.

اليوم م الموافق ‏17/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

النهي عن الرشوة

1240

الرقاق والأخلاق والآداب

الكبائر والمعاصي

حسين بن شعيب بن محفوظ

صنعاء

21/6/1420

غير محدد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- النهي عن أكل أموال الناس بالباطل. 2- حرمة مال المسلم. 3- بيان انتشار داء الرشوة. 4- الرشوة سحت. 5- الرشوة توجب اللعنة. 6- صور من الرشوة. 7- حكم هدايا الموظفين والعمال. 8- آثار أكل المال الحرام.

الخطبة الأولى

يقول الله سبحانه وتعالى: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون [البقرة:188]، ففي هذه الآية الكريمة ينهى الله سبحانه وتعالى عن أكل أموال الناس بالباطل، وذلك بالطرق غير الشرعية فإن الواجب على المسلم أن لا يأكل المال الا بالطرق المشروعة، و يأمره أن لا يستحل أموال الناس بالإثم والحرام. قال علي بن طلحة عن إبن عباس: هذا في الرجل يكون عليه ماله وليس عليه فيه بينة، فيجمد المال ويخاصم الى الحكام وهو يعرف أن الحق عليه وهو يعلم أنه آثم آكل الحرام. وكذا روي عن مجاهد وسعيد إبن جبير وعكرمة والحسن وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم أنهم قالوا: لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم1، قال قتادة: أعلم يا إبن آدم أن قضاء القاضي لايحل لك حراماً ولا يحق لك باطلاً، وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى وتشهد به الشهود، والقاضي بشر يخطئ ويصيب، واعلموا أن من قضي له بباطل أن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة، فيقضي على المبطل للحق بأجود مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا)2، فأموال المسلمين حرام لا يجوز إستحلالها إلا بحقها أو بطيبة من أنفسهم وقد حرم الإسلام أموال المسلمين فقد قال رسول الله في حجة الوداع: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))3 وإن من وسائل أكل أموال الناس بالباطل، الرشوة التي انتشرت في هذا الزمان، وفي بلادنا على وجه الخصوص حتى صارت ديدن كثير من المسلمين، يأخذونها ولا يخافون من أكل الحرام، ولا يتحرجون من أكل الأموال بالإثم، فقل أن تجده موظفاً أو قاضياً أو عاملاً إلا وهو يمد يديه لأخذ الرشوة من دون حياء من الله، ولا خجل من الناس، فاعلموا يا عباد الله أن هذا المال الذي يؤخذ بطريق الرشوة حرام وسحت، وآخذه متعاط مالاً حراماً وقد وصف الله تعالى اليهود بأنهم سماعون للكذب آكالون للسحت [المائدة:42]. وقد حكى ابن رسلان في شرح السنن عن الحسن وسعيد بن جبير أنهما فسرا قوله تعالى: أكالون للسحت بالرشوة، وحكى عن مسروق عن إبن مسعود أنه لما سئل عن السحت أهو الرشوة؟ قال: لا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون، ولكن السحت أن يستعينك الرجل على مظلمة فيهدي لك، فإن أهدى لك فلا تقبل. وقال أبو وائل شقيق بن سلمة - أحد أئمة التابعين -: القاضي اذا أخذ الهدية فقد أكل السحت واذا أخذ الرشوة بلغت به الكفر4.

أيها المسلمون: إن الإسلام قد نهى عن الرشوة لأنها سحت، ومال حرام وهي من أكبر الكبائر والذنوب وصاحبها معرض للوعيد فقد لعن رسول الله المرتشين، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله : ((لعنة الله على الراشي والمرتشي في الحكم))5، وعن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله ((الراشي والمرتشي والرائش))6 يعني الذي يمشي بينهما، والراشي هو دافع الرشوة، والمرتشي هو آخذها وقابضها، والرائش الوسيط بين الراشي والمرتشي، فهؤلاء جميعاً ملعونون من الله وعلى لسان رسوله أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً [النساء:52].

فيا عباد الله: إعلموا أن اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله عز وجل، والملعون لايفلح أبداً إلا إن تاب من ذنبه وتاب الله عليه، وما استحق الراشي والمرتشي والرائش اللعن إلا لعظم الذنب والجرم الذي إقترفه، فالحذر الحذر من التساهل في الرشوة وتعاطيها وقبضها وأخذها وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.

 



1  - تفسير إبن كثير 1:225 .

2  - تفسير إبن كثير 1:225 .

3  - متفق عليه من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه .

4  - نيل الأوطار 4:172 .

5  - رواه أحمد وأبو داود والترمذي .

6  - رواه الإمام أحمد .

الخطبة الثانية

إن مما يدل على مسمى الرشوة وإطلاقها ما يدفعه الناس إلى القضاة والحكام، وكذلك ما يأخذه العمال على أخذ الصدقات، وما يأخذه الموظفون والعمال وأرباب المهن من الناس في الوظائف الحكومية العامة التي يتقاضون منها أجوراً شهرية، فما يأخذونه من الناس نظير ما يقدمونه من الأعمال التي هي من صميم ما أوكل اليهم مما يتقاضون به أجراً هو أيضاً من الرشوة، وهو حرام بالإجماع، فيا عباد الله إنه قد عم في هذه الأيام بين المسلمين قبض الرشوة ودفعها وتهاون المسلمون في ذلك نتيجة الفساد الإداري المالي الذي يضرب بأطنابه في جذور المجتمع، فقل أن تجد من يتحرز عن هذه الأموال التي يأكلها أكثر الناس سحتاً يكسبونه حراماً، فالمال الحرام لايأتي بخير أبداً وصاحبه لا يبارك الله له في أهله وماله، وعاقبة المال الحرام وخيمة.

وأعلموا أن الهدايا التي تقدم لعمال الصدقة والموظفين حرام، وهي من الرشوة ودليله عن أبي حميد عبدالرحمن بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل النبي رجلاً من الأزد يقال له: إبن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي الي. فقام رسول الله على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً، والله لايأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة فلا أعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء أوبقرة لها خوار أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رؤي عفرة إبطيه فقال: اللهم هل بلغت (ثلاثاً)))7، والرغاء هو صوت الأبل والخوار هو صوت البقر.

أيها المسلمون إن المصائب التي تتوالى علينا بين حين وآخر وتفاقم المشكلات وتعاظم المنكرات وإنعدام الأمن وشيوع الفساد وتتابع المحن والإبتلاءات كلها بسبب ذنوبنا ومعاصينا ونحن نضج ونشكو وندعو الله ولا يستجاب لنا، إذ كيف يستجاب للإنسان وهو يأكل المال الحرام، فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((إن الله طيب لايقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم [البقرة:172] الآية، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه الى السماء، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك))8، أي كيف يستجاب لمن هذه حاله.

إن المال الحرام كما أنه سبب من أسباب شقاء الإنسان فهو من أسباب حجب إجابة الدعاء هذا في الدنيا أما في الآخرة فإن آكل أموال الناس بالباطل معرض للوعيد فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لادرهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار))9، فيامن يأكلون الرشوة ويستحبونها أحذروا من أكل أموال الناس بالباطل، واعلموا أن الظلم ظلمات يوم القيامة، وردوا المظالم إلى أهلها وتوبوا إلى الله قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

 



7  - متفق عليه .

8  - رواه مسلم .

9  - رواه مسلم .

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً