.

اليوم م الموافق ‏18/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

توقير سنته صلى الله عليه وسلم والتحذير من ردها

846

قضايا في الاعتقاد

الاتباع

عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري

المدينة المنورة

7/10/1409

قباء

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

مدار الدين على أصلين : ( اعبدوني ) وهذا لله وحده , و ( فاتبعوني ) وهذا لرسوله صلى الله عليه وسلم – تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم يتضمن تجريد المتابعة لله - أهم معالم تجريد المتابعة له صلى الله عليه وسلم إجلال سنته صلى الله عليه وسلم , وحال السلف في ذلك – خطورة مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم , وَرَدِّ حديثه الثابت الصحيح بالعقل والهوى , وأن هذا مسلك الزنادقة والمنافقين

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن تجريد المتابعة لسيدنا رسول الله تضمن تجريد المتابعة لله والله عز وجل قد أمرنا أن نعبده فقال: وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم [يس:61]. ثم بين سبحانه على لسان رسوله ومصطفاه كيف نعبده وأمر نبينا أن يقول لنا: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني [آل عمران:31]. فمدار الدين كله على هذين (اعبدوني) وهذا لله وحده، (واتبعوني) وهذا لرسول الله .

فما لم تحقق هذين الأصلين العظيمين وتنقاد لهذين النصين الكريمين، إذا لم تفعل ذلك يا مسلم فلا أدري ما حظك ونصيبك من لا إله إلا الله محمد رسول الله.

اعبد الله على مراد الله وليس على مرادك أنت، اعبد الله كما شرع الله وليس كما تشاء أنت وتشتهي، إن من شهد مقام عبوديته لله عز وجل فإنه يكون دائمًا متنبهًا ومستيقظًا لما يأمره به سيده ومولاه جل جلاله فحينئذ هو يرى بعينين ويبصر ببصيرتين، بإحداهما يرى المعبود جل جلاله وبالأخرى يرى أمره ولا يمكن أن يرى المعبود ولا يرى أمره إلا بمتابعة نبيه ومصطفاه لأن علم ما يرى به ويأمرك به سيدك ومولاك جل جلاله هو عند نبيه عنده وحده لا عند غيره.

ثم اعلم أيها المسلم أن من أهم معالم تجريد المتابعة للنبي المصطفى أن يكون لكلامه إذا سمعته ولسنته إذا علمت بها هيبة في صدرك كما أن لأمر الله عز وجل ولكلامه هيبة ورهبة في صدرك. إذا سمعت قول رسول الله وبلغتك سنته أولاً إذا سمعت قوله جل جلاله وبلغك أمره فاستحضر مقامك بين يديه عز وجل كأنك واقف أنت العبد المملوك في حضرة سيدك ومولاك جل جلاله.

هل تجرؤ على معاندته هل تجرؤ على معارضته هل تجرؤ على رد أمره وقوله، وكذلك إذا سمعت أمر رسول الله وبلغتك سنته فاستحضر مقامك معه كأنك واقف بين يديه وهو إمامك وقدوتك ونبيك.

هل تجرؤ على إساءة الأدب بين يديه هل تجرؤ على معارضته ورد أمره. وعلى معارضة قوله. استحضر مقامك معه إذا سمعت قوله وسنته لا تتردد إذا سمعت أمر رسول الله في قبوله على الرأس والعين.

وإذا بلغتك سنته فلا تتلجلج ولا تتردد في الانقياد لها وفي الامتثال والطاعة أما إذا ترددت وتلجلجت وعارضت سنته وعارضت أمره بعقلك ورأيك وهواك، أما إذا فعلت ذلك فأنت على خطر عظيم توشك أن تحل بك قارعة أن تصيبك فتنة أو يصيبك عذاب أليم.

فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [النور:63].

عاد سيدنا رسول الله مريضًا وكان المريض شيخًا كبيرًا في السن فرأى رسول الله عليه الحمى فقال له: ((لا بأس طهور إن شاء الله)).

فقال الشيخ المريض: بل حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور فقال النبي فنعم إذن فمات الرجل من ساعته[1]. انظر كيف عوقب ذلك الشيخ البائس بمجرد مخالفة لفظية لكلام رسول الله ما أراد ذلك الشيخ البائس أن يرد كلام رسول الله ولا أن يعانده في دعائه لكنه أساء الأدب.

أساء في الجواب على سيدنا رسول الله وهو يدعو له بالشفاء والمغفرة فعوقب فورًا بهذه العقوبة بعد أن صدق النبي كلامه ولفظه فقال فنعم إذن سيصيبك ما قلت فمات من ساعته.

فكيف يكون حال من يسمع كلام رسول الله وتبلغه سنته ومع ذلك يردها ويعاندها يردها بعقله وعمله، يردها قولاً وعملاً ويعاندها قولاً وعملاً لقد كان أصحاب رسول الله إذا سمعوا أمر رسول الله أو علموا سنته لا يجاوزونها أبدًا، لا يتجاوزونها أبدًا بل يطرحون آراءهم ويتهمون عقولهم إذا هي عارضت أمر رسول الله يطرحون آراءهم وعقولهم وينقادون إلى سنة المصطفى كان لسنة المصطفى ولأمره هيبة ورهبة في صدورهم وما أعظم حرصهم على متابعته وعلى طاعته، روى أبو داود رضي الله عنه في سننه أن عمر بن الخطاب استفتاه رجل في مسألة فأفتاه عمر باجتهاده لم يكن بلغه فيها شيء عن رسول الله فأفتاه باجتهاده فقال الرجل: سألت رسول الله فأفتاني بغير ما قلت فقام عمر على الرجل بالضرة يضربه ضربًا شديدًا يقول له: لم تستفتِ في أمر أفتاك فيه رسول الله .

أفتاك رسول الله فكفاك لا تسأل عنه بعده أحدًا أبدًا بل تمتثل وتنقاد لأمره فأي قول يمكن أن يعارض قول رسول الله .

وكان أصحاب محمد وقافين عند كتاب الله وعند سنة رسول الله لا يتكلفون ما لا يعلمون، إذا علموا شيئًا عملوا به، وإذا خفي عليهم معنى شيء من كتاب الله أو من سنة رسول الله سمعوا وأطاعوا وانقادوا وقالوا آمنا به كل من عند ربنا لا يتكلفون ولا يتنطعون ولا يعارضون كلام الله ولا كلام رسوله بعقولهم ولا بآرائهم.

هذا أبو بكر الصديق لما خفي عليه معنى الأب في قوله تعالى: وفاكهة وأبًا قال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في القرآن برأيي.

فاتق الله يا مسلم وأحسن متابعتك لرسول الله فإنه لا يصلح دينك إلا بذلك.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

       



[1] صحيح البخاري (5662) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

إذا سمعتم الرجل يرد حديثًا صحيحًا ثابتًا عن رسول الله وهو يعلم ثبوته وصحته، يرده بعقله ورأيه فاتهموه في دينه فإنه المفر من الذي جرد المتابعة لسيدنا رسول الله لا يمكن أن ينصب من عقله القاصر الناقص حكمًا على سنة رسول الله . بل يتخذ كتاب الله وسنة رسوله حكمًا على عقله ورأيه وهواه وفي هذا العصر كثر الجهال كثرت رؤوس الجهال الذين اتخذهم كثيرٌ من الناس رؤوسا في العلم وهم قليلو البضاعة في العلم، قليلو البضاعة في سنة رسول الله فإذا سُئلوا أفتوا بغير علم وقالوا برأيهم ونطقوا عن عقولهم فضلوا وأضلوا وفي الآونة الأخيرة تكلم رجل من المعممين المشهورين كثيرًا، تكلم كثيرًا ورد كثيرًا من سنة المصطفى حتى قال معلقًا على حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كان فيما أُنزل عشر رضعات يحرِّمن فنسخن إلى خمس رضعات[1] قال ذلك المعمم الجاهل المشهور: هذا حديث باطل كيف يثبت التحريم بمجرد أن يرضع الطفل خمس مرات فلما قيل له: ويلك هذا حديث ثابت صحيح. رواه الإمام مسلم في صحيحه قال هذا حديث باطل ولو رواه الإمام مسلم في صحيحه فإني أرده لأن عقلي لا يقبله، ونطق بغير ذلك من الكلام الخطير الذي يجترئ فيه على سنن المصطفى فيحاكمها إلى عقله ويخضعها إلى رأيه وعقله.

ومع ذلك وجد من ينوه به وينشر كلامه في الجرائد والمجلات ويكرمه ويعطيه الجوائز دون أن يشعر بهذه الجريمة المنكرة التي غرق فيها هذا الجاهل المعمم إلى أذنيه.

جريمته أنه يرد سنن المصطفى ويخصصها إلى عقله ورأيه جعل من عقله الناقص المشوش حكمًا على سنة المصطفى .

وبكلامه هذا على هذا الحديث وغيره يكرس هذا المعمم الجاهل قاعدة تخريبية عظيمة الخطورة والضرر فإذا كان لكل أحد أن يرد سنة من سنن رسول الله أو حديثًا من حديث رسول الله لأن عقله لم يقبله ولم يقتنع به فماذا يبقى من سنن المصطفى وماذا يبقى من شرائع الإسلام. كل أمر يمكن أن يبطل سنة أو يبطل شريعة بحجة أن عقله يأباه ولا يقبله ولم يقتنع به. مع ما في كلامه على حديث أم المؤمنين عائشة من مغمز خطير لراوية الحديث نفسها الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين عائشة، ومع ما فيه من جرح خطير لإمام عظيم من أئمة المسلمين الثقات هو الإمام مسلم صاحب الصحيح.

وهذا الغمز وهذا الجرح شنشنة نعرفها من بعض الزنادقة والملحدين من الباطنيين، فالباطنيون هذا شأنهم يغمزون أصحاب رسول الله ويطعنون في أئمة المسلمين فلا ندري أيدري ذلك المعمم الجاهل بأن هذه النغمة نغمة باطنية، إن كان لا يدري فتلك مصيبة، وإن كان يدري فالمصيبة أعظم، فاتق الله يا مسلم وإياك إياك من أمثال هؤلاء لا تغتر بهم وإن روجوا لكلامهم في الصحف والمجلات وفي سائر المجلات والأجهزة الإعلامية لا تغتر بمثل هؤلاء ولو كانوا معممين مشهورين. العبرة في سنة المصطفى فكل من يخالفها يُضرب برأيه وعقله وقوله عرض الحائط.

ولقد حذرنا سيدنا وقدوتنا وإمامنا وحبيبنا محمد من أمثال هؤلاء في قوله: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا من صدور العلماء ولكنه ينتزعه بقبض العلماء فإذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا))[2] وفي بعض الروايات: ((فسُئلوا فقالوا برأيهم فضلوا وأضلوا))[3].

وقد حذر منهم أيضًا أصحاب رسول الله أشد التحذير فقال الفاروق عن بن الخطاب : (إن أهل الرأي أعداء السنن) أي الذين يتكلمون برأيهم وعقولهم بغير علم ولا بصيرة من سنة رسول الله ولا من كلام الله.

إن أهل الرأي أعداء السنن قد أعيتهم أن يحفظوها وتفلتت منهم أن يعوها فإذا سُئلوا استحيوا أن يقولوا لا نعلم قالوا برأيهم فضلوا وأضلوا فإياكم وإياهم وقال  (السنة ما سنه الله وسنه رسول الله ، لا تجعلوا خطاء الرأي سنة للأمة) فرضى الله عن الفاروق عمر كأنما يرى بنظرة الثاقب عصرنا هذا وما فيه من البلايا هؤلاء الرؤوس الجهال الذين يتكلمون بغير علم ويصادمون بعقولهم المشوشة الناقصة سنة المصطفى .

لا أدري ماذا كان يفعل الفاروق عمر بهذا المعمم الجاهل لو سمعه يجترئ على حديث رسول الله بمثل هذا الأسلوب ماذا كان يفعل به لا شك عندي أنه كان سيعاقبه كما عاقب صبيغ السلمي بضربه بعراجين النخل على رأسه حتى يدمى ثم ينفيه ويمنع الناس من محادثته حتى يصير منبوذًا كالأجرب لا شك عندي أن الفاروق عمر سيفعل بهذا المعمم الجاهل هذه العقوبة التي أنزلها بصبيغ الأسلمي الذي كان يناقش الناس بمثل هذه المتشابهات.

أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدى هدى محمد وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الجماعة في التمسك بالكتاب والسنة ولو كنا قلة على ذلك.

يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تُدان.

ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب:56]. وقال : ((من صلى علىّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًا)).

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علىّ وعن آل بيتك الطيبين الطاهرين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.



[1] صحيح مسلم (1452)

[2] صحيح البخاري (100)، صحيح مسلم (2673) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

[3] صحيح البخاري (7307) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً