أيها الإخوة: لقد بعث الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ليخرج الأمة من عبودية العباد والأهواء إلى عبودية الخالق سبحانه وتعالى، وجاء بالشرع الإسلامي الذي دعا إلى حفظ الدين والعقل والنفس والمال والنسب.
ووضع لكلٍ حدوداً وأهدافاً وطرقاً يلتزم بها كل موحد بالله مؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم، فجاء الشرع الرباني بالقصاص والحدود لحفظ هذه الضروريات الخمس، الدماء، والعقل، والنفس، والمال، والنسب، والدين، وجاء الإسلام بالسبل المؤدية لتلك الغايات والمشبعة للحاجات بالطرق السليمة المباحة.
فبالزواج يحفظ النسب، وبالتجارة المباحة يكسب المال الحلال، وبالقصاص تحفظ الدماء وهكذا.
ولكون الأصل في هذا كله هو حفظ الدين، ونشره بين الناس، وحمايته من الأعداء، كان الجهاد في سبيل الله، الجهاد باللسان والحجة والبيان، والجهاد بالسيف والسنان، فكانت البدايـة دعــوة إلى الله بالحجـة والبيان، جهاد بالقرآن كما قال تعالى: وجاهد هم به جهاداً كبيراً وعند إبلاغ الدعوة للناس وقف أعداء الله في وجهها بكل السبل حتى وصل بهم الأمر إلى محاولـة الاغتيـال، لقتـل النبي صلى الله عليه وسلم، عندها جاء الإذن بالهجرة ثم الجهاد بالسنان فما هو الجهاد؟ وما هي أهدافه؟
أيها الإخوة: إن الجهاد بالسيف والسنان هو ذروة سنام الإسلام وهو استعداد على قدر الاستطاعة لإخضاع المعاندين والمكابرين لأمر الله ... فإما الإسلام وإما الجزية وإما القتال.
قال صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)) إن للجهاد حكماً بالغة، وأهدافاً جليلة، لأن الذي شرعه هو العليم الخبير والهدف الرئيس هو تعبيد الناس لله وحده وإزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعاً وإخلاء العالم من الفساد والبغي. قال تعالى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين وقال سبحانه: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير قال المفسرون من الصحابة: حتى لا تكون فتنة أي حتى لا يكون شرك قال ابن جرير رحمه الله: فقاتلوهم حتى لا تكون فتنة أي حتى لا يكون شرك ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض وهو الفتنة ويكون الدين كله لله.
إن هذا الهدف السامي هو إعلاء كلمة الله وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وإخلاء الأرض من الفساد وإزالة الطواغيت، وهو موضع اتفاق بين علماء المسلمين. يقول الشافعي رحمه الله: يجاهد مِنَ المسلمين مَنْ في جهاده كفاية حتى يسلم أهل الأوثان أو يعطي أهل الكتاب الجزية ويقول محمد بن الحسن: فريضة القتال، المقصود منها إعزاز الدين، وقهر المشركين. ويقول ابن عبد البر المالكي: يقاتل جميع أهل الكفر من أهل الكتاب وغيرهم من القبط والترك والحبشة والفزارية والصقالبة والبربر والمجوس وسائر الكفار من العرب والعجم، يُقاتلون حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
ولتحقيق هذا الهدف الأسمى لابد من استعداد الأمة وتربيتها التربية الجهادية الحقة المبنية على العقيدة الصحيحة والتي تسعى بكل ما أوتيت من قوة لنشر الدين وتعليم الناس الخير ورد اعتداء المعتدين على المسلمين، قـال تعـالى: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ولتقوم الأمة الإسلامية بإزالة الغشاوة والفتنة عن الناس حتى يسمعوا كلام الله وحتى يروا نظام الإسلام مطبقاً ليعرفوا ما فيه من عدل وإصلاح للبشر، ويستخدموا في ذلك كل وسيلة إعلامية ممكنة للوصول إلى جمع سكان الأرض، وللقيام بهذا الأمر لابد من حماية لبلاد المسلمين من شر الكفار، حماية للدين، وحماية للعقيدة، وحماية للشعائر، وحماية للممتلكات، وحماية للأراضي التي عليها مسلمون يوحدون الله في أي جهة كانت، شرقاً أم غرباً، فالأرض التي عليها المسلمون هي أرض إسلامية، لابد لكل مسلم أن يهتم بها ويحافظ عليها بصفتها الإسلامية، وليس بصفتها الإقليمية أو العنصرية العرقية، فكل من يقف في وجه المسلمين من الكفار يجب قتله، فكل كافر معاند لا يستجيب لأمر الله بدفع الجزية أو التخلي عن صد الإسلام ودعاته في جميع أنحاء العالم يجب قتله وإبادته. قال تعالى: قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين.
وقال تعالى: ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين.
وعليه فلابد أن تكون للمسلمين هيبة ورهبة، لإرهاب الكفار وإخزائهم وإذلالهم وإيهان كيدهم وإغاظتهم وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم فإرهاب الكفار وإخافتهم من مقاصد الجهاد. يقول ابن القيم رحمه الله: ولا شيء أحب على الله من مراغمة وليه لعدوه وإغاظته له.
إن للجهاد في سبيل الله منزلة عظيمة، وقد عده بعض العلماء من أركان الإسلام الذي لا استقامة للإسلام ولا قوامة لشرائعه إلا به، وقد فضل الله المجاهدين والشهداء في سبيله فضلاً عظيماً قال تعالى: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون، وقال تعالى: فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً وقال تعالى: لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة.
وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض)). وقد تمنى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل في سبيل الله مراراً وتكراراً كما جاء في الحديث الصحيح أنه قال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل)).
|