.

اليوم م الموافق ‏19/‏رمضان/‏1445هـ

 
 

 

وقفات مع الحج

236

سيرة وتاريخ

القصص

عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي

عنيزة

1/12/1416

جامع السلام

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- قصة هاجر وإسماعيل مع بئر زمزم. 2- قصة بناء البيت. 3- أرض الجزيرة إنما شرفت بالإسلام لا غيره. 4- مشاهد الحج وروعتها وتحقق دعوة إبراهيم عليه السلام. 5- فضل عشر ذي الحجة.

الخطبة الأولى

أما بعد :

أيها الناس: اتقوا الله وتوبوا إليه .

قف بالأباطح تسري في مشارفها                 مواكب النور هامت بالتقى شغفا

من كل فج أتت لله طائعة                      أفواجها ترتجي عفوا الكريم عفا

صوب الحطيم خطت أو المقام مشت           مثل الحمائم سربا بالحمى اعتكفا

في كل عام ترى وفود الحجيج وضيوف الرحمن يلبون نداء الله بالحج إلى بيته الأمين أقبلوا بقلوب طائعة مختارة ملبية تريد رضى ربها ومن لم يتيسر لهم الحج من المسلمين الباقين يلبون بقلوبهم ويتطلعون بأنظارهم  إلى هذه البقاع التي شرفها الله ببيته الحرام .

إخوة الإيمان : حين نرى مثل ذلك الحدث يتشوق القلب ويحن  فتعالوا إلى فيض مع الوقفات العطرة من أعظم الأحداث للمسلمين وإنما هي خواطر ترد في الذهن ونحن نتأمل تلك الوفود الزائرة المحرمة، نتذكر عند مرأى الحجيج قدم ذلك الركب الصغير الذي يقطع صحراء لا نهاية لها تتحرك بها المطايا اللاغية تتغلب الجفاف والكرى، موكب من شيخ كبر وامرأته التي وضعت ولدها تواً وهي تحمل رضيعها بين يديها ما معهم إلا شنة فيها ماء وتجعل الأم تشرب من الشنة فيدر لبنها على صبيها، ترى أي أمر حدا بهذا الركب إلى قطع هذه الصحاري والقفاز ويخلف وراءه أرض الماء والأكل والكلأ أما الركب فإنه ركب الشيخ الأمّة القانت أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام ومعه هاجر تحمل ابنها  إسماعيل عليه السلام وأما ماحدا بهم إلى قطع هذه المسافات فهو أمر الله جل وعلا لإبراهيم بالتوجه إلى تلك البقعة وسط الجبال في جزيرة العرب إنها مكة أم القرى البلد الأمين حرم الله الأمين .

سار إبراهيم عليه السلام وابنه حتى بلغوا مكة فوضعهما تحت دوحة فوق زمزم وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء، وضعها هناك طائعا أمر ربه ويضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء وقَفَل راجعا إلى الشام مضحيا لله عز وجل بزوجته وابنه الذي جاءه بعد كبر وتتجه هاجر ولا يلتفت إليها حتى إذا بلغوا كداء نادته من ورائه فقالت يا إبراهيم أبن تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء، فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها خشي أن ينظر إليها فيقرأ الحزن في قسمات  وجهها فيرق لها أو لغلامها الذي يتركه فقالت له بعد أن رأت منه ذلك : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم، قالت : إذا لا يضيعنا، وينطلق إبراهيم حتى إذا بلغ الثنية دعا رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون [إبراهيم 37]

ورجعت أم إسماعيل تشرب مما معها من ماء وترضع وليدها حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وتنظر إليه يتلوى فانطلقت هائمة على وجهها كراهية أن تنظر إليه فذهبت تصعد الصفا هل تحس من أحد فلم تر شيئا فنزلت حتى بلغت الوادي ورفعت طرف درعها وسعت وأتت المروة وفعلت ذلك أشواطا ثم قالت لو ذهبت فنظرت ما فعل الصبي فذهبت فإذا هو على حاله كأنه ينشع الموت فلم تقرها نفسها فذهبت إلى أعلى الصفا فلم تر أحدا.

 لكنه الله سبحانه الرحيم بعباده فإذا بصوت فأرهفت سمعها عله أن يكون المنقذ فإذا جبريل عليه السلام عند موضع زمزم فغمز بعقبه على الأرض فانبثق الماء فدهشت أم إسماعيل حين ظهر الماء ولكنه الله الذي لا يضيع أولياءه وعباده، وجعلت تحوض الماء وتغرف في سقائها وهو يفور قال ابن عباس رضي الله عنهما راوي هذا الحدث في البخاري ومسلم قال النبي رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا، قال: فشربت وأرضعت وليدها فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة فإن هاهنا بيتا لله يبنيه هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله.

 وجاء إبراهيم بعد أن سكنت مكة وشب إسماعيل فقال : يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك الله، قال: وتعينني قال: نعم قال : فإن الله أمرني أن أبني بيتا هنا وأشار  إلى أكمة مرتفعة ويرفع إبراهيم القواعد من البيت وجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني .

إخوة الإيمان: بعد أن فرغ إبراهيم من البناء أمره الله بأن يؤذن بالناس بالحج: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم [الحج:27-28]. ونادى إبراهيم في الناس يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فأجيبوا ربكم . فأجابوا بالتلبية لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك . وقد أبلغ الله تعالى صوت إبراهيم عليه السلام حين نادى بالحج كل مكان وحفظ الله هذا الأذان فجعله  يتردد في الصلوات ويتلى في المحاريب وفرض الحج من ذلك اليوم إلى يومنا هذا وعلى سنن الأنبياء والمرسلين فإن هذا البيت كان وبقي مثابة للناس وأمنا منذ طاف به إبراهيم أبو الحنفاء الذي دعا ربه أن يحفظ هذه الأرض فدبت الحياة في هذه الأرض القحلة الجرداء وأجاب الله دعاء نبيه فإذا أفئدة من الناس تهوي إليهم وإذا هذه الأرض الجرداء تصبح أرضا مباركة ومحط أنظار العالمين بما حباها الله تعالى من الهداية العظمى التي يتطلع إليها كل التائهين.

إلى المشاعر تعلو الدهر سيرتها                   قدسية النفح للتاريخ حين وفى

مشى الحجيج بها ركبا حِدته ضحى                  أسلافنا فحدونا ربكه خلفا

توسد الأمن غاديها ورائحها                       ونام في كنف الرحمن حيث غفا

أيها الإخوة المؤمنون إن مما نتذكر هذه الأيام أن هذه الجزيرة ليست فقط بذهبها وخيراتها وإنما قيمتها بما جعل الله تعالى من الهداية التي يتلقاها الإنسان من أهل هذه البلاد وعلى يدهم كما أن الإسلام قدر هذه الجزيرة لا تبتغي عنه بديلا مهما كاد الكائدون وسعى المنافقون وأرجف المرجفون فإن الإسلام خيرة الله لهذه البلاد ولن تبتغي عنه سبيلا تلك هي دعوة الأنبياء والمرسلين وبشراهم. وإن تميز هذه البلاد الحقيقي وقيمتها الكبرى التي تتطامن عندها كل الميزات وتتضاءل عنها كل القيم إنها أرض الإسلام  التي اختارها الله لتكون مشرق نور الإسلام .

ومنطلق الرسالة كما كانت أرض أنبياء الله من قبل هود وصالح وإسماعيل وشعيب ومحمد عليهم الصلاة والسلام أول أرض يتطيب ثراها بالسجود لله وتعطر سماؤها بالأذان ويتلى في محرابها القرآن عليها وُلد محمد ونزل جبريل ومشى وعاش أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسارت كتائب الإسلام منها فاتحة للأرض ناشرة للإسلام وكما كانت هذه الجزيرة منطلق الإسلام فهي مؤئله ومأواه إذا ضاقت على الإسلام فجاج الأرض كلها يقول : ((بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ يأرز إلى المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها)).

إن هذه الجزيرة أرض قرت بها عين الإسلام ويئس الشيطان أن يعبد في أرضها كما قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب)) أي يجمعوا على ذلك إنها أرض أخلصت للإسلام فليس لغير الإسلام فيها نصيب مهما خطط المخططون وكاد المنافقون وخصوم الإسلام فإنهم لن ينالوا وطرهم سعوا وأجلبوا خيلهم ورجْلَهم وكتاباتهم وإعلامهم ولن يجتمع في جزيرة العرب دينان.

بلاد بها الرحمن ألقى ضياءه                   على لابتيها والعوالم غيب

إذا نسب الناس البلاد رأيتها                      إلى جنة الفردوس تعزى وتنسب

وإن نصبت أنهارها فَبِحبّها                 من الدين نهر للهدى ليس ينضب

تفجر من نبع النبوة ماؤها                له الحق ورد والسماحة مشرب

إخوة الإسلام نتذكر في الحج يوم حج رسول الله مع مائة ألف من المسلمين حجة الوداع ونظر رسول الله إلى الألوف المؤلفة وهي تلبي وتهرع إلى طاعة الله فشرح صدره انقيادها للحق واهتداؤها إلى الإسلام فعزم على أن يغرس في قلوبهم لباب الدين وينتهز تجمعهم ليقول كلمات تبدد آخر ما أبقيت الجاهلية من مخلفات في النفوس فيلقي خطبته الجامعة الشاملة يوم عرفة فيبين فيها حرمة دم المسلم وماله وعظم الأمانة وخطر الربا حتى المرأة لم تنسى في هذه الخطبة الجامعة فيقول :((واستوصوا بالنساء خيرا فإنهم عندكم عوان)) وكان يشهدهم على قوله فيقول ألا هل بلغت؟ فيقول: المسلمون: نعم، فيقول : اللهم فأشهد .

لقد كان عليه الصلاة والسلام يحس أن هذا الركب سينطلق في بيداء الحياة ،وهو الذي ظل ثلاثا وعشرين سنة يصل الأرض بالسماء، ويغسل أدران الجاهلية وهاهو ذا يقول للحجيج ليخلصهم من الشرك حقاً لقد أجاب الله دعاء نبيه إبراهيم ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم [البقرة:129].

أيها الإخوة المؤمنون: ومن وقفات الحج ومن أهميته أن سورة في القرآن موسومة بالحج كلها تتحدث عن التوحيد وتنعي على أولئك الذين يعبدون غير الله تعالى أو يدعون من دونه مالا يضرهم ولا ينفعهم، ولعل لنا وقفة مستقبلا نرى من خلال مناسك الحج توحيدا لله جل وعلا .

إخوة الإيمان: إن مما يَرِدُ على الخاطر في الحج هو بيان قدرة الله تعالى وفضله بأن جمع أولئك الناس في هذه البقعة الصغيرة فذهبت أجناسهم ولغتهم بل ولباسهم واحد وينظر الله إليهم يوم عرفة فيباهى بهم ملائكته انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا حاجين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، أشهدكم أني قد غفرت لهم ولم ير أكثر عتيقا من النار يوم عرفة.

إن الحج فرصة لتعظيم الله عز وجل، وغنيمة لنيل الحسنات والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة إن الحج ليس لتعظيم فلان وفلان من الناس وكثرة الثناء على محامدهم وتعظيم قدرهم ومدح إنجازاتهم بأسلوب يثير النفوس المؤمنة، كما أنه ليس بغريب على الأذهان كيف كانت صور بعض الزعماء والآيات بزعمهم تتصدر المسيرات الغادية والرائحة في بطاح مكة ورباعها والتي يهتدون بها كل عام وكأن الحج أصبح مناظرات سياسية يقصد بها التلبيس على أناس وخداعهم، وأضاعوا بذلك الحج الذي يوحد القلوب ويصفي النفوس والفرصة لرص الصفوف التي شبعت تفككا وفرقة. إن المصيبة أننا نرى الشيعة الرافضة يعلنون البراءة من المشركين وهم يدخلون ضمن ذلك سبهم القبيح لصحابة رسول الله وعلى رأسهم الشيخان أبو بكر وعمر، فأي تناقض هذا وأي براءة تلك إنها وقفة نقفها ونحن نرى شعاراتهم التي يحاولون إعلانها ورفعها كل عام. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين  [آل عمران:96-97].

بارك الله لي ولكم في الفرقان العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه . . . . . أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون: اتقوا الله تعالى واعلموا أنه تمر بكم مواسم عظيمة تضاعف فيها الحسنات وتكفر فيها السيئات ومن هذه المواسم أيام شهر ذي الحجة فقد جمع الله فيها من الفضائل ونوع فيها من الطاعات ما لا يخفى إلا على أهل الغفلة والإعراض ففي أوله العشر المباركة التي قال عنه سبحانه وتعالى: والفجر وليال عشر  [الفجر:1-2]. وروى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي : ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلا خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك شيء)). وقد شرع  الله لعباده صيام هذه الأيام المباركة عدا اليوم العاشر ومما يشرع في هذه الأيام الإكثار من ذكر الله ولا سيما التكبير قال الله تعالى: ويذكروا اسم الله في أيام معلومات [الحج:28]. يستحب الإكثار من ذكره تعالى من التهليل والتسبيح والتكبير والتحميد وأن يجهر بذلك في الأسواق، وذكر البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنهما كانا يخرجان إلى السوق فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما فأين هذه السنة من واقعنا الآن كما يستحب هذه الأيام فعل الخيرات وبذل الصدقات خصوصا من لم يتوفر له الحج فإنه يستطيع بعمله الصالح إذا أخلص نيته وتابع نيته أن يعمل عملا يفضل الجهاد في سبيل الله.

ولتعلموا يا عباد الله أن بعض العلماء فضل هذه الأيام العشر على العشر الأواخر في رمضان ومن توسط فضّل أيامها على أيام العشر الأواخر وليالي العشر والأواخر على ليالي عشر ذي الحجة، فاغتنموا خيرات هذا الشهر الذي تنوعت فيه الفضائل والخيرات التي أعظمها إيقاع الحج فيه إلى بيت الله الحرام والأضحية، وهو من الأشهر الحرم حرم الله القتال فيها لوقوع الحج فيها.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً