.

اليوم م الموافق ‏25/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

حق اليتيم والأرملة

1572

الرقاق والأخلاق والآداب

الآداب والحقوق العامة

سعيد بن يوسف شعلان

جدة

عمار بن ياسر

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- وصاة الله بالأرملة واليتيم. 2- فضل كفالة اليتيم. 3- السعي في خدمة الأرملة والمسكين. 4- حق الجار وأنواع الجيران. 5- صور من إيذاء الجيران.

الخطبة الأولى

 

أما بعد:

فإنه مما يحسن بعد الكلام عن بر الوالدين وصلة الرحم أن يعطف بالكلام عن اليتامى والإحسان إليهم والسعي على الأرامل والمساكين والإحسان إلى الجار، فهؤلاء من الذين أوصى الله تعالى بهم بعد توحيده والأمر بالبر بالوالدين والإحسان إليهم والأمر بصلة الرحم، وذلك في قوله تعالى من الآية السادسة والثلاثين من سورة النساء التي جمعت الحقوق، حق الله تبارك وتعالى وحق الخلق قال تبارك وتعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً.

فاعلموا وفقنا الله وإياكم وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه، أن لكفالة اليتيم والإحسان إليه والسعي على الأرامل والمساكين والإحسان إلى الجار فضلاً عظيماً يوفق الله تعالى للقيام به من شاء من خلقه، والله تبارك وتعالى يقول في سورة آل عمران: يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً ويقول في سورة النبأ: يوم ينظر المرء ما قدمت يداه فالسعيد حقاً هو من وفق للقيام بهذه الأعمال واستعمل ماله في مصالح نفسه وأهله المشروعة وكفالة الأيتام والسعي على الأرامل والمساكين وسد الخلات والسعي على ذوي الحاجات.

وأما اليتيم فهو الذي مات أبوه وهو لم يبلغ..  مات أبوه الذي كان يرعاه بنفسه وماله، ويحبه من أعماق قلبه ويؤثر مصلحته على مصلحتِه وإن مما يذرف الدمع من العين ساخناً ساعة الموت صبية صغار وذرية ضعفاء يخلفهم الميت وراءه يخشى عليهم مصائب الدنيا وصروفها ويتمنى وحياً مرشداً يقوم مقامه، يرعاهم كرعايته ويسوسهم كسياسته يعزيهم برّه ولطفه عن أبيهم الراحل ويشعرون معه بالعناية التي يجدونها عنده، فكأن والدهم حي لم يفقدوا منه إلا جسمه والذي يتعاهد اليتيم ويؤدبه ويلاحظه ويهذب نفسه ويحنو عليه وتطمئن قلوب أقاربه إذا رأوه، هذا الذي يتعامل مع اليتيم على هذه النحو حريّ بمرتبة المقربين من رسول الله يوم القيامة، وقد دل على ذلك حديث سهل بن سعد في صحيح البخاري وغيره قال: قال رسول الله : ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا)) وقال بإصبعيه السبابة والوسطى أي قرن بين الإصبعين هاتين مبيناً قرب كافل اليتيم منه يوم القيامة. وأشار بهما وقال: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا)).

وفي هذا ترغيب في كفالة الأيتام والعناية بأمورهم، فلهم حق عظيم على المسلمين يقوم به من وفقه الله تعالى لذلك، ولقد أوصى الله جل وعلا باليتامى ليصيروا كمن لم يفقد والديه فقال في سورة البقرة: ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير.

وأما الأرملة فهي التي فقدت زوجها فهي بحاجة إلى الملاحظة لأنها ضعيفة وحاجات النساء كثيرة، دقيقة وجليلة، فالذي يتعاهد الأرملة التي فقدت زوجها الذي كان يؤنسها ويرعاها وينفق عليه ويسكنها معه، الذي يرعاها من بعده فيسليها عن الفجيعة وعن تلك المصيبة ويكف يدها عن السؤال عما في أيدي الناس ويصون ماء وجهها له عند الله أجر عظيم، يكفيه في ذلك ما قاله عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري كذلك وغيره عن أبي هريرة قال عليه الصلاة والسلام: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو كالذي يصوم النهار وقوم الليل)).

أما المساكين فهم الذين أسكنتهم الحاجة فلا يجدون كفاية لقوتهم وسكناهم وأمورهم ونفقاتهم إما بسبب فقد المال أو بسبب العجز عن الكسب لكبر أو صغر أو عمى أو شلل أو نحو ذلك من الأسباب المقعدة والمسكنة عن تمكين المرء أن يجد كفاية نفسه وأهله من يعول، فهؤلاء حري بالمسلمين مساعدتهم وتفقد أحوالهم وأمورهم والسعي عليهم وإعانتهم على عمل يحسنونه من تعليم أو صنعة أو زراعة أو وظيفة يكفون بها وجوههم وأيديهم عن السؤال، وقد يكون المسكين قريباً أو ذا رحم فيعظم حقه ويكون السعي عليه براً وصلة.

ومن يعين المساكين ويسعى عليهم ويتفقدهم يتضاعف أجره عند الله أضعافاً مضاعفة فهذه فرصة ثمينة يوفق إليها السعيد من خلق الله تبارك وتعالى، ومن يجمع المال بعرق الجبين لا لينفقه في ترف أو تبذير أو لذة أو سمعة، بل ينفقه فيما يحب الله ويرضى من القيام بمصالح نفسه وأهله كما تقدم ولمواساة أهل الحاجات فهذا هو الذي يستفيد من المال في الدنيا ويجده مدخراً له يوم القيامة في  موازين الأعمال جبالاً من الحسنات، وهو أيضاً الحريّ بمرتبة المجاهدين ومنزلة المقربين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه أجمعين.

أما بعد:

فإن للجار على جاره حقاً عظيماً أكده الله تعالى بذكره في كتابه في الآية التي سبق ذكرها في سورة النساء وأكد رسول الله ذلك الحق كما أكده الله عز وجل في غير ما حديث من سننه المطهرة منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) عظمت الوصية بالجار حتى ظن الرسول عليه الصلاة والسلام أن في هذا مقدمة لإدخاله في إطار الورثة وفي سجل الورثة وفي نظمهم وتِرَكِهم لشدة ما أوصى الله تبارك وتعالى رسوله بحق الجار وأوصاه أن يوصي المسلمين وأن يعين لهم هذا الحق العظيم للجار ظن رسول الله أنه سيورث وأنه يكون بعد هذه الوصية العظيمة من الورثة.

والجار يطلق ويراد به الداخل في الجوار والمجاور في الدار، ويطلق على الساكن في البلد وعلى أربعين داراً من كل جانب، وقد ذكر الحافظ، بن حجر في شرح البخاري حديثاً أخرجه الطبراني عن الرسول في بيان حقوق الجيران. ((فجار له حق واحد وهو المشرك له حق الجوار، وجار له حقان وهو المسلم له حق الإسلام وحق الجوار، وجار له ثلاثة حقوق وهو المسلم القريب له حق الجوار وحق الإسلام وحق الرحم)) وإن من توفيق العبد وسعادته أن يكون له جيران يشعر بينهم بالعطف واللطف والتقدير والمحبة له، ومن علامة عدم التوفيق أن يكون المرء بين جيران يظهرون له الشر والعداوة ويكيدون له المكائد والعظائم والدواهي فله جيران سوء هو بسببهم قلق إذا دخل أو خرج وذلك بسبب تسلطهم عليه وعلى أهله وأولاده ووضعهم الأذية في طريقه وفي بيته وتجسسهم عليه وتعديهم على ملكه وماله ونظرهم وتطلعهم عليه من نافذة أو باب أو سطح أو رميهم عليه وعلى أهله بالحصى أو نحو ذلك من أسباب الأذى التي يتعاهد بها جيران السوء جيرانهم حتى ربما اضطر هذا الذي هو في عناء وشقاء وألم ولجاج مع أهله بسبب جيرانه. ربما اضطر إلى بيع منزله وملكه كما قال القائل الذي ابتلى بجار سوء فاضطر إلى بيع ملكه:

يلومونني أن بعت بالرخص منزلي         ولا يعلمون جاراً هنالك ينغصُ

فقلـت لهـم كفـوا المـلام فإنمـا         بجيرانها تغلو الديار وترخصُ

وقال آخر:

اطلب لنفسك جيراناً تُسر بهم                لا تصلح الدار حتى يصلح الجار

وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه أبو شريح في البخاري ومسلم قال عليه الصلاة والسلام: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: من يا رسول الله ؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه)) أي الذي لا يكون الجار في عافية من مصائبه ومتاعبه ولا يكون في راحة من مكائده وما يدبره. بل هو غير مرتاح لا يهنأ له بال بسبب جار السوء الذي لا يكون في راحة وعافية من جيرانه، فإن هذا الجار السيء الذي لم يعف جيرانه من أذاه ولم يُرحهم من متاعبه لا يؤمن. هو غير مؤمن، لذلك حلف رسول الله وأكده بالتكرار ثلاث مرات وكيف يكون مؤمناً من يكون حرباً على جاره ضداً له؟ كيف يكون مؤمناً وكيف يكون مخلصاً لله تعالى؟ لقد كان الواجب عليه أن يتفقد أمور جاره وأن يسنده بكل ما استطاع لا أن يكون من أهم وأعظم أسباب قلة راحته ومتاعبه ومشقته، إن الذي لا يحسن إلى جاره ولا يحسن إلى الجار الآخر إليه لا يكن في كليهما خير لسائر الناس، فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بإهداء ما تيسر بالصدقة وبالدعوة والتلطف مع أهله وأولاده والصفح عن زلاته وبعيادتهم وتعزيتهم عند المصيبة وتهنئتهم بما يفرحهم وإعانتهم ومساعدتهم وتوسيع المعاملة معهم وبإقراضهم عند الحاجة إلى ذلك وينبغي أن يستر الجار ما ينكشف من عورة جاره وأن يغض بصره عن محارمه وأن يمنع أهله وأولاده من أذية أولاد جاره وأهله وأن يبدأ جاره بالسلام وأن يظهر له البشر وأن يقوم بأداء حاجة جيرانه إذا عنّت لهم حاجة ولا يرفع صوت المذياع والتلفاز خاصة بما ابتلي به من المنكر والمحرّم الذي يذاع فيهما لئلا يضايق جيرانه، فإذا حصل ذلك حصلت بإذن الله الألفة والمحبة والمودة، أصبح من يعمل هذه الأمور بين جيرانه محبوباً موقراً، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وآمنا في أوطاننا ودورنا وانصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان يا رب العالمين، واشف مرضانا وارحم موتانا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا واختم بالصالحات أعمالنا وتوفنا وأنت راضٍ عنا، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً