أما بعد:
أيها الأخوة والأخوات في الإسلام: ها نحن وصلنا في حقوق الجار إلى الحق التاسع وهو كما جاء في الأثر المروي عن النبي : ((ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها)). والقتار هو الدخان المنبعث من المطبوخ ورائحة البخور واللحم والشواء والعظم المحروق. والمراد من قول الرسول هو أن يكون المسلم سخياً لا بخيلاً، كريماً لا شحيحاً، ولاسيما بالنسبة لجاره الفقير الذي قد يؤلمه كثيراً قتار قدرك، كما يؤلم كذلك أولاده الذين يطالبون أباهم بمثل ما يطبخ في قدرك من اللحم أو ما يشبه ذلك من الأطعمة التي قد لا يعرفون عنها شيئا غير الاسم فقط فيسيل لعابهم بسبب ذلك وتكون النتيجة أن يتورط الوالد هنا مع أولاده الذين يتلوون من الجوع وهو ليس في استطاعته أن يحضر لهم طعاماً شهياً كطعامك، ولهذا فإن النبي وهو المربي الفاضل والرحمة المهداة يوصيك أيها الجار المسلم أن تلاحظ هذا، وأن تكون كيساً فطنا، عاقلاً لبيباً، فلا تؤذي جارك بقتار قدرك إلا إذا كنت ناوياً أن تغرف له منها.
وهذا من الواجب عليك نحو جارك الفقير بصفة خاصة حتى لا تكون سبباً في إحراجه مع أولاده، وحتى تكون ممن قال الله عز وجل فيهم: ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.
وإليكم معشر المؤمنين والمؤمنات بعض الأحاديث التي تحث على إدخال السرور على الجيران بصفة خاصة وعلى المسلمين الفقراء منهم بصفة عامة. روى الطبراني في الكبير والأوسط عن الحسن بن علي عن النبي قال: ((إن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم)) وعن ابن عباس عن النبي قال: ((إن أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض إدخال السرور على المسلم)) رواه الطبراني في الكبير والأوسط. وروى الطبراني أيضاً عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((من أدخل على أهل بيت من المسلمين سروراً لم يرض الله له ثواباً دون الجنة)).
ومعلوم - أيها المسلمون - أن إرسال الطعام الشهي إلى بيت جارك الفقير سيدخل السرور عليه وعلى أولاده، مما يجعلهم يدعون لك بالدعاء الحسن بالصحة والعافية والزيادة من فضله سبحانه.
ويجب أن تعلموا - أيها المسلمون - أن هذا ليس على سبيل الإحسان والصدقة بل هو من مستلزمات الإيمان، حيث إن فعل مثل هذا العمل به يكمل الإيمان، وبدونه ينقص الإيمان أو ينعدم، فقد روى الطبراني والبزار بإسناد حسن عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : ((ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم)) أي ما صدق بما جئت به التصديق الكامل من بات شبعاناً وهو يعلم أن جاره القريب منه الذي داره لاصقة بداره بات جائعاً لا يجد ما يطعمه وما يسد به جوعته. فليس من الإيمان أيها المؤمن كما جاء في هذه الأحاديث وغيرها أن تبيت شبعاناً وجارك جائع مع أولاده، فإن أردت أن تكون مؤمناً كامل الإيمان فعليك أن تنفذ وصية رسول الله التي أوصى بها أبا ذر الغفاري حيث قال له : ((فإن صنعت مرقة فأكثر ماءها ثم انظر إلى أهل بيت جيرانك فأصبهم منها بمرقتك)) رواه الإمام مسلم مختصراً في باب البر.
وهذا - أخي المؤمن - والشكر لن يكلفك كثيراً وسيدخل السرور على أهل بيت جيرانك كما سيكون تأكيداً لإيمانك وإحسانك.
عباد الله: روت كتب السيرة أن بنت حاتم الطائي وقعت بين يدي رسول الله وهي أسيرة حرب فقالت له: "يا محمد إن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي أحياء العرب فإني بنت سيد قومي، وإن أبي كان يحمي الذمار، ويفك العاني، ويشبع الجائع، ويكسو العاري، ويقري الضيف، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، أنا بنت حاتم طي" فأعجب الرسول بحديثها وقال لها: ((يا جارية هذه صفة المؤمنين حقاً لو كان أبوك مؤمناً لترحمنا عليه))، ثم قال للصحابة: ((خلو عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق والله تعالى يحب مكارم الأخلاق)) فقام أحد الصحابة وتساءل في إعجاب قائلاً: والله يحب مكارم الأخلاق؟ فقال : ((والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة أحد إلا بحسن الخلق)) فكن أخي المسلم من المتخلقين بهذا الخلق الكريم وتقرب إلى الله تعالى بإطعام جيرانك الفقراء واعلم أن رسول الله قال: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء)) رواه الطبراني، وقال عبد الله بن مسعود: (صاحب المعروف لا يقع وإن وقع وجد متكئاً). نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبحديث سيد الأولين والآخرين وأجارني وإياكم من العذاب المهين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين.
|