.

اليوم م الموافق ‏17/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

العنصريات الجاهلية وضرب الإسلام

861

أديان وفرق ومذاهب

مذاهب فكرية معاصرة

عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري

المدينة المنورة

25/2/1411

قباء

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

قوله تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ... ) وما فيه من مبادئ الإسلام الأساسية – المساواة حقيقية راسخة بين البشر , ولا تفاضل بينهم في العناصر والأنساب - إهدار الإسلام للتفاضل على أساس الأصل والجنس والنسب , وأمثلة على ذلك : ( بلال وأذانه زواج زيد من زينب القرنية – سلمان الفارسي ) – دعاوى القومية والعنصرية من ميراث الجاهلية , وأثرهم الخبيث وحقدهم الدفين ( أتاتورك وهدم الخلافة – ميشيل عفلق والقومية العربية – حزب البعث ) ما جنته الأمة من هذه الدعاوى الخبيثة – طبيعة الصراع بين الإسلام ومبادئه والكفر ومبادئه , ودور العلمانيين الخبيث

الخطبة الأولى

أما بعد: فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13].

هذه الآية الكريمة قدرت مبدأ عظيماً من مبادئ الإسلام الأساسية. والمبادئ الأساسية هي بمثابة الاستراتيجيات باللغة العسكرية أي هي أمور ثابتة لا تفريط فيها ولا تهاون في أمرها فهذه ثوابت الدين الرباني الذي ندين الله به ونعتقده وتصطبغ به حياتنا. فالمساواة حقيقة راسخة بين البشر أجمعين من الأصول والعناصر والعروق والأنساب فأصل الجميع واحد الأب واحد والأم واحدة وجميع الخلق جميع الناس تتسلل أصولهم وأنسابهم لتنتهي إلى عنصر واحد هو التراب فلماذا يتوهمون التفاضل فيما بينهم في الأصول وفي العناصر والأنساب؟ لا قومية ولا عنصرية فالقوميات تجعل أساس التجمع بين الناس هو الأصل والعنصر والنسب الأصل والجنس والنسب. القومية تجعل أساس التجمع ومقياس التفاضل والتمييز هو الأصل والجنس والنسب. ولو كان الأصل والجنس والنسب اعتبار في الإسلام ما أمر سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم بلالاً الحبشي الزنجي الأسود رضي الله عنه وأرضاه أمره أن يرقى على سطح الكعبة المعظمة ليصدح بالأذان وتحته أشراف العرب وشاراتهم وذلك في الفتح الأعظم وذلك عندما دخل سيدنا المصطفي رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فاتحاً وخضعت له قريش التي ناوأته وحاربت دعوته أكثر من 20 عاماً لو كان لشعب أو لقبيلة أو لجنس أو لعشيرة أن يفضلوا الآخرين وأصلهم وجنسهم ونسبهم.

ما زوج رب العالمين زينب بنت جحش القرشية الهامشية من جهة أمها الأسدية من جهة أبيها. زوجها رب العالمين من عبد من مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة زوّجه منها من فوق سبع سماواته فكان ذلك إعلاناً ربانياً سماوياً بإلغاء العنصريات والقوميات والقبليات وبتحريم التفاخر بالآباء قال سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم ((يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعظمها بآبائها فالناس رجلان رجل بر تقي كريم على الله تعالى ورجل فاجر هين على الله تعالى ))[1] وقال صلى الله عليه وسلم: ((الناس لآدم وحواء طف الصاع لم يملأه إن الله لن يسألكم عن أنسابكم ولا أحسابكم يوم القيامة إن أكرمكم عند الله أتقاكم)) صدق المصطفي صلى الله عليه وسلم بهذا الميزان الرباني وهذا المقياس النبوي هو الذي حكم بتفضيل بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي على أبي لهب العربي القرشي الهاشمي عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك إلا لأن هؤلاء الأعاجم آمنوا بالله واتقوه ونصروا الله ورسوله وذلك العربي القرشي الهاشمي كفر وفجر بمبادئ هذا الدين الرباني وموازينه ومقايسه.

ولا محاباة فيها ولا مداهنة وإلا فمقام القربى من رسول الله صلي الله عليه وسلم كان أولى المقامات لأن ينفع صاحبه أن ينفع ذلك المشرك الذي نزل فيه قرآن يتلى إلى يوم القيامة بذمه والدعاء عليه وذلك لأنه لا محاباة ولا مداهنة في موازيين هذا الدين الرباني ومقاييسه. إن هذا الإسلام هو معين الله تعالى بسائر البشر للناس أجمعين. أنه يسع جميع الناس ولا يضيق عن أحد مع اختلاف أجناسهم وألوانهم وأصولهم أنسابهم، الإسلام يسعهم جميعاً ولا يضيق عن أحد. وسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم الرحمة المهداة والنعمة المسداه أرسل رحمة للعالمين لجميع العالمين أرسل للناس كافة على اختلاف أجناسهم وألوانهم وشعوبهم وقبائلهم هو رحمة للجميع ورسالته للجميع ودين الله الإسلام هو دين يسع الجميع وتنصهر فيه جميع القبائل والشعوب والأجناس والأعراف متساوين في ذلك بين يدي الله لا يتفاوتون إلا بالتقوى هذا مبدأ أساسي من مبادئ هذا الدين العظيم الكريم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158].



[1] سنن الترمذي (3270) وقال : حديث غريب.

الخطبة الثانية

أما بعد: روي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم بلغه أن ناساً من أصحابه تنازعوا فقال قائل منهم يا للمهاجرين وقال قائل منهم يا للأنصار فخرج سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم من بيته غاضباً يجر ردائه فقال أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم دعوها فإنها منتنة[1]، لقد بعث سيدنا المصطفي صلي الله عليه وسلم للقضاء على العنصريات الجاهلية المنتنة وليقيم بدلاً منها صرح الإيمان الذي يجتمع تحت لوائه جميع المؤمنين إخواناً متحابين تربط بينهم رابطة واحدة وشيجة واحدة وهي رابطة الإيمان ووشجية الإسلام.

ولكن أعداء المسلمين نجحوا اليوم في التسلل إلى صفوفهم وزرع بذور العنصريات الجاهلية المنتنة بينهم فمزقوهم وشتتوا شملهم بعد أن كانوا أمة واحدة إسلامية مرهوبة الجانب ففي ديار الترك مثلاً الماسونيون والصهيونيون ويهود الدونمة بعد أن نجحوا في تقويض صرح الخلافة الإسلامية الذي جعل ديار الترك فترة طويلة من الزمن مركزاً للتجمع الإسلامي لتجمع المسلمين بعد أن نجحوا في تقويض ذلك الصرح زرعوا بذور العنصرية التورانية القومية التورانية بين الترك ورفع لواء هذه العنصرية الجاهلية في تركية أحزاب ماسونية مشبوهة كحزب الاتحاد والترقي أو حزب تركيا الفتاة وكان من أبرز طواغيت تلك العنصرية التورانية مصطفى كمال الذي لبث في أول أمره فترة يتمسح بمسوح الإسلام ولقب نفسه بالغازي في سبيل لله وأعلن الجهاد ليخدع المسلمين لتنطلي حيلته على السذج ولقد انطلت حيلته فعلاً حتى مدحه أحمد شوقي في قوله:

الله أكبر كم في الفتح من عجـب       يا خالد الترك جدد خالد العرب

وانخدع به وظنه فعلاً مجاهداً غازياً في سبيل الله وما لبث ذلك الطاغوت العنصري اليهودي التوراني أن كشر عن أنيابه فإذا هو عدو الله ورسوله. عدو مريد للإسلام فتك بالمسلمين في ديار الترك قتل علماءهم حتى بلغت به الوقاحة أن منع الآذان من على المنابر العربية بل أوجب أن يكون الأذان بالتركية من شدة سخريته بالإسلام المسلمين ولقد رد الله كبره في نحره وكبده أذنابه فها هم الترك يتململون وينفضون عن كواهلهم غبار هذه العنصرية الجاهلية التورانية ويجددون إيمانهم بالله ورسوله، صحوة إسلامية فيما بينهم وعودة إلى دين الله رغم أنف العنصريين الجاهليين وأما نصارى العرب فقد زرعوا بين العرب العنصرية العربية الجاهلية القومية العربية وكان من أبرز حملة راية هذه العنصرية حسب البعث الذي أنشأه قبل خمسين سنه ميشيل عفلق النصراني ومبادئ هذا الحزب إن ذهبنا نشرحها يطول بنا المقام ولكن لحقها شاعر بعثي كافر خبيث بقوله فض الله فاه:

آمنت بالبعـث رباً لا شريك لـه       وبالعروبة دينـاً ما لـه ثـان

فالعروبة بمعناها العنصري الجاهلي المنتن هو دين هذا الحزب العلماني العنصري الملحد الخبيث ومنذ نشأ هذا الحزب فهو وأشباهه من التجمعات العنصرية الجاهلية المنتنة يجرون الكوارث تلو الكوارث والهزائم تلو الهزائم على العرب وعلى أمة الإسلام جميعاً وكأنما يآبى الله سبحانه وتعالى إلا أن يحقق وعده الذي أعلنه رسوله المصطفي صلى الله عليه وسلم منذراً أمته بقوله عليه الصلاة والسلام: ((لينتهين أقوام عن تفاخرهم بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان))[2]، فالذل والهوان والتشتت والانقسام والتقاتل والتناصر كما كانوا يفعلون في الجاهلية قبل الإسلام. هذه هي العقوبة الإلهية للذين أعرضوا عن مبادئ الإسلام الخالدة الرفيعة السامية. مبادئ المساواة وميزان التقوى والأخوة الإيمانية الإسلامية التي تجمع بين سائر المسلمين علي اختلاف أجناسهم والوانهم هذه هي العقوبة الإلهية لمن ذهبوا يجرون لاهثين وراء العنصريات الجاهلية المنتنة وراء القوميات تورانية كانت أو فارسية هندية كانت أو بربرية جندية كانت أو عربية كلها دعاوى الجاهلية التي وصفها النبي المصطفى صلي الله عليه وسلم بأنها منتنة. طاغية العراق الذي روع الناس اليوم وهتك الحرمات وسفك الدماء وزاد الأمة تمزيقاً وفتح الأبواب للأعداء هو إفراز منتن من إفرازات ذلك الحزب العنصري الجاهلي حزب البعث كارثة مفجعة من كوارثه العديدة المتوالية. إنه ليس أول كوارثه ولن يكون آخرها الذين يتوهمون أن الصراع بيننا وبين شخص واحد مخدوعون أو مخادعون.

السياسة قلب قد يكون حليف اليوم عدواً غداً وقد يكون عدو الأمس حليفاً اليوم فالسياسة قلب.

أم المبادئ متباينة فاعلموا أيها المسلمون وتبصروا في أمر عدوكم. الحرب حرب مبدئية ثابتة والصراع طويل مديد إلي يوم الدين بين ملتين بين ملة الإسلام وملة الكفر بين مبادئ الإسلام الرائعة السامية الكريمة مبادئ المساواة وميزان التقوى والأخوة الإيمانية وبين العنصريات الجاهلية قومية بعثية تورانية عروبية إلي غير ذلك صراع مريب ثابت مستمر ولكن خذوا حذركم أيها المسلمين فتشوا بين صفوفكم وفي دياركم عن الطابور الخامس وفتشوا عن العلمانيين عن الجاهليين وعن البعثيين فإنهم قد يكونوا مندسين بين صفوفكم من أبناء بلدتكم ويتكلمون بألسنتكم ويتقطعون غيظاً عليكم مهما تمسحوا بمسوح الإسلام وتستروا ونافقوا وأظهروا لكم الموافقة وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد:30]. ستكشف أقلامهم وأقولهم ومواقفهم وأفعالهم وخاصة في المحن تكشف ما في صدورهم من بغضاء من غيظ على الإسلام وأهل الإسلام.

قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118].

 



[1] صحيح البخاري (4905) صحيح مسلم (2584).

[2] مسند أحمد (2/361).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً