.

اليوم م الموافق ‏10/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

حقيقة الإيمان على ضوء سورة الحجرات

863

الإيمان, العلم والدعوة والجهاد

القرآن والتفسير, حقيقة الإيمان

عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري

المدينة المنورة

16/3/1411

قباء

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

وضوح حقيقة الإيمان في القرآن , وليس كل من ادعى الإيمان مؤمناً – حقيقة الإيمان تتكون من عنصرين : 1- استقرار التصديق ومحبة الله ورسوله في القلب 2- ما يتولد عنهما من أعمال – من خصائص الإيمان وطبيعته أنه يزيد وينقص – أثر القرآن على الإيمان - أثر القرآن على الإيمان – من خصائص الإيمان الثبات والصلابة ,وحاله صلى الله عليه وسلم في ذلك – عز سلفنا وذلنا , وسبب ذلك

الخطبة الأولى

أما بعد:

فقال الله تعالى: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون [الحجرات:15].

هذه هي حقيقة الإيمان كما بينها القرآن ناصعة كضياء الصبح واضحة كشعاع الشمس حتى لا تختلط علينا الأمور وتلتبس الحقائق وحتى نعرف مواقعنا ونتبصر بحقائقنا كما نعرف مواقع الآخرين ونتبصر بحقائقهم. ليس كل من ادعى أنه مؤمن فهو كذلك قد يكون مسلماً أي يكون مستسلماً لحكم الإسلام الظاهر قائماً بالأعمال الظاهرة ولكن قلبه خواء ليس فيه من الإيمان شيء. وما أكثر من يحمل اسم الإسلام وقلبه مظلم بظلمات الكفر والإلحاد وما أكثر كذلك من يحمل اسم الإسلام وفي قلبه إيمان ضعيف ذبالة ضعيفة تكاد تنطفئ وقد حاصرتها ظلمات الشك والارتياب وظلمات الشبهات وشهادة الإيمان درجة سامية عالية لا يبلغ حقيقتها كل من ادعى الإسلام وحقيقة الإيمان تتكون من عنصرين أولهما ما يستقر في القلب من تصديق بالله ورسوله ومحبة لله ورسوله وهذا التصديق وهذه المحبة يتصفان بصفة الثبات والقوة والرسوخ فلا تؤثر فيهم المؤثرات الخارجية ولا تزعزعهما الهجمات. هجمات الشك والارتياب وهجمات الشبهات والشهوات لا تزعزعهما هجمات الشهوات والشبهات مهما كانت عنيفة قوية عارمة والعنصر الآخر من عنصري الإيمان من العنصرين الذين تتكون منهما حقيقة الإيمان ما يولده هذا التصديق وتنتجه هذه المحبة وما يولده هذا التصديق الراسخ وتنتجه هذه المحبة القوية الصادقة من أعمال يأتي في قمتها الجهاد بالمال والنفس فإن الجهاد هو ذروة السنام. إيمان تدعونه ولا ينتج عنه أعمالاً لا ينتج جهاداً بالنفس والنفيس في سبيل الله هو دعوة مشكوك فيها فإن من خصائص الإيمان وطبيعته أنه يدفع الجوارح إلى العمل، الإيمان متحرك ومحرك، متحرك يزيد وينقص يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ويحرك الإنسان ويدفعه إلي العمل ولذلك وصف القرآن بأنه روح وبأنه حياه وبأنه روح وبأنه نور وصف القرآن بأنه روح وبأنه نور لأن القرآن يولد في نفس الإنسان الإيمان والإيمان للإنسان بمثابة الروح للجسد يبث الحياة في الجسد فالإيمان يحرك الإنسان ويبعث الحياة فيه في قلبه وفي جوارحه وهو نور له يهديه إلى صراط مستقيم، نور يهديه في الظلمات الحالكة مهما اشتد سوؤها وديجورها قال الله تعالى: وكذلك أوحينا إليك رحمةً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم [الشورى:52]. وإن من أبرز خصائص الإيمان أنه إذا انبعثت أنواره في القلب فإن من أبرز خصائصه الثبات  المؤمن ثابت راسخ كالجبل الأشم لا تزعزعه الفتن ولا تدعيه المحن ولا تفت من عزيمته لا المغريات ولا المفزعات، هذا من أبرز خصائص الإيمان الثبات والصلابة على دين الله عز و جل وعلى التصديق بالله ورسوله وعلى محبة الله ورسوله، وأبرز وأعظم وأكرم مثل لهذا سيدنا محمد في أحلك الظروف والأحوال وهو يعاني ويواجه جبروت المشركين وطغيانهم وقهرهم وإيذاءهم له وحيداً بلا أنصار ولا أتباع ولا جند ولا سلطان ومع ذلك لم يتزعزع إيمانه لحظة واحدة بالنصر والتمكين، ولذلك كان في أشد الأحوال وأحلكها يبشر أصحابه المقهورين المضطهدين يبشرهم بنصر الله عز وجل وتمكينه وهاهو المصطفي يخرج من بلده الحبيبة على قلبه مكة يخرج طريداً شريداً مقهوراً مهاجراً بدينه ليس معه أحد من الناس ولا جند ولا أنصار ولا أتباع إلا رفيق دربه وحبيبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ودليلهما ابن أريقط وأبو بكر خائف يترقب مشفق على سيدنا رسول الله أن تنتبه إليه الأعين أو يكشفه المطاردون وقد رصد المشركون من قريش جائزة سخية لمن يأتي بسيدنا محمد  حياً أو ميتاً ولذلك فأبو بكر الصديق مشفق على رسول الله وليس على نفسه وبين هم كذلك إذ يلوح في الأفق خيال فارس يعدو على فرسه يريد اللحاق بهما فارس من فرسان المشركين سراقة بن مالك سمع بالجائزة السخية فعزم على أن يلحق بهما ويأتي بهما إلى قريش ويدعو رسول الله صلي الله عليه وسلم فتسيخ قوائم فرس سراقة وتسيخ في الأرض وتتعثر ويسقط من فوقهما هكذا ثلاث مرات حينئذ أدرك سراقة بن مالك المشرك في ذلك الوقت أن هذين الرجلين الكريمين العظيمين محميان بحماية إلهية خاصة وأنه لا يستطيع أن يدنو منهما بشر وناداهما أمنهما من نفسه وممن وراءه من مشركين في أول النهار وطاردهما في آخره وأصبح حارساً لهما ذاباً عنهما عن سيدنا المصطفي ورفيقه وصاحبة الصديق ويحادث سراقة رسول الله صلي الله عليه وسلم فيبشره رسول الله ويبشره بماذا؟ يقول: ((الله كيف بك يا سراقة وقد لبست سواري كسرى)) يا عجباً هو في هذه الحالة بلا قوة ولا سلطان و لا أنصار ولا أتباع وطريد شريداً مهاجرا خارجاً من بلده الحبيبة مكة ومع ذلك يحدث سراقة عن سواري كسري، نعم، إنه الإيمان الراسخ القوي الثابت أشد شموخاً من الشم العوالي بوعد الله له ألم يعده ربه بالنصر والتمكين وقد أخبره بهذا الذي بشر به سراقة فإيمان المصطفي بوعد الله ثابت لا يتزحزح وصدق رسول الله وعده لنبيه ففي خلافة الفاروق أمير المؤمنين عمر لما فتحت جيوش المسلمين العراق وأجزاء من فارس ودخلوا عاصمة ملك كسرى المدائن جمع قائد جيوش المسلمين سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه جمع كنوز كسرى فأرسلهما إلى الخليفة الفاروق عمر في هذه المدينة النبوية فوضعهما الفاروق عمر في المسجد في مسجد رسول الله وجمع الناس حتى يروا نصر الله لدينه وإعزازه لجنده .

وقف الفاروق ودعا سراقة بن مالك وقال له: (يا سراقة اليوم يوم الوفاء) ودفعوا إليه سواري كسرى أمام جموع المسلمين ما بين تهليلهم وتكبيرهم ثم أمسك الفاروق بذراعي سراقة ورفعهما حتى يراهما المسلمين ويروا تصديق الله وعده لرسوله وقال الفاروق عمر رافعاً صوته: (الحمد لله الذي نصر دينه وأعز جنده وألبس أعرابياً من بني مدلج سواري كسري). نعم سلفكم بلغوا هذا العز وهذا النصر والتمكين لما بلغوا حقيقة الإيمان. ونحن اليوم نحن المسلمين اليوم أكثر من ألف مليون ومع ذلك نعيش في ذل وهوان قبلتنا الأولى ضائعة بيدي القردة والخنازير وها هما الحرمان المقدسان شرفهما الله وحماهما تتهددهما الأخطار وتحيد بهما الأطماع من أعداء الله ورسوله وما ذاك وما هذا الذل والهوان الذي انحدرنا إليه إلا بسبب أنا لم نبلغ حقيقة الأيمان نعم نحن مسلمون ولكننا لم نحقق حقيقة الإيمان كما حققهما سلفنا الاماجد رضوان الله عليهم أجمعين بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


 

الخطبة الثانية

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله وإن خير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة وبمنهج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن ما شئت فكما تدين تدان. صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا  صلوا على النبي وسلموا تسليما [الأحزاب:56]. وقال صلي الله عليه وسلم ((من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشراً ))[1]. وبارك على محمد وعلى آل محمد. كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبو بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علي وعلى آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن أصحابه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين .

وقد روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال ((المؤمنون في الدنيا على ثلاثة أجزاء الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذي يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم والذي إذا أشرف على طمع تركه لله تعالى))[2]. فهذه درجات المؤمنين كما وصفها سيدنا المصطفي وهي درجات كما ترونها كلها درجات لا يقوى عليها إلا أولو العزم أصحاب الإيمان الصادق الراسخ. حتى الذي يكف شره عن الناس يكف لسانه ويده لا يستطيع أن يفعل ذلك إلا إذا كان صاحب الإيمان صادق راسخ حتى الذي إذا وقف أمام المغريات أمام بهارج الدنيا الزائلة الزائفة من أموال ومناصب ونساء وملذات وبهارج زائفة. إذا وقف أمام هذه المغريات ثم أعرض عنها طاعة لله ورسوله لا يفعل ذلك إلا من كان ذا إيمان صادق راسخ نقول هذا ونحن نرى أكثر الناس يتكالبون على متع الدنيا ويلهثون وراء بهارجها حتى أشغلتهم عن ذكر الله عز و جل أنستهم الله، أنستهم الدنيا ربهم عز وجل وأنستهم ذكره سبحانه وتعالي. يلهثون وراء متع الدنيا الزائفة الزائلة حتى إذا ما جاءت المحن وكشرت عن نابها فزعوا وتحيروا وزاغت منهم الأبصار وذهبوا يعدون العدة للانهزام وللفرار بأموالهم وأنفسهم وما هذا إلا لأن قلوبهم خواء ليس فيها من الإيمان شئ أو لأن الإيمان الذي في قلوبهم ضعيف جداً لا يصمد أمام هجمات الشك والارتياب وأمام هجمات الشبهات والشهوات وأمام مخوفات المحن والفتن والله تعالي يقول إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ومظاهر الارتياب في حياتنا لمعاصرة نحن المسلمين ما أكثرها وسوف نستعرض بعضها إن شاء الله تعالى في الخطب القادمة .



[1] صحيح مسلم (408).

[2] مسند أحمد (3/8) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً