دينًا حوى في مطاويه هذه الرقة واللطف"[5] .

هكذا كان الإسلام لهم، وهكذا أمر الله ورسوله المسلمين أن يكونوا لهم.

وفي مقابل هذا البر والإحسان والرحمة والإنعام، كيف كان أهل الكتاب للمسلمين؟

إنهم كانوا يكيدون لهم كيدًا، ليردوهم عن دين الله فردًا فردًا، سلكوا في ذلك جميع السبل والوسائل، ونفذوا من أجله مخططات الأواخر والأوائل، فمَّرة مكر وخديعة في ثوب الناصح الأمين، ومرّة غصب واستعمار تحت ستار الإعانة والتأمين، وها هو التبشير والتنصير قد أنشب أظفاره وكشر أنيابه، وهو نتيجة من نتائج التعصب الصليبي المسلح، ومولود من مواليد القوة الطاغية التي تسمي كل ما ترضى عنه من الأعمال المنكرة حرية دين، أو حرية فكر، أو حرية رأي، وتسمي كل ما لا ترضى عنه من المطالبة بالحقوق المغصوبة وغير ذلك تسميه إرهابًا وعنفًا وأصولية وتشددًا.

فالتبشير والتنصير في حقيقة أمره مسار الاستعمار ودرب الغصب، أمدته القوة الطاغية بالمعونة والتأييد، فمد سلطانه حتى أصبحت جميع الأوطان أوطانه، فمن رام فضح أمره قالت له القوة الطاغية: اسكت، التبشير حر وأنا حامية الحرية، وهو عمل إنساني وأنا منقذة الإنسانية[6] .

أيها المسلمون:

إنه لا عجب في أن يكذِّب اليهود والنصارى بالقرآن الكريم، ولكن العجب كل العجب فيمن يقول من الغافلين والخائنين من المسلمين: إن اليهود والنصارى إخوان لنا، راضون عنا!! وهو يسمع قول الله عز وجل: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم [البقرة: 120].

العجب كل العجب فيمن يزعم أنه يؤمن بالقرآن الكريم ثم هو يقول: إن اليهود والنصارى يحبوننا ولا يكنّون لنا العداوة والبغضاء!! والله تعالى يقول: ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا [البقرة: 217].

العجب كل العجب فيمن يقول من المتخاذلين والمخذولين من المسلمين: إن اليهود والنصارى يحترمون ديننا ويعظمونه ويقرّوننا عليه!! والله تعالى يقول: ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق [البقرة: 109].

عداوة أهل الكتاب للمسلمين قضية مقررة محسومة، وعقيدة راسخة معلومة، بينها الله في القرآن الكريم، وشهد بها التاريخ والواقع الأليم، فمن لم يقنع ببينة القرآن ولم يكفه شاهد العيان فلا حيلة إليه.

أيها المسلمون:

اذكروا الجرائم الشنيعة والعظائم الفظيعة التي ارتكبها النصارى في حق مسلمي الأندلس، أجبروهم على التنصر، وحوّلوا مساجدهم إلى كنائس، وأتلفوا كتبهم ومصاحفهم، واعتبروا أطفالهم نصارى، فعمّدوهم بالقوة، ومحوا شعائرهم وشعاراتهم، ومنعوا تقاليدهم وعاداتهم، ونكثوا العهود والمواثيق التي أخذت منهم أن لا يتعرضوا للمسلمين، فقتلوا وعذبوا، ونكَّلوا وشرَّدوا.

واذكروا الحروب الصليبية الكبرى التي شنها النصارى على الشرق الإسلامي طيلة قرنين من الزمان، ويسمونها (الحرب من أجل تحرير القبر المقدس)، كم ارتكبوا فيها من مذابح بقيت شامة عار في جباههم، ففي الحملة الأولى فقط أبادوا أهل أنطاكية وذبحوا في القدس أكثر من سبعين ألفًا من المسلمين، وخربوا حمص وبعلبك وحماة وعسقلان وقِنّسرين وطبرية وغيرها من البلاد، وهجَّروا أهلها منها، وفعلوا الأفاعيل العظيمة التي استحى حكماؤهم ومؤرخوهم منها.

واذكروا ما فعل الاستعمار الصليبي في بلاد المسلمين في القرن المنصرم من قتل وتشريد، وفساد وإفساد، وتخريب ودمار، ونهب للأموال والممتلكات، وحرم المسلمين من أدنى الحقوق التي لا تحرم منها الدواب والبهائم، وليست مذابح البوسنة والهرسك ومجازر كوسوفا منكم ببعيد.

وها هم اليوم يتغنون كذبًا وزورًا بالأمن والسلام، والوحدة والوئام؛ فهذا مجلس الأمن، وذاك مبعوث السلام، وهذه خطة أمن، وتلك صلاة سلام، فبالله عليكم متى علمتم الوحوش الضارية استأنست ، ثم هل تلد الوحوش غير الوحوش ؟!

بالأمس القريب كانت صلاتهم اليومية التي يقولها الصغير والكبير والذكر والأنثى منهم : (يا قلب يسوع الإلهي، أتقدم إليك بقلب مريم الدامي، بصلواتي وأعمالي وآلامي في هذا النهار، وأقدم إليك صلواتي من أجل الغاية التي أنت ساع في سبيلها كل يوم على المذبح، وأقدم إليك صلواتي بصفة أخص، من أجل اتحاد كل الكاثوليك، ومن أجل محاربة الإسلام)[7] ، هذه صلاتهم وهذه عقيدتهم التي كانوا عليها بالأمس ولا يزالون عليها اليوم، يقول الفيلسوف الكبير الدكتور جوستاف لوبون ـ متأسفًا ـ: "إن العقيدة الكاثوليكية المتوارثة فينا تجعلنا من ألد الأعداء للمسلمين"[8] .

ومثال آخر مشهور وهو الأنشودة الإيطالية التي تسمى بـ(الوطنية)، يحفظها الصغير والكبير، ويتغنى بها الوجيه والحقير، يغذون بها أرواحهم بالحقد والشحناء، والعداوة والبغضاء، وهي مؤلفة من أربعة أدوار، واسمعوا إلى الدور الثاني منها لتعلموا ما يكنه النصارى لكم: (ليمت الشعب الإسلامي التعس. وليحارَب هذا الدين الإسلامي. الذي يضع المخدَّرات من النساء تحت تصرف السلطان. إني سأحارب بكل شجاعة لمحو القرآن. وبذلك أموت طليانيًا شريفًا)[9].

فاعرفوا أيها المسلمون أعداءكم، وإياكم ثم إياكم من زخارف القول.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


 



[1]  أخرجه أحمد (5/259)، والطبراني في الكبير (8/190-191) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة [304].

[2]  انظر: مجموع الفتاوى (21/80).

[3]  فتوح البلدان للبلاذري (137) والخراج لأبي يوسف.

[4]  فتوح البلدان للبلاذري.

[5]  الإسلام والحضارة العربية (1/144).

[6]  انظر مقدمة سجل مؤتمر جمعية العلماء الجزائريين لمحمد البشير الإبراهيمي (ص 65).

[7]  انظر: آثار عبد الحميد بن باديس (5/464).

[8]  انظر المصدر السابق (5/49).

[9]  انظر المصدر السابق (5/50).

الخطبة الثانية

الحمد لله، والله المستعان على ما نسمع ونرى ونشاهد، ولا حول ولا قوة إلا بالله، عظم المطلوب وقل المساعد، وإنا لله وإنا إليه راجعون، خير هذه الحياة ناقص وشرها زائد.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ضد ولا ند ولا ولد، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وسيد كل عابد وزاهد، وأكرم كل معلم وأصبر كل مجاهد.

اللهم فصل وسلم على نبينا محمد الراكع الساجد، ومنقذ كل معاند وجاحد، من درن الذنوب وخبث العقائد، وعلى آله وصحبه الأماجد، وعلى التابعين لهم بإحسان في الوسائل والمقاصد.

أما بعد:

أيها المسلمون:

لقد علمتم وسمعتم بما حدث في هذا الأسبوع من زيارة كبير النصارى الكاثوليكيين البابا يوحنا بولص الثاني لبلاد سوريا مدينة دمشق، والسماح له بدخول المسجد الأموي، وبإقامة قداس كبير، وإلقاء المواعظ والخطب، وأداء صلاة السلام، وغير ذلك من الأمور الخطيرة التي تتم من وراء حجاب أو مستورة بجلباب.

ولقد لقي هذا الضيف الثقيل ترحابًا كبيرًا، وحفاوة عظيمة، حيث فرشت له السبل، وزينت له الطرق، وخرجت إليه الجماهير تصفق وتزمر، وأكرم غاية الإكرام، وعظم منتهى التعظيم، وإن في هذا الحدث الخطير لتنبيهًا لنا معاشر المسلمين وإيقاظًا لنا من غفلتنا:

·         فهذا الحدث الخطير دليل على ضعف المسلمين وخضوعهم لطلبات أعدائهم من اليهود والنصارى وغيرهم.

·         وهو دليل على قوة نفوذ النصارى في بعض بلاد المسلمين، وتغلغلهم في مراكزها الحساسة بما يمكنهم من اتخاذ القرارات وإصدار الأوامر والتوجيهات، فكم من بلد إسلامي منع فيه بيان بطلان دين النصارى سواء بالقلم أو اللسان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

·         هذا الحدث الخطير أيها المسلمون علامة صحيحة على سير مخططات التنصير السير الحثيث، ودليل واضح فاضح على نجاح تلك الخطط، أفيقوا أيها المسلمون فإن التنصير يغزو العالم الإسلامي، التنصير يداهم بيوتكم، ليخرج المسلمين من الإسلام ويشككهم في دينهم وفي نبيهم محمد ، وليحول دون انتشار الإسلام، وتمهيدًا لإخضاع العالم الإسلامي سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وعسكريا تحت سيطرة النفوذ الغربي.

·         هذه الزيارة المشؤومة ليست هي الأولى، ولن تكون هي الأخيرة ما دام المسلمون في غفلتهم، بل هي زيارة من بين الزيارات الكثيرة المقررة في الخطة التنصيرية، فلقد قام البابا يوحنا بولص الثاني في الفترة ما بين 5/2/1980م و20/9/1995م بست وأربعين زيارة لأربعين دولة إفريقية كما زار لبنان سنة 1997م، وهذه الزيارات مجال واسع رحب للتنصير، وتفتح أبوابا للمنصرين لترويج دعاياتهم المضللة والمزيفة، كما تضفي على العملية التنصيرية الصبغة الرسمية بسبب ما يصحبها من مشاركة بل رعاية حكومية.

·         وأخيرًا أيها المسلمون إن هذا الحدث الخطير ليقطع القلوب ويفطر الأكباد، أين تعظيم العلماء العاملين، وأين تكريم الدعاة الصادقين، وأين احترام الصالحين المصلحين في تلك البلاد التي عُظم فيها هذا الضيف الثقيل وغيرها من بلاد المسلمين، يُعظَّم من دينه عبادة الصلبان، ودعاء الصور المنقوشة في الحيطان، يُعظَّم من أصل عقيدته أن الله ثالث ثلاثة، وأن مريم صاحبته، وأن المسيح ابنه، وأنه نزل عن كرسي عظمته، والتحم ببطن الصاحبة وجرى به ما جرى إلى أن قتل ومات ودفن، يقولون في دعائهم: "يا والدة الإله ارزقينا، واغفري لنا وارحمينا"، يُعظَّم من دينه شرب الخمور وأكل الخنزير وترك الختان، والتعبد بالنجاسات واستباحة كل خبيث، والحلال ما حلله القس، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، وهو الذي يغفر لهم الذنوب وينجيهم من عذاب السعير، وفي مقابل هذا التعظيم وتلك الحفاوة يشرَّد الدعاة المصلحون وينكَّلُ بهم، وتسلب حقوقهم الإنسانية، فضلاً عن حقوقهم كمسلمين، ولا يسمح لهم بالدعوة إلى دين الحق، وتكسر أقلامهم، وتعقد ألسنتهم، ويتهمون بالتهم العقيمة لتبرير هذه الشناعات العظيمة، فهذا أصولي متطرف ورجعي متشدد، وذاك يخيط له ثوبه، وهذا إرهابي خطير ومشاغب كبير، وذاك يخصف له نعله، فكم أخرج من بلاد الشام من عالم مصلح، أخرج من داره وماله، واكتوى بلأواء الاغتراب، والويل له ثم الويل لو رجع إلى أهله ووطنه، ولا زال حاضرًا في أذهاننا معاشر المسلمين ما عاناه أحد كبار الدعاة المصلحين، وأحد المجددين في هذا القرن، ألا وهو الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله رحمة واسعة ـ وغيره من أمثاله كثير.

فلا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون.

أسأل الله عز وجل أن يعيد للمسلمين عزهم وكرامتهم، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يحفظ دينه ويعلي كلمته وينصر عباده المؤمنين.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً