.

اليوم م الموافق ‏18/‏رمضان/‏1445هـ

 
 

 

الأمر بالإحسان إلى الخلق

1181

الرقاق والأخلاق والآداب

أخلاق عامة

عبد الله بن فهد السلوم

بريدة

9/5/1415

جامع الجردان

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الإحسان ثلاثة أنواع وبيانها 2- الإحسان إلى الخلق وفضله وأثره على المجتمع 3- كيف يكون الإحسان إلى الخلق ؟

الخطبة الأولى

عباد الله: اتقوا الله جل جلاله وتقدست أسماؤه وخافوه وراقبوه وسارعوا إلى بذل الإحسان ابتغاء مرضاته لتنالوا الثواب العظيم والأجر الكبير واعلموا أن الله يحب المحسنين وأنه مع المحسنين وأنه يجزي المحسن بالإحسان إليه ويجزي المحسنين بالحسنى قال تعالى: للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ، وأنه سبحانه لا يضيع أجر المحسنين ولا أجر من أحسن عملاً، والإحسان أيها المسلمون ثلاثة أنواع، الأول: إحسان العمل وهو إتقانه وإتمامه، والثاني: الإحسان فيما بين العبد وبين ربه في عبادته إياه وهو أعلى مراتب الدين وقد فسره النبي بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ومعنى ذلك أن العبد يعبد الله تعالى على استحضار قربه منه وأنه بين يديه كأنه يراه وذلك يوجب الخشية والتعظيم ويوجب النصح في العبادة وإحسانها، الثالث: الإحسان إلى الغير وهو بمعنى الإنعام عليه وهذا هو موضوع الخطبة اليوم، فلقد أمر الله بالإحسان إلى الخلق تارة أمر وجوب كالإحسان إلى الوالدين والأقارب بمقدار ما يحصل البر والصلة والإحسان إلى الجار والضيف وملك اليمين قال تعالى: وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتمى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم وتارة أخرى أمر الله بالإحسان إلى الخلق أمر استحباب وندب فإن بذل المعروف وتقديم البر والخير إلى الناس هو صفة أصحاب القلوب الحية الرحيمة التي تتجاوب مع حاجات المسلمين وتعيش همومهم وتقلق لمصابهم، إن الذي يقدم الإحسان إلى إخوانه ويسعى في قضاء حوائجهم وتفريج كروبهم وتنفيس ضوائقهم هو ذلك الرجل الشهم الأبي الذي لا يعيش لنفسه فقط ولا يحقق مصالحه فقط وهو بهذا البذل والجود والإخلاص والتفاني لا يريد من أحد جزاءً ولا شكوراً ولا يريد مدحاً ولا مالاً ولا منزلة في قلوب الناس ولكنه يريد الثواب من الله ويريد موعود الله ويريد محبة الله ومعيته،  إن الله مع الذين اتقو والذين هم محسنون، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره يريد المحسن تفريج كرباته يوم القيامة، ويريد الفلاح والفوز بالجنة ويريد الخيرية في الدنيا والآخرة لأن خير الناس أنفعهم للناس، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)) متفق عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: ((ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه))مسلم، أيها المسلمون إن الإحسان إلى الخلق أمر واسع الأبواب وقربة إلى الله من أعظم القربات فهو يقوي روابط المسلمين ويشعرهم بالوحدة والمحبة والحنان والصلة ويبني روابط الأخوة ويزيل ضغائن القلوب ويقوي صفاءها فتنشرح النفوس ويشعر المنصور والمظلوم والفقير وصاحب الحاجة والكربة والضائقة يشعر أنه ليس غريباً بين إخوانه ولا مهملاً بين المسلمين وأن مصابه مصابهم وقضيته تعنيهم فعند ذلك تتحقق الأخوة في الإسلام وتزداد الرحمة بين الناس والإحسان يكون بالكلمة الطيبة قال تعالى: وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ويكون بتقديم الخدمة وقضاء الحاجة، عن أبي موسى عن النبي قال: ((على كل مسلم صدقة، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فيعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق، قالوا: فإن لم يستطيع أو لم يفعل؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: فليأمر بالمعروف، قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: فليمسك عن الشر فإنه صدقة)) خ،م ويكون الإحسان بالصدقة، فعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: ذكر النبي النار فتعوذ منها وأشاح بوجه ثم ذكر النار فتعوذ منها وأشاح بوجهه قال شعبة: أما مرتين فلا أشك ثم قال: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم يكن فبكلمة طيبة))خ، ويكون الإحسان بالرفق والمعاملة الحسنة ولين الكلام وخفض الجناح عن عروة بن الزبير أن عائشة قالت: ((دخل رهط من اليهود على رسول الله فقالوا: السام عليكم، قالت عائشة: ففهمتها فقلت: وعليكم السام واللعنة، فقالت: فقال رسول الله: مهلاً يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله فقلت: يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله: قد قلت وعليكم))خ، وعنها رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)) مسلم، وله عنها: ((أن الرفق لايكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه))، وقال عبد الله بن عمرو لم يكن رسول الله فاحشاً ولا متفحشاً وإنه كان يقول: ((إن خياركم أحسنكم أخلاقاً))خ، ومن الإحسان إلى المسلمين التعاون فيما بينهم على الحق فعن أبي موسى عن النبي : ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ثم شبك بين أصابعه)) خ، ومن الإحسان الشفاعة لأخيك المسلم قال تعالى: من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها وعن أبي موسى عن النبي : ((إنه كان إذا أتاه السائل أو صاحب الحاجة قال: اشفعو فلتؤجروا وليقض الله على لسان رسوله ما شاء)) ويكون الإحسان كذلك بالنصرة والمؤازرة قال : ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) ويكون الإحسان بحسن العهد والوفاء والمروءة وحفظ السر والصبر على الأذى واحتمال الزلة وصيانة اللسان عما يكره أخوك وإدخال السرور على قلبه وإبعاد ما يسؤه، أيها المسلم امسح دموع اليتيم واعطف على المسكين وقم بحاجة أخيك وفرج هم المهموم ونفس كرب المكروب واعلم أن من يقدم الخير يحصد الخير في الدنيا والآخرة، عن صفوان بن سليم يرفعه إلى النبي : ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل)) خ، وقال : ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وقال بإصبعيه السبابة والوسطى)) خ، إن الرحمة لا تنزع إلا من شقي وإن رحمة المسلم لإخوانه وإطالة فكره وهمه في مصائبهم تدل على رحمته وصفاء قلبه وسلامته، قال : ((من لا يرحم لا يرحم))خ، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي قال: ((ما من مسلم غرس غرساً فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقة)) خ، وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله : ((مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) خ، اللهم اجعلنا من المحسنين المتراحمين المتعاطفين الذي يقدمون الخير للناس ويؤثرون على أنفسهم، اللهم تقبل منا ياحي ياقيوم واجعل أقوالنا وأعمالنا ونياتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رؤوف يا رحيم يا غفور يا شكور.

 


 

الخطبة الثانية

الحمد لله على توفيقه وامتنانه والشكر على نعمه وإحسانه الذي يحب المحسنين ويرحمهم فهو سبحانه رحيم يحب الرحماء ومحسن يحب المحسنين، عباد الله لقد كان بينكم محسناً يجود غاية الجود بنفسه وماله ووقته يبذل ما يحتاج إليه الناس مؤثراً لهم على نفسه فلقد كان أجود الناس يعطف على الفقير ويواسي المحتاج ويرحم الصغير ويوقر الكبير ويدل الضال على الصراط المستقيم، ولقد كان نبي الله موسى محسناً من المحسنين حين سعى للمرأتين الضعيفتين اللتين لا تستطيعان سقيا حتى ينتهي الناس فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال:  رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ولقد كان نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام محسناً وكريم الطبع نبيل الخلق ذا مروءة عظيمة فلقد فعل فيه إخوته ما فعلوا وعمي أبوه يعقوب عليه السلام من شدة المصيبة ولوعة الفراق وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ثم يأتي إليه إخوته معترفين بذنبهم وجنايتهم قائلين: تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين فرد عليهم بعد كل الذي جرى قائلاً لهم وصافحاً عنهم بلسانه الصادق وقلبه الكبير الممتلئ محبة وإحساناً وطهارة وسلامة لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين الله أكبر ما أعظم هذا البر وما أجمله حين نتحلى به لتصفو النفوس وتتحلى به القلوب وتشرف به الأعمال أيها المسلمون وإليكم هذا المشهد من رجل لا كالرجال من رجال هذه الأمة من الصديق أبي بكر خليفة رسول الله فقد أخرج أن عساكر عن أبي صالح الغفاري أن عمر بن الخطاب كان يتعهد عجوزاً كبيرة عمياء في بعض ضواحي المدينة من الليل فيسقي لها ويقوم بأمرها فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت فجاءها غير مرة فوجد أنه يسبق إليها فأراد أن يعرف من هذا الذي يسبقه فرصده عمر فإذا هو بأبي بكر الذي يأتيها وهو يومئذ خليفة فقال عمر: أنت هو لعمري، واسمعوا أيها الإخوة عظيم الأجر من الله لمن أحسن إلى الناس وقام بحوائجهم قال : ((أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف له كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً ولئن أمشي مع أخي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام))، عباد الله وإحسان المحسن وأجره لا تقف فقط عند الإحسان إلى الناس بل يتعدى كذلك حتى للحيوان البهيم، فعن عبدالله بن جعفر أن النبي : ((دخل حائطاً لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل فلما رأى النبي حن وذرفت عيناه فأتاه رسول الله فمسح ذفراه وهما الموضع الذي يعرف من قفاه، فسكت فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله ، فقال له: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا لي أنك تجيعه وتدئبه (أي تتعبه بكثرة استعماله))) وأخبر النبي : ((أن امرأة عذبت في هرة ربطتها لم تطعمها ولم تسقها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت هزلاً)) مسلم، وقال النبي : ((بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغية من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها (خفها) فاستقت له به فسقته إياه فغفر لها به))خ،م، هكذا إن فضل الله واسع وأجره كبير لمن صدق مع ربه وأخلص له في علانيته وسره وبيت محبة الخير للناس ونفعهم ورحمتهم فإن الله يعلي درجته ويرحمه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)) ت، وقال : ((سبع تجري للعبد بعد موته وهو في قبره، من علم علماً أو كرى نهراً (أي حفره) أو حفر بئراً أو غرس نخلاً أو بنى مسجداً أو ورث مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته))، أيها المسلمون نعم تلك أعمال المحسنين وغيرها كثير مماهو في معناها التي ينبغي للمسلم أن يستشعرها وأن يتذوق حلاوة التعبد لله بها وهذا بخلاف حال الذين لا تهمهم إلا مصالحهم ولايسعون لأحد إلا بمقدار ما يستفيدون منه ولا يريدون إلا نفعاً مادياً أو عرضاً دنيوياً فلم يحتسبوا لله بتقديم معونة ولا بسد خله ولا برحمة صغير أو توقير كبير قد قست قلوبهم عن رحمة المظلومين ومواساة المحتاجين وإغاثة الملهوفين فحلت في القلوب الشحناء والتنافر محل المحبة والصفح والوداد وحل الشح والبخل ومن الناس من يأخذ حقوق الآخرين وينكرها ويخون الأمانة ويعتدى على الحرمات وينتهك الحرمات ويعتدي على ما حرم الله فأين هذا وحال الذين يتعبون ليستريح الناس ويجوعون ليشبع الناس؟ كم الفرق بين المحتسبين والظلمة والأشقياء الذين يبدلون الجود والكرم والسماحة محل الكبر والتعاظم فتباً للقلوب القاسية المتحجرة التي لا تترقب فضل الله وجوده وإحسانه ولا تتأثر لجراح المسلمين وبكاء أطفالهم وأنين شيوخهم وحسرات الثكالى وزفرات المقهورين وخيبة وخسراناً للأناني الذي لا يعيش إلا لنفسه ولا يفكر إلا في مصلحته الشخصية وهواه غير مهتم بأمر المسلمين فلم يذرف على مصابهم دمعة ولم يقدم لحاجتهم معونة ولم تتحرك في قلبه عاطفة بل قد تجد من الناس من لايحسن إليهم ولا يريد لأحد أن يحسن ولا يريد أن ينتفع المسلمون أو تسكن لهم عبره أو يسد لهم رمق وفاقة فتجده يأمر بالبشر والقطيعة وينهي عن الرحمة والإحسان والمودة فحاله كحال المنافقين الذي قال الله عنهم: المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم، إن المنافقين هم الفاسقون .

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً