.

اليوم م الموافق ‏10/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

الــــزكــــــاة

320

فقه

الزكاة والصدقة

عبد الحميد بن جعفر داغستاني

مكة المكرمة

ابن حسن

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الصدقة مخلوفة في مال المتصدق. 2- التحذير من التهاون في أداء الزكاة. 3- ضرورة البحث عن المستحقين للزكاة. 4- الصدقة على الأرحام. 5- الاعتكاف في العشر الأخير من رمضان.

الخطبة الأولى

أما بعد : أيهـا المسلمون اتقوا الله تعالى وأطيعوه وتقربوا إليه بصالح الأعمال ، واعلموا رحمكم الله أن من أعظم أسباب السعادة في الدنيا والآخرة ورغـد العيش وتماسك الأمة وارتفاع معنوياتها هو تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ، وهذا هو المبدأ الصحيح لكل أمة تريد أن تعيش على الحق والمعروف والخير ، قال الله تعالى واصفا حال هذه الأمة بالخيرية : الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور [الحج:41].

فأخبر تعالى أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم مقومات وأسباب النصر المبين على الأعداء ، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم والذين كفروا فتعساً لهم وأضل أعمالهم [محمد:7-8]. أي: إن تنصروا الله بإقامة دينه وتحكيم شريعته ينصركم نصرا عزيزا مؤزراً كما نصر نبيه على أعدائه بالرعب مسيرة شهر.

 وقال تعالى: فأيدنـا الذيـن آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين [الصف:14]. أي: منتصرين على أعدائهم بالحق، فبالصلاة وصلهم سبحانه بالخيرات والبركات ، وبالزكاة زكاهم وطهرهم من داء الشح والبخل ورفعهم بعزة النفس وقوة الإيمان واليقين .

أخرج الترمذي (1) عن ابن أبي كبشة أن النبي قال: (( ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم فاحفظوه: ما نقص مال من صدقة ، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزة ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله )) (2).

فبين بهذا الحديث وأكد بالقسم أن الصدقة لا تنقص المال إذا خرجت منه بل تباركه وتنميه وتزكيه، وهو الصادق في قوله المصدوق من ربه.

 وفي الحديث بيان فضل الصدقة وآثارها الحسنة على المزكين والمتصدقين، وأنها لا تنقص المال، بل تفتح للمتصدقين أمورا عجيبة من وجود المكاسب المشروعة وتيسر الأمور وسعة الرزق والبركة فيه ، وانفساح الحياة لهم على حسب إحسانهم وعواطفهم الأخوية ، وتصديقهم بالحسنى ، ولقد وعد الله المزكين بتيسير أمورهم لليسرى فقال جل من قائل: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى [الليل:5-11]. أى: إذا بخل بزكاته وصدقته.

 فهذه الأمور يا عباد الله ملموسة ومشاهدة من أحوال الناس، فإن الله بكل خير أسرع إليه.

 المحسن والمتصدق ابتغاء وجه الله فإنه يخلفه ويضاعفه . يقول الله تعالى: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين [سبأ:39].

 ولقد حذر النبي من البخل بالزكاة إذ يقول في رواية للنسائي: (( ما من رجل له مال لا يؤدي حق ماله إلا جعل له طوقا في عنقه شجاعا أقرع ، وهو يفر منه وهو يتبعه )) (1)، وعن جابر عن النبي قال: (( إذا أديت زكـاة مالك فقد أذهبت عنك شره )) (2).

 وقال عمر بن الخطاب: قال رسول الله : (( ما تلف مال في بر ولا في بحر إلا بحبس الزكاة )) (3)، وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : (( مانع الزكاة يوم القيامة في النار ))(4).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : (( ما خالطت الصدقة أو قال الزكاة مالا إلا أفسدته )) (5).

 قال الحافظ ابن حجر: هذا الحديث يحتمل معنيين:

 أحدهما: ما تركت الزكاة في مال ولم تخرج منه إلا أهلكتها، والثاني: أن يأخذ الرجل من الزكاة فيضعها في ماله فتهلكه.

ألا يا عباد الله فليعلم الأغنياء المالكون لنصاب الزكاة أن الدنيا غرارة متقلبة، فلينفقوا مما آتاهم الله، وليؤدوا فريضة الله، وليعلموا أن الله الذي رزقهم قادر على أن يسلبهم ما خولهم من النعم .

ألا فلنتذكر المستحقين وحاجاتهم والفقراء وفاقتهم ، ألا فلنتذكر المجاهدين في سبيل الله في كل مكان، وخاصة في أفغانستان ولا ننسى إخواننا في دول أفريقيا المتضررة بالجفاف ، ألا فلنبحث عن المستحقين الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ولا سيما من الأقارب ، لا الوالدين والزوجة والأولاد ، إذ الصدقة لا تجزئ على من تلزمه نفقته.

يروي الإمام أحمد عن النبي قوله: (( الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة )) (6).


 



(1) في سننه : كتاب الزهد باب ما جاء مثل الدنيا مثل أربعة نفر 4/56  .

(2) بفلظ: " ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا " الحديث كتاب البر والصلة باب استحباب العفو والتواضع 16/141 .

(1) سنن النسائي : كتاب الزكاة باب التغليظ في حبس الزكاة 5/11

(2) الحاكم  في المستدرك 1/390 ، وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي صحيح ابن خزيمة 4/13

(3) أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال أخرجه الطبراني في الأوسط مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 3/63

(4) أخرجه الطبراني في الصغير 2/58 .

(5) أخرجه البزار انظر كشف الأستار عن زوائد البزار 1/418 .

(6) مسند أحمد 4/18 .

 

الخطبة الثانية

الحمد لله أكرمنا بأنواع العبادات وأصناف الطاعات عطاء فيه كرامة ، ومنحا فيها دفع للسآمة.

 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، جعل شهر رمضان حافلا بالخيرات من الطاعات، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله قال وفعل وأخلص وعمل ، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيراً أما بعد :

فاعلموا أيها المسلمون رحمني الله وإياكم أن رسول الله سن الاعتكاف في المساجد في رمضان وغيره ، ويتأكد في رمضان للعبادة المشروعة من صلاة وتلاوة القرآن ، وتعليم علم وذكر لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (( كان رسول الله يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله )) (1) أخرجه البخاري ومسلم.

وناوي الاعتكاف يدخل المسجد آخر اليوم العشرين من رمضان إن أراد أن يعتكف الأيام العشر كلها، ويصح الاعتكاف ولو ساعة من نهار أو ليل ، ولا يخرج المعتكف من المسجد إلا لما لا بد له منه كقضاء الحاجة ، وشراء طعامه أو شرابه.

 والمعتكف لا يقـرب النساء لقوله تعالى:  ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد [البقرة:187].

واعلموا عباد الله أن عائشة قالت في حديث في الصحيحين(3): (( كان رسول الله إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله ))، وفي رواية لمسلم (4) عنها قالت: (( كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره )).

 والإمام الشافعي يقول: من شهد العشاء والصبح ليلة القدر مع الجماعة فقد أخذ بحظه منها.

وهي ليلة عظيمة ذات قيمة كبيرة وردت سورة كاملة في القرآن في بيان شأنها، فالعمل الصالح فيها أفضل من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، يقبل الله فيها التوبة ويعتق من النار وتتنزل الملائكة، ولا يحدث فيها سوء ولا داء.

روي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله قال: (( من أدرك رمضان بمكة فصام وقام منه ما تيسر له، كتب الله له مائة ألف شهر رمضان  فيما سواها وكتب الله له بكل يوم عتق رقبة، وفي كل ليلة عتق رقبة، وكل يوم حملان فرس في سبيل الله وفي كل يوم حسنة ، وفي كل ليلة حسنة )) (3).

وروي عن أبي ذر أن النبي قام بهم ليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين ، وذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلة سبع وعشرين  وهذا يدل أنه يتحرى ليلة القدر في أكثر الأوتار في ليلة سبع وعشرين.

 وقد أخفيت ليلة القدر في ليالي الوتر من العشر الأواخر ليجتهد المسلمون في طلبها.



(1) صحيح البخاري : كتاب الاعتكاف باب الاعتكاف في العشر الأواخر 2/255 . صحيح مسلم : كتاب الاعتكاف 8/68 .

(3) صحيح البخاري : كتاب فضل ليلة القدر باب العمل في العشر الأواخر من رمضان 2/255 صحيح مسلم: كتاب الاعتكاف باب الاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان 8/70 .

(4) المرجع السابق  .

(3) أخرجه ابن ماجه في سننه : كتاب الصيام باب ما جاء في صيام شهر رمضان 1/420 .

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً