.

اليوم م الموافق ‏11/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

التساهل بالصغائر

159

الرقاق والأخلاق والآداب

الكبائر والمعاصي

محمد بن علي السعوي

بريدة

جامع الراشد

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر 2- النظر الحرام وعبادة غض البصر 3- الخلوة والاختلاط بالنساء الأجنبيات 4- التحذير من صحبة المُردان 5- التنابز بالألقاب وهجر المسلم من الصغائر التي يجب الإقلاع عنها 6- إذا اجتمعت الصغائر على صاحبها أهلكته 7- آثار الذنوب على القلب 8- مكفّرات الذنوب

الخطبة الأولى

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له، واعلموا ان الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه.

معشر المسلمين: كثير من الناس يتساهل بصغائر الذنوب ويصر عليها، وفي ذلك من الخطر والضرر ما يحمل المسلم والمسلمة على أن يأخذ حذره من سلوك الخاسرين.

إن حديثي إليكم في هذا المقام يتضمن خطر التساهل بصغائر الذنوب والمعاصي فضلا عن كبائرها، أما الكبائر فأمرها واضح، فلقد رتب الله عليها الحد في الدنيا أو الوعيد في الآخرة، عياذا بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه (ومن أراد الوقوف على ما ورد في حقيقة الكبائر وفي عددها وما ترتب عليها، فعليه بكتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر، فإنه قد جمع فأوعى).

أيها المسلمون: ذهب بعض أهل العلم إلى أن الذنوب كلها كبائر، وذهب جمهور أهل العلم إلى أن الذنوب قسمان كبائر وصغائر، حيث قد جاء التفريق في القرآن الكريم بين الذنوب، قال تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم [النساء:31]. وقال سبحانه:  الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم [النجم:32]. وقال النبي -: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر))[1]. فالذي بينهن هي الصغائر، فلقد أفادت هذه النصوص وغيرها، أن في الذنوب صغائر وهي المعبر عنها بالسيئات والعصيان واللمم، وسميت أيضا في الحديث بمحقرات الذنوب، وهي ما قل وصغر من الذنوب، ولا يسلم منها أحد إلا من سلمه الله وعافاه، قال النبي -: ((كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)).

معشر المسلمين: من الصغائر التي يتساهل بها الناس النظر إلى النساء الأجنبيات والشباب المردان سواء عن طريق مباشر كوجه لوجه، أو من وراء شق أو منظار أو عن طريق الصور الثابتة في المجلات ونحوها، أو الصور المتحركة في الأفلام، ولقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بالغض من أبصارهم، ذلك أن النظر هو المدخل الأساسي لتسرب الشهوة إلى النفس وطغيانها، فالغض من البصر يساعد على العفة وحفظ الفرج، قال تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن .. [النور:31]. سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل قال بأنه ترك المعاصي وتاب وقال: لو ضرب بالسياط ما دخل في معصية أبدا غير أنه لا يدع النظر، فقال :أي توبة هذه؟. فالنظرة بشهوة سبب للفتنة وإشغال القلب، فاتق الله أيها المسلم وراقب الله، فإنه مطلع عليك، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قيل لبعض السلف: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى من نظرت إليه، ولقد كان الربيع ابن خثيم رحمه الله من شدة غضه لبصره وإطراقه يظن أنه أعمى، ولقد طرق الباب يوما على صاحب له فخرجت له الجارية، ثم رجعت إلى سيدها، وقالت إن بالباب صاحبك الأعمى، ومر يوما على عصبة من النساء، فقالت واحدة منهن انظرن إلى هذا الأعمى كفانا الله شر العمى وليس بأعمى إلا عن الفتنة والباطل، وامتثل قول الله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم [النور:30].

ومن صغائر الذنوب الخلوة والاختلاط بالنساء الأجنبيات كما قد يحصل في المحلات التجارية التي تحتوي على ملابس النساء والأطفال ومحلات الخياطة النسائية ومسلتزماتها أو في البيوت بين بعض الأقارب من غير المحارم، أو بين الخدم والسائقين في البيوت والسيارات، أو الحدائق والمجامع العامة التي يبدوا فيها من النساء السفور والتبرج، وكذلك ما يحصل في المستشفيات والمستوصفات من خلو الطبيب أو الممرض أو الموظف بالطبيبة أو الممرضة أو المرافقة، وقد قال النبي -: ((إياكم والدخول على النساء..))[2]. وقال: ((ما خلا رجل بامرأة ألا كان الشيطان ثالثهما..)) وكذلك الخلوة والاختلاط بالشباب المردان، وخاصة حسان الوجوه، وذلك أن الأمرد مظنة الفتنة، ولقد بالغ الصالحون في الإعراض عن المردان وعن النظر إليهم وعن مخاطبتهم ومجالستهم.

قال الحسن بن ذكوان رحمه الله -: لا تجالسوا أولاد الأغنياء، فإن لهم صورا كصور العذارى، وهم أشد فتنة من النساء، وذلك لتمكن الإجتماع بهم ما لا يمكن في حق النساء.

أيها المسلم: احذر ممازحة المردان لئلا تتهم بالسوء، جاء رجل إلى الإمام أحمد رحمه الله ومعه صبي حسن الوجه، فقال من هذا منك؟ قال: ابن أختي، قال: لا تجئ به إلينا مرة أخرى، ولا تمش معه في طريق، لئلا يظن بك من لا يعرفك ولا يعرفه سوء، وقال سعيد بن المسيب رحمه الله -: إذا رأيتم الرجل يحد النظر إلى الغلام الأمرد فاتهموه. ولقد ذكر أن معلماً لديه بعض الطلاب في المسجد، فكانوا يقومون واحدا تلو الآخر حينما يفرغون من تسميعهم، حتى لم يبق منهم إلا إثنان، فهم أحدهما بالقيام فأخذ بثوبه وقال: اجلس حتى يفرغ فلان، وذلك خشية من وسوسة الشيطان حين الخلوة، فاحذروا أيها الشباب من التساهل في هذا الأمر، وابتعدوا عن كل وسيلة تؤدي إلى حصول الفتنة.

أيها المسلمون: ومن الصغائر السب دون القذف كالتنابز بالألقاب، وكذلك الأشراف على بيوت الناس والتجسس على أحوالهم وأخبارهم، وكذلك هجر المسلم فوق ثلاث، والأكل بالشمال من غير حاجة، وغير ذلك مما لا يترتب عليه حد في الدنيا ولا وعيد في الآخرة.

أيها المسلمون: ولا يعني كون هذه الذنوب صغائر أنها سهلة وهينة، كلا بل إن المعاصي كلها سبب للضلال والعقوبة والعذاب، قال تعالى: ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً [الأحزاب:36].

وقال عز وجل: ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً [الجن:33]. قال بلال بن سعد رحمه الله -: ((لا تنظر إلى صغر الخطيئة أو المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت))[3]. وقال علي بن أبي طالب لإبنه الحسن رضي الله عنهما -: ((يا بني احذر من أن يراك الله عند معصية، ويفقدك عند طاعة فتكون من الخاسرين)) وقال النبي : ((إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود، وذا بعود، حتى حملوا ما انضجوا  به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها  تهلكه))[4]. وعن أنس - قال: ((إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر إن كنا لنعدها على عهد رسول الله - من الموبقات))[5]. قال: يعني بذلك المهلكات، وقال النبي : ((إن المؤمن إذا أذنب نكتت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع وأستغفر صقل قلبه، فإن زاد زادت، فذلك الران الذي  ذكره الله في كتابه: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون  [المطففين:14])).

وقال النبي -: ((لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة، فيجعلها الله عز وجل هباءا منثورا، أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، يأخذون من الليل ما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها))[6].

فعلينا معشر المسلمين أن نتقي الله تعالى ونذر ظاهر الإثم وباطنه قال تعالى: إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون [الأنعام:120]. نسال الله تعالى أن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا وأن يجنبنا سبيل الذين طبع على قلوبهم واتبعوا أهواءهم، الذين سول لهم الشيطان وأملى لهم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


 

[2] رواه البخاري ومسلم .

[3] الجواب الكافي :46.

[4] رواه الامام احمد ج1 ص402 من حديث ابن مسعود .

[5] رواه البخاري.

[6] رواه ابن ماجة .

[7] رواه أحمد:5/238.

[8] رواه مسلم .

[9] تحفة الواعظ: ص99- 101.

[10] رواه مسلم .

[11] رواه الترمذي .

الخطبة الثانية

الحمد لله، الذي له ملك السموات والأرض، والله على كل شيء شهيد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العرش المجيد فعال لما يريد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الوعد والوعيد.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى الذي يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون.

معشر المسلمين: إن للذنوب والمعاصي آثارا سيئة، وعقوبات في الدنيا والآخرة، قد جمعها ابن القيم رحمه الله في كتابه (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي). فمما ذكره رحمه الله: أن المعاصي توهن القلب والبدن، وتسبب محق البركات ونقص الخيرات في العلم والعمل والمال والأهل، قال ابن مسعود -: ((إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان تعلمه للخطيئة يعملها)) كما أن الذنوب تورث الذلة على صاحبها، قال سليمان التيمي رحمه الله : إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته، ومن ذلك أنها تسبب حلول النقم وزوال النعم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بسبب ذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب، كما قال علي بن أبي طالب -: ((ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة))، وقد قال تعالى:  وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم [الشورى:30].

أيها المسلمون: إني احذر نفسي وإياكم من التساهل بمعصية الله تعالى ومعصية رسول الله - فإن ذلك موجب لسخط الله تعالى، قال النبي -: ((إياكم والمعصية، فإن بالمعصية حل سخط الله عز وجل -))[7]. ولو لم يكن في ترك المعصية إلا حصول العافية، ومحبة الله تعالى، لكان جديرا بالمؤمن والمؤمنة أن يفرح بترك المعاصي، قال الحسن بن آدم رحمه الله -: ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة، وقال محمد بن كعب القرظي رحمه الله -: ما عبد الله بشيء أحب إليه من ترك المعاصي، ويؤيده قوله -: ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه))[8]. فأتى بالاستطاعة في جانب المامورات، ولم يأت بها في جانب المنهيات، إشارة إلى عظيم خطرها وقبيح وقعها، وأنه يجب بذل الجهد والوسع في المباعدة عنها، سواء استطاع ذلك أم لا، بخلاف المأمورات، واعلم أيها المسلم أن أعظم زاجر عن الذنوب هو الخوف والخشية من الله علام الغيوب.

سئل سعيد بن جبير رحمه الله عن الخشية، فقال: أن تخشى الله تعالى حتى تحول خشيته بينك وبين معاصيه، وقال بعض السلف: أرق الناس قلوبا أقلهم ذنوبا[9].

أيها المسلمون: من رحمة الله بنا وفضله علينا، أن جعل لتكفير السيئات ومغفرة الذنوب أسبابا، من ذلك اجتناب الكبائر مع فعل الطاعات كالصلوات وسائر الحسنات، قال النبي -: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر))[10]. قال -: ((واتبع السيئة الحسنة تمحها))[11]. وقال تعالى:  إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين [هود:144].

ومن المكفرات القرض والصدقات، قال تعالى: إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم [التغابن:17]. وقال عز وجل: إن تبدو الصدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم [البقرة:270].

ومن أسباب المغفرة الإستغفار مع عدم الإصرار، قال تعالى: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين [سورة آل عمران:135-136]. وقال تعالى: ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً [النساء:110]. علينا معشر المسلمين أن نبادر إلى تنظيف قلوبنا بالاستغفار وأن نحفظ جوارحنا من أدران الذنوب والإصرار، لنحظى بطعم الإيمان ولذة العبادة.

اللهم طهر قلوبنا من النفاق وسائر الأمراض، وطهر جوارحنا من الرياء وسائر المعاصي، وأعذنا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، والعدل في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى.

أيها المسلمون: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وإحسانك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 



[1] رواه مسلم .

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً