.

اليوم م الموافق ‏11/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

حقيقة البعث والنشور

1683

الإيمان, الرقاق والأخلاق والآداب

الموت والحشر, اليوم الآخر

عائض القرني

غير محدد

غير محدد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1-وقفة مجادلة مع منكري البعث. 2- بعض أهوال يوم القيامة. 3- إبراهيم عليه السلام يرى قدرة الله الباهرة على إحياء الموتى. 4- دعوة للاستعداد لما بعد الموت.

الخطبة الأولى

أيها الناس:

إلى الله نشكو قسوة فـي قلوبنـا         وفي كل يوم واعظ الموت يندب

إذا قيل أنتم قـد عملتم فمـا الذي    عملتم وكل فـي الكتـاب مرتب

فيا ليت شعري ما نقول وما الذي    نجيب إذ ذاك والأمـر أصعب؟

أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون [يس:77-83].

أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة.

يا أيها الإنسان، يا من خلقه ربه وصوره.

يا أيها الإنسان، يا من تعدى حدود الله، وانتهك حرمات الله، وأكل نعم الله، واستظل بسماء الله، ووطأ أرض الله.

يا أيها الإنسان إنك سوف تعرض على الله.. ويل لك أيها الإنسان، أما فكرت في القدوم على الله؟!

ولو أنا إذا متنا تركنا   لكان الموت غاية كل حي

ولكنا إذا متنا بعثنا    ويسأل ربنا عن كل شيء

يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم [الانفطار:6].

ما الذي خدعك حتى عصيت الله؟! ما الذي غرك، حتى تجاوزت حدود الله؟

ما الذي أذهلك، حتى انتهكت حرمات الله؟

يا أيها الإنسان: أما كنت نطفة؟ أما كنت ماء؟ أما كنت في عالم العدم؟!.

هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه [الإنسان :1-2]. مسكين هذا الإنسان، حقير هذا الإنسان. أتى من ماء، أتى من نطفة، أتى من عالم العدم، فلما مشى على الأرض تكبر، وتجبر، ونسي الله الواحد الأحد.

في مسند الإمام أحمد، بسند جيد، عن بسر بن جحاش القرشي؛ أن رسول الله ، بصق يوماً في كفه، فوضع عليها إصبعه، ثم قال: ((قال الله عز وجل: ابن آدم، أنى تعجزني، وقد خلقتك من مثل هذا، حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين، وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت التراقي، قلت: أتصدق!! وأنى أوان الصدقة!!))[1].

من هذا المجرم الذي تكبر وتجبر، من هذا الخاسر، الذي لم يحسب للأمر حسابه، ولم يعد له عُدته، إنه ينكر البعث بلسان حاله، وإن كان يخفي ذلك في مقاله.

صاح هذي قبورنا تملأ الرحبـة         فأين القبور من عهد عاد

خفف الوطء ما أظن أديم الأرض         إلا مـن هـذه الأجسـاد

هذا المجرم؛ العاص بن وائل ثمر الله ماله، وأصح جسمه، وعلّى شأنه في الدنيا، ولكنه كفر بلا إله إلا الله.

أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، بعظم بالٍ، فتته ونفخه أمام المصطفى وقال: يا محمد، أتزعم أن ربك يعيد هذه العظام بعد أن يميتها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((نعم يميتك الله، ثم يبعثك، ثم يدخلك النار))[2].

يقول الله له: ضرب لنا مثلاً أتى يضرب لنا الأمثال، نسي مكرماتنا، نسي معروفنا، نسي جميلنا ونعمنا، وأتى يضرب لنا الأمثال اليوم! ونسي خلقه! من الذي أنشأه من العدم؟! من الذي أغناه من الفقر؟! من الذي مشّاه على رجليه؟! ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين [البلد:8-10]. فماله نسينا اليوم؟!.

العاص بن وائل هذا، أتاه أحد الفقراء من المسلمين، وقد عمل له عملاً، واشتغل له شغلاً، فقال له الفقير: يا أبا عمرو، أعطني أجرتي، قال: أتؤمن  أن الله يبعثنا يوم القيامة؟ قال: نعم، فقال ضاحكاً مستهزءاً: فإذا بعثنا الله، بعثني ربي من قبري، وعندي كنوز من الأموال، فأحاسبك في ذاك اليوم، وأعطيك أجرتك[3]، فقال الله: أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولدا ً أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهداً كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مداً ونرثه ما يقول ويأتينا فرداً [مريم:77-80].

وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم [يس:78-79].

والله لنبعثنّ كما نستيقظنّ حفاة عراة غرلاً، كما بدأنا أول مرة يعيدنا، ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون [الأنعام:94].

سوف نخرج من قبورنا مذهولين، خائفين، وجلين، إلا من رحم الله، ولا يأمن من مكر الله، ولا من عذاب الله ولا من طرد الله إلا من أمّنه الله إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين [الأنبياء:101-104].

صح عنه أن الناس يخرجون من قبورهم فمنهم من يبلغ عرقه كعبيه، ومنهم من يبلغ العرق ركبتيه، ومنهم من يبلغ حقويه، ومنهم من يبلغ حنجرته، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً[4]. يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً [الفرقان:27-28].

ثم يرد الله – عز وجل – على من أنكر البعث وجهل قدرة الله تبارك وتعالى.

قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون [يس:78-80].

قال أهل العلم: الشجرة بذرة أنبتها الله ورعرعها بالماء، ثم يبست وأصبحت حطباً، يوقد به في النار وقال بعضهم: المرخ والسفار شجر في الحجاز إذا ضربت هذا بهذا وهو أخضر انقدح ناراً.

فمن الذي قدح النار منه؟! ومن الذي جعل آيات الكون قائمة أمام الأعين؟ أليس هو الذي يعيدنا يوم العرض الأكبر؟! الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى [يس:80-81].

يا أيها الإنسان، انظر إلى السموات بلا عمد.

يا أيها الإنسان، انظر إلى الأرض في أحسن مدد.

انظر: من أجرى الهواء؟ من سيّر الماء؟ من جعل الطيور تناظم بالنغمات؟ من جعل الرياح غاديات رائحات؟ من فجّر النسمات؟ من خلقك في أحسن تقويم؟: أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادرٍ على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاّق العليم [يس:81].

سبحان الله! ما أقدر الله!!.

يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه: والله لولا يوم القيامة لكان غير ما ترون، لو لم يكن هناك يوم بعث ونشور، أكل الأقوياء الضعفاء، وأخذ الظلمة المظلومين، وتجبر المتجبرون في الأرض.

مثل لنفسك أيهـا المغـرور         يوم القيامة والسماء تمـور

إن قيل نور الدين جاء مسلماً         فاحذر بأن تأتي ومالك نور

حرّمت كاسـات المـدام تعففا    وعليك كاسات الحرام تدور

متى يستفيق من لم يستفق اليوم؟

متى يتوب إلى الله من لم يتب هذه الساعات؟ متى يحاسب نفسه من لم يحاسبها قبل العرض على الله؟!

عباد الله:

أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.


 



[1]  أخرجه أحمد (4/210) ، وابن ماجه (2/903) رقم (2707) ، وحسنه الألباني كما في صحيح ابن ماجه (2/111).

[2]  أخرجه الحاكم في المستدرك (2/108) وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (5/507 ، 508) وعزاه لعبد الرزاق ، وابن مردويه ، وسعيد بن منصور ، والبيهقي ، وابن المنذر.

[3]  انظر الدر المنثور (4/506).

[4]  أخرجه مسلم (4/2196) رقم (2864).

الخطبة الثانية

 

الحمد لله، الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراٌ، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً.

والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فإن إبراهيم عليه السلام إمام التوحيد، ومعلم الحنيفية، وأستاذ العقيدة، إبراهيم خليل الرحمن، الذي نشر عقيدة التوحيد في الأرض.

مرّ يوماً من الأيام على ساحل البحر، فرأى جثة حيوان ميت، قد ألقاها البحر بالساحل، وهذه الجثة تأتيها السباع فتأكل منها، والطيور فتنهش منها، فوقف عليها متعجباً، وهو يقول في نفسه: كيف يعيدها الله يوم القيامة، وقد أكلتها السباع والطيور؟ كيف يعيد الله هذه الجثة، وقد تشتت في بطون السباع، وتفرقت في حواصل الطير؟! وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تُحيي الموتى [البقرة:260].

فكلم ربه، ونادى ربه، وسأل ربه أن يريه عملية الإحياء، وعملية الموت، كيف تقوم عملية الإحياء وعملية الموت.

وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال له الله: أولم تؤمن، أما آمنت إلى اليوم؟ أما تيقنت أن الله يبعث من في القبور؟ أما علمت أن الله سبحانه وتعالى ينشر الناس يوم النشور؟!

والله يعلم أنه مؤمن، وأنه موحد، وأنه مصدق.

قال بلى آمنت يا رب، وأسلمت يا رب، وتيقنت يا رب ولكن ليطمئن قلبي سبحان الله!!ّ.

في الصحيح عنه ، أنه قال: ((نحن أحق بالشك من إبراهيم))[1].

معنى ذلك: لو كان إبراهيم يشك لكُنا نحن أولى أن نشك في قدرة الله، ولكننا لا نشك، فإبراهيم عليه السلام أولى ألا يشك.

قال بلى ولكن ليطمئن قلبي [البقرة:260]. ثم قال الله: قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك [البقرة:260]. خذ أربعة من الطيور من أنواعها، ذكر ابن عباس رضي الله عنهما قال: حمام ودجاج وأوز، وطائر من عنقاء مغرب، أو كما قال.

ولا يهمنا تعداد الطيور، لكن يهمنا الشاهد والدلالة في الآية، فأخذ أربعة من الطيور، قال الله: فصرهن إليك أي قطعهن ومزقهن، فقطع رؤوسها وفصل أرجلها وأكتافها وأيديها ومزق ريشها، ثم خلط الأربعة بعضها ببعض.

قال الله له: ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً [البقرة:260]. فأخذ هذه المجموعات؛ ومن اللحم، والعظام، والريش، والدم، فوزعها على أربعة جبال، ثم نزل إلى الوادي، قال الله: ثم ادعهن يأتينك سعياً [البقرة:260].

فلما نزل قال: تعالي أيتها الطير بإذن الله، تعالي أيتها الطير بإذن الله، فبعث الله الأرواح فيها، وكانت رؤوس الطير بيده، فأقبل الريش والعظم واللحم؛ كل طائر يدخل في رأسه، لا يدخل في رأس غير رأسه، فلما تركبت أجسامها في رؤوسها، رفرفت وطارت، وأخذت مجالها في الجو، ثم قال الله له: واعلم أن الله عزيز حكيم [البقرة:260]. قال عليه السلام: أعلم أن الله عزيز حكيم.

فيا من شك في قدرة الله، ويا من شك في البعث والنشور، ترقب يوم يبعث الله الأولين والآخرين، يوم يناديهم لذاك اليوم، وتزين ليوم العرض على الله، والبس لباساً ليس كلباسنا اليوم، فوالله لا تجزئ ألبستنا، إن لم تكن من التقوى، واستعد بحسنات وبأعمال صالحات ترفع درجاتك عند الله.

إن بعد الحياة موتاً عظيماً، فاستعد لذلك البعث، وارتقب واشكو حالك إلى الله، وجدد توبة صادقة إلى الحي القيوم يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم [الشعراء:88-89].

يوم يطوي الله عز وجل السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون، ثم يطوى الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون[2].

فنسأل الله أن ينجينا وإياكم في ذلك اليوم.

ونسأل الله أن يبيض وجوهنا ووجوهكم في ذاك اليوم.

ونسأل الله ألا يجعلنا من أهل الفضائح، وأهل النكبات، وأهل البوار، وأهل الخسار.

عباد الله:

صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً [الأحزاب:56].

ويقول عليه الصلاة والسلام: ((من صلى علي صلاة، صلى الله عليه بها عشراً))[3].

اللهم صل وسلم على نبيك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين.

وارض اللهم عن أصحابه الأطهار، من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.



[1]  أخرجه البخاري (5/163) ، ومسلم (1/133) رقم (151).

[2]  أخرجه مسلم (4/2148) رقم (2788).

[3]  أخرجه مسلم (1/288) رقم (384).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً