أما بعد:
فقد وصلنا في سلسلة دروسنا عن السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام إلى غار حراء وانبثاق نور النبوة فيه فإن نزول اقرأ باسم ربك الذي خلق على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نزولها بالنبوة عليه ثم نزول يا أيها المدثر بالرسالة عليه صلى الله عليه وسلم وما فيها من أمر له بتبليغ الدعوة والرسالة.
وكل ذلك يمثل بداية مرحلة أخرى من حياته الشريفة صلى الله عليه وسلم وقبل الشروع في بيان هذه المرحلة لنا وقفات نستجلي فيها جوانب أخرى من شخصيته صلى الله عليه وسلم. والوقفة اليوم مع أسمائه الشريفة صلى الله عليه وسلم.
وأسماؤه مشتقة من صفات قائمة به صلى الله عليه وسلم، تستوجب الحمد والمدح والكمال. إنها ليست مجرد أعلام للتعريف بل أسماء مشتقة من صفات قائمة به صلى الله عليه وسلم تستوجب الحمد والمدح والكمال وهي بهذه المثابة تربو على المائتين وأسماؤه هذه على نوعين نوع مختص به صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيه غيره من إخوانه الأنبياء المرسلين. محمد أحمد والعاقب والحاشر ونبي الملحمة. والنوع الثاني يشاركه فيه غيره من الأنبياء والمرسلين ولكن له منها الكمال فهو مختص بكمالها دون أصلها كرسول الله ونبي الله وعبد الله والشاهد والبشير والنذير ونبي الرحمة ونبي التوبة فأول أسمائه صلى الله عليه وسلم وأشهرها محمد وهذا اسم مشتق من الحمد يقال في لغة العرب: حمد. محمد. حمداً. ومحمد يحمد حمداً فهو محمود.
ومحمد مضاعف للمبالغة في هذه الصفة. وهذا الاسم معناه أنه متصف بصفات الخير وخصال الخير التي يحمد عليها أي أحد من البشر. ولهذا سمي بهذا الاسم في التوراة لكثرة ما مدح في التوراة بخصاله وصفاته صلى الله عليه وسلم هو ودينه وأمته حتى تمنى موسى عليه السلام أن يكون من أمته لما سمع تلك الصفات وقرأها في التوراة صفاته صلى الله عليه وسلم وصفات دينه وصفات أمته تمنى موسى عليه السلام أن يكون من أمته فسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم هو المحمود عند الله والمحمود عند ملائكته والمحمود عند إخوانه الأنبياء والمرسلين والمحمود عند العقلاء من أهل الأرض قاطبة والمحمود عند أهل الدنيا والآخرة حيث يبعثه الله تعالى المقام المحمود فاختص من صفات الحمد ما لم يجتمع لغيره. ولذلك سمي أيضا أحمد وهو الاسم الذي بشر به عيسى عليه السلام أمته قال تعالى: وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد وهذا الاسم أيضا مشتق من الحمد فهو على وزن أفعل التفضيل ومعناه أنه الأولى بالحمد أنه الأولى من غيره من الناس بالحمد والأحق بالحمد والمدح صلى الله عليه وسلم والفرق بينه وبين محمد أن محمداً معناه الذي اتصف بالصفات التي يحمد عليها. وأحمد معناه الذي يحمد أعظم مما يحمد غيره فمحمد معناه متعلق بالكثرة والكمية وأحمد معناه متعلق بالصفة والكيفية. وفي الصحيحين عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: سمى لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم نفسه أسماء فقال: ((أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو به الله تعالى الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدميه وأن العاقب فلا نبي بعدي)) فمن أسمائه إذن الماحي. كما فسر في الحديث معناه الذي يمحو به الله الكفر ما لم يمح بغيره. محى الله به الكفر ما لم يمح بأي أحد من الخلق بعث صلى الله عليه وسلم وأهل الأرض كلهم كفار إلا بقايا قلائل من أهل الكتاب وبعث وأهل الأرض إما عباد أوثان وإما يهود مغضوب عليهم وإما نصارى ضالون وإما خائبون جاهليون لا يعرفون رباً ولا معاداً وإما عباد كواكب وإما عباد النار وإما فلاسفة لا يعرفون شرائع الأنبياء ولا يقرون بها.
فمحى الله تبارك وتعالى بنبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم من كل ذلك الكفر ما لم يمح بأي أحد من الخلق فأظهر دينه الذي أرسله به على الدين كله وبلغ به ما بلغ الليل والنهار وسار دينه مسار الشمس في الأقطار وسيتم الله هذا الدين حتى لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله بحول الله تعالى وقوته ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم الحاشر ومعناه كما فسر في الحديث الذي يحشر الناس على قدميه أي كأنما بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليسوق الناس إلى المحشر ليحشر الناس وفي هذا تنويه وإشارة إلى أن بعثته صلي الله عليه وسلم قريبة جداً من قيام الساعة. بل تكاد تكون مقترنة بقيام الساعة حتى قال صلى الله عليه وسلم: ((بعثت أنا والساعة كهاتين)) وأشار بأصبعيه صلى الله عليه وسلم ومن أسمائه الشريفة أيضاً العاقب والعاقب معناه الذي جاء عقب الأنبياء والمرسلين من قبله وجاء من بعدهم متأخراً عنهم فهو بمعنى الآخر لأنه صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين فلا نبي ولا رسول من بعده ما بعده إلا قيام الساعة وأن يحشر الناس إلى رب العالمين ومن أسمائه أيضاً صلى الله عليه وسلم المقفى وهذا معناه مشتق من قفى يقفو إذا جاء على الأثر فهو صلى الله عليه وسلم جاء على أثر الأنبياء من قبله أي جاء من بعدهم متأخراً عنهم.
فمعناه قريب من معنى العاقب وهذا كما قال الله تعالى في نبيه عيسى بن مريم وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم أي جاء من بعدهم مقتفياً إياهم سائراً على آثارهم مصدقاً لهم. ومن أسمائه الشريفة صلى الله عليه وسلم التي سمي بها في التنزيل المتوكل ففي صحيح البخاري:
عن عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قرأت صفة النبي صلي الله عليه وسلم في التوراة محمد رسول الله ورسولي سميته المتوكل وهذا معناه أنه المستحق بهذا الوصف من غيره فهو صلى الله عليه وسلم الذي قام بهذا الدين متوكلاً على رب العالمين بالغاً في التوكل من الكمال ما لم يبلغه غيره بل اختص بذلك الكمال في التوكل صلى الله عليه وسلم فكل أسمائه الشريفة وهذا منها تدل على أوصاف جليلة عظيمة قائمة بشخصيته صلى الله عليه وسلم.
أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|