.

اليوم م الموافق ‏17/‏شوال/‏1445هـ

 
 

 

الغيرة

658

الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب

قضايا الأسرة, مكارم الأخلاق

هاشم محمد علي المشهداني

الدوحة

الريان الكبير

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- معنى الغيرة. 2- الغيرة نعمة من نعم الله. 3- أنواع الغيرة. 4- موقف المسلم من الغيرة.

الخطبة الأولى

قال تعالى: قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [الأعراف:33]. استدل العلماء بهذه الآية الكريمة على أنها أصل في إثبات الغيرة لله تعالى، ومن غيرته جل وعلا أن حرّم الفواحش (أي المعاصي) وهي ما يجب فيها الحد، والإثم اسم لما لا يجب فيه الحد، والبغي: هو الظلم التجاوز للحد وأن يجعل لله ندا وهو خالقه.

فما الغيرة؟ وما أنواعها؟ وما موقف المسلم منها؟

الغيرة: هي الحمية والأنفة، والغيرة لا تكون إلا إذا كانت المحبة فكلما قويت محبتك لشيء قويت غيرتك عليه.

والغيرة من صفات الله سبحانه للحديث: ((ليس شيء أغير من الله، من أجل ذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن))([1]).

والغيرة من سمات المؤمنين للحديث: ((المؤمن يغار والله أشد غيرة))([2]).

وذهاب الغيرة ذهاب بالإيمان كله يقول ابن القيم رحمه الله: (إذا ترحلت الغيرة من القلب، ترحلت منه المحبة، بل ترحل منه الدين، والغيرة أصل الجهاد والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فإن خلت من القلب لم يجاهد ولم يأمر بالمعروف)([3]).

وذهاب الغيرة علامة من علامات الساعة للأثر: (إذا كان آخر الزمان رفع الله أربعة أشياء من الأرض: رفع البركة من الأرض، والعدل من الحكام والحياء من النساء، والغيرة من رؤوس الرجال).

وأما لماذا الغيرة؟

لأن العبد إذا رزق الغيرة كان حريصا أن يكون عزيزا معتزا بدينه وألا يكون أعداء الله خيرا منه قال تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله [البقرة:165]. وقع عبد الله بن حذافة السهمي مع مجموعة من الجند أسيرا لدى ملك الروم، فدعاه إلى النصرانية فأبى، فشده إلى شجرة ورمي بالسهم ما بين يده ورجليه فلم يرتهب، ثم حبسه أياما حتى بلغ به الجوع مبلغه فعرض عليه الخمر ولحم الخنزير، فقال: إن ديني ليبيح لي أكلها به للضرورة ولكني لن أشمت في كافرا. ثم جاء بقدر عظيم ووضع فيه زيتا وأشعل تحته النار حتى غلا، ثم رمى أحد المسلمين فذاب فيه، ثم حمل عبد الله بحبل ونكس في القدر فلما كاد أن يصل بكى عبد الله، فاستبشر ملك الروم وقال: أخرجوه ثم عرض عليه النصرانية فأبى فسأله: علام البكاء؟ قال: لأن لي روحا واحدة، وإني لأتمنى أن يكون لي مائة روح تخرج الوحدة تلو الأخرى لله عز وجل، فطلب ملك الروم منه أن يقبّل رأسه ويطلق سراحه، قال عبد الله: لا حتى تطلق سراح من معي، قال :أفعل فقبل رأسه وأطلق سراحه وسراح من معه، يعود عبد الله إلى عمر وهو حزين، فسأله عمر عن سبب حزنه؟ قال: قبلت رأس كافر! فقام عمر وقال: حق على كل مسلم يراك أن يقبل رأسك وأنا أبدؤهم ([4]).

وإذا رزق العبد الغيرة كان الشيطان بعيدا عن أن يجره إلى المعصية، فالغيرة خير عاصم قال تعالى: وإما ينزغنك من الشيطان نزع فاستعذ بالله إنه سميع عليم [الأعراف:200]. والنزغ: اسم للحركة التي يحدثها راكب الدابة إذا أراد تحريكها، فكأن الشيطان قد جعل من العاصي دابة وامتطاه لتنفيذ ما يريد. رحم الله عمر بن الخطاب حيث يصفه المصطفى : ((لو سلك ابن الخطاب فجا (أي طريقا) لسلك الشيطان فجا غيره))([5]).

وأما أنواعها:

فأعظمها غيرة الله عز وجل ومن غيرته تعالى:

أ- غيرته على كتابه الذي أنزله ليكون المنهج الذي يحكم خلقه، فمنهج الله مبرأ عن الجهل والظلم والمحاباة، وهي سمات بارزة في مناهج البشر فإذا أعرض العبيد عن منهجه غار الله تعالى لكتابه فكتب الشقاء والاضطراب لكل مخالف له: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا [طه:124]، بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج أي مضطرب ومن غيرته أن يرفع كتابه من الأرض وهي أعظم علامة من علامات الساعة كما نص العلماء للحديث: ((يدرس الإسلام حتى لا يدرون ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة ويسرى على كتاب الله في ليلة فلا تبقى في الأرض منه آية))([6]).

ب- غيرته على محارمه وكل ما حرمه الله وقع في حماه فلا يجوز لأحد أن يقع فيه للحديث: ((ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه))([7]). لذا كانت البلايا والمصائب تبعا لكل انحراف للحديث: ((يا معشر الأنصار خمس خصال إن ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط إلا فشا فيهم الطاعون والأمراض التي لم تكن في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر في السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله ورسوله إلا سلط عليهم عدوا من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم، ولم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم))([8]).

ج- غيرته على أوليائه: إذا أوذوا للحديث: ((من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب))([9])، ولكن شاءت حكمته سبحانه أن يمد لأعدائه حتى يأتوا مثقلين بذنوبهم للحديث: ((إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته))([10]) وحتى تزداد مرتبة العبد المجاهد رفعة في الآخرة وقد ذكر: أن عالما قال كلمات حق أغضبت أحد الخلفاء فقال أحد الجلساء: اقتله فقال الخليفة: لا إن هؤلاء يعلمون إذا قتلناهم كانوا شهداء وكنا بقتلهم من أهل النار.

غيرة المؤمن: المؤمن حقاً ينظر للأمور بنظر الله كما قال تعالى: إنهم يرونه بعيدا، ونراه قريبا [المعارج:6-7]. قال ابن كثير ونراه: (أي الله والمؤمنين) يرون اليوم الآخر قريبا واقعا لا يتخلف فيغضبه ما يغضب الله ويفرحه ما يرضاه الله.

أ- غيرته على محارم الله تقول عائشة رضي الله عنها: ((وما انتقم رسول الله لنفسه إلا أن تنتهك حرمات الله فينتقم لله بها))([11]).

ب- غيرته على أهله فالديوث وهو الذي لا غيرة له على عرضه وأهله محروم من الجنة للحديث: ((لا يدخل والجنة ديوث))([12]) والرجل هو المسؤول الأول عن أهل بيته للحديث: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته))([13]) فيأمرهم بطاعة الله، قال تعالى في إسماعيل عليه السلام: وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا [مريم:55]. فيحذرهم من كل فعل خاطئ بالكلمة الهادفة الطيبة ذكرت إحدى أزواج النبي امرأة بنقص فيها فقال عليه الصلاة والسلام: ((لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته))([14]) وأن يصحح المفاهيم: تصدق رسول الله بشاة وأبقى الكتف فقالت عائشة رضي الله عنها: ((ذهبت كلها إلا كتفها فقال عليه الصلاة والسلام: ((بل بقيت كلها إلا كتفها))([15])، ويتعاونان على الطاعة للحديث: ((إذا قام الرجل من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين كتبا عند الله من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات))([16]) ويعلمها أمر دينها: زوج سعيد بن المسيب ابنته لتلميذ عنده ماتت زوجته فلما كان الصباح همّ الزوج للذهاب فقالت ابنة سعيد: إلى أين؟ قال: أطلب العلم من والدك. فقالت: اجلس فإن علم سعيد بن المسيب عندي. لقد أصبحت الكثير من بناتنا لا يعرفن حتى فيما يتعلق بشؤون النساء أنفسهم بل إنها لا تتقن إلا التزين لغير زوجها وإثارة الزوج على أهله واستحداث المصائب حتى أصبحت الكثير من البيوت جحيما لا يطاق.

ج- وأن يكون دينه أعظم عنده من أهله وزوجه قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم [التغابن:14]. نزلت في عبد الرحمن بن مالك الأشجعي وكان كلما أراد الجهاد قام إليه أهله وبنوه فرققوا حالهم عنده وقالوا: إلى من تتركنا، بعدك؟ فيرق لحالهم فيجلس فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وأما موقف المسلم من الغيرة:

لابد أن نعلم أن العلماء جعلوا الضروريات الخمس المطلوب حفظها هي الدين والعقل والمال والعرض والنفس وقالوا: كلها فداء للدين: فلتوظف طاقات العقل وليذهب المال ولتزهق النفس لأجل الدين.

وإن الغيرة لا تعني أن يكون الرجل جبارا ظالما في أهل بيته للحديث: ((إن المؤمن ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم))([17]). ((وإن الرجل ليكتب جبارا وليس عنده إلا أهل بيته))([18]). بل يكون حكيما في تصرفه فلكل مقام مقال وآخر الدواء الكي والتدرج بالعقوبة واجب قال تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا [النساء:34].

وألا ننظر إليها من زاوية مظلمة، فكل إنسان له عيوب وللحديث: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره بها خلقا رضي منها آخر))([19]). ومعنى لا يفرك أي لا يبغض، قال تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم [البقرة:216].

وأن تعلم أن التي تصحبك في حياتك الزوجية إنسانة لها كرامتها ومشاعرها، ولها قلب ينبض بالحب والإحساس وللحديث: ((لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم))([20]) فذاك دليل سماجة وخلق سيئ.



([1])أحمد والشيخان.

([2])متفق عليه.

([3])الفوائد.

([4])حياة الصحابة مجلد 1 ص 284.

([5])البخاري.

([6])ابن ماجة من حديث حذيفة.

([7])متفق عليه.

([8])ابن ماجة في سننه.

([9])البخاري.

([10])متفق عليه.

([11])البخاري ومسلم.

([12])أحمد والنسائي.

([13])متفق عليه.

([14])أبو داود والترمذي.

([15])رواه الترمذي وقل حديث حسن صحيح.

([16])أبو داود بإسناد صحيح.

([17])أبو داود وابن حبان.

([18])ابن حبان في كتاب الثواب.

([19])مسلم. 

([20])البخاري ومسلم.

الخطبة الثانية

لم ترد .

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً