.

اليوم م الموافق ‏17/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

الحج

1010

فقه

الحج والعمرة

عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس

مكة المكرمة

جامع الفرقان

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

هديه صلى الله عليه وسلم في الحج – فضائل الحج – التحذير من ترك الحج , والأمر بالمبادرة إليه

الخطبة الأولى

أما بعد:

فيا عباد الله صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حج في السنة العاشرة من الهجرة وقال: ((يا أيها الناس خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا))[1], ومنذ ذلك الزمان حرص الخيار من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على  أن يقتفوا أثره في حجهم ويتبعوا سنته في نسكهم, فقد وصل صلى الله عليه وسلم مكة في السابع من ذي الحجة وكان قارناً وكان بعض أصحابه مفرداً وبعضهم متمتعاً, كما صح عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: ((فمنا من أهل بالحج ومنا من أهل بالعمرة ومنا من قرن الحج بالعمرة))[2], وطاف صلى الله عليه وسلم بالبيت وبقي بإحرامه إلى أن جاء يوم التروية وهو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة فلما كان هذا اليوم أحرم من كان قد أهل من أصحابه متمتعين وأتى صلى الله عليه وسلم منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر كل صلاة في وقتها, وقصر الظهر والعصر والعشاء, فلما صلى الصبح من اليوم التاسع وطلعت الشمس توجه صلى الله عليه وسلم إلى عرفة, ضربت له صلى الله عليه وسلم قبة بنمرة قبل عرفة فبقي فيها إلى أن زالت الشمس, ثم نزل وادي عرنه فصلى بالناس الظهر ركعتين والعصر ركعتين جمعهما وقصرهما بأذان واحد وإقامتين وكان اليوم يوم جمعة فلم يصلها بهم جمعة بل صلاها ظهراً لما قد صح عنه صلى الله عليه وسلم: ((ليس على مسافر جمعة))[3], وخطب قبلهما في الناس خطبة عظيمة قرر فيها التوحيد ونبذ الشرك وأمور الجاهلية وبين استواء الناس في ميزان الله وهدم تفاضلهم إلا بالتقوى, ولم يتنفل بين الظهر والعصر ولا بعدهما.

ثم دخل عرفة فوقف عند الصخرات أسفل جبل عرفة وجعل الجبل بينه وبين القبلة وقال: ((وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنه))[4] ووقف رافعاً يديه يدعو ويلبي ويكثر من التهليل, وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أفضل ما قلت أنا والنبيين من قبلي عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))[5], وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه زاد في التلبية: ((إنما الخير خير الآخرة))[6].

والسنة للواقف بعرفة أن لا يصوم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان مفطراً. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة, وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء))[7]، وفي حديث آخر: ((إن الله يباهي بأهل عرفات الملائكة فيقول انظروا إلى عبادي جاءوني شعثاً غبراً))[8], ولذا فالسنة لهؤلاء أن يكون شعثاً تفلاً كما صح عنه صلى الله عليه وسلم: ((الحاج الشعث التفل))[9], والسنة أيضاً أن يرفع صوته بالتلبية لما قد صح عنه صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الحج العج والثج))[10] والعج هو رفع الصوت بالتلبية, والثج إراقة دم الهدي.

ويقضي الحاج يوم عرفة ذاكراً ملبياً داعياً بما شاء من خيري الدنيا والآخرة حتى تغرب الشمس فإذا غربت أفاض من عرفات إلى المزدلفة, وعليه السكينة لما قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((السكينة, السكينة))[11], ولما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يمشي العلق فإذا وجد فرجة نص, أي إذا وجد خلوة أسرع[12].

فلما وصل المزدلفة كان أول شيء بدأ به الصلاة , فأذن بلال وأقام وصلى النبي صلى الله عليه وسلم وصلى بهم المغرب ثلاثاً, ثم أقام فصلى بهم العشاء قصراً وجمع بينهما, ثم نام حتى الفجر ثم صلى بهم الفجر في أول وقته بأذان وإقامة ثم أتى المشعر الحرام, وهو جبل في المزدلفة فوقف عليه واستقبل القبلة وكبر وحمد الله وهلله ووحده ودعاه, ولم يزل كذلك حتى أسفر جداً, وقال: ((وقفت هاهنا وجمع كلها موقف))[13], وجمع هي المزدلفة.

ثم انطلق إلى منى قبل طلوع الشمس وعليه السكينة وهو يلبي, فلما أتى بطن محسر أسرع السير حتى أتى جمرة العقبة وهي آخر الجمرات وأقربهن إلى مكة, فاستقبل الجمرة وجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه ورماها بسبع جمرات مثل حصى الخزف, وهو أكبر من الحمصة قليلاً, يكبر مع كل حصاه ووقطع التلبية مع آخر حصى. ووقت الرمي من طلوع الشمس إلى غروبها فإذا انتهي من رمي جمرة العقبة حل للحاج كل شيء حرم عليه إلا النساء.

وهذه أعمال يوم النحر الأربعة بدأها النبي صلى الله عليه وسلم بالرمي ثم النحر ثم الحلق, ثم حلق ثم طاف صلى الله عليه وسلم , فإذا رمي لبس ثيابه وتطيب, ولو قدم شيء من أعمال يوم النحر الأربعة على  شيء فلا حرج, لما قد صح عنه صلى الله عليه وسلم: ((أنه ما سئل يوم النحر عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج))[14]. وهذا الطواف هو طواف الإفاضة ويسمى طواف الصدر ويسمى طواف الزيارة وهو من أركان الحج, ثم يسعى بعد الطواف إن كان متمتعاً, أما القارن والمفرد فلا سعي عليهما إن كانا قد سعيا بعد طواف القدوم وإلا سعيا, وبهذا الطواف يحل للحاج كل شيء حرم عليه حتى النساء.

ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى منى فمكث بها أيام التشريق يبيت بها فيرمي الجمار الصغرى فالوسطى فالكبرى بعد الزوال من اليوم الحادي والثاني والثالث عشر, وصح عنه صلى الله عليه وسلم: ((أيام التشريق, أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى)), يرمي الصغرى ثم يتقدم قليلاً عن يمينه, فيقوم مستقبلاً القبلة قياماً طويلاً ويدعو ويرفع يديه, ثم يأتي الوسطى فيرميها, ثم يتقدمم ذات الشمال فيقوم مستقبلاً القبلة قياماً طويلاً ويدعو ويرفع يديه, ثم يأتي الجمرة الثالثة جمرة العقبة فيرميها جاعلاً مكة عن يساره ومنى عن يمينه, ولا يقف عندها ولا يدعو, يفعل هكذا كل أيام التشريق, فإذا فرغ منها طاف طواف الوداع إن كان من غير أهل مكة, أما أهل مكة فلا وداع عليهم.

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وممن يحج على سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


 



[1] سنن النسائي (3012) بنحوه.

[2] صحيح البخاري (4056)، صحيح مسلم (2113).

[3] عزاه في الجامع الكبير إلى الطبراني في الأوسط عن ابن عمر، انظر صحيح الجامع (5405).

[4]موطأ مالك (1/312).

[5] موطأ مالك (1/188).

[6] رواه ابن خزيمة (4/260)، وإسناده حسن.

[7]صحيح مسلم (2402).

[8]مسند أحمد (2/224).

[9]سنن الترمذي (2924)، سنن ابن ماجة (2887).

[10]سنن ابن ماجة (2887).

[11]صحيح مسلم (2137).

[12] مسند أحمد (5/202).

[13] صحيح مسلم (2138).

[14] صحيح البخاري (81)، صحيح مسلم (2301).

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلى وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فيا عباد الله تلكم هي شعيرة الحج الركن الخامس من أركان الإسلام فرضه الله على  الناس في العمر مرة, فما زاد فهو تطوع: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً .

وقد تواترت في فضائل الحج الأخبار عن النبي المختار صلى الله عليه وسلم: ((سئل أي الأعمال أفضل؟. قال: الإيمان بالله وحده ثم الجهاد ثم حجة مبرورة تفضل سائر الأعمال كما بين مشرق الأرض ومغربها))[1], وفي الحديث الآخر عنه صلى الله عليه وسلم: ((والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))[2], وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه))[3] أي لا إثم عليه قد غفر الله له جميع ذنوبه وخطاياه, كما قال سبحانه وتعالى: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى أي من حج واتقى الله في حجه فلم يرفث ولم يفسق فإنه يرجع من حجه ولا إثم عليه قد محيت ذنوبه وخطاياه سواء كان من المتعجلين أم من المتأخرين: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى , وقد جاء تفسير ذلك فيما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال للحاج: ((أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام فإن لك بكل وطأة تطأها راحلتك يكتب الله لك بها حسنة ويمحو بها عنك سيئة)), وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: ((ما ترفع إبل الحاج رجلاً وما تضع يداً إلا كتب الله له بها حسنة أو محا بها عنه سيئة أو رفعه بها درجة, وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة: فيقول: هؤلاء عبادي جاءوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني, فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثل رمل عالج, أو مثل أيام الدنيا, أو مثل قطر السماء ذنوباً غفرها الله لك، وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك, وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك))[4], وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: ((من طاف بالبيت سبعاً وصلى ركعتين كان كعتق رقبة))[5], وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: ((ما أهل رجل قط ولا كبر مكبر قط إلا بشر بالجنة)).

هذا هو فضل الحج وهذا هو قدره في ميزان الله ولذا فالمحروم من حرمه وهو قادر عليه, صح عنه صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى يقول: إن عبداً أصححت له جسمه ووسعت عليه معيشته تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلى لمحروم)), فليتقي الله أقوام مضت عليهم خمسة أعوام لم يحجوا وليتقى الله من وخطهم الشيب ولم يفدوا الكعبة البيت الحرام, بل ليتقي الله أقوام تركوا هذه الشعيرة العظيمة وأسقطوا من حسابهم هذا الركن العظيم من أركان الإسلام فلم يحجوا وهم جيران الحرم وليبادروا بالتوبة وأداء هذا الركن ممتثلين قوله صلى الله عليه وسلم: ((من أراد الحج فليتعجل))[6], وليحذروا من قول ابن الخطاب عمر حين أمر من ينظر في الناس: ((من استطاع الحج فلم يحج فليضربوا أعناقهم, وقال: ما هم بمسلمين)), وما نقل عن علي رضي الله عنه أنه قال: ((من استطاع الحج فلم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً)).

إن الأمر يا عباد الله جليل والخطب جلل لا يحتمل التهاون من لم يكن قد أداه قبل أن يموت أو تنزل به أسبابه: فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب , ثم اعلموا يا عباد الله أن في الحج ماشياً قد ورد أثر عن ابن عباس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم, يقول ابن عباس رضي الله عنهما: ((لست آسى على  شيء كما آسى أن لا أكون حججت ماشياً, قيل من أين؟ قال: من مكة, فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حج من مكة ماشياً حتى يرجع إلى مكة كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة كل حسنة مثل حسنات الحرم. قيل: وما حسنات الحرم؟ قال: بكل حسنة مائة ألف حسنة)). وصح عن ابن عمر وأبي هريرة رضى الله عنهما أنهما كانا يحجان ماشيين من مكة , فمن استطاع هذا الفضل العظيم فليحرص عليه.



[1] مسند أحمد (4/342).

[2] صحيح البخاري (1650)، مسلم (2403).

[3]صحيح مسلم (2404).

[4]المعجم الكبير للطبراني (13566).

[5] سنن الترمذي (882)، سنن ابن ماجة (2947).

[6] مسند أحمد (1/225)، سنن أبي داود (1472)، سنن ابن ماجة (2874).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً