.

اليوم م الموافق ‏17/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

شهر القرآن

228

الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد

القرآن والتفسير, فضائل الأعمال

عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي

عنيزة

8/9/1417

جامع السلام

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- الدعوة لقراءة القرآن الكريم وبيان أجرها. 2- مثل للمؤمن التالي للقرآن والجافي عنه ومثله للمنافق. 3- حال السلف مع القرآن في رمضان. 4- شفاعة القرآن لأهله يوم القيامة. 5- تلاوة القرآن تستلزم العمل به وتدبره. 6- دعوة للإنفاق في سبيل الله.

الخطبة الأولى

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه، إخوة الإيمان يقول الله سبحانه وتعالى: طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين هدى وبشرى للمؤمنين [النمل:1].

نعيش اليوم في زمن تلاطم الأفكار وتغير المفاهيم، زمن مواجهة شبهات وتحديات وتساؤلات، كثيرا ما تقرع الأسماع وتتوارد على القلوب ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 وما منّا من أحد في هذه الدنيا مهما كان مقامه إلا وهو يحتاج إلى ما يشد أزره ويرسى قدمه يزيد في إيمانه ويقينه ليثْبُتَ أمام تلكم الشهوات والتحديات ثبات الجبال التي لا تحركها الهزات ولا تؤثر فيها الأعاصير، ما منا من أحد إلا وهو محتاج إلى ما يؤنسه إن تطرقت إليه وحشة، ويسليه ويواسيه إن ألمت به مصيبة، ويرجيه ويعده إن ضاقت به حال ، أو طاف به طائف اليأس والقنوط من روح الله، وينذره ويخوفه إن استولى عليه،مامنا إلا وهو محتاج إلى مايسرّه،وهو أن يزداد إيمانه وأن تحصن عقيدته وأن تقوى صلته بربه تبارك تعالى،

 ولا تقوية لأزرٍ، ولا رسوخَ لقدمٍ، ولا أنس لنفسٍ ولا تسلية لروحٍ، ولا تحقيق لوعد، ولا أمن من عقاب، ولا ثبات لمعتقد، ولا بقاء لذكر وأثر مستطاب إلا بأن يتجه المرء اتجاها صحيحا بكامل أحاسيسه ومشاعره وقلبه وقالبه إلى كتاب ربه إلى القرآن الكريم، تلاوة وتدبرا وتعلما وعملا، فهو المَعين العذب الصافي الذي لا ينضب، وهو الكنز الوافر الذي لا يزيده الإنفاق إلا جدة وكثرة، ولا تكرار التلاوة إلا حلاوة ورغبة.

القرآن العظيم هو كلام الله الذي لا يشبهه كلام ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد تكفل الله بحفظه فلا يتطرق إليه نقص ولا زيادة، مكتوب في اللوح المحفوظ، وفي المصاحف محفوظ وفي الصدور متلو بالألسن ميسر للتعلم والتدبر: ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر [القمر:17]. يستطيع حفظه واستظهاره الصغار والأعاجم ،لا تكل الألسنة تلاوته ولا تمل الأسماع من حلاوته ولذته ،ولا تشبع العلماء من تدبره والتفقه في معانيه، ولا يستطيع الإنس والجن أن يأتوا بمثل سورة منه لأنه المعجزة الخالدة والحجة الباقية، أمر الله بتلاوته وتدبره وجعله مباركا: كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب [ص:29].

قال عليه الصلاة والسلام: ((من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنه والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف))، رواه الترمذي وقال حسن صحيح.

وقد جعل الله ميزة وفضيلة لحملة القرآن العاملين به على غيرهم من الناس فرسول الله يقول: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) رواه البخاري .

ويقول عليه الصلاة والسلام: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل الثمرة لا ريح لها وطعمها طيب حلو، مثل المنافق الذي الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مُر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر)) رواه البخاري ومسلم.

إخوة الدين والعقيدة: إن السعادة والطمأنينة في تعظيم كتاب الله وتلاوته والرجوع إليه واتباعه والاهتداء بهديه، والشقاوة والتخبط في الإعراض عنه والاستهانة به وهجره: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى [طه:24-26].

عباد الله: لعل شهر رمضان المبارك الذي نعيشه هذه الأيام يذكر الأمة المسلمة بضرورة العودة الصادقة إلى كتاب الله العظيم فقد شرف الله تعالى هذا الشهر بنزول القرآن فقال:  شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان . فالله سبحانه وتعالى أنزل كتابه العزيز ليهتدي به الناس ويعتصموا به فهو مصدر القوة والعزة وأساس التمكين والرفعة، فيه الهدى والنور، من آمن به حق الإيمان وصدق به وأخلص التصديق فقد هداه الله وآتاه من فضله وأعانه على كل خير، قال جل وعلا: الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين [البقرة:1]. أما من هجره وأعرض عنه علما وعملا ولم يؤمن بمتشابهه ويعمل بمحكمه فقد أضله الله وختم على قلبه وبصره.

عباد الله: شهر رمضان شهر القرآن، ومن أفضل ما تعمر به الأوقات في هذا الشهر الاهتمام بالقرآن حفظا وتلاوة وتدبرا وعملا، هذا ما نراه ولله الحمد في الخيّرين من الناس في الإقبال على القرآن في هذا الشهر، ولقد كان اهتمام سلف الأمة بالقرآن في رمضان كبير، انظروا مثلا إلى قدوتنا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه الذي يروي عنه ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين فيقول: ((كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن وكان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة)). فدلنا هذا الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والإجتماع على ذلك ودلنا أيضا على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في رمضان.

 ويتبين لنا من خلال الحديث أيضا أن مدارسة جبريل عليه السلام له كانت ليلا دلالة على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في رمضان ليلا، فالليل تنقطع فيه الشواغل ويجمع فيه الهم ويتواطؤ فيه القلب واللسان على التدبر يقول تعالى: إن ناشئة الليل هي أشد وطأً وأقوم قيلاً [المزمل:6]. خلافا لما يفهمه كثير من الناس من المداومة على القرآن في نهار رمضان وترك تلاوته ليلا ، وكان بعض السلف يختمون في قيام رمضان في كل ثلاث ليال وبعضهم في كل سبع منهم قتادة وبعضهم في كل عشر.

وقال ابن رجب رحمه الله: " وكان السلف رضوان الله عليهم يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان. وكان الزهري إذا دخل رمضان قال :فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام " قال ابن عبد الحكم " كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراء القرآن وكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في رمضان فإذا طلعت الشمس نامت " أ.هـ كلامه رحمه الله.

روى أحمد في مسنده بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو عن النبي (( الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان )).

إخوتي الصائمون إن خير ما نستغل به شهر الصوم قراءة القرآن وتدبره فيامن أهمل القرآن طول عمره، جاءك رمضان فرصة لك في العودة إلى كتاب الله فكيف ترجوا ممن أهملته الشفاعة .

ويل لمن شفعاؤه خصماؤه                          والصور في يوم القيامة ينفخ

إخوة الدين والعقيدة يجب أن نعلم أن القرآن الكريم ليس آيات تهتز لها الرؤوس وتتمايل بها العمائم يطرب لها الدراويش في الموالد والمآثم والاحتفالات، وليس آيات تهذ هذّ الشعر أو تنثر نثر الدقل، بل هو آيات بينات تتنزل على قلوب المؤمنين فتغمرها السكينة والطمأنينة وتملؤها بالثقة والثبات، وتدبر آيات الله عز وجل ومعرفة مقاصدها ومراميها والوقوف عند عظاتها وعبراتها والتفكر في معانيها  وفقهها وأسرارها نعمة عظيمة من أجلّ النعم التي يوفق إليها العبد المسلم، يقول الله تعالى: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون [الأنفال:2]. ولهذا وصف عبد الرحمن السلمي صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام بقوله: ((حدثنا الذين كانوا يقرؤننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم، قالوا فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا)).

وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما " لأن أقرأ البقرة في ليلة فأتدبرها وأرتلها أحب إلي من أقرأ القرآن أجمع هذرمة ". وإذا طغى الران على القلب وانتكس الإنسان بعبثه ولهوه حجبه الله تعالى عن نور القرآن وحال بينه وبين الهدى والحق أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها [محمد:54].

عباد الله أين من يريد الرفعة بهذا القرآن ، فهذا هو شهر البر والإيمان والقرابين وإن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ، إن وجود القرآن بيننا وتيسير الحصول عليه لمن طلبه وتوفير المصاحف في المساجد والبيوت والمكاتب بحمد الله وإذاعة القرآن الكريم الموجودة في هذا البلد والتي نفع الله بها في كل مكان، فجزى الله القائمين عليها خيرا، إن توفر القرآن عبر هذه الأرض من أعظم النعم على من وفقه الله لتعلم كتابه واستماعه والعمل به وهو كذلك من أعظم قيام الحجة على من أعرض عنه أو خالف، فقد قال الله لرسوله: وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ . وقال : ((القرآن حجة لك أو عليك)).

فاتقوا الله عباد الله واهتموا بكتاب الله تعلما وتعليما وعلما وعملا تكونوا من أهله.

اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين يعظمونه حق التعظيم فيؤمنون بمتشابهه ويعملون بمحكمه ويحلون حلاله ويحرمون حرامه ويحكمونه في جميع أمورهم إنه سميع مجيب أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذاباً أليماً [الإسراء:9-10].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .


 

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام. .أما بعد:

فيا عباد الله : اتقوا الله تعالى .. إخوة الإيمان للصدقة مزية وخصوصية في رمضان والمبادرة إليها والحرص عليها وعدم إهمالها أو التقصير فيه فضل عظيم وهي ليست مقصورة على سن معينة أو مال معين كل ذلك يبين لنا أن الصدقة من أفضل الأعمال التي تتأكد في رمضان من إطعام الطعام وتفطير الصائم أو بذل المال أو مساعدة المحتاج، ولهذا فقد كان نبينا صلوات الله وسلامه عليه أجود ما يكون في رمضان، بل إنه أجود بالخير من الريح المرسلة والجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا واتقاء جهنم والمباعدة عنها وأدعى لتغطية الخلل في الصيام.

إخوة الإيمان في رمضان تزكوا النفوس وتتآخى القلوب نصرة ودعما للفقراء في كل مكان داخل البلاد أو خارجها، ويخطئ كثيرا من فضّل الأقربين بدعوى قرب المكان، وأغفل في الوقت نفسه مسلمين في بلاد بعيدة مع أنهم أشد حاجة وأعظم مصيبة والجمع بينهما أجمل وأحرى بإذن الله وعلى قدر الحاجة، تفريج الكربات وإغاثة اللهفات من أعظم  القربات عند الله تعالى وحين نتطلع من حولنا في أحوال المسلمين نرى فقرا عظيما وحاجة كبيرة في مأكلهم ومشربهم في تعليمهم وصحتهم في مسكنهم ومأواهم فما أعظم أن نرى القلوب المتآخية الزكية في رمضان تمد أيديها دعما للمسلمين ونصرة لهم. وإن ملايين المسلمين في كل مكان من بقاع الأرض ينتظرون منكم الدعم والنصرة، وينظرون إليكم بعين المحتاج إلى ما أفاض الله به علينا من النعم الجزيلة نحمد الله عليها ونسأله جل وعلى أن يديمها على هذه البلاد المباركة وأن يرزقنا شكرها على الوجه الذي يرضى به الله عنا.

إخوة الإيمان فضل الصدقة عظيم سيما هذا الشهر، ورب قليل تدفعه اليوم يكون لك درعا ووقاء من نار تلظى يوم القيامة فأين الباذلون أين المتصدقون أين المزكون.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً