الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه أجمعين.
أما بعد:
فإذا أصر المسلم على ترك الصلاة ومات من غير توبة فإنه يترتب على تركه للصلاة قبل أن يموت في الدنيا أحكام يترتب على تركه للصلاة إذا مات في الآخرة أحكام.
أما في الدنيا فهو كافر يجازى بهذه الأحكام الستة:
أولاً: يفرق بينه وبين زوجته المؤمنة المسلمة المحافظة على الصلاة لقوله تعالى في سورة الممتحنة: لا هن حِلُّ لهم ولا هم يحلون لهن.
ثانياً: لا تكون له ولاية على بناته عند عقد النكاح لأنه لا ولاية للكافر على المسلم، والله تعالى يقول في سورة النساء: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً.
ثالثاً: يمنع من دخول الحرم: شأنه في ذلك شأن كل كافر لقوله تعالى في سورة التوبة: يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا.
رابعاً: إذا مات أبناؤه أو زوجته أو أمه أو أبوه المصلون فإنه لا يرثهم، وإذا مات فلا يورث لحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما المتفق عليه عن النبي قال: ((لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم)).
خامساً: لا يُغسّل ولا يُكفن في مقابر المسلمين شأنه في ذلك شأن كل مشرك كافر، بل يلقى في حفرة بعيدة لئلا يتأذى به الناس.
سادساً: لا يصلى عليه ولا يُدعى له بالرحمة لقوله تعالى في سورة التوبة: ولا تصلِ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ولقوله تعالى أيضاً في سورة التوبة: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم.
وأما الأحكام الأخروية: فإنه يحشر يوم القيامة أعمى أبكم أصم. لقوله تعالى في سورة الإسراء: ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً ولقوله تعالى في سورة طه: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى.
ثانيا: يحجب عن الله تعالى ويحرم رحمته تعالى لقوله تعالى في سورة المطففين: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون.
ثالثاً: يحرم شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقوله تعالى في السورة التي ذكرت آنفاً في سورة المدثر: فما تنفعهم شفاعة الشافعين.
رابعاً: يلقون في النار مع قارون وفرعون وهامان وأبيّ بن خلف لما دل عليه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما السابق في مسند الإمام أحمد وعند الطبراني في الكبير والأوسط.
وإذا تاب تارك الصلاة فلا تلزمه الإعادة بل يستأنف من جديد، لأنه لم يكن حال الترك مسلماً، والله تعالى يقول في سورة الزمر في الآية الخامسة والستين: لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين. ويقول في سورة المائدة في نهاية الآية الخامسة: فمن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين.
فإذا تاب استأنف من جديد ولا تلزمه الإعادة، وهذا بخلاف الناسيين والنائمين، فإنهم يلزمهما أداء ما نسوه أو ناموا عنه للحديث المتفق عليه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)).
ولما رواه مسلم عن أنس أيضاً رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله عز وجل يقول: أقم الصلاة لذكري)).
وبعد: فإن كان البعض يرى في هذه الأحكام شدةً أو قسوة فإنها لما في عصيان العبد لربه تبارك وتعالى من فداحة أيضاً ومن شناعته وبشاعته، لأن الله عز وجل أهل التقوى وأهل المغفرة أهل لأن يُتقى وأهل لأن يُحب وأن يُخشى وأن يُرهب منه، فعلى قدر عظمة الله تبارك وتعالى وعلى قدر ما كان يجب أن يكون العبد عليه في عبوديته لربه تبارك وتعالى يكون الثواب عظيماً. يكون العقاب جسيماً أيضاً.
وأما مانع الزكاة فإن جحد وجوبها كفر وارتد، وإن لم يجحد وجوبها وإنما منعها فقط قوتل حتى تؤخذ منه ولو بالقوة، وإذا مات ولم يخرج زكاته ولم يتب حتى أتاه الموت وهو على ذلك، فجزاءه في ذلك يبينه حديث أبي هريرة في صحيح مسلم عن النبي قال: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفحت له صفائح من نار فُأحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أُعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فيُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)).
ويرى في الحديث مثل ذلك فيما يتعلق بصاحب الإبل وصاحب الغنم إن لم يخرج زكاتها، يُبطح لها فتنطحه وتدوس عليه كلما مرت رجعت، هكذا في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار عياذاً بالله تعالى.
يا أيها الأخوة المسلمون المؤمنون: إنكم مقدمون على موسم عظيم من مواسم الخيرات أوشكتم على أن تلقوه، فلا يكونن شأنكم مع هذا الشهر العظيم موسم الخيرات رمضان – لا يكونن شأنكم معه الاعتياد على أداء الصلاة فيه واعتياد إخراج المال فيه ثم إذا ولى هذا الشهر عدتم إلى سابق عهدكم من اللهو واللعب والتفريط، استحضروا نيةً طيبةً قبل هذا الشهر الكريم وليأمر بعضنا بعضاً بالمعروف، ولينهى بعضناً بعضاً عن المنكر، وليبين بعضناً لبعض ثواب الصلاة والزكاة وحكم ترك الصلاة ومنع الزكاة، لكل شاهد حضر وسمع وفهم أن يبين للغائب لا سيما إن كان ذلك الغائب ممن لا يصلي إلا الجمعة فقط أو في رمضان فقط أو يصلي فرضاً واحداً ويترك بقية الفروض بحسب ما اتفق له.
إذا كان الغائب كذلك والشاهد يعرفه فينبغي عليه أن يُعرّفه حتى يستنقذ أخاه مما هو فيه من الضلال ومما هو موشك عليه من عذاب الله تعالى وليكن شأن بعضنا مع بعض كشأن رسول الله مع الأمة كلها فإنه يبين حرصه على الأمة وحرصهم على ألا يرتكبوا المعاصي. والمنهيات والمنكرات، فيشبه حاله مع الأمة بمن وقف يمنع الفراش والجنادب من الوقوع في النار وهن يتقحمن فيه ويغلبنه وينزلن فيه، شبه حاله مع الأمة وهو يمنعهم من دخول النار ويحذرهم ويبين لهم خطورة ذلك بمن وقف يمنع الفراش والجنادب من الوقوع في النار ويأبى الفراش والجنادب إلا أن يقعن في النار.
ليكن حال بعضنا مع بعض كحال النبي الذي بلغ من الشفقة غايتها، ومن الخوف على الأمة أقصاه. ولكن حال بعضنا مع بعض كحال من أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، فليس المراد مجرد إقامة الحجة والسلام: أن تقول لتارك الصلاة أعلم أني استمعت في حقك أنك كافر – ليست المسألة مجرد إقامة حجة لكي تخلص وتنتهي، لا بل صبر جميل على الأداء والبلاغ والبيان والتحبب إلى الناس ومحاولة اجتذابهم ومحاولة بيان أن الله عز وجل لا يستأهل منهم هذه المعصية بل يستحق منهم كل محبة وكل رغبة وكل إقبال. سبحانه، سبحانه ما أكرمه وما أعظمه وما أحلمه، نسأله تبارك وتعالى أن يجعلنا من المخلصين له القائمين بحقوقه وحقوق عباده، إنه وليّ ذلك والقادر عليه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. |