.

اليوم م الموافق ‏26/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

من يحمل هم الإسلام

1746

الرقاق والأخلاق والآداب

الزهد والورع

مرزوق بن سالم الغامدي

مكة المكرمة

الرحمة

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الصحابة يحملون همّ الدين. 2- الواجب علينا تقديم هموم الآخرة والدين على هموم الدنيا. 3- من أهتم بآخرته أعانه الله على هم دنياه. 4- تحقير النبي صلى الله عليه وسلم من شأن الدنيا.

الخطبة الأولى

 

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كانت الآخرة همَّه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له)) رواه الترمذي.

أيها الإخوة: جاء في سنن ابن ماجه أن معاوية زار أبا هاشم وهو طعين فبكى أبو هاشم. فقال معاوية: ما يبكيك؟ أي خال أوجع يشئزك أم على الدنيا فقد ذهب صفوها؟ قال: على كلٍ لا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهداً وددت أني كنت تبعته قال: ((إنك لعلك تدرك أموالاً تقسم بين أقوام، وإنما يكفيك من ذلك، خادم ومركب في سبيل الله)) فأدركت وجمعت.

لاحظوا أيها الإخوة: ما يبكي الصحابة؟ إنه يبكي على شيء من الأموال جاءتهم من الفتوحات والتي أفاء الله بها عليهم، جاءتهم الأموال وجاءتهم الدنيا وهي راغمة لأن همهم كان هو الدين .. همهم الآخرة لم يكن همهم الدنيا ولا المناصب، سعوا للآخرة .. انطلقوا بهذا الدين في جميع أنحاء المعمورة داعين إلى الله ومجاهدين في سبيله، فجمع الله لهم بين العز والرفعة والسؤدد، وبين الغنى والملك، ورغم ذلك يبكون على أنهم نالوا شيئاً من الدنيا زيادة على حاجتهم الضرورية. فما هو حالنا هذه الأيام. ما هو حال المسلمين اليوم؟ كم عدد الذين يحملون هم الدين؟ وكم هم الذين يحملون هم الآخرة بين الأمة يحملون إلا هموماً دنيوية زائلة؟ قال الله تعالى: فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم هدفهم الدنيـا، يتعلم للدنيـا ويخرج فلا يفكر ولا يخطط إلا للدنيا، للسيارة – للعمارة – للوظيفة- للثروة – للجاه. وربما ينحط في تفكيره وتخطيطه .. فلا يحمل إلا هم المباريات وفوز فريقه، فيوالي ويعادي في ذلك، لا راية له إلا راية الفريق، ولا إخوان له إلا مشجعي الفريق الذي يشجعه ومن عداهم فهم خصوم وأعداء.

ليس معنى كلامي هذا أيها الإخوة أن الإنسان لا يسعى في الحياة الدنيا ويطلب الرزق الحلال ويفكر في بناء بيت وشراء سيارة لا .. إنما أقصد من كلامي هـذا أن المسلم يجب أن يكون همه الأول والأخير هو الدين هو التوحيد .. هو الآخرة والفوز بالجنة، ولا بأس أن يدرس ويتعلم ويتخرج ويطلب الرزق ويتخرج ويعمر ويركب سيارة فارهة ويلبس اللباس الجميل ويستمتع بما أحل الله من متع الحياة الدنيا وكل ذلك يكون تحت مظلة الاهتمام بالـدين قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين أما من جعل الدين وراء ظهره ولا هم له إلا الدنيا فقد قال الله تعالى فيهم: إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا وأطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون.

أيها الإخوة: جاء في سنن ابن ماجه عن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: ((من جعل الهموم هماً واحداً، هم المعاد، كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحــوال الدنيا، لم يبال الله في أي أو ديته هلك)).

وجاء في الحديث القدسي قول الله تعالى: ((يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلاً، ولم أسد فقرك)).

إذاً أيها الإخوة: الأصل أن يكون الدين هو الاهتمام الرئيس في حياة المسلم وتأتي الأمور الأخرى تابعة لذلك الاهتمام فبؤرة التركيز والتفكير والتخطيط عند المسلم هو الإسلام، فيبدأ بنفسه بإصلاح نفسه، بإصلاح عقيدته، بتجديد توحيده لله تعالى وسلوك الصراط المستقيم والسعي في تحقيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم في جميع عباداته، ثم ينتقل إلى تعليم من يعول وجيرانه، مع الاهتمام بأمور المسلمين في جميع بقاع الأرض والتفكير فيهم، فهم إخواننا وإن اختلفت اللغات أو الجنسيات فيساعدهم بقدر المستطاع وأقلها الدعاء لهم بظهر الغيب في صلاته وفي قيامه وآخر الليل.

أيها الإخوة: كان اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وهمه الوحيد إقامة الدين وكذلك كان هم الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما أنا والدنيا! إنما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة. ثم راح وتركها)).

وقال صلى الله عليه وسلم: ((الدنيا ملعونة. ملعون ما فيها، إلا ذكـر الله وما والاه أو عالماً أو متعلماً)).

والصحابة كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الآخرة وعن الجنة وما يقربهم إليها ويقدمون أنفسهم وأموالهم في سبيل الله. جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك)).

فتذكر أخي المسلم هذا الأمر واجعل همك الآخرة، اجعل همك الدين ونصرة الدين وإخوانك المسلمين وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له. ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة)).

فاللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا يــا رب العــالمين.


الخطبة الثانية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

جاء في سنن ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه أنه قال: اشتكى سلمان، فعاده سعد، فرآه يبكي فقال له سعد: ما يبكيك يا أخي: أليس قد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أليس. أليس؟ قال سلمان: ما أبكي واحدة من إثنين. ما أبكي ضناً للدنيا ولا كراهية للآخرة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهداً. فما أراني إلا قد تعديت. قال: وما عهد إليك؟ قال: عهد إلي أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب، ولا أراني إلا قد تعديت. وأما أنت يا سعد فاتق الله عند حكمك إذا حكمت، وعند قسمك إذا قسمت، وعند همك إذا هممت.

هذا هو هم الصحابة. وهذا ما يبكيهم أن يكونوا توسعوا في المباحات وجمعوا مما أفاء الله عليهم من الحلال الطيب، ويوصي أحدهم أخاه بالتقوى والعدل إذا ما تولى أمراً من أمور المسلمين .. فأين حالنا من حال هؤلاء.

أين ولاة أمر المسلمين من هذه الأحاديث والآيات .أين المسؤولون عن أمة الإسلام عن هذا المنهج وعند هذا الصراط المستقيم، كلهم في وادٍ والسنة في وادٍ آخر إلا من رحم الله منهم، وقليل ما هم.

لو نظرنا بصدق وإخلاص في أحوالنـا أحوال العالم الإسلامي حكاماً ومحكومين قــادة وشعوباً إلا من رحم الله. لوجدنا كل الاهتمام بالدنيا وزينتها والتفاخر بها والتسابق عليها وعلى حيازة أكبر قدر من ثرواتها وزخرفتها والاهتمام بالتفاخر بالآباء والأجداد وبالعادات والتقاليد وما يسمى بالتراث. الاهتمام بالشهوات والملذات. والاهتمام بالمناصب والمراتب العالية والتنافس عليها.

أما الاهتمام بالدين والاهتمام بالمسلمين والسعي لرفعة الدين ونصرة المسلمين ورد الظلم عنهم فلا يكون إلا تبعاً لأمة الكفر سواء عن طريق الأمم المتحدة أو عن طريق غيرها.

انظروا إلى حال المسلمين اليوم في البلقان وفي فلسطين وفي كشمير وفي الفلبين وفي غيرها من دول العالم وهم في ضنك وألم وظلم. انظروا إلى دول العالم الإسلامي حيث منهم من يحتفل بمناسبة وطنية أو هو يستعد لمسابقة رياضية أو يسعى لتحقيق ثروة أو جاه أو منصب دون أن يذكر أحد منهم ولو مجرد ذكر في تصريحاته ولقاءاته الاعتداء على المسلمين وانتهاك حرماتهم في تلك البقاع، بل وقد اغتر كثير من المغفلين من المسلمين بما يقوم به النصارى من ضرب إخوانهم بالطائرات والصواريخ واعتبر هذا نصراً للمسلمين المضطهدين، ولا يدرون أن هذه التمثيلية الجديدة ولو أن فيها خسارة مالية عليهم ليست إلا لأغراض خاصة بهم، وليس القصد منها نصرة المسلمين. فالقضية معروفة منذ بضع سنوات حيث هم متفقون جميعاً على ضرب الإسلام والمسلمين.

قام حلف الأطلسي بضرب الصرب بالطائرات لإرغامهم على إعطاء الحرية والحقوق للمسلمين في البوسنة والهرسك ... وقد ظهر الآن أن القنابل والصواريخ التي ألقيت في أراضي البوسنة والهرسك سيمتد ضررها على صحة المسلمين مئات السنين لأنها كانت من مواد خطيرة تسمى اليورانيوم المخصب الذي يبقى في الأرض فيسبب السرطان والتشوه الخلقي والإجهاض.

نعم هم لا يمنعون الحرية الدينية، أي يرون أن المسلم له الحق أن يصلي ويصوم ويؤدي شعائر الله، أما أن يكون لهم دولة في أوربا أو أن يكون لهم قوة فهذا ممنوع.

والقضية هي أن بعضهم يرى ألا يكون للمسلمين وجود أصلاً في تلك البلاد ويرى إبادتهم وقتلهم وتشريدهم، والبعض الآخر لا يرى بأساً أن يكونوا موجودين، ولكن بدون دولة ولا جيش إلا في حدود ضيقة جداً، ويقول وبعضهم: لا بأس أن تكون دولة مسلمة في أوربا بشرط أن تكون مثل إحدى دول الخليج العربي فالجيش محدود العدد ولا يحق لهم أن يوالوا أو يعادوا إلا ما تراه دول الكفر ولا يحق لهم نصرة أحد من المسلمين إلا بإذن منهم، بل ولا يحق لهم تقديم مساعدات غذائية أو مالية إلا بموافقاتهم.

أي أن تلك الدول لا تريد للمسلم أن يكون حراً ولا أن يبدي برأيه في القضايا العامة إلا بإذنهم .. فما أدري بماذا سيجيب المسلمون ومن تولى أمرهم يوم القيامة ربهم عن هذا الذي هم فيه من الهوان والاهتمام بالمناصب والحياة وزينتها وزخرفتها .. أين الاهتمام بالدين وبالآخرة.

فلنربِ أنفسنا وأولادنا على الجهاد في سبيل الله وعلى عقيدة التوحيد وعلى الولاء فلا نوالي ولا نحب إلا من أمرنا الله بموالاتهم ومحبتهم، ولا نعادي ولا نكره إلا من أمرنا الله بمعاداتهم وكراهيتهم. هل أنتم أمة الإسلام راضون بهذا الهـوان والــذل مع الانغماس في الملذات والشهوات ... لا والله لا نرضى ولن نرضى بهذا، وإن في أمة الإسلام من يرضى أن يعيش عيشة بسيطة في منزل متواضع مع العز والشرف ورفع الرأس بالجهاد في سبيل الله ضد الطغاة الكفرة المعتدين على أن يعيش في الرفاهيـة والبــذخ والقصور والمال والــجاه مع هذا الذل والهوان والتبعية لأحفاد القردة والجنازير عباد الصليب الكفرة الفجرة.

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً