.

اليوم م الموافق ‏26/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

مفهوم محبة النبي صلى الله عليه وسلم ومحبة آل بيته وصحابته رضي الله عنهم أجمعين

1744

الإيمان, قضايا في الاعتقاد

الإيمان بالرسل, الاتباع

مرزوق بن سالم الغامدي

مكة المكرمة

الرحمة

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- محبة النبي صلى الله عليه وسلم ركن من أركان الإيمان. 2- محبة النبي من غير إيمان به لا فائدة منها. 3- الاتباع دليل المحبة. 4- بعض مظاهر محبة النبي صلى الله عليه وسلم. 5- وصية النبي صلى الله عليه وسلم أهل بيته وصحابته. 6- طاعة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم. 7- السير على نهج الصحابة رضي الله عنه.

الخطبة الأولى

 

جاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)). وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)).

فهذان الحديثان من أوضح الأدلة على وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن المؤمن لا يستحق اسم الإيمان، ولا يدخل في عداد الناجين حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين، وهذا الحب عمل قلبي من أجل أعمال القلوب، وعاطفة جياشة تجيش بها النفس، وهو أمر زائد على الإعجاب بمزايا النبي صلى الله عليه وسلم وسمو أخلاقه وعظمة تعاليمه، ولا يكون ذلك إلا لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، لأننا يا أيها الإخوة، قد نرى من المعجبين الذين أفصحوا عن إعجابهم وتقديرهم بل وحبهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ذلك لم ينفعهم، ولن يفيدهم في آخرتهم، لأنه حب بلا إيمان، مثل حب أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم للنبي صلى الله عليه وسلم، أو مثل إعجاب بعض المستشرقين من اليهود والنصارى وغيرهم بالنبي وسيرته، فهؤلاء ما أحبوا النبي صلى الله عليه وسلم المحبة الحقيقية الشرعية الإرادية الاختيارية، التي تجعل هم أحدهم وفكره وإرادته متوجهة لتحصيل ما يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، والتي هي مرتبطة بمحبة الله عز وجل والتي يتمثل فيها تمام الانقياد والطاعة، لأن محبة النبي صلى الله عليه وسلم تابعة لمحبة الله، قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله.

أيها الإخوة: إن المحبة والإيمان أمران متلازمان في قلب المؤمن تلازماً مطرداً، يزيد أحدُهما بزيادة الآخر، وينقص بنقصانه، فإذا قويت المحبة في قلب المؤمن وزادت، أثمر ذلك زيادة في الإيمان، وذاق العبد حينئذ حلاوة الإيمان، ولا يصل العبد إلى هذه المنزلة إلا إذا سعى في تحصيل ما يحبه الله ورسوله من الأقوال والأفعال، وتقديمها على كل المحاب والرغبات، ومما يزيد محبة النبي صلى الله عليه وسلم في القلوب، الوقوف على هديه، وتدبر سنته، والاسترشاد بسيرته، والاقتداء به فيما فعل وأمر به، وفيما ترك ونهى عنه، ومن المعلوم أن من السنة ترك ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود الداعي والمقتضي، وفي هذا شاهد قوي على صدق الحب للنبي صلى الله عليه وسلم، فالمحب يكون موافقاً لمحبوبه، ولا يكون ذلك في حق النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالطاعة والاتباع له، فالسعادة في الدارين موقوفة على متابعته صلى الله عليه وسلم، والشقاء والهلكة، والعياذ بالله تكون بسبب معصيته ومخالفته صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً.

فيا أيها المحبون للنبي صلى الله عليه وسلم: تأسوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما فعل وترك، وليكن ما نفعله، نفعله على الوجه الذي فعله صلى الله عليه وسلم لأجل أنه فعله، وما تركه صلى الله عليه وسلم نتركه على الوجه الذي تركه، لأجل أنه تركه.

أما الأدعياء الذين يدعون حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم تجدهم مخالفين، غالباً ما يحرصون على فعل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ترك ما أمر به أو فعله صلى الله عليه وسلم. فالمخالفة في الفعل، تكون بترك ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، والمخالفة في الترك، تكون بفعل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يظهر الفرق بين الفريقين، ويظهر صدق المحبة، فالمحب للنبي صلى الله عليه وسلم يكون متبعاً له وقافاً عند سنته، راضٍ بحكمه وشرعه، معتقداً أن الرسول قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وأن الدين قد كمل في حياته صلى الله عليه وسلم، اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً.

وإن حب النبي صلى الله عليه وسلم أيها الإخوة مقيدٌ بضوابط تحكمه، ومحدد بعلامات تؤكد صدقه، وآثار تظهر على من اتصف به، فمن مظاهر محبته صلى الله عليه وسلم طاعته فيما أمر، واتباعه فيما شرع، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وتعظيمه وتوقيره، والأدب معه عند سماع سنته، والصلاة عليه عند ذكره، وصباحاً ومساءً ويوم الجمعة، وفي كل حال شرع لنا ذلك كما هو مذكور في كتب السنة والأذكار الثابتة الصحيحة التي لا تخفى على كل مسلم محب لنبيه صلى الله عليه وسلم.

ومن مظاهر محبته أيضاً، تمني رؤيته، والشوق إلى لقائه، وسؤال الله عز وجل اللحاق به، جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله)) أي يتمنى أحدهم رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ولو فقد أهله وماله مقابل ذلك.

ومن مظاهر محبته صلى الله عليه وسلم محبة آل بيته وصحابته رضي الله عنهم أجمعين، ومعرفة فضلهم وقدرهم حيث خصهم الله بهذا الشرف دون غيرهم من العالمين، وقد أثنى الله عليهم وعلى من اتبعهم بإحسان، قال تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه، وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية حيث قال: ((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم))، فحبهم إيمان، وبغضهم نفاق، واتباعهم دين، ومخالفتهم فسوق وعصيان وضلال. فالمؤمنون يحبون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويحبون آل بيته، ولا يفرطون في حب أحد منهم ولا يتبرءون من أحد منهم، ويبغضون من يبغض أحداً منهم، ولا يذكرون أحداً إلا بخير، فهم يعرفون فضلهم ويحفظون لهم حرمتهم ومكانتهم، لقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بآل بيته حيث قال: ((أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)). وكذلك أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بصحابته حيث قال: ((لا تسبوا أحداً من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه)).


الخطبة الثانية

أيها الإخوة: لقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم المثل الأعلى في اتباعهم وتضحيتهم بأموالهم وأنفسهم وأهليهم في تحقيق محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وطاعتهم له، فهذا أبو بكر رضي الله عنه يُضرب عند الكعبة ضرباً مبرحاً حتى أُغمي عليه، وحينما فاق كان أول كلمة قالها: ماذا فعل رسول الله؟ أين رسول الله؟ فأخبره أهله بسلامة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه بخير، ولكنه يطلب منهم حمله إليه ليراه بعينيه، فحينما رآه سالماً أعيد إلى بيته وإلى فراشه، ما اطمأن بالجواب الشفوي من أهله، لم يطمئن إلا بعد رؤيته له سالماً عندها تهون النفس وتهون كل المصائب.

وتلك المرأة التي جاء ذكرها في السير، وهذه القصة ثابتة صحيحة، حينما جاءها الخبر عن قتل ثلاثة من أقاربها، الوالد والولد والزوج، ولكنها لا تكترث للخبر بل تسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقال لها: هو سالم صالح، ولكنها تنطلق إلى رسول الله لتراه بعينيها سالماً، فحينما رأته كذلك قالت: كل مصيبة بعدك جلل، أي ما دمت سالماً يا رسول الله فكل مصيبة هينة، فقد الوالد والولد والزوج يهون مادمت سالماً يا رسول الله.

وبالرجوع إلى كتب السنة والسيرة الصحيحة نرى العجب العجاب أمثال هذه المواقف التي تمثل أسمى معاني الحب الحقيقي وكذلك الطاعة والاتباع مثل موقف علي رضي الله في امتثاله لأمر النبي صلى الله عليه وسلم حينما أعطاه الراية ليقود الجيش في فتح خيبر حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((امش ولا تلتفت)) فحينما ركب علي رضي الله عنه على حصانه وسار قليلاً، أراد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فلم يلتفت بل رفع صوته ليسمعه النبي صلى الله عليه وسلم.

انظروا أيها الإخوة لهذا الموقف الذي يمثل منتهى الطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم، سأل ولم يلتفت تنفيذاً لأمر النبي حينما قال له: ((لا تلتفت)).

ومثله فعل الصحابة رضي الله عنهم في قصة الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار حبهم له وطاعتهم الخالصة، حيث لا يتوضأ صلى الله عليه وسلم وضوءاً إلا ابتدروه، ولا يبصق بصاقاً إلا أخذوه، ولا يسقط من شعره شيء إلا استبقوا إليه - وهنا وقفه أقولها للتذكير.

إن التبرك بجسم النبي أو ببعض ما في جسمه كالشعر والعرق والبصاق، أو بموضع فيه صلى الله عليه وسلم، أو بنعله ولباسه ثابت وصحيح، ولكن بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وفقد كل ما بقي من ملابسه أو شعره أو عرقه، لم يثبت التبرك بآل بيته الطيبين الطاهرين، فلم يفعل أحـد من الصحابة والتابعين شيئاً من ذلك، لا بالحسن ولا بالحسين ولا بعلي رضي الله عنهم أجمعين، وكذلك لا بالعباس ولا بأولاده، ولا بأولاد جعفر رضي الله عنهم أجمعين، ونحن نسير على نهجهم ونسلك طريقهم في ذلك والله المستعان.

أيها الإخوة: كان الصحابة رضي الله عنهم .لا يتكلم أحدٌ منهم حتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا تكلم النبي صلى الله عليه وسلم أنصتوا كأن على رؤوسهم الطير، لذلك قال عنهم أحد القرشيين - حينما رآهم يفعلون ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم -: يا معشر قريش إني جئت كسرى في ملكه وجئت قيصر والنجاشي في ملكهما، والله ما رأيت ملكاً قط مثل محمد في أصحابه، لقد رأيت قوماً لا يسلمونه لشيء – هؤلاء هم الصحابة الذين أمرنا الله باتباعهم وأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم باتباعهم.

أما أمر الله فيتمثل في قوله تعالى: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً. فقد فسر كثير من أهل العلم، بأن المقصود بسبيل المؤمنين في هذه الآية هم الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيتمثل في قوله: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)).

هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم أفضلهم، بل أفضل الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر صاحب رسول الله في الغار، ورفيقه في الهجرة والخليفة الأول رضي الله عنه، ثم عمر الفاروق رضي الله عنه الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو كان نبي بعدي لكان عمر)) وثالثهم عثمان رضي الله عنه، صهر رسول الله، ذو النورين، من تستحي منه الملائكة ورابعهم من كانت منزلته من رسول الله منزلة هارون من موسى عليهما السلام، غير أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، إنه أبو السبطين، علي رضي الله عنه، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة وبقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، منهم الحواري الزبير بن العوام، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة، وسيد الشهداء حمزة ومن جمع له النبي أبواه فقال له: ((ارم فداك أبي وأمي)) سعد بن أبي وقاص، وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين، ومن اهتز له عرش الرحمن يوم وفاته سعد بن معاذ، ومن دعا له النبي صلى الله عليه وسلم حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس، ومن حمل لواء العلم والفقه أبي بن كعب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن الزبير، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو هريرة، وغيرهم.

ومنهم من حمل السيف مجاهداً في سبيل الله سيف الله المسلول خالد بن الوليد، أو جاهد بلسانه وهو مؤيد بروح القدس حسان بن ثابت، وفيهم أصحاب الشجرة، والمهاجرون والأنصار وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين، هؤلاء هم سلفنا، وهم قدوتنا في إظهار حب النبي صلى الله عليه وسلم وفي تحقيق المتابعة له، وطاعته وامتثال أوامره، فهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم، ورأوا التنزيل وعرفوا مراد ربهم، وعرفوا مراد نبيهم، فبهداهم نقتدي وعلى نهجهم نسير.

أسال الله العلي العظيم أن يحشرنا معهم في الفردوس الأعلى إنه سميع مجيب.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً