أيها المسلمون:
يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله)).
أمره الله أن يقاتل هذا الإنسان حتى يسجد لله، فيوم يتهاون الإنسان بالصلاة، أو يترك الصلاة، أو يتنكر للصلاة، أو لا يتعرف على بيت الله، يصبح هذا الإنسان لا قداسة له، ولا حرمة له، ولا مكانة ولا وزن.
هذا الإنسان حين يترك الصلاة، يكون دمه رخيصاً لا وزن له، يسفك دمه، تهان كرامته، يقطع رأسه بالسيف، قيل حداً، وقيل كفراً وهو الصحيح.
يقول الله تعالى عن جيل من الأجيال تهاونوا بالصلاة: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً [مريم:59].
قال أحد السلف: أما إنهم ما تركوها بالكلية، ولكن أخروها عن أوقاتها.
أي إسلام لإنسان يترك الصلاة، أي دين له، ما معنى شهادة أن لا إله إلا الله، لرجل تؤخره تجارته، أو وظيفته، أو عمله، أو منصبه، أو اجتماعه عن الصلاة، ثم يتبجح بعد ذلك مدعياً أنه مسلم!! إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً [النساء:142].
إنهم يصلون.. لكن صلاة العصر مع غروب الشمس وصلاة الظهر في الساعة الثانية، وصلاة المغرب مع العشاء، وصلاة الفجر مع طلوع الشمس !! فأين الإسلام، وأين لا إله إلا الله، وأين التحمس للدين؟!.
حضرت رسول الله معركة الأحزاب قبل أن تنزل صلاة الخوف فقام يقاتل المشركين، دمه يسيل على الأرض في مخاصمة لأعداء الله، فنسي صلاة العصر حتى غربت الشمس، ما نسيها لأنه كان في لهو أو لعب، حاشا وكلا، بل نسيها من احتدام القتال، اليهود، المشركون.. المنافقون.. عملاء الصهيونية العالمية.. أنسوه صلاة العصر، فلما غربت الشمس قال : ((ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً، كما شغلونا عن الصلاة الوسطى))، ثم قام فصلاها، فأنزل الله – تعالى – صلاة الخوف، يصليها المسلم أثناء القتال، يصليها الذي يقود الدبابة، يصليه الذي يحمل الرشاش، يصليها المريض على سريره، لا يعذر في تركها أحد.
إن تأخير الصلاة عن وقتها، معناه النفاق الصريح الذي وقع فيه كثير من الناس، إلا من رحم ربك، يقول عليه الصلاة والسلام، وهو في سكرات الموت: ((الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم))، فأي دين بلا صلاة، وما معنى الانتساب للإسلام بغير صلاة، يقولون: مسلمون، ولكن لا نصلي، أو نتهاون بالصلاة، أو ننقر الصلاة، فأين الإسلام؟ وأين الصدق مع الله؟ وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال، معهم حزم من حطب، إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم)).
وعند أحمد: ((لولا ما في البيوت من النساء والذرية، لأقمت صلاة العشاء، وأمرت فتياني، يحرقون ما في البيوت بالنار)) لماذا ؟ لأنهم أصبحوا في عداد المنافقين، يتذرعون بالإسلام، ولكن لا يصلون الجماعة مع الناس، ويدّعون لا إله إلا الله، ثم يخرجون الصلاة عن أوقاتها، يسأل عليه الصلاة والسلام عن أفضل الأعمال فيجيب: ((الصلاة لوقتها)). ويقول أيضاً: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر))، دمه مسفوك بسيف الشريعة، خارج من الملة، لا طهر له، لا قداسة، لا حرمة، لأنه حارب الله ولم يعظم شعائره، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)).
إنه لا عذر لأحد في ترك الصلاة مع الجماعة، ما دام صحيحاً سليماً، يقول ابن مسعود – -: (ولقد كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف).
مرض أحد الصالحين من التابعين، اسمه ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير، فسمع أذان المغرب، فقال لأبنائه: احملوني إلى المسجد، قالوا: أنت مريض، وقد عذرك الله، قال: لا إله إلا الله!! أسمع حي على الصلاة.. حي على الفلاح ثم لا أجيب!! والله لتحملوني إلى المسجد، فحملوه إلى المسجد، ولما كان في السجدة الأخيرة من صلاة المغرب، قبض الله روحه.
قال: بعض أهل العلم: كان هذا الرجل إذا صلى الفجر، قال: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، قيل له: وما الميتة الحسنة قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد.
نعم هذه هي الميتة الحسنة، أن يتوفاك ربك وأنت في صلاة، أو في جهاد في سبيل الله، أو على طهارة وأنت تقرأ القرآن، أو في طلب العلم، أو في مجالس الذكر.
والميتة القبيحة: أن يتوفاك الله وأنت تستمع إلى الأغنية، أو في سهرة خليعة، أو على كأس الخمر، أو في سفر إلى الفاحشة، أو في مجالس الغيبة، هذه هي الميتة القبيحة التي تعوذ منها الصالحون.
سعيد بن المسيب إمام التابعين، كان يأتي في ظلام الليل، إلى مسجد النبي ، فقال له إخوانه: خذ سراجاً لينير لك الطريق في ظلام الليل، فقال: يكفيني نور الله. ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور [النور:40].
وفي الحديث عنه، عليه الصلاة والسلام، ((بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)). وهل في القيام ظُلم؟ وهل في القيامة ليل؟ إي والله.. ليل أدهى من الليل، وظلمة أدهى من الظلمة، يجعلها الله لأعداء المساجد، وللذين انحرفوا عن بيوت الله، تظلم عليهم طرقاتهم وسبلهم يقولون للمؤمنين يوم القيامة: انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً [الحديد:13].
كان لسعيد بن المسيب عين واحدة، ذهبت الأخرى، قالوا: من كثرة بكائه في السحر، خشية لله، وكان يذهب بهذه العين الواحدة في ظلام الليل إلى المسجد، وقال في سكرات الموت وهو يتبسم: والله ما أذن المؤذن منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد، قبل الأذان، تجد سعيد بن المسيب في المسجد.
لكن أتى أناس، أكلوا نعم الله، وتمرغوا في فضل الله، ولكنهم نسوا حقه وأهملوا شعائره، فأصبحت الصلاة في حياتهم آخر شيء يفكرون فيه، وإلى الله المشتكى.
ودع عمر – - وأرضاه، سعداً إلى القادسية، ثم قال له: يا سعد، أوصي الجيش بالصلاة، الله الله في الصلاة، فإنكم إنما تهزمون بالمعاصي، فأوصهم بالصلاة.
كان الصحابة إذا تلاقت الصفوف، التحمت الأبدان، وأشرعت الرماح، وتكسرت السيوف، وتنزلت الرؤوس من على الأكتاف، تركوا الصفوف لطائفة، وقامت طائفة أخرى تصلي.
نحن الذين إذا دُعـوا لصـلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا
جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الـروح الأمـين فكبـرا
حضر أجدادنا حصار كابل – عاصمة أفغانستان – فطوقوها من كل جهة، ولبسوا أكفانهم، لأنهم يريدون؛ إما الحياة في عز، وإما الموت في شرف. قل هل تربّصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون [التوبة:52].
هذه هي غاية المسلم وهذا هو مراده.
فإما حياةٌ نظّم الوحي سيرها وإلا فمـوت لا يسـر الأعـادي
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامُنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حادي
وقف أجدادنا يحاصرون كابل، ولما صلوا الظهر، قال القائد العظيم قتيبة بن مسلم، وقد كان قبل المعركة يبكي ويقول: اللهم انصرنا، فإن النصر من عندك، فلما وقف بعد صلاة الظهر، وكان جيشه يقدر بمائة ألف مقاتل، قال: ابحثوا لي عن الرجل الصالح محمد بن واسع أين هو محمد بن واسع؟
لقد حانت ساعة الصفر، ساعة بيع الأرواح، ساعةٌ تفتح فيها أبواب الجنان، ساعة حضور الملائكة، ولا زال القائد يقول: ابحثوا لي عن محمد بن واسع، فالتمسوه، فوجدوه يبكي، وقد اتكأ على رمحه، ورفع إصبعه إلى السماء يقول: يا حي يا قيوم. فأخبروا قتيبة بذلك، فدمعت عيناه، ثم قال: والذين نفسي بيده، لأصبع محمد بن واسع خير عندي من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف مقاتل طرير، وابتدأت المعركة، وحمي الوطيس، وانتصر المسلمون، ولم يصلوا العصر إلا داخل كابل.
إنها الصلاة، إنها حياة القلوب، إنها الميثاق، إنها العهد بين الإنسان وبين ربه.
ويوم يتركها المرء، أو يتهاون بها، يدركه الخذلان، وتناله اللعنة، وينقطع عنه مدد السماء.
عباد الله:
إن من أسباب السعادة، وحفظ الله لنا، ودوام رغد العيش الذي نعيشه، أن نحافظ على عهد الله في الصلاة، وأن نتواصى بها، وأن نأمر بها أبناءنا.
يقول لقمان عليه السلام لابنه: يا بُني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك [لقمان:17].
فهل من مجيب؟ وهل من مسارع إلى الصلاة حيث ينادى بهن؟ وهل من حريص على تلكم الشعيرة العظيمة؟ إنها الحياة، ولا حياة بغير صلاة.
لما طعن عمر بن الخطاب في صلاة الفجر، فاتته ركعة واحدة، غلبه الدم، فحمل على أكتاف الرجال، ووصل إلى بيته فلما أفاق قال: هل صليتُ ؟ قالوا: بقيت عليك ركعة، فقام يصلي، فأغمى عليه، ثم عقد الصلاة، فأغمي عليه، ثم قام يصلي، فأغمي عليه، ثم أتم الركعة وقال: الحمد لله الذي أعانني على الصلاة.
فالله الله في الصلاة، من حافظ عليها، حفظه الله، ومن ضيعها، ضيعه الله، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون [العنكبوت:45].
فالصلاة الصلاة عباد الله، في أول وقتها؛ بخشوعها، بخضوعها، بأركانها، وواجباتها، وسننها، علّ الله أن يحفظنا ويرعانا كما حافظنا عليها وعظمناها.
فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولجميع المسلمين فاستغفروه، وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
|