أما بعد:
فلقد شرع الله ما فيه صلاحنا وأكرمنا بدين وصفه بالكمال والتمام ، فهو صالح لكل زمان ومكان، ولكل طائفة متقدمة أو متأخرة من بني الإنسان: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً [المائدة:3]. وإن من أعظم النعم على المسلمين صلاة الجماعة ، إذ فيها المصالح والحكم والعبر ما لا يدركه إلا من أداها كما أمر الله تعالى بأدائها وفيها يقول : (( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ))رواه البخاري وفي رواية لغيره: (( بسبع وعشرين درجة ))
ويقول الحبيب : (( ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ))رواه أحمد والنسائي.
ويشدد النبي النكير على المتهاون بها فيقول: (( والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم ))متفق عليه.
ولم يأذن النبي في آخر الأمر للأعمى الذي جاء يطلب الرخصة في ترك صلاة الجماعة إذ جاءه هذا الصحابي الأعمى رضي الله عنه قائلا: (( يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ، فسأل رسول الله أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال : هل تسمع النداء بالصلاة؟ فقال : نعم . قال: فأجب )) رواه مسلم.
ويخشى والعياذ بالله من عدم قبول صلاة تارك الجماعة فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : (( من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر – قالوا: وما العذر ؟ قال : خوف أو مرض – لم تقبل منه الصلاة التي صلى )) أخرجه أبو داود.
ويذوب القلب أسى وحسرة عندما يرى المسلم كثيراً من المساجد وسط البيوت وزحمة الأحياء لا تمتلئ بالمصلين وخاصة في صلاة الفجر والعشاء اللتين هما أثقل الصلاة على المنافقين ومن أعظم الصلوات بركة على المؤمن .
ويحزن القلب كذلك عندما يرى بيوت الله لا تزدان إلا بالقلة من الراكعين، وأن بعض هذه المساجد في غير ديار المسلمين فهي لا تمتلئ إلا في الجمعات والأعياد .
وتشكو صفوف بعض المساجد من قلة الشباب المصلين الذين كان أسلافهم في مثل سنهم في عهد النبي الأمين قادة وأئمة هذا الدين، ولربما رأيت أباً لا يأمر أولاده بصلاة في المسجد، أو أخـا لا يغري إخوانـه بالصـلاة في المسجد بل قد ترى أولاد الأول وإخوان الثاني لاهين وعابثين في الشارع أمام المسجد والناس في صلاتهم قائمون، ولعلك ترى صاحب متجر لا يجيب النداء ابتغاء كسب دنيوي ، مؤملا كان أو مؤكدا ، فما عسى لعمرو الله أن يكون مقدار هذا الكسب في دقائق معدودة يصلي فيها فريضة مع الجماعة، وكم لعمرو الله تكون عظم البركة عليه وعلى ماله إذا أدى صلاته مع الجماعة .
ولعلك ترى من اتخذ صلاة الجماعة شعارا رسميا وتقليدا فهو يصلي جماعة إن كان في دائرته أو عمله، ويصلي إذا رجع إلى بيته في بيته كما تصلي النساء . وبعض من يصلي في دائرته جماعة يتخذ من صلاته هذه ستارا لهروبه من العمل وقضاء حوائج المراجعين، فهو لا يقبل مراجعة قبل الصلاة بنصف ساعة وبعد الصلاة بنصف ساعة أخرى متظاهرا بعد الفراغ منها بإطالة التسبيح والاستغفار ثم تراه يسمع نداء الله: حي على الصلاة حي على الفلاح فلا يلبي، بل ربما كان منشغلا بالاستماع لأغنية ماجنة أو شريط فيديو خليع . فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
|