.

اليوم م الموافق ‏25/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

التحذير من التساهل باليمين

312

فقه

الأيمان والنذور

عبد الحميد بن جعفر داغستاني

مكة المكرمة

24/3/1406

ابن حسن

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- تعظيم أمر اليمين والتحذير من التهاون فيه. 2- كثرة الحلف من صفات غير المؤمنين. 3- الأيمان الكاذبة لترويج السلع. 4- حرمة أخذ حقوق الناس باليمين. 5- من حلف على أمر فرأى خير منه. 6- الحلف بغير الله.

الخطبة الأولى

أما بعد:

فيا أيها الناس اتقوا الله واعلموا أن شأن اليمين عند الله عظيم وخطر التساهل بها جسيم . فليس اليمين مجرد كلمة تمر على اللسان . ولكنها عهد وميثاق ينتهي عند حده . ويجب أن يوافى حقه.

قال : (( من حلف بالله فليصدق، ومن حلف له بالله فليرض ، ومن لم يرض بالله فليس من الله ))(2) والله تعالى يقول: واحفظوا أيمانكم [المائدة:89]. قال ابن عباس: يريد ( لا تحلفوا ) فيكون معنى الآية على هذا هو النهي عن الحلف، فلا ينبغي للإنسان التسرع إلى اليمين إلا عند الحاجة .

 كثرة الحلف تدل على الاستخفاف بالمحلوف به، وعدم تعظيمه. وكثرة الحلف بالباطل من صفات الكفار والمنافقين قال الله تعالى: ولا تطع كل حلاف مهين [القلم:10]. فنهى نبيه عن طاعة الحلاف وهو كثير الحلف.

 وقال عز وجل عن المنافقين: ويحلفون على الكذب وهم يعلمون  [المجادلة:14]. وقال عنهم:  اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله    [المجادلة:16]. أي جعلوا الأيمـان وقاية يتقون بها ما يكرهون ويخدعون بها المؤمنين.

ومن قبلهم حلـف إبليـس لآدم وزوجـه ليخدعهما باليمين. قال الله تعالى عنه: وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين [الأعراف:21].

أي: أقسـم لهمـا أنه يـريد لهما النصح والمصلحة: فدلاهما بغرور [الأعراف:22]. أي خدعهما بذلك القسم وأوقعهما في المعصية والمصيبة.

معشر المؤمنين: ومن الاستخفاف باليمين أن يتخذ وسيلة لترويج السلع، قال النبي : (( الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة ))(3). رواه البخاري ومسلم. ومعناه: أن يحلف صاحب السلعة أنه أعطي فيها كذا وكذا أو أنه اشتراها بكذا وكذا، وهو كاذب في الحلف عاص لله آخذ للزيادة بغير حق فيعاقبه الله بمحق البركة من كسبه وربما يتلف الله ماله كله .

وقال : (( ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم:  شيخ زان ، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيـع إلا بيمينـه )) رواه الطبراني(4) ورجـاله رجال الصحيح.

 ومعنى ( جعل الله بضاعته ) أي جعل الحلف بالله وسيلة لترويج بضائعه، فيكثر من الأيمان ليخدع الناس فيشتروا منه اعتماداً على يمينه الكاذبة فكان جزاؤه إعراض الله عنه يوم القيامة . فلا يكلمه ولا يزكيه وله عذاب أليم .

وانظر – أخي المؤمن – كيف قرن بالزاني والمستكبر مما يدل على عظم جريمته نعوذ بالله من غضبه وعقابه .

وقد يتساهل بعض الناس بالأيمان في مجال الخصومات والتقاضي فيحلف الخصم ليكسب القضية ويتغلب على خصمه بالباطل دون مبالاة بحرمة اليمين والجراءة على رب العالمين.

واسمعوا ما ورد في حق هذا من الوعيد الشديد. قال تعالى: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكـلمهم الله ولا ينظـر إليـهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم [ سورة آل عمران:77].

وروى الإمام أحمد (2) والنسائي: (( أن رجلاً من كندة يقال له : امرؤ القيس خاصم رجلا من حضرموت إلى رسول الله في أرض فقضى على الحضرمي بالبينة فلم تكن له بينة فقضى على امرئ القيس باليمين . فقال الحضرمي : أمكنته من اليمين يا رسول الله ؟ ذهبت ورب الكعبة أرضي فقال رسول الله : من حلف على يمين كاذبة ليقطع بها مال أخيه لقي الله وهو عليه غضبان ، وتلا رسول الله : إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً … الآية )) [سورة آل عمران:77].

وروى الإمام مسلم في صحيحه (4): (( أن رسول الله قال: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة فقال له رجل: وإن كان شيئاً يسيرا يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيباً من أراك ))، وروى البخاري في صحيحه(5): (( أن أعرابياً جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال : الإشراك بالله قال : ثم ماذا ؟ قال : اليمين الغموس. قلت: وما اليمين  الغموس ؟ قال : الذي يقطع مال امرئ مسلم يعني بيمين هو فيها كاذب )).

عباد الله : ومن الأيمان المنهي عنها اليمين التي يحلف بها المسلم ليمتنع بها من فعل الخير قال تعالى: ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله [النور:22]. أي لا تحلفـوا ألا تصلوا قرابتكم وألا تتصدقوا على المساكين والمحتاجين.

وإذا حلف الإنسان على ألا يفعل الخير، فإنه يشرع له أن ينقض يمينه ويفعل ما حلف على تركه ويكفر عن يمينه قال الله تعالى:

ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم [البقرة:224].

أي لا تجعلوا أيمانكم بالله مانعة لكم من البر والصلة للرحم إذا حلفتم على تركها، وذلك بأن يدعى أحدكم إلى صلة رحمه أو عمل بر فيمتنع ويقول: حلفت ألا أفعله، وتكون اليمين مانعة له من فعل الخير بل يكفر عن يمينه ويفعل الخير .

وفي الصحيحين(3)عن النبي : (( إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني ))

 وإذا حلف على ترك مباح كلبس ثوب أو ركوب دابة أو أكل طعام ونحو ذلك فإنه يخير بين الاستمرار على يمينه وترك المحلوف عليه أو استعماله والتكفير عن يمينه قال الله تعالى: قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم   [التحريم:2]. أي شرع تحليلها بالكفارة وهو ما ذكره تعالى في سورة المائدة إذ يقول:  فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم [المائدة:89]. فكفارة اليمين فيها تخيير وترتيب.


 



(2) أخرجه ابن ماجه في سننه : كتاب الكفارات ، باب من حلف له بالله فليرض قال في الزوائد : رجال إسناده ثقات .

(3) صحيح البخاري : كتاب البيوع ، باب يمحق الله الربا ويربي الصدقات 3 / 12 . صحيح مسلم : كتاب المساقاة والمزارعة ،باب النهي عن الحلف في البيع 11 / 44 .

(4) المعجم الصغير 2 / 21 .

(2) المسند 4 / 191 .

(4) كتاب الأيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار 2 / 157.

(5) كتاب الأيمان والنذور ، باب اليمين الغموس 7 / 228 .

(3) صحيح البخاري : كتاب الأيمان والنذور ، باب قوله تعالى: ] لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم .. الآية [ . 7 / 216 . صحيح مسلم : كتاب النذر ، باب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها 11 / 112 .

الخطبة الثانية

أما بعد: فإن من الأيمان المحرمة الحلف بغير الله فالحلف بغير الله شرك قال : (( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ))(1). رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم (2) وقال :

(( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ))(3)متفق عليه. وقال : (( ومن حلف بالأمانة فليس منا )) حديث صحيح رواه أبو داود (4).

فالحلف بغير الله شرك لأن الحلف بالشيء تعظيم له، والتعظيم الذي من هذا النوع حق الله فالحلف بغيره من اتخاذ الأنداد له، وقد قال الله تعالى: فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون [البقرة:22].

قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( هو أن تقول: وحياتك وحياتي)، وقد كثر في هذا الزمان من يحلف بالشرف أو يحلف بالنبي وبالأمانة، وكل هذا مما نهى عنه الله ورسوله فيجب على من صدر منه شيء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى، ولا يحلف إلا بالله عز وجل ليسلم من الشرك. 

قال عبد الله بن مسعود: ( لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً ).

وذلك لأن الحلف بالله على الكذب محرم، ولكن الحلف بغير الله أشد تحريماً لكونه من الشرك، وسيئة الكذب أخف من سيئة الشرك، وكلاهما كبيرتان من الكبائر .

ألا فلنتق الله ولنعظم أيماننا ولا نتساهل في شأنها، ولا نحلف بغير الله عز وجل .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :

لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون [المائدة:89].

 



(1) سنن الترمذي : كتاب النذور والأيمان ، باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله 4 / 110 .

(2) المستدرك 4 / 250 .

(4) في سننه : كتاب الأيمان والنذور ، باب في كراهية الحلف بالأمانة 3 / 223 .

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً