أيها الناس:
إلى الله نشكو قسوة فـي قلوبنـا وفي كل يوم واعظ الموت يندب
إذا قيل أنتم قـد عملتم فمـا الذي عملتم وكل فـي الكتـاب مرتب
فيا ليت شعري ما نقول وما الذي نجيب إذ ذاك والأمـر أصعب؟
أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون [يس:77-83].
أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة.
يا أيها الإنسان، يا من خلقه ربه وصوره.
يا أيها الإنسان، يا من تعدى حدود الله، وانتهك حرمات الله، وأكل نعم الله، واستظل بسماء الله، ووطأ أرض الله.
يا أيها الإنسان إنك سوف تعرض على الله.. ويل لك أيها الإنسان، أما فكرت في القدوم على الله؟!
ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا ويسأل ربنا عن كل شيء
يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم [الانفطار:6].
ما الذي خدعك حتى عصيت الله؟! ما الذي غرك، حتى تجاوزت حدود الله؟
ما الذي أذهلك، حتى انتهكت حرمات الله؟
يا أيها الإنسان: أما كنت نطفة؟ أما كنت ماء؟ أما كنت في عالم العدم؟!.
هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه [الإنسان :1-2]. مسكين هذا الإنسان، حقير هذا الإنسان. أتى من ماء، أتى من نطفة، أتى من عالم العدم، فلما مشى على الأرض تكبر، وتجبر، ونسي الله الواحد الأحد.
في مسند الإمام أحمد، بسند جيد، عن بسر بن جحاش القرشي؛ أن رسول الله ، بصق يوماً في كفه، فوضع عليها إصبعه، ثم قال: ((قال الله عز وجل: ابن آدم، أنى تعجزني، وقد خلقتك من مثل هذا، حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين، وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت التراقي، قلت: أتصدق!! وأنى أوان الصدقة!!)).
من هذا المجرم الذي تكبر وتجبر، من هذا الخاسر، الذي لم يحسب للأمر حسابه، ولم يعد له عُدته، إنه ينكر البعث بلسان حاله، وإن كان يخفي ذلك في مقاله.
صاح هذي قبورنا تملأ الرحبـة فأين القبور من عهد عاد
خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا مـن هـذه الأجسـاد
هذا المجرم؛ العاص بن وائل ثمر الله ماله، وأصح جسمه، وعلّى شأنه في الدنيا، ولكنه كفر بلا إله إلا الله.
أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، بعظم بالٍ، فتته ونفخه أمام المصطفى وقال: يا محمد، أتزعم أن ربك يعيد هذه العظام بعد أن يميتها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((نعم يميتك الله، ثم يبعثك، ثم يدخلك النار)).
يقول الله له: ضرب لنا مثلاً أتى يضرب لنا الأمثال، نسي مكرماتنا، نسي معروفنا، نسي جميلنا ونعمنا، وأتى يضرب لنا الأمثال اليوم! ونسي خلقه! من الذي أنشأه من العدم؟! من الذي أغناه من الفقر؟! من الذي مشّاه على رجليه؟! ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين [البلد:8-10]. فماله نسينا اليوم؟!.
العاص بن وائل هذا، أتاه أحد الفقراء من المسلمين، وقد عمل له عملاً، واشتغل له شغلاً، فقال له الفقير: يا أبا عمرو، أعطني أجرتي، قال: أتؤمن أن الله يبعثنا يوم القيامة؟ قال: نعم، فقال ضاحكاً مستهزءاً: فإذا بعثنا الله، بعثني ربي من قبري، وعندي كنوز من الأموال، فأحاسبك في ذاك اليوم، وأعطيك أجرتك، فقال الله: أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولدا ً أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهداً كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مداً ونرثه ما يقول ويأتينا فرداً [مريم:77-80].
وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم [يس:78-79].
والله لنبعثنّ كما نستيقظنّ حفاة عراة غرلاً، كما بدأنا أول مرة يعيدنا، ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون [الأنعام:94].
سوف نخرج من قبورنا مذهولين، خائفين، وجلين، إلا من رحم الله، ولا يأمن من مكر الله، ولا من عذاب الله ولا من طرد الله إلا من أمّنه الله إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين [الأنبياء:101-104].
صح عنه أن الناس يخرجون من قبورهم فمنهم من يبلغ عرقه كعبيه، ومنهم من يبلغ العرق ركبتيه، ومنهم من يبلغ حقويه، ومنهم من يبلغ حنجرته، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً. يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً [الفرقان:27-28].
ثم يرد الله – عز وجل – على من أنكر البعث وجهل قدرة الله تبارك وتعالى.
قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون [يس:78-80].
قال أهل العلم: الشجرة بذرة أنبتها الله ورعرعها بالماء، ثم يبست وأصبحت حطباً، يوقد به في النار وقال بعضهم: المرخ والسفار شجر في الحجاز إذا ضربت هذا بهذا وهو أخضر انقدح ناراً.
فمن الذي قدح النار منه؟! ومن الذي جعل آيات الكون قائمة أمام الأعين؟ أليس هو الذي يعيدنا يوم العرض الأكبر؟! الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى [يس:80-81].
يا أيها الإنسان، انظر إلى السموات بلا عمد.
يا أيها الإنسان، انظر إلى الأرض في أحسن مدد.
انظر: من أجرى الهواء؟ من سيّر الماء؟ من جعل الطيور تناظم بالنغمات؟ من جعل الرياح غاديات رائحات؟ من فجّر النسمات؟ من خلقك في أحسن تقويم؟: أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادرٍ على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاّق العليم [يس:81].
سبحان الله! ما أقدر الله!!.
يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه: والله لولا يوم القيامة لكان غير ما ترون، لو لم يكن هناك يوم بعث ونشور، أكل الأقوياء الضعفاء، وأخذ الظلمة المظلومين، وتجبر المتجبرون في الأرض.
مثل لنفسك أيهـا المغـرور يوم القيامة والسماء تمـور
إن قيل نور الدين جاء مسلماً فاحذر بأن تأتي ومالك نور
حرّمت كاسـات المـدام تعففا وعليك كاسات الحرام تدور
متى يستفيق من لم يستفق اليوم؟
متى يتوب إلى الله من لم يتب هذه الساعات؟ متى يحاسب نفسه من لم يحاسبها قبل العرض على الله؟!
عباد الله:
أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.
|