.

اليوم م الموافق ‏01/‏ذو القعدة/‏1445هـ

 
 

 

اليوم الآخر

1621

الإيمان

اليوم الآخر

صالح بن عبد العزيز آل الشيخ

الرياض

جامع الطريري

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الإيمان باليوم الآخر. 2- الحساب يوم القيامة وشهادة الجوارح. 3- المرور على الصراط. 4- دخول الفقراء والأغنياء الجنة. 5- كيفية تحقيق الإيمان باليوم الآخر. 6- يوم القيامة يوم الحسرة والجزاء بالمثل.

الخطبة الأولى

 

أما بعد: أيها المؤمنون اتقوا الله حق التقوى.

عباد الله: يقول الله جل وعلا: ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون[الزمر:68-70].

في هذه الآيات ذكرى للإيمان بيوم الله الآخر، للإيمان بيوم الميعاد الذي هو كائن لا محالة، فإن الإيمان بيوم الله الآخر ركن من أركان الإيمان لا يصح إيمان عبد حتى يعلم ويتيقن دون ريب ولا تردد أن ثمة يوماً يرجع فيه الناس إلى الله فيحاسب المحسن والمسيء، فيجازي المحسن بإحسانه ويجازي المسيء بإساءته.

والله جل جلاله قال في هذه الآيات: وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون حين تشرق الأرض بنور الله جل وعلا يضع الله جل وعلا كتاب الناس، كتاب كل أحد، كتابه الذي فيه أعماله، الذي فيه ما عمله من عمل صالح اتبع فيه رسوله وما عمل فيه من طالح عصى فيه أمر الله جل وعلا وأمر رسوله: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً [الإسراء:13-14] وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه يعني ما يطير عنه وما ينفصل عنه من عمل صالح أو غير صالح، فإنه مع المرء يلازمه حتى يخرج له يوم القيامة كتاب يلقاه منشوراً أمامه فيقرره الله جل وعلا بما فيه من العمل: ألم تعمل يا عبدي يوم كذا كذا وكذا؟ ألم تعمل يوم كذا كذا وكذا؟ فيقرر الله جل وعلا عباده بما عملوا من خير ومن شر، فأما المؤمن فهو يقر بذلك وهو يرجو عفو الله، وأما الكفار أو المجادلون فيقولون: يا ربنا أنت الحكم العدل لا نقبل علينا شهيداً إلا من أنفسنا فينطق الله جل وعلا جلودهم وينطق الله جل وعلا سمعهم وأبصارهم وينطق الله جل وعلا جوارحهم بما اكتسبوا وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين[فصلت:21-24].

إنه في ذلك اليوم تنشر الكتب ويعرف المرء عمله فيكون المؤمن فرحاً مسروراً يأخذ كتابه بيمينه، ويكون الكافر أو الفاجر خائفاً وجلاً لا يدري ما يصنع به، وترفع النار فيساق إليها الكفار ورداً، يساقون إليها فيتهافتون فيها تهافت الجراد.

وأما أهل الإيمان فإنهم يتأخرون وكذلك الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً في أمر عصيب وتفصيل في ذلك اليوم حتى تقام الظلمة دون الجسر وينصب الصراط على النار، والأنبياء يقولون وهم على الصراط: اللهم سلم سلم من شدة ما يرون من الهول، وكلٌ لا يهمه إلا نفسه، فإن المرء تهمه نفسه، فيأتي أهل الإيمان يمشون على الصراط بقدر أعمالهم ويرون الصراط ودونه الظلمة لأنهم يعطون نوراً فيعبر بعض أهل الإيمان كالبرق سرعة، وبعضهم يعبره كالراكب، وبعضهم يمشي مشياً، وبعضهم يحبو حبواً، والقلوب خائفة وجلة في أمر عصيب لأن بعده عذاب سرمدي أو نعيم سرمدي.

والناس إذا عبروا على الصراط فمن ناجٍ مُسلم، ومن مكردس في النار، فينقي الله أهل الإيمان في النار إذا لم يشأ أن يغفر لهم، ينقي ما في قلوبهم من الخبث لأن العاصي في قلبه خبث لابد أن يطهر - إن لم يغفر الله له ذلك ويطهره بمنه وكرمه -، فتكون عامة النار للكفار وتكون طبقتها العليا لأهل التوحيد يمكثون فيها زماناً طويلاً، وهم في عذاب شديد، عذاب شديد، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يشفع الشفعاء وتبقى شفاعة رب العالمين إلى آخر ما يحصل من ذلك.

وإذا جاوز أهل الإيمان القنطرة، إذا جاوزوا الصراط اجتمعوا دون الجنة فتأخر الأغنياء، تأخر الأغنياء عن دخول الجنة بنصف يوم، يعني بخمس مائة سنة، ويدخل الفقراء الجنة أول الأمر لأن حقوق المال عظيمة ولأن حقوق ما آتى الله عباده فيها أمر شديد وفيها حساب، فيؤخر الأغنياء حتى يُعطى الناس منهم حقوقهم، وعند ذلك يحصل بلوغ المنازل لهم ثم يدخل أولئك الأغنياء، يدخلون الجنة بعد الفقراء بخمس مائة عام وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون[الحج:47]، ثم يدخل أهل الجنة الجنة، ودرجاتهم متفاوتة، وإن منهم لمن يتراءى درجة إخوانه كما نرى اليوم الكوكب الدري الغابر في السماء، نرى بصيص نوره ولا نرى ما فيه لأجل شدة ارتفاعه، وإن من الناس من هم مع الأنبياء ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ذلك الفضل من الله [النساء:69-70].

أيها المؤمن: إن الإيمان باليوم الآخر لابد أن نتيقنه، وما يحصل فيه يجب أن يكون في قلوبنا من غير شك ولا مرية، نرى الجنة أمامنا دائماً لا تغيب عنا، ونرى النار بهولها وعذابها وما فيها، نراها دائماً لا تغيب عنا، وهذه العقيدة، وهذا الإيمان يثمر في قلب المؤمن الرجاء في أن يكون من أهل الجنة فيحمله رجاؤه على طاعة الله وعلى خوف الله وعلى أن يأتي ما لم يأذن به الله جل وعلا، فترى الذي يخاف الدار الآخرة مراقباً لنفسه فيأتي الواجبات مسرعاً مطيعاً من الصلاة والزكاة والصيام والحج، وكذلك ما أمر الله به من أداء الأمانة، وكذلك ما أمر الله به من العدل في الناس، وكذلك ما أمر الله جل وعلا به من أنواع الأوامر في التعامل مع النفس ومع الأهل في البيت ومع المسلمين ومع غير المسلمين.

إن لله في ذلك كله أوامر فيرى المؤمن الذي يرى أمامه الجنة والنار، يرى أمامه تطاير الصحف ويرى أمامه الميزان والصراط وذلك الهول مما سمع في القرآن والسنة، يرى أن نفسه لابد أن يلزمها بتقوى الله، والمؤمن الذي يعي ذلك فيجد نفسه عظيمٌ عليها أن يخالف أمر الله جل وعلا، يرى نفسه عظيمٌ عليها أن تخالف الحق أو أن تأتي الباطل، إن الاعتقاد بهذه النار وبوجودها وبأنه يدخلها الكفار وبأنه يدخلها العصاة إن لم يغفر الله لهم - وذلك في حق غير التائبين -، إن لم يشأ الله مغفرته لهم فإنهم يعذبون في ذلك، وعذاب النار من يصبر عليه.

ويتذكر المؤمن أن من أولئك الذين يعذبون من يقول الكلمة لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في النار سبعين خريفاً، يلقي الرجل الكلمة وتلقي المرأة الكلمة لا تلقي لها بالاً تظن أنها سهلة وهي تهوي بها في النار سبعين خريفاً، وقد جاء أن من الناس من يقرب من الجنة فيلقي كلمة، يتكلم بكلمة لا يدري ما فيها يتباعد كما جاء في الأثر عن الجنة كبعد صنعاء عن المدينة، وهذا من شدة أثر الكلام لأنه نوع من أنواع ما يحاسب به العبد.

كذلك أعمال القلوب من الصالحات كالإيمان والتوكل والرغبة فيما عند الله وخشية الله والبكاء من خشية الله وكتعلق القلب بالله وبأوامره هذا يؤجر عليه فيسعى المؤمن إليه، وأعمال القلوب المحرمة يراها من الكبر وسوء الظن والمسلمين من غير حجة، وكذلك من أنواع الإعجاب بالنفس وتزكية النفس ونحو ذلك من أعمال القلوب المحرمة يراها تعظم عليه، وقد قال بعض أهل العلم: رب طالح كان أعظم عند الله من فاعل طاعة، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: ذاك عمل بمعصية فلم تزل في قلبه عظيمة يتعاظمها في حق الله حتى يغفر الله له، وذلك صالح عمل بطاعة فما زال يتعاظم فعله ويعجبه ذلك ويتكبر به ولا يجل من ربه ويخاف منه حتى يحبط الله عمله.

فالأمر - أيها المؤمن لأنك مؤمن بالآخرة - الأمر خطير، والناس في غفلاتهم، وأعظم ما يعاقب به القلب أن يكون غافلاً لا يتذكر الجنة ولا يتذكر النار، لا يتذكر اليوم الآخر، تذكر قول الله جل وعلا: وجيء بالنبيين والشهداء [الزمر:69] يشهد النبيون والشهداء أنه قد أقيمت الحجة على عباد الله كما قال الله سبحانه: فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين[الأعراف:6] يسأل الله جل وعلا المرسلين: هل أديتم؟ هل بلغتم الأمانة؟ فيقولون: يا رب، اللهم قد بلغنا. ويسأل الذين أرسل إليهم: هل بُلِّغتم الأمانة؟ وهل أتتكم رسل فأعلمتكم بما أمرت ونهيت؟ فيقول الذين أرسل إليهم: نعم يا رب بلغنا، قال الله جل وعلا بعد ذلك: والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون[الأعراف:8].

أيها المؤمنون: إن الذي تثقل موازينه هو المفلح، والذي تخف موازينه هو الخاسر، وأنت رقيب على نفسك، والدنيا لن تنفعنا إلا إذا كانت ميداناً للطاعة، وإن غداً لناظره قريب، إن يوم القيامة لناظره قريب، وسيقول الناس يوم القيامة: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، سيرون ذلك حقاً حقاً، المؤمن يؤمن بذلك، ولكن عليه أن يكون إيمانه بذلك قوياً متيقناً، وأن يستحضر ذلك الإيمان، فإن استحضاره دائماً يقي المرء الهلكة، والهلكة ليست في الدنيا، وإنما الهلكة الصحيحة في الآخرة، فلمن خسر وخفت موازينه ودخل النار قال جل وعلا: ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون وفيت كل نفس، كل الأنفس توفى ما عملت، ما عملت من خير فستوفى، وما عملت من شر فستوفى، وسترى ذلك أمامك، ويأتي المؤمن وينظر إلى ساعة من ساعات عمره قضاها في غير طاعة قال عليه الصلاة والسلام: ((فتتقطع نفسه حسرات على أن أمضى ساعات من عمره ليست في طاعة الله))[1]، ووفيت كل نفس ما عملت يوفى أهل الطاعة طاعتهم، يوفى أهل الإيمان درجاتهم، يوفون أجورهم.

وأما العصاة فأيضاً يوفون أجورهم ويعطون جزاء سيئاتهم ولا يظلم ربك أحداً، فيكون المؤمن عالماً أنه سيوفى عمله، فإذا كنت تقر بذلك ولا شك في ذلك ابدأ فاعمل اليوم إذا كنت تريد أن ترى ما يسرك، وحذار من شهوة تعقبك ندماً دائماً، حذار من شهوة مال أو من شهوة جاه أو من شهوة دنيا أو من شهوة نساء أو من شهوة طمع تذهب عنك لذة اليقين وتذهب عنك  الأجر في الآخرة، بل وتحمل عليك من الوزر ما لا تطيقه.

أيها المؤمن تذكر في كل حياتك قول الله تعالى: ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون يوفى كل أحد ما عمل، يوفى أهل السنة أعمالهم، ويوفى أهل البدع أعمالهم، ويوفى أهل الصلاح عملهم، ويوفى أهل السوء عملهم، والله جل جلاله حكم عدل من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد[فصلت:46].

أسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى ووصفاته العلى أن يوقظنا من غفلتنا وأن يجعلنا من أتباع نبيه اللهم اجعلنا من الذين يرون الحق حقاً فيتبعونه، ومن الذين يرون الباطل باطلاً فيجتنبونه اللهم إنا ضعاف فأعنا على طاعتك اللهم إنا نعوذ بك من كيد الشياطين علينا اللهم إنا نعوذ بك وأنت المستعاذ به، نعوذ بك من كيد الشياطين علينا ومن شر أنفسنا فلا تكلنا لأنفسنا يا ربنا طرفة عين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين[الزمر:75].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.




[1]  أخرج الطبراني من حديث معاذ مرفوعاً: ((ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرّت بهم لم يذكروا الله تعالى فيها)) قال الهيثمي في المجمع (10/74): ((في شيخ الطبراني محمد بن إبراهيم الصوري خلاف)).

الخطبة الثانية

 

الحمد لله حق حمده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة وعليكم بلزوم تقوى الله فإن بالتقوى فخاركم ورفعتكم يوم القيامة، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

واعلموا رحمني الله وإياكم أن الله جل جلاله أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته فقال جل وعلا قولاً كريماً: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً[الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء والأئمة الحنفاء الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً