.

اليوم م الموافق ‏26/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

عثمان وعلي رضي الله عنهما

1734

سيرة وتاريخ

تراجم, معارك وأحداث

مرزوق بن سالم الغامدي

مكة المكرمة

الرحمة

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- بعض فضائل عثمان رضي الله عنه. 2- بعض فضائل علي رضي الله عنه. 3- فتنة قتل عثمان رضي الله عنه وما تبعها من أحداث. 4- فتنة السبئية.

الخطبة الأولى

أيها الإخوة: تكلمنا في الأسبوع الماضي عن الشيخين الجليلين، سيدي كهـول أهل الجنة من الأولين والآخرين غير النبيين والمرسلين، أفضل الأمة بعد نبيها، أبي بكر ثم عمر رضي الله عنهما وعن جميع الصحابة والآل.

أما اليوم فنتكلم عن بطلي المواجهة، الشهيدين، ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأبي السبطين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

عثمان الحيي الذي تستحي منه الملائكة، بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبه. كما جاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري ،عبد الله بن قيس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخـل حائطاً (أي حديقة أو بستاناً) ثم طلب من أبي موسى أن يغلق بابها ويبقى حارساً عليه، فاستفتح رجل مستأذناً بالدخول فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((افتح له، وبشره بالجنة))، ففتح له، فإذا هو أبو بكر، فبشره بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله ودخل وسلم، ثم حدث نفس الشيء مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

فجاء ثالث واستفتح .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا عبد الله بن قيس قم فافتح له الباب، وبشره بالجنة على بلوى تصيبه أو على بلوى تكون)) قال: فقمت ففتحت له الباب، فإذا عثمان بن عفان .. قال فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فقال: المستعان الله، أو على الله التكلان، ثم دخل فسلم وقعد، وقد جاء في صحيح الجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((القائم بعدي في الجنة، والذي يقوم بعده في الجنة، والثالث والرابع في الجنة)) وهؤلاء هم الخلفاء الراشدون وهم أول العشرة المبشرين بالجنة.

لقد أسلم عثمان بن عفان بمكة على يد أبي بكر رضي الله عنه، وتزوج برقية ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهاجر معها إلى الحبشة، مع الذين هاجروا هرباً من إيذاء قريش، وقد توفيت رقية رضي الله عنها بعد الهجرة أيام بدر الكبرى، وقد تأخر عثمان عن بدر لتمريضها، فكتب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه في بدر، ثم تزوج بأختها أم كلثوم رضي الله عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ماتت أيضاً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان يلقب بذي النورين. لقد أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة للتفاوض مع قريش حينما منعوه من دخولها سنة الحديبية، فأشيع أن قريشاً قتلت عثمان، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم البيعة المعروفة ببيعة الرضوان، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم إحدى يديه على الأخرى وقال: ((هذه عن عثمان)).

ولقد احتاج الناس للماء بالمدينة ولم يكن هناك ماء يستعذب إلا بئر رومة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة)) فاشتراها عثمان بن عفان من ماله وأوقفها في سبيل الله .. واشترى أرضاً بجوار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لتتم توسعة المسجد وجهز جيش العسرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم)).

وقد مر بنا في خطبة الأسبوع الماضي أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أُحد هو وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف الجبل، فقال النبي: ((اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان)).

أما أبو الحسن، أبو تراب، كما كناه النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه زوج سيدة نسـاء أهل الجنة فاطمة رضي الله عنهــا وأبو سيدي شباب أهل الجنة: الحسن والحسين رضي الله عنهما، قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق)) وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) وقال أيضاً لعلي رضي الله عنه: ((أنت منى، وأنا منك)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((من آذى علياً فقد آذاني)).

جاء في الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: ((لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه اللهُ ورسولُه)) قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، أي يخوضون، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجوا أن يعطاها، فقال: ((أين علي بن أبي طالب؟)) قالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، فقال: ((فأرسلوا إليه)) فأُتى به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية...الخ الحديث. وفتح الله عليه وكان فتح خيبر على يديه.

لقد كان علي رضي الله عنه من الذين أسلموا في أول البعثة وهو أول من أسلم من الصبيان حيث كان عمره يقارب ثماني سنوات أو عشر سنوات حسب ما جاء في السير، وقد كان في حجر النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام معونة من رسول الله لعمه أبي طالب حيث كان كثير العيال قليل المال، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم عنده، وحينما حضرت الوفاة أبا طالب حاول النبي صلى الله عليه وسلم معه أن ينطق بالشهادتين، ولكنه لم يستجب للنبي صلى الله عليه وسلم، فبعدها خرج من عنده صلى الله عليه وسلم عائداً إلى بيته ثم جاءه علي رضي الله عنه، وقال: يا رسول الله عمك الشيخ الضال، مات عمك الشيخ الضال مات. لم يقل أبي مات .. ولم يتأثر بموته لأنه مات على الكفر، فكأنما هو يعلن تبرأه منه محققاً قول الله تعالى: لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من جاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم.

أيها الإخوة: لقد كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقيراً لم يكن من أصحاب الأملاك ولا تاجراً، ولكن زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة، وكان مهرها درعاً حطمية .. درع لاتقاء الطعن وضربات السيوف، مهراً لسيدة نساء أهل الجنة، لابنة سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، لفاطمة الزهراء، وكان فراشها وسادة آدم، حشوها ليف رضي الله عنها وعن زوجها وأولادها وآل النبي أجمعين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

إن الخليفتين عثمان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما بطلان من أبطال المواجهة .. وهما شهيدان من أهل الجنة.

كانت أول مواجهة لعثمان حينما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية إلى مكة حينما منعت قريش النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من دخولها، فأوفد عثمان ليخبرهم أنما جاء للعمرة وليس للحرب.

وذهب عثمان رضي الله وبلغ رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أجاره أبان بن سعيد فقالت قريش إن أردت أن تطوف بالبيت أنت فافعل، ولكنه قال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول صلى الله عليه وسلم فاحتبسته قريش، وعندها أشيع أنه قتل .. فكان سبباً في بيعة الرضوان: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة.

وأما المواجهة الثانية: فهي التي كانت في خلافته رضي الله عنه. فبعد أن قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعهد إلى ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم عثمان على أن يكون الأمر بينهم، فاختير عثمان وبويع بالخلافة واستمرت الفتوحات في عهده، وكان هناك من المنافقين وممن أظهر الإسلام من يكيد للإسلام.

وبعد مرور عشر سنوات على خلافته رضي الله عنه ظهر شخص يدعى عبد الله بن سبأ من يهود اليمن أظهر إسلامه أمام الناس وأخذ يؤلب الغوغاء وعامة الناس على الخليفة عثمان ويثير بعض الشبهات حوله وهكذا استمر متنقلاً بين بلاد المسلمين حتى جمع حوله من هؤلاء الغوغاء أمة - بضعة آلاف - فجاء إلى المدينة وحاصر بيت عثمان رضي الله عنه، فأراد الصحابة أن يدافعوا عن عثمان. ولكنه رفض ذلك.

وكان بإمكان الخليفة وضع حراسة مشددة حوله وتأليب أهل المدينة على هؤلاء الغوغاء ومناجزتهم بالسيوف، لكنه لم يفعل، وأقسم على الناس ألا يتدخلوا في هذا الأمر، وقال: إنه مستعد لمواجهتهم وحده، فخرج إليهم من فوق السور، وذكرهم بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وما فعله معه من توسعة المسجد النبوي، وشراء البئر ليشرب منها المسلمون، وتجهيز الجيش حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم)). قالوا: نعم، نشهد بهذا، قال: الله أكبر، لقد شهدوا، فانفضوا من حوله.

ولكن المنافق الذي خطط للعملية وأمثاله لا يريدون هذا بل يريدون أن تسفك الدماء الزكية الطاهرة. فعمل حيلة بأن كتب كتاباً مزوراً بلسان الخليفة إلى والي مصر بأن يقتل هؤلاء الذين جاءوا وحاصروه في المدينة.

وأعطى الكتاب أحد أعوانه من خدم عثمان رضي الله عنه، وأخذ هذا الذي يحمل الكتاب يتظاهر أمام الناس بالخوف والترقب والحذر .. فقال أتباعه: من هذا؟ ولماذا يظهر عليه الخوف؟ فاعترف بأن لديه كتاباً من الخليفة إلى واليه على مصر، فأخذوه منه فانقلبوا إلى عثمان وحاصروه مرة أخرى في داره .. فأنكر عثمان الكتاب وقال لا علم لي به وأنه مزور، لكنهم اقتحموا عليه داره، وقتلوه وهو يقرأ القرآن، عليهــم من الله ما يستحقون.

لقد رضي عثمان رضي الله عنه بأن يصبر ويتحمل هذا لوحده حتى لا تسفك دماء المسلمين في المدينة، وخاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة على بلوى تصيبه، وقد ورد أيضاً في صحيح الجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان: ((يا عثمان، إن الله مقمصك قميصاً، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني)) والمراد بالقميص، الخلافة وكان المنافقون يريدون خلعه أو قتله، فصبر وبقي حتى قتلوه، وكان قتله في آخر شهر ذي الحجة سنة خمس وثلاثين للهجرة رضي الله عنه.

قرر علي رضي الله عنه أن يرسخ قواعد دولته ويختار القادة والولاة والأمراء لبلاده وجيشه أولاً ثم يأخذ بدم عثمان من كل من شارك في قتل عثمان، ولكن هناك من طالب أولاً قتل قتلة عثمان .. فقال لهم علي: أنا أريد قتلة عثمان، قتل الله من قتل عثمان، إيتوني بقتلة عثمان وأنا أقتلهم، لأنه يعلم أن هؤلاء القتلة اندمجوا في الجيوش ولهم عزوة وجماعة، ولا يمكن أخذهم إلا بعد ترسية قواعد الدولة ومؤسساتها التنفيذية، وإلا أصبحت القضية ثارات وغارات تذهب بالصالح والطالح.

وإن ما حصل بين الصحابة من اجتهادات نصون ألسنتنا عن الخوض فيه مع اعتقاد حبنا لهم جميعاً رضي الله عنهم أجمعين.

وبالمناسبة فإن ما يقال عن التحكيم بين أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وعمرو ابن العاص رضي الله عنه غير صحيح، قيل: أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أنا أخلع علي مثل ما أخلع خاتمي هذا، وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: وأنا أثبت صاحبي أي معاوية مثل ما أضع خاتمي هذا. فهي قصة مختلقة ليس لها أساس من الصحة.

أيها الإخوة: أعود وأذكركم بما قلته: إن علياً رضي الله عنه أحد بطلي المواجهة وله عدة مواقف مشهودة، فأول موقف له رضي الله عنه مع المواجهة كان يوم الهجرة حينما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، حينما أرادت قريش قتله، فخرج صلى الله عليه وسلم ووضع علياً مكانه، حيث نام في فراشه صلى الله عليه وسلم رغم أنه يعلم بإمكان قتله تلك الليلة.

والموقف الثاني في فتح خيبر بعد أن استعصت، فأخذ الراية وتم الفتح على يديه، وقد كانت أكثر الرايات عنده في الغزوات والحروب، وفي أكثر المشاهد.

وأما الموقف الثالث والعظيم فهو موقفه من الخوارج ومن الشيعة .. فأما الشيعة فكان رئيسهم المنافق عبد الله بن سبأ، فقد وصل بهم الحال إلى أن قالوا: أنت إلهنا. أنت ربنا، فخدّ لهم علي رضي الله عنه الأخاديد وأشعل فيها النار، وقال: من لم يرجع عن قوله ألقيته فيها، فردوا عليه بقولهم: الآن ازداد يقيننا أنك ربنا، ولكنه تراجع عن حرقهم بالنار رضي الله عنه، وأخذ يقتلهم بالسيف.

أما الخوارج الذين كفروا الصحابة، وكفروا بالذنوب فقد ناجزهم وقاتلهم قتالاً شديداً، وكان له شرف قتل قائدهم وقتل جمع غفير منهم، ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فساد هذه الفرقة، وأن من قتل هؤلاء المبتدعة له أجر عظيم كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن في قتلهم أجراً عظيماً لمن قتلهم يوم القيامة)). وقال صلى الله عليه وسلم: ((لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود)) وفي رواية: ((لأقتلنهم قتل عاد)).

فكانوا في عهد علي رضي الله عنه، فحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن المنافقين المتربصين بأهل الخير أشباه النمل الأبيض (الأرضة)، قتلوا أبا الحسن غدراً قبل أن يقتل من بقي من قتلة عثمان رضي الله عنه، وقد قُتلوا جميعاً، آخرهم قتله الحجاج، وهم يبلغون ما يقرب من ألفي رجل تقريباً.

جاء في صحيح الجامع عن عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أحدثكم بأشقى الناس؟ رجلين، أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه حتى يبل منها هذه)) وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى رأس علي وإلى لحيته. قُتل علي رضي الله عنه ليلة السابع عشر من رمضان سنة أربعين للهجرة بعد خلافة استمرت ما يقارب خمس سنين، قتل غدراً وهو خارج لصلاة الفجر ولا يعرف قبره رضي الله عنه.

هذه نبذة مختصرة عن الخليفتين الراشدين رضي الله عنهما وعن جميع الصحابة والآل، وأسأل الله العلي العظيم أن يجمعنا بهم في مستقر رحمته إنه ولي ذلك والقادر عليه.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً