أما بعد:
أيها المؤمنون فإن الله قد بعث نبيه محمداً بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً،فحذر قرب قيام الساعة في أحاديث كثيرة وذكر من أشراطها وعلاماتها الصغرى حتى لكأنما تقوم غداً أو بعد غدْ أو في زمانه عليه الصلاة والسلام.
ولقد تكاثرت النصوص من القرآن والسنة الصحيحة في الدلالة على قرب الساعة ودنوها قال تعالى: اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون وقال تعالى: وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً وقال تعالى: اقتربت الساعة وانشق القمر.
وقال عليه الصلاة والسلام: ((بعثت أنا والساعة كهاتين، ويشير بإصبعيه فيمدهما)) البخاري.
وقال : ((بعثت أنا والساعة جميعاً إن كادت لتسبقني)) أحمد بسند حسن. وهذا إشارة إلى شدة قربها من بعثته حتى خشي أن تسبقه لعظم قربها.
ولقد كان يكثر من ذكر أشراطها وعلاماتها محذراً أصحابه من قرب وقوعها، فكان وقع كلامه عليهم عظيماً فكان من تصديقهم ويقينهم لكأنهما هم مصبحون عليها مع أن أكثر علاماتها التي حدثهم بها لم تقع في زمانهم.
وأما حالنا اليوم فإنه ومع حدوث أكثر علامات الساعة الصغرى التي أخبر بها النبي والتي تنبئ عن قرب حدوث العلامات الكبرى والتي تعقبها الساعة إلا أننا في غفلة مع ذلك، بل إنه حين يتحدث الخطباء والوعاظ عن أشراط الساعة الكبرى يظن كثير من الناس أنها بعيدة الوقوع وأنه لن يدركها لا محالة ولن تقع في زمانه،بل إن بعض الناس ممن غلبت عليهم الماديات وضعف الإيمان في قلوبهم حين يسمع عن أشراط الساعة الكبرى لكأنهما يسمع شيئاً من القصص الخيالي فهو وإن لم ينطق بذلك لسانه إلا أن قلبه لم يبلغ من اليقين والتصديق مبلغاً يجعله يصدق التصديق الجازم بوقوع هذه العلامات فضلاً عن قربها.
أيها المؤمنون: وإن مما يدلل على قرب وقوع العلامات الكبرى للساعة وقوع أكثر العلامات الصغرى كما أخبر النبي ومن ذلك تقارب الزمان والأسواق وظهور الشرك في هذه الأمة وظهور الفحش وقطيعة الرحم وسوء الجوار وكثرة القتل وانتشار الزنا والربا وظهور المعازف واستحلالها وكثرة شرب الخمر واستحلاله وزخرفة المساجد والتباهي بها وكثرة الزلازل، وهذا ظاهر بين في هذا الوقت وظهور الكاسيات العاريات والتهاون بالسنن وكثرة الكذب وكثرة موت الفجأة إلى آخر تلك العلامات التي أخبر بها المصطفى .
وهي ولاشك إيذان بقرب وقوع العلامات الكبرى والتي من أولها وأعظمها فتنة وأشدها خطراً، بل ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة من فتنة إلا وهي تضع لها، لشدتها وهولها، تلكم هي فتنة المسيح الدجال، هذه الفتنة العظيمة التي ما من نبي من الأنبياء إلا وحذر أمته منها يقول : ((ما كانت ولا تكون فتنة حتى تقوم الساعة أعظم من فتنة الدجال، وما من نبي إلا وحذر قومه الدجال)).
بل إن النبي من شدة خوفه على أمته من هذه الفتنة أكثر من ذكره لأصحابه حتى بلغ يقينهم به أن ظنوا أنه قريب منهم. فعن النواس بن سمعان : أنه ذكر الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما جئنا إليه عرف ذلك فينا فقال: ((ما شأنكم؟ قلنا يا رسول الله ذكرت الدجال غداة حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم)) مسلم.
والدجال رجل من بني آدم عظيم الخلقة له صفات كثيرة جاءت بها الأحاديث الصحيحة حتى يعرفه الناس، فإذا خرج عرفه المؤمنون. ومن هذه الصفات التي أخبر بها النبي أنه شاب أحمر قصير أفحج، جعد الرأس، أجلى الجبهة، عريض النحر، ممسوخ العين اليمنى، وعينه اليسرى عليها لحمة غليظة، مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مسلم يكتب أولا يكتب، وهو عقيم لا يولد له.
عن ابن عمر قال: قال حين ذكر الدجال: ((إن الله ليس بأعور ألا أن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كان عينه عنبة طافية)) متفق عليه.
وعن أنس أن رسول الله قال: ((الدجال ممسوخ العين، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مسلم)) متفق عليه.
قال الإمام النووي "الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابة حقيقية جعلها آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله" أ هـ.
وأما مكان خروجه أول ما يخرج فهو في جهة المشرق من خراسان من بلدة أصبهان عن أنس قال: قال رسول الله : ((يخرج الدجال من يهودية أصبهان معه سبعون ألفاً من اليهود)) أحمد بسند صحيح.
وأصبهان بلد في المشرق بها حرة يقال لها: اليهودية، فإذا خرج منها الدجال لم يدع بلداً إلا دخله ما عدا مكة والمدينة، فإنهما محروستان منه، محرمتان عليه كما أخبر عن الدجال أنه يقول: ((وإني أوشك أن يؤذن في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمتان علي كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها)) مسلم.
وأما أتباع الدجال فأكثر أتباعه من اليهود والعجم والترك وأخلاط من الناس، غالبهم الأعراب والنساء. قال : ((يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة)) مسلم.
وقال : ((وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك)).
وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح أيضاً عن النبي : ((ينزل الدجال في هذه السبخة فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه)).
أيها المؤمنون: إن فتنة الدجال أعظم الفتن وذلك بسبب ما يخلق الله تعالى معه ويجريه على يديه من الخوارق العظيمة التي تبهر العقول وتحير الألباب ليبتلي الله سبحانه عباده فيميز المؤمن من الكافر.
قال : ((ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال)) مسلم.
وعن حذيفة قال: قال رسول الله : ((لا أنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض، والآخر رأي العين نار تأجج، فإما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه ناراً وليغمض ثم ليطأطئ رأسه يشرب منه فإنه ماء بارد)) مسلم.
ومما جاء في فتنته أيضاً قوله في وصفه: ((إنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله فاثبتوا، قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً. يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم.
قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم قال: لا اقدروا له قدره، قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذُراً أي سناماً وأسبغه ضروعاً وأمده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل)) الحديث أخرجه مسلم.
وجاء عند البخاري من حديث أبي سعيد : ((أن الدجال يأتي، وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينزل بعض السباخ التي على المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل وهو خير الناس أو من خير الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله حديثه، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟ (يعني إنه إلاههم) فيقولون: لا، فيقتله ثم يجيبه فيقول الرجل: والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم، فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه)).
ثم لا يزال الدجال بعد خروجه طوال الأربعين يوماً التي أخبر عنها النبي يعيث في الأرض فساداً يضل الله به الكافرين والمنافقين ويثبت به المؤمنين وتعم فتنته، فلا ينجو منها إلا القلة من المؤمنين حتى ينزل عيسى بن مريم عليه السلام على المنارة الشرقية بدمشق فيلتف حوله عباد الله المؤمنين فيسير بهم قاصداً المسيح الدجال، ويكون الدجال عند نزول عيسى متوجهاً إلى بيت المقدس فيلحق به عيسى عند باب لد، وهي بلدة قرب بيت المقدس، فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الملح فيقول له عيسى عليه السلام: إن لي فيك ضربة لن تفوتني فيتداركه فيقتله بحربته وينهزم اتباعه فيتبعهم المؤمنون فيقتلونهم حتى يقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود.
|