.

اليوم م الموافق ‏19/‏رمضان/‏1445هـ

 
 

 

محبة الصحابة رضوان الله عليهم

919

قضايا في الاعتقاد

الصحابة

عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري

المدينة المنورة

قباء

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1-للصحابة المنة علينا بعد الله ورسوله في دخولنا للإسلام. 2-حب الصحابة إيمان وبغضهم نفاق. 3-تسابق الصحابة في البذل والتضحية. 4-ذكر بعض مانزل فيهم من القرآن. 5-حكم من أبغض الصحابة.

الخطبة الأولى

أما بعد: فمن حقوق سيدنا رسول الله تعظيم أصحابه وتبجيلهم واحترامهم والدعاء لهم والترضي عنهم وكف اللسان عنهم وعما شجر بينهم فإنهم سلف هذه الأمة وصفوتها وخيرها بعد نبيها بهم نصر الله رسوله وأعز دينه وأعلى كلمته وبسببهم اهتدينا إلى الإسلام، فالمنة في هدايتنا إلى الإسلام لله تبارك وتعالى أولا ثم لمصطفاه ثم لأصحاب رسوله الذين جاهدوا بين يديه أحسن جهاد والذين نقلوا إلي الأمة من بعده السنن والشرائع والقرآن. فلولاهم ما عرفنا شيئا عن الإسلام ولولاهم ما عرفنا شيئا من القرآن ولولاهم ما اهتدينا إلى الإيمان.

فحب الصحابة إيمان وبغضهم كفر ونفاق , بوب الإمام البخاري في صحيحه الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله أبوابا في فضائل الصحابة والمهاجرين ثم قال: باب "حب الأنصار من الإيمان" فخرج فيه حديثا عن البراء رضى الله عنه قال سمعت النبي قال: ((الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله))[1].

وخرج أيضا حديثاً عن أنس رضى الله عنه أن النبي قال: ((آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار))[2]. فإذا كان هذا في حب الأنصار فحب المهاجرين أحرى وأولى وآكد لأنهم أسبق منهم وأفضل منهم, ثم حب السابقين أولى وأوجب وآكد وعلى رأسهم الأربعة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي الذين هم أفضل هذه الأمة بعد نبينا فرضي الله عنهم وأرضاهم.

ثم يا مسلم كيف لا تحب أصحاب رسول الله ولهم كل المنة في عنقك, أصحاب رسول الله هم أنصاره وجنده وأتباعه, إنهم حواريوه لما قال عيسى بن مريم: من أنصاري إلي الله قال حواريوه نحن أنصار الله ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنصاري إلى الله. تسابق أولا المهاجرون إلى الإيمان به ونصرته والذب عنه وتحملوا في سبيل ذلك من الأذى والاضطهاد ما تنهد منه الرواسي الشوامخ ثم تسابق إلي الإيمان به ونصرته الأنصار من الأوس والخزرج, أهل هذه المدينة الطيبة آووا رسول الله ونصروه وجاهدوا بين يديه حق الجهاد حتى قال قائلهم في غزوة نبوية يوم بدر: يا رسول الله امض إلى ما أمرك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيهم موسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون  [المائدة:24] ولكن نقول اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه[3]. رضي الله عنهم وأرضاهم, هذا مقال لسان الصحابة أجمعين, وهذا كان لسان حالهم دائما جاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, وجاهدوا بين يديه أحسن الجهاد حتى أعز الله بهم الملة ورفع بهم الكلمة وأظهر بهم دينه علي الدين كله ولو كره المشركون.

يا مسلم كيف لا تحب أصحاب رسول الله فهم أسوته وهم قدوته؟ فكما اصطفى نبيه وخليله وصفيه كما اصطفاه من بين سائر خلقه, اصطفى له أصحاباً وجنداً وأنصارا هم أحسن الناس يومئذ فصاروا أفضل هذه الأمة بصحبتهم لرسول الله بعد نبينا صلى الله عليه وسلم.

جعلهم الله الأنموذج العملي لهذا الإسلام فما عليك إلا أن تحتذي حذوهم وتتأسى بهم, إنهم التفسير العملي لهذا الدين ولذلك ذكرهم الله تعالى في كتابه ونوه بفضلهم وأثنى عليهم وعلى خلالهم وأوصافهم وأفعالهم من ذلك قوله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم [التوبة:100]. ومن ذلك قوله تعالى: والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين أووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم [الأنفال:74].

وبين تعالى في كتابه أنه تاب عليهم ورضي عنهم فقال مثنياً عليهم وعلى نصرتهم وجهادهم بين يدي رسول الله في أحلك الأوقات وأصعب الظروف لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم [التوبة:117].

وقال تبارك وتعالى في وصف أصحاب رسول الله منوها بهم وبفضلهم  محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى علي سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا كريما [الفتح:29].

دلت هذه الآية الكريمة على أنه لا يبغض أصحاب رسول الله إلا كافر إذ قال:  ليغيظ بهم الكفار وهل هناك أغيظ على الكفار وأشد حنقا على قلوبهم من نصرة الصحابة لرسوله وجهادهم أعداء الله حتى دوخوا المجوس والروم, ودوخوا أهل الشرك وطواغيت الكفر في الأرض جميعا.

ثم قسم الله الفيء بين المسلمين أجمعين فبدأ بالمهاجرين فقال: للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون [الحشر:8]. ثم ثنى بالأنصار فذكرهم وذكر أوصافهم منوها بها مثنيا عليهم بها فقال سبحانه وتعالى: والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون [الحشر:9].

ثم ذكر سبحانه باقي أهل الإيمان, أهل الملة فوصفهم بهذه الأوصاف فقال تبارك وتعالى:  والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم [الحشر:10]. وصف الله أهل الإيمان وأهل ملة الإيمان بأنهم لا يكنون بغضا ولا غلا لمن سبقهم بالإيمان وعلى رأسهم أصحاب رسول الله بل يعظمونهم ويبجلونهم ويعرفون لهم حقهم ومن سبقهم في الإيمان ويدعون لهم ويترضون عليهم.

ودلت هذه الآية على أن من لم تكن تلك صفته فهو ليس من أهل الإيمان وليس من أهل منة الإسلام.

ومن هذا المعنى استدل إمام دار الهجرة إمام هذه المدينة الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه بهذه الآية على كفر الروافض الذين يسبون أصحاب رسول الله وأنهم لا نصيب لهم من الفيء.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم  فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


 



[1] البخاري كتاب فضائل الصحابة (3572).

[2] البخاري كتاب الإيمان (17).

[3] صحيح البخاري (3952، 4609).

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العلمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

وأثنى الله تبارك وتعالى في كتابه العظيم على طوائف مخصوصة من الصحابة وأفراد أعيانهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؛ فذكر سبحانه وتعالى أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا رسول الله يوم الحديبية، وكان ذلك سنة ست من الهجرة لما خرج سيدنا رسول الله معتمرا قاصدا مكة فصدته قريش عن البيت ففاوضهم رسول الله وأرسل لهم عثمان بن عفان رضى الله عنه ليفاوضهم فاحتبسه أهل مكة, فظن رسول الله وأصحابه أن عثمان قد قتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا نبرح حتى نناجز القوم))، فالتف حوله الصحابة يبايعونه تحت الشجرة على الموت فأنزل الله تعالى فيهم قوله:  لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا [الفتح:18].

ونوه الله تعالى في كتابه الكريم بأبي بكر الصديق وذكر فضله وأثنى على نصرته لرسول الله وحسن صحبته له في رحلة الهجرة على وجه الخصوص فقال تبارك وتعالى: إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا [التوبة:40].

ثم لما اشترى الصديق رضي الله عنه بحُرِّ ماله بعض الموالي المستضعفين الذين أسلموا فعذبهم أسيادهم, اشتراهم أبو بكر الصديق وأعتقهم فأنزل الله تعالى فيه قوله: وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى [الليل:17-21]. ويا لها من منقبة عظيمة للصديق رضي الله عنه ويالها من بشارة له رضي الله عنه.

وأنزل الله تعالى في صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه أنزل قوله: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد [البقرة:207]. وسببه أن صهيباً لما أسلم خرج من مكة مهاجرا إلى هذه المدينة الطيبة فتبعه أهل مكة فأخذ كنانته وأخرج منها أربعين سهما ثم قال: لأضعن في كل رجل منكم سهما ثم لأصيرن لسيفي فتعلمن أني رجل وأني تركت بمكة قينيتين فهما لكم. فرجعوا عنه لما سمعوا ذلك، ووصل صهيب إلى المدينة فاستقبله سيدنا رسول الله مبشرا إياه قائلا له: ((يا أبا يحيى لقد ربح البيع)) ثم تلا عليه هذه الآية التي نزلت فيه: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد [1]. رضي الله عن أصحاب رسول الله وأرضاهم أجمعين وجزاهم عن الأمة خير الجزاء.

أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هديه وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة وبمنهج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تدان ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال عز من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب:56]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي واحدة صلى الله بها عليه عشرا))[2]، اللهم صل وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبى بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علي وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العليم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.



[1]  أخرجه الطبري في تفسيره (2/321) مختصرا، وابن سعد في الطبقات 3/171-172، والحاكم في المستدرك 3/398 وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

[2] صحيح مسلم (408).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً