.

اليوم م الموافق ‏25/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

النصيحة لأئمة المسلمين

285

الرقاق والأخلاق والآداب

الآداب والحقوق العامة

عثمان بن جمعة ضميرية

الطائف

غير محدد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- حاجة الحكام إلى النصيحة. 2- علماء الإسلام يقومون بواجب النصيحة لحكامهم. 3- واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الخطبة الأولى

فإن أقدار الله تعالى تضع بعض الناس في مواطن المسؤولية والريادة للأمة ، يبصرونها بالطريق ويقودونها للخير والفضيلة والإصلاح . . وما أحوجهم عندئذ إلى النصيحة الصادقة التي تبتعد عن التملق الكاذب والمديح الباطل . .

إن الصدق فضيلة والشجاعة فضيلة . ومن الصدق والشجاعة تنبعث فضيلة الصراحة والجهر بالحق والنصح للأصدقاء والزعماء ، وليس أحد في الدنيا إلا وهو معرض للخطأ والغفلة والانحراف ، وليس كل واحد يعرف عيب نفسه أو يفكر فيه ويهتدي إليه ، وإنما ذلك شأن الأعوان والأصدقاء ، فمن كان عظيم الهمة راجح العقل ، لم يترفع عن نصح الناصحين وموعظة الواعظين ، فإنه لا تنشأ العداوة بين الأصدقاء ولا تسوء أوضاع الأمة وأحوالها إلا من ترك هذا الخلق الاجتماعي ، وخلق النصح والجهر بالحق.

ومن استعرض التاريخ قديمه وحديثه ، أيقن أن سر عظمة الأمة وفاؤها للحق مع من تحب من الزعماء وتطيع من الرؤوساء ، فلا تبخل بتأييدهم عندما يصيبون ، ولا تتردد عن نصيحتهم عندما يخطؤون . . حتى إذا تخلت الأمة عن هذا الخلق ، أذنت شمسها بالأفول ومجدها بالانهيار ، وإننا لنجد في تاريخ سلفنا الصالح أروع الأمثلة على صدق اللهجة ووفاء الأخوة والقيام بواجب النصيحة مع الترحيب والنقد البريء والموعظة الحسنة ، فهذا عمر بن الخطاب يقول للناس : اسمعوا وأطيعوا ،فيقوم رجل ويقول: لا نسمع ولا نطيع ،ويتساءل أمير المؤمنين عن السبب،فيخبره الأعرابي بما ظنه جوراً ،ويجلي عمر له الموقف فيقول:الآن نسمع ونطيع.

وهو نفسه الذي يحكم في قضية يخطئ فبين له علي الخطأ فيقول: لولا علي لهلك عمر .. وقال له أحد أصحابه يوماً: اتق الله يا عمر ،فهم به بعضهم، فقال: دعوه، فلا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها.

وإذا تجاوزت عهد الخلافة الراشدة إلى عهد هارون الرشيد في الدولة العباسية وجدتم النصيحة الصادقة يوجهها المؤمنون الصادقون والعلماء المخلصون: فقد كان سفيان الثوري صديقا الراشدة قبل الخلافة ولما ولي الخلافة انقطع عنه سفيان . . وكتب له: ((من أين لك يا هارون أن تغرق العطاء على الناس ، وهو حق الأرملة والمسكين والفقير؟ وما جوابك بربك غدا إذا جاءك هؤلاء يخاصمونك بين يديه ويقولون : يا ربنا سل عبدك هارون فكم منعنا حقنا وأعطاه من لا يستحقه ؟ فبكى هارون وعلم أية نفس عظيمة ينطوي عليها ذلك الرجل العظيم سفيان الثوري)). ولما طلب هارون الرشيد من رئيس القضاة أن يبين له أصول جبابة الأموال وتوزيعها كتب له ناصحا : إن الله قد قلدك أمرا عظيما ، ثوابه أعظم الثواب ، وعقابه أعظم العقاب ، قلدك أمر هذه الأمة فأصبحت وأمسيت وأنت تبني لخلق كثير ، قد استرعاكهم الله وأئتمنك  عليهم ، وليس يلبث البنيان إذا أسس على غير التقوى أن يأتيه الله من القواعد فيهدمه على من ينهاه وأعان عليه ، فلا تضيعن ما قلدك الله من أمر هذه الأمة.

ولما بنى عبد الرحمن الناصر مدينة الزهراء في بلاد الأندلس : تفنن في بنائها وجعلها من أعاجيب الدنيا ، وكان مما بناه فيها ((الصرح الممرد)) اتخذ لقُبته قراميد من الذهب والفضة.. فكان في قرطبة العالم الفقيه منذر بن سعيد رئيس القضاة فخطب بين يدي الناصر وتلا قول الله تعالى: أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ثم وصله بقوله تعالى: متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى . ثم أخذ يذم الإسراف في الإنفاق والبنيان ، وقال مخاطبا الناصر: ما ظننت أن الشيطان أخزاه الله يبلغ بك هذا المبلغ ، ولا أن تمكنه من قيادتك هذا التمكين مع ما أتاك الله وفضلك به على العالمين حتى أنزلك منازل الكافرين .

فاقشعر الناصر من هذا وقال له: انظر ما تقول؟ فقال: نعم، أليس الله تعالى يقول: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبواباً وسرراً عليها يتكئون .

أيها المؤمنون: هذه أمثلة من تاريخنا المجيد تدل على الرفقة والقوة والخلود ، وما أحوج الأمة دائما إلى فضيلة الصدق في النصح والجهر بالحق ، وما أكثرت المملقين الكاذبين والمادحين المغالين الذين يهتفون ويثنون ليملأوا جيوبهم وبطونهم بفضلات من يمدحونهم وينالوا عندهم الكافة إلى حين .

أيها المسلمون: لقد أدبنا الله تعالى فقال: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين . وقال : ((أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر))، أفليس لك أيها المسلم صديق أو أخ أو أخت أو أبن أو بنت أو أمّ تشعر بأخطائهم وإنحرافهم عن الحق ، فلماذا لا تكون لهم محبا صادقا وفيا تكشف لهم عن أخطائهم برفق ، وتردهم إلى الصواب بغير احتقار ولا تشهير ، وتدلهم على مواطن الحق والخير من غير استعلاء ولا غرور فإن صديقك من صدَقَك لا من صدّقك ، فلا تغضب من أخيك أو صديقك أو جارك إذا قدم لك النصيحة فقد كان عمر يقول رحم الله امرء أهدى إلي عيوبي.

فيا أيها المؤمنون الصادقون: كونوا للحق أنصارا ، وللخير أعوانا، وللخطيئة ناصحين وللمنكر منكرين ، كونوا كذلك إذا أردتم أن تعيشوا أمة لها كرامتها ولها مكانها ولها حقها الذي لا يهضم ، وإرادتها التي لا تحتقر وشخصيتها التي لا تطمس.

وإلا فإن الهلاك والبوار يحيق بالجميع وصدق الله العظيم: وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون . إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون .

 

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً