.

اليوم م الموافق ‏25/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

صفات المؤمنين في سورة الأنفال 4

1575

العلم والدعوة والجهاد

القرآن والتفسير

سعيد بن يوسف شعلان

جدة

عمار بن ياسر

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- من صفات المؤمنين إقامة الصلاة. 2- كسبهم طيب ، ومنه ينفقون. 3- ترك الصلاة وإضاعتها. 4- مصير تارك الصلاة في الآخرة. 5- كفر تارك الصلاة. 6- الأحكام المترتبة على كفر تارك الصلاة. 7- منع الزكاة.

الخطبة الأولى

عباد الله: يقول الله تعالى في آخر صفتين من صفات المؤمنين في أول سورة الأنفال: الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون وهاتان الصفتان لا يحصل الإيمان الواجب في القلب إلا بهما. كما هو الشأن في كل صفة يدل سياق القرآن أو السنة على أن الإيمان الواجب في القلب لا يحصل إلا بالإتيان بها، وأما عن الصلاة فإن الله تعالى وصف المؤمنين بأنهم يقيمونها ولم يقل أنهم يفعلون الصلاة أو يأتون بالصلاة لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة، فإقامة الصلاة إقامتها ظاهراً بإتمام أركانها وشروطها وواجباتها وإقامتها باطنة بإقامة روحها وهو حضور القلب فيها وتدبر ما يقول وينفع فيها بإقامة الصلاة هي التي قال الله تعالى فيها في سورة العنكبوت: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي التي يترتب عليها الثواب ويدخل في الصلاة نوافلها ورواتبها.

وأما قوله تعالى: ومما رزقناهم ينفقون فيدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة والنفقة على الزوجات والأقارب والمماليك ونحو ذلك والنفقات المستحبة في جميع طرق الخير، ولم يذكر سبحانه المنفق عليه لكثرة أسبابه وتنوع أهله ولأن النفقة من حيث هي قربه إلى الله تعالى، وأتى "بمن" الدالة على التبعيض لينبههم إلى أنه لم يرد منهم إلا جزءاً من أموالهم غير ضار لهم، ولا مُثقل بل ينتفعون هم بإنفاقه وينتفع به إخوانهم، وفي قوله تعالى: رزقناهم إشارةً إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم ليست حاصلةً بقوتكم ولا ملككم، وإنما هي رزق الله الذي خولكم وأنعم به عليكم، فكما أنعم عليكم وفضلكم على كثير من عباده فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم وواسوا إخوانكم المعدمين. ولكن ينبغي أن يُعلم أن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً كما روى ذلك مسلم في صحيحه عن أبي هريرة . عن النبي .

فلو أنفق عبد من حرام كالربا والمال المسروق والمغصوب ونحو ذلك، لو أنفق من المال الحرام أمثال الجبال لم يقبل منه وكان مؤاخذاً به ومعذباً به يوم القيامة. فسبحان من يجعل أمثال الجبال من الحرام هباءاً منثوراً ويجعل مثقال ذرة من حلال يوم القيامة أمثال الجبال.

وكثيراً ما يجمع الله بين الصلاة والزكاة في القرآن الكريم لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود، ولأن الزكاة والنفقة متضمنة للإحسان إلى عبيده، فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود وسعيه في نفع الخلق. كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه، فلا إخلاص ولا إحسان، وما دمنا نتكلم اليوم عن الصلاة والزكاة فمن الجدير بالذكر أن يعرف أن من شقاوة العبد تركه للصلاة ومنعه للزكاة، فلا إخلاص ولا إحسان كما سبق، وعليه فلابد من بيان حكم تارك الصلاة ومانع الزكاة وجزائهما عسى أن يكون في ذكر ذلك باعث للمحافظين على الصلاة وإخراج الزكاة على الثبات والاستقامة على هذا الخير واردع لأصحاب النفوس المريضة والشحيحة عن البغي وتجاوز الحدود.

إن الصلاة يا عباد الله هي عماد الدين وميزان الإيمان والإخلاص لرب العالمين، وهي آكد الأعمال وأفضل الخصال ونحن مأمورون بالمحافظة عليها وإقامتها، فمن تهاون بها وأضاعها فهو لما سواها من دينه أضيع ولها أرفض، ولا يكون السبب الداعي إلى إضاعة الصلاة إلا اتباع شهوات النفس وإراداتها فتصار الهمم منصرفة إليها ومقدمة لها على حقوق الله تعالى، فينشأ من ذلك تضييع حقوقه سبحانه والإقبال على شهوات النفس، فمهما لاحت لهم حصّلوها، وعلى أي وجه اتفقت تناولوها فهؤلاء سوف يلقون جزاء غيهم عذاباً مضاعفاً شديداً، وقد أجمع العلماء على أن تارك الصلاة عامداً جاحداً بوجوبها كافر يقتل كفراً ما لم يتب، وهذا لا إشكال فيه بين جميع طوائف المسلمين: أن العمد بالترك الجاحد للوجوب كافر. ولكن الخلاف فيمن ترك تهاوناً وكسلاً، والعجب ممن قام يناضل عن كون تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً ليس كافراً فتجرأ أُناس بسبب هذه المفاضلة على ترك الصلاة والتهاون بحقها، ولو كانت المسألة مسألة مناقشة للأدلة فقط من الناحية العلمية لهان الخطب، ولكن الذين يستمعون إلى هذا الكلام العلمي من عوام الناس إذا لم يقرن من قبل الذي يعرض هذه القضية عرضاً علمياً – إذا لم يقرن – بين بيان أدلة هذه المسألة والكلام عليها من حيث الدليل وبين دعوة الناس إلى المحافظة على الصلاة وإقامتها وعدم الاستهتار بها أدى ذلك إلى ما هو مشاهد ملحوظ من بعض المسلمون الذين يظنون أنهم مازالوا باقين على إسلامهم بالرغم من تهاونهم بهذه الصلاة العظيمة التي وإن كلفنا بها فقد شرفنا بها أيضاً فقد قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم والحديث في الصحيحين: ((هي خمس – العدد والأداء -، ولكنها في الأجر خمسون)).

واعتبرنا بالنسبة للأمم السابقة كمن عُهد إليه وأتفق معه على أن يعمل من بعد العصر إلى نهاية اليوم إلى الغروب وأخذ الأجر كله والذي عمل من مطلع الفجر إلى الظهر ثم نكص وتقاعس، ليس له من الأجر شيء لأنه لم يُتم ما اتفق معه عليه، والذي عمل من الظهر إلى العصر ثم نكص وتقاعس فليس له من الأجر شيء لأنه لم يُتم ما اتفق معه عليه.

ثم المسلمون الذين أكرمهم الله تعالى بهذا الدين يعملون عملاً قليلاً بالقياس إلى الأمم السابقة وينالون أعظم الأجر لو ثبتوا على ما عُهد به إليهم وما أمروا به وكلفوا به ونظروا إليه على أنه كما أنه تكليف فهو أيضاً تشريف لما ينتظرهم من الثواب الجليل والفضل العميم من الله تبارك وتعالى العظيم الكريم.

والقول الراجح من أقوال أهل العلم فيمن ترك الصلاة تهاوناً وكسلاً أنه كافر مرتد يقتل كفراً ما لم يتب، ومن القائلين بذلك علي بن أبي طالب وابن المبارك وأحمد وإسحاق، ومن الشافعية منصور الفقيه وأبو الطيب ابن سلمة، ومن أدلة هذا القول الراجح من القرآن قوله تعالى في الآية الحادية عشرة من سورة التوبة: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ويفهم من مفهوم الآية أنهم إن لم يتوبوا ويقيموا الصلاة يؤتوا الزكاة فليسوا من إخوان المؤمنين، ومن لم يكن من إخوان المؤمنين فهو من الكافرين لأن الله تعالى يقول في الآية العاشرة من سورة الحجرات: إنما المؤمنون إخوة كذلك قوله تعالى في الآية التاسعة والخمسين من سورة مريم: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً: أي فخلف من بعد الأنبياء المذكورين في السورة آنفاً صلوات الله وسلامه عليهم وهم: آدم وإدريس ونوح وإبراهيم وإسماعيل وإسرائيل (أي يعقوب) وموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى، خلف من بعد هؤلاء خلفٌ أضاعوا الصلاة. وهناك فرق بين خلْف بسكون اللام وخلَف بفتحها. فالخلْف فيمن يخلف من سبق ويكون على شر وعلى فساد ويكون متبعاً للشهوات ليس فيه خير، وبالفتح من كان عكس ذلك، يقول لبيد:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم         وبقيت في خلْف كجلد الأجرب

فخلف من بعد خلْف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً فسوف يلقون جزاء غيّهم عذاباً مضاعفاً وقال تعالى في سورة المدثر في سؤال أصحاب اليمين في الجنة للمجرمين عن سبب سلكهم سقر قال سبحانه عنهم أنهم أجابوا بما في الآية الثالثة والأربعين وما بعدها: ما سلككم في سقر، ما الذي أدخلكم جهنم، ما الذي أدخلكم النار، قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين لا صلاة ولا زكاة، لا إخلاص ولا إحسان وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين أي يوم الجزاء حتى أتانا اليقين أي حتى أتانا الموت فما تنفعهم شفاعة الشافعين.

ومن الأحاديث الدالة على أن تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً كافر، ما رواه مسلم في صحيحه من طريقين، عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما عن النبي ولفظ المتن في الأولى منهما: سمعت رسول الله يقول: ((إن بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) ولفظ الأخرى سمعت رسول الله يقول: ((بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)).

وهذا الحديث دال دلالة واضحة على كفر تارك الصلاة، لأن عطف الشرك على الكفر فيه تأكيد قوي لكونه كافراً. شرك معطوف على كفر.

ومن الأحاديث الدالة على هذا الأمر أيضاً: حديثا أم سلمة وعوف ابن مالك رضي الله تعالى عنهما في صحيح مسلم الدالان على قتال الأمراء إذا لم يصلوا.

وحديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه المتفق عليه وقفه: (بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا تنازع الأمر أهله وقال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) فدل مجموع الأحاديث المذكورة على أن ترك الصلاة كفر بواح عليه من الله برهان.

ومن الأحاديث حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله تعالى عنه: سمعت النبي يقول: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) رواه أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم، وقال النووي في شرح المهذب: أخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح، وصححه النسائي والعراقي، وقال الحاكم في المستدرك بعد أن ساقه بسنده: هذا حديث صحيح الإسناد لا تعرف له عله بوجه من الوجوه.

وأيضاً في الأثر الذي رواه الترمذي في كتاب الإيمان بسند صحيح، كما قال النووي في "شرح المهذب" عن التابعي الجليل عبد الله بن شقيق العقيلي. قال رحمه الله تعالى: كان أصحاب محمد لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.

والحديث حديث بريدة، والأثر المذكور (أثر شقيق) يدلان دلالة واضحة على أن تارك الصلاة كافر ولو أقرّ بوجوبها، لأن أصحاب محمد لم يكونوا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير تارك الصلاة ولأن النبي قال: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) ولم يتعرض هنا للتفصيل ولم يقل: (إلا من كان مُقراً بوجوبها لم يكفر) لم يقل ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

نعم، ومن الأحاديث أخيراً ما رواه أحمد بإسناد رجاله ثقات والطبراني في الكبير والأوسط عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: ((ومن حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف)) وهذا الحديث أوضح دلالة على كفر تارك الصلاة لأن انتفاء النور والبرهان والنجاة يوم القيامة والكينونة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف أوضح دليل على كفره كما ترون.

وفي الباب أحاديث أخرى منها ما هو ضعيف، ومنها ما هو صالح للاحتجاج، وفيما ذكر كفاية، ويترتب على ترك الصلاة أحكام في الدنيا وأخرى في الآخرة أذكرها بعد جلسة الاستراحة إن شاء الله وقدّر.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.


 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه أجمعين.

أما بعد:

فإذا أصر المسلم على ترك الصلاة ومات من غير توبة فإنه يترتب على تركه للصلاة قبل أن يموت في الدنيا أحكام يترتب على تركه للصلاة إذا مات في الآخرة أحكام.

أما في الدنيا فهو كافر يجازى بهذه الأحكام الستة:

أولاً: يفرق بينه وبين زوجته المؤمنة المسلمة المحافظة على الصلاة لقوله تعالى في سورة الممتحنة: لا هن حِلُّ لهم ولا هم يحلون لهن.

ثانياً: لا تكون له ولاية على بناته عند عقد النكاح لأنه لا ولاية للكافر على المسلم، والله تعالى يقول في سورة النساء: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً.

ثالثاً: يمنع من دخول الحرم: شأنه في ذلك شأن كل كافر لقوله تعالى في سورة التوبة: يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا.

رابعاً: إذا مات أبناؤه أو زوجته أو أمه أو أبوه المصلون فإنه لا يرثهم، وإذا مات فلا يورث لحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما المتفق عليه عن النبي قال: ((لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم)).

خامساً: لا يُغسّل ولا يُكفن في مقابر المسلمين شأنه في ذلك شأن كل مشرك كافر، بل يلقى في حفرة بعيدة لئلا يتأذى به الناس.

سادساً: لا يصلى عليه ولا يُدعى له بالرحمة لقوله تعالى في سورة التوبة: ولا تصلِ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ولقوله تعالى أيضاً في سورة التوبة: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم.

وأما الأحكام الأخروية: فإنه يحشر يوم القيامة أعمى أبكم أصم. لقوله تعالى في سورة الإسراء: ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً ولقوله تعالى في سورة طه: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى.

ثانيا: يحجب عن الله تعالى ويحرم رحمته تعالى لقوله تعالى في سورة المطففين: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون.

ثالثاً: يحرم شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقوله تعالى في السورة التي ذكرت آنفاً في سورة المدثر: فما تنفعهم شفاعة الشافعين.

رابعاً: يلقون في النار مع قارون وفرعون وهامان وأبيّ بن خلف لما دل عليه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما السابق في مسند الإمام أحمد وعند الطبراني في الكبير والأوسط.

وإذا تاب تارك الصلاة فلا تلزمه الإعادة بل يستأنف من جديد، لأنه لم يكن حال الترك مسلماً، والله تعالى يقول في سورة الزمر في الآية الخامسة والستين: لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين. ويقول في سورة المائدة في نهاية الآية الخامسة: فمن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين.

فإذا تاب استأنف من جديد ولا تلزمه الإعادة، وهذا بخلاف الناسيين والنائمين، فإنهم يلزمهما أداء ما نسوه أو ناموا عنه للحديث المتفق عليه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)).

ولما رواه مسلم عن أنس أيضاً رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله عز وجل يقول: أقم الصلاة لذكري)).

وبعد: فإن كان البعض يرى في هذه الأحكام شدةً أو قسوة فإنها لما في عصيان العبد لربه تبارك وتعالى من فداحة أيضاً ومن شناعته وبشاعته، لأن الله عز وجل أهل التقوى وأهل المغفرة أهل لأن يُتقى وأهل لأن يُحب وأن يُخشى وأن يُرهب منه، فعلى قدر عظمة الله تبارك وتعالى وعلى قدر ما كان يجب أن يكون العبد عليه في عبوديته لربه تبارك وتعالى يكون الثواب عظيماً. يكون العقاب جسيماً أيضاً.

وأما مانع الزكاة فإن جحد وجوبها كفر وارتد، وإن لم يجحد وجوبها وإنما منعها فقط قوتل حتى تؤخذ منه ولو بالقوة، وإذا مات ولم يخرج زكاته ولم يتب حتى أتاه الموت وهو على ذلك، فجزاءه في ذلك يبينه حديث أبي هريرة في صحيح مسلم عن النبي قال: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفحت له صفائح من نار فُأحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أُعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فيُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)).

ويرى في الحديث مثل ذلك فيما يتعلق بصاحب الإبل وصاحب الغنم إن لم يخرج زكاتها، يُبطح لها فتنطحه وتدوس عليه كلما مرت رجعت، هكذا في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار عياذاً بالله تعالى.

يا أيها الأخوة المسلمون المؤمنون: إنكم مقدمون على موسم عظيم من مواسم الخيرات أوشكتم على أن تلقوه، فلا يكونن شأنكم مع هذا الشهر العظيم موسم الخيرات رمضان – لا يكونن شأنكم معه الاعتياد على أداء الصلاة فيه واعتياد إخراج المال فيه ثم إذا ولى هذا الشهر عدتم إلى سابق عهدكم من اللهو واللعب والتفريط، استحضروا نيةً طيبةً قبل هذا الشهر الكريم وليأمر بعضنا بعضاً بالمعروف، ولينهى بعضناً بعضاً عن المنكر، وليبين بعضناً لبعض ثواب الصلاة والزكاة وحكم ترك الصلاة ومنع الزكاة، لكل شاهد حضر وسمع وفهم أن يبين للغائب لا سيما إن كان ذلك الغائب ممن لا يصلي إلا الجمعة فقط أو في رمضان فقط أو يصلي فرضاً واحداً ويترك بقية الفروض بحسب ما اتفق له.

إذا كان الغائب كذلك والشاهد يعرفه فينبغي عليه أن يُعرّفه حتى يستنقذ أخاه مما هو فيه من الضلال ومما هو موشك عليه من عذاب الله تعالى وليكن شأن بعضنا مع بعض كشأن رسول الله مع الأمة كلها فإنه يبين حرصه على الأمة وحرصهم على ألا يرتكبوا المعاصي. والمنهيات والمنكرات، فيشبه حاله مع الأمة بمن وقف يمنع الفراش والجنادب من الوقوع في النار وهن يتقحمن فيه ويغلبنه وينزلن فيه، شبه حاله مع الأمة وهو يمنعهم من دخول النار ويحذرهم ويبين لهم خطورة ذلك بمن وقف يمنع الفراش والجنادب من الوقوع في النار ويأبى الفراش والجنادب إلا أن يقعن في النار.

ليكن حال بعضنا مع بعض كحال النبي الذي بلغ من الشفقة غايتها، ومن الخوف على الأمة أقصاه. ولكن حال بعضنا مع بعض كحال من أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، فليس المراد مجرد إقامة الحجة والسلام: أن تقول لتارك الصلاة أعلم أني استمعت في حقك أنك كافر – ليست المسألة مجرد إقامة حجة لكي تخلص وتنتهي، لا بل صبر جميل على الأداء والبلاغ والبيان والتحبب إلى الناس ومحاولة اجتذابهم ومحاولة بيان أن الله عز وجل لا يستأهل منهم هذه المعصية بل يستحق منهم كل محبة وكل رغبة وكل إقبال. سبحانه، سبحانه ما أكرمه وما أعظمه وما أحلمه، نسأله تبارك وتعالى أن يجعلنا من المخلصين له القائمين بحقوقه وحقوق عباده، إنه وليّ ذلك والقادر عليه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً