أما بعد:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة ثم قال بيده هكذا ونحاها نحو الشام، ثم قال صلى الله عليه وسلم عدو يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام ،قلت (القائل عبد الله بن مسعود راوي الحديث) قلت: الروم تعني؟ قال: نعم)).
وفي سنن أبي داود ،عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدد فتناً ،ثم قال: ((وفتنة الدهيماء ،لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته فإذا قيل انقضت تمادت ،يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ،حتى يصير الناس في فسطاطين ،فسطاط إيمان لا نفاق فيه ،وفسطاط نفاق لا إيمان فيه ،فإذا كان ذاك فانتظروا الدجال من يومه أو من غده)).
وفي صحيح البخاري عن عوف بن مالك رضي الله عنه ،قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال: ((أُعدد ستاً بين يدي الساعة ،موتي ثم فتح بيت المقدس ،ثم موتان يأخذ فيكم كقعاصي الغنم ثم استفاضة في المال ،حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ،ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ،ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر- يعني الروم – فيغدرون ،فيأتوكم تحت ثمانين غاية، – ومعنى الغاية هنا الراية – تحت كل غاية اثنى عشر ألفا)).
أيها المسلمون: هذه ثلاثة أحاديث وردت في كتب الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تتحدث عن الفتن ،وما أخبر به المصطفى صلى الله عليه وسلم مما سيحدث في آخر الزمان لها علاقة كبيرة بما يدور على الساحة في زماننا هذا. هذه الأحاديث أيها الأخوة وما في معناها ،تدور حول قضية ،وهو أن الحرب بين المسلمين والروم حرب قائمة منذ القديم، وقد التقى المسلمون مع الروم مرات عديدة ،وسيكون بينهم لقاءات في المستقبل، وسيكون الغلبة في النهاية للمسلمين كما وعدنا بذلك الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام.
وأيضاً أيها الأخوة ،تدل هذه الأحاديث أن اجتماع الروم – وهم النصارى – كلهم في خندق واحد ،ومعاداتهم وحربهم للإسلام ،أمر قائم لا شك فيه.
وبدأت هذه الحرب منذ بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم ،فعملوا على التصدي منع انتشار الإسلام ،شمال جزيرة العرب وذلك بعدما عجزوا عن دفع قيامه وانتشاره داخل الجزيرة ،حاولوا على الأقل حجره وحصاره داخل الجزيرة ،وذلك بناءً على أسس عقائدية عندهم منذ أن كانت لهم دولة في بلاد الشام ،شمال جزيرة العرب. منها حديث ابن عباس ،وأنه لما التقى أبو سفيان بن حرب بملك الروم وسأله عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم ،فأخبره أبو سفيان ببعض صفاته ،فقال قيصر: لئن كان حقاً ما تقول فإنه سيملك موضع قدميّ هاتين.
فالنصارى منذ القديم وهم يعلمون بأن هذا الدين سيصل دولتهم، وأن المسلمين سيجتاحون دولتهم ويملكون أرضهم ،وذلك عندما كان للروم دولة ،وللإسلام دولة في بداية أمره ،ثم يقول قيصر بعد ذلك لأبي سفيان: لو كنت عنده لغسلت قدميه.
وكذلك المسلمون ،كانوا وهم في أول الطريق وأول الدعوة ،كانوا موعودين بكنوز كسرى وقيصر، وأنهم سينفقونها في سبيل الله ،يقول عليه الصلاة والسلام ،كما في حديث أبي هريرة: ((إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله)) [رواه البخاري].
فمنذ أن عرف المسلمون هذا الحق ،وأنكر النصارى هذا الحق ،قامت العداوة بين معسكر المسلمين ومعسكر النصارى ،ولن تنتهي هذه العداوة إلا بالنتيجة الحاسمة التي وُعد بها المسلمون بالنصر ،وهذا النصر أيها الأخوة لا يتم إلا بأن يتوج بفتح بلاد الروم ،وبلاد النصارى كاملة بإذن الله. يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ((تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ،ثم فارس فيفتحها الله ،ثم تغزون الروم فيفتحها الله ،ثم تغزون الدجال فيفتحه الله. قال نافع: يا جابر لا نُرى الدجال يخرج حتى تُفتح الروم)).
إذاً هذا الفتح سيأتي لاحقاً إن شاء الله ،نقوله تحقيقاً لا تعليقاً. وقد فتح شيء من بلاد الروم في الأيام الخوالي ،لكن الفتح الأكبر يأتي لاحقاً بإذن الله جل وعلا.
أيها المسلمون: إن أول لقاء كان بين المسلمين وبين الروم كان في غزوة مؤتة ،في السنة الثامنة من الهجرة ،ثم أتت بعدها غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة ،ثم تتابعت جيوش المسلمين على الشام في عهد الإمامين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ،حتى أخرج هرقل من أرض الشام. وهرب إلى القسطنطينية في السنة الخامسة عشرة من الهجرة ،وفي ذلك الوقت ذُكر المسلمون المقاتلون عند هرقل ،بأنهم فرسان بالنهار ،عباد بالليل ،ما يأكلون في ذمتهم إلا بثمن، ولا يدخلون إلا بسلام ،يقفون على من حاربهم حتى يأتوا إليه ،فقال هرقل للقائل ،لئن صدقت فيما تقول ليرثُن ما تحت قدمي هاتين ،وتتابعت الفتوحات الإسلامية، وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن فتح القسطنطينية هو مفتاح دخول المسلمين إلى أوربا الشرقية وبداية سقوط الكنيسة الشرقية والتي كانت القسطنطينية هي عاصمتها ،لذلك كانت بشرى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والحاكم: ((لتُفتحن القسطنطنية فلنعم الأمير أميرها ،ولنعم الجيش ذلك الجيش)) هذه كانت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم ،آمن خلفاء الدولة العثمانية بهذه النبوءة وصدقوا هذه البشارة وعملوا على تحقيقها ،وسخروا من الأسباب ما يستطيعون ،فنصبوا المدافع وأقاموا القلاع الكبيرة ،على جانبي خليج البسفور ،وقدموا في سبيل هذا الفتح الكثير من الأعمال العسكرية. عندما انتهى السلطان محمد الفاتح من بناء قلعة – رومنى – على الجانب الأوربي من تركيا ،خرج بعض جنوده للتفرج على مدينة القسطنطينية فحصل بينهم وبين سكان تلك المدينة بعض الاحتكاك الأمر الذي أدى إلى بعض الشغب، فأمر السلطان محمد الفاتح بإبعاد البيزنطيين الذين يسكنون بجوار أسوار المدينة ،خصوصاً وأنه كان ينوي فتح القسطنطينية ،وكان يعد العدة لذلك ،فما كان يريد أن يطلع من يسكن بجوار المدينة على هذا الإعداد.
فعندما سمع أمير بيزنطه بهذا الأمر أمر بإخلاء كل القرى المجاورة وسحب سكانها إلى داخل مدينة القسطنطينية وأحكم إغلاق أبواب المدينة ،كان هذا بداية الاحتكاك بين العثمانيين المسلمين من جهة والنصارى من جهة أخرى ،فأدى هذا الاحتكاك ،أن طلب الإمبراطور المساعدة من جيرانه الدول المسيحية ،وبالطبع فدولة الفاتيكان كانت من أقوى الدول في ذلك العصر وكان المسيحيون أول ما يستنجدون بالفاتيكان، فيسخر الفاتيكان الأموال ،ويحرض أمراء الدول المسيحية على نجدة إخوانهم في الدين النصراني.
حاصر العثمانيون القسطنطينية براً وبحراً واستطاعوا بخطة عسكرية بارعة ،يشهد لها التاريخ حتى اليوم من نقل السفن من المضيق حتى الجانب الثاني ،حتى وصلوا إلى أسوار المدينة. بدأ الهجوم الإسلامي على القسطنطينية عام 857هـ بعد صلاة الفجر ،والذي كان يقود هذا الهجوم العام هو السلطان محمد بن الفاتح بنفسه ،وكان هذا هو دأب السلاطين ،كانوا يحرصون على الجهاد في سبيل الله ،كحرص غيرهم على استتباب الأمن في دولتهم.
اندفعت الجنود البواسل في الدخول داخل المدينة من فتحة صغيرة في السور أحدثتها المدافع الكبيرة التي جهزها العثمانيون لهذا الأمر.
أقيم العلم العثماني على أسوار المدينة بيد أحد الأمراء ،يسمى ولي الدين سليمان ،الذي قتل وهو يدافع عن ذلك العلم ،كي لا يسقط العلم فعندما قتل ذلك الأمير هب ثمانية عشر رجلاً ليقيموا ذلك العلم ،فتحت أبواب المدينة بعد ذلك بالكامل، ووصل الأسطول الإسلامي إلى المدينة ،فدخله فاتحاً بنصر الله جل وعلا ،هرب الشعب البيزنطي، ودخل الخليفة فاتحاً على صهوة جواده، وأول شيء فعله أن نزل وسجد شكراً لله على ذلك الفتح ،وعلى تحقيق نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم على يديه ثم توجهه إلى ذلك الشعب النصراني الخائف من القتل،فقال السلطان كلمته المشهورة والتي سجلها له التاريخ قال: أقول لكم ولجميع إخوانكم ولكل الموجودين هنا أنكم منذ اليوم أنتم في أمان في أموالكم وأعراضكم وحرياتكم ،وهو بهذا العمل إنما يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دخل مكة فاتحاً وقد طردته قريش وحاربته. فقال لهم عليه الصلاة والسلام: ((ماذا تظنوني أني فاعل بكم: قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء)). هذا الفتح كان بداية دخول المسلمين إلى أوربا من جانبها الشرقي لأول مرة ،وكان هذا تقريباً قبل خمسمائة وأربعين عاماً ،ولأول مرة يتجاوز المسلمون الفاصل المائي الطبيعي الذي يفصل آسيا عن أوربا من جانبها الشرقي.
ثم بدأ المسلمون بالتوسع في أوربا الشرقية حتى وصلوا إلى ما يسمى الآن – فيينا – عاصمة النمسا، ولا تزال هذه المواقع التي وقف عليها العثمانيون وهم يشرفون على مدينة فيينا موجودة حتى اليوم. هذا التوسع الإسلامي شمل ما يعرف الآن بيوغوسلافيا في عام 755هـ، وشمل كذلك بلاد البشناق والذي يعرف اليوم بالبوسنة والهرسك في عام 867هـ. شمل كذلك بلغاريا واليونان ورومانيا وألبانيا وشمل كذلك قبرص والمجر وتشكسلوفاكيا كل هذه المناطق كانت خاضعة في يوم من الأيام لحكم المسلمين ،وأراض وطئتها أقدام المسلمين الطاهرة ،لكن أخرجوا منها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها الأحبة في الله: استمر وجود العثمانيين المسلمين في أوربا الشرقية 625 سنة بمعنى أنه زاد وجودهم هناك عن وجود المسلمين في الأندلس، فإنهم لم يزيدوا عن 600 سنة ،وانتهى هذا الوجود بسقوط الدولة العثمانية عام 1923م أي قبل سبعين سنة فقط ،وسبعون سنة أيها الأخوة ليس بالبعيد ،بمعنى أن أجدادنا قد حضروا هذا التاريخ. ثم نحن الأحفاد نستقبل هذه النكبات والمصائب ،ويضيع هذا المجد في فترة قصيرة جداً ! ! يفاجأ الإنسان بحجم المعاناة والتي عاناها المسلمون في خلال هذه الفترة القصيرة ،سبعون سنة فقط. لكن بداية التراجع العثماني قد سبق هذه الفترة وبدأ في أوائل القرن السابع عشر الميلادي عندما تقهقر المسلمون، أول ما تقهقروا من تشكسلووفاكيا والمجر ويوغوسلافيا ،ثم كانت الحرب العالمية الأولى والتي شهدت هزيمة الحلفاء بما فيهم الدولة العثمانية ،واحتلت القوات الأوربية ،اسطنبول كما سماها الأتراك عام 1918م لكن أيها الأخوة ،وإن خرج المسلمون كحكام لتلك البلاد ،لكنهم تركوا خلفهم أعداداً غير قليلة من المسلمين في تلك البلاد ،تركوا ألبانيا وغالبية أهلها من المسلمين ،تركوا في يوغسلافيا نسبة غير قليلة من المسلمين ،وكذلك في بلغاريا وهنقاريا ،واستمر الوجود الإسلامي في بلاد أوربا الشرقية حتى يومنا هذا. أما تركة الدولة العثمانية فإنها قسمت إلى دويلات صغيرة ،ورسمت لها الحدود الجغرافية ،ووضع عليها حكام يوالون الغرب ،بدلاً من إخوانهم المسلمين.
أعداؤهـا أبناؤهـا فهـم الخـراب فتمزقت وأتـوا سـراعاً كالذئـاب بنت الأعادي المجد من ذاك التراب والشمس عنا قد توارت بالحجاب؟ فمتى سيشرق نورها فوق الهضاب؟ ومتـى ستنجاب القتامـة والضباب
|
|
يـا أمـة بليـت بشـر بليـة لغبائهـم كفـوا العـدو جهادهـا وصروحها هدمت وفـي أطرافها فإلى متى؟ وإلى متى؟ وإلى متى؟ يا أمتي والشمس طـال غيابهـا ومتـى ستُمطرنا السماء بصيب؟
|
قال الله تعالى: ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا وقال جل وعز: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ويقول عليه الصلاة والسلام: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ،يقاتلون من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)).
بارك الله لي. .
|