.

اليوم م الموافق ‏18/‏رمضان/‏1445هـ

 
 

 

مراحل الدعوة النبوية

828

سيرة وتاريخ, فقه

الزكاة والصدقة, السيرة النبوية

عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري

المدينة المنورة

قباء

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

مراحل دعوته صلى الله عليه وسلم : 1- مرحلة النبوة والأمر بالعلم والعمل قبل الدعوة والإنذار 2- مرحلة إنذار عشيرته الأقربين 3- إنذار قومه أجمعين 4- مرحلة إنذار العرب قاطبة 5- إنذار جميع الخلق – لم يكن نجاح دعوته صلى الله عليه وسلم العظيم نتيجة مجردة عن المقدمات والأسباب – صبره صلى الله عليه وسلم ومصابرته ومثابرته في الدعوة وحرصه على هداية الناس – زكاة الفطر ؛ حكمها والسنة فيها

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم مرت بخمس مراحل:

المرحلة الأولى: مرحلة النبوة وفيها أمر صلى الله عليه وسلم بالقراءة فالعلم قبل القول والعمل قبل الدعوة والإنذار.

المرحلة الثانية: إنذار عشيرته الأقربين.

المرحلة الثالث: إنذار قومه أجمعين وهم قريش.

المرحلة الرابعة: إنذار العرب قاطبة وهم القوم الذين ما أتاهم من نذير من قبله صلى الله عليه وسلم.

المرحلة الخامسة: إنذار جميع الخلق من كل من بلغته دعوته من الجن والأنس.

لقد بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المراحل وأنجزها في صبر عظيم وثبات ومثابرة وحرص شديد علي هداية قومه وإرشادهم وإنقاذهم من ربقة الشرك والوثنية واستجاب له في بادئ الأمر ثلاثة نفر, امرأة وصبي وعبد, أما المرأة فزوجه خديجة, وأما الصبي فابن عمه علي بن أبي طالب, وأما العبد فمولاه زيد بن حارثة. ثم استجاب له صديقه وحبيبه أبو بكر الصديق فكان أول سيد من سادات قريش يستجيب للنبي صلى الله عليه وسلم ويؤمن بدعوته ثم أخذت أنوار الدعوة النبوية تنتشر في بطاح مكة حتى بلغ المسلمون أربعين نفرا كانوا يجتمعون سرا في دار الأرقم بمكة يتعلمون من النبي صلى الله عليه وسلم التوحيد ومكارم الأخلاق.

وما لقي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه حتى سارت جيوشه فشرقت وغربت في جزيرة العرب , بل وضربت إحدى القوتين الكبيرتين في ذلك الزمن وهي دولة الروم ضربها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه في غزوة تبوك مفتتحا بذلك هجوم رايات الجهاد على قوى الطغيان الكبرى خارج جزيرة العرب.

وكانت دعوته صلى الله عليه وسلم أنموذجا عظيما في النجاح, لقد كان ذلك النجاح الذي حالف دعوته صلى الله عليه وسلم أنموذجا رائعا عظيما فيه القدوة والأسوة للمسلمين أفرادا وجماعات. أتظنون أن ذلك النجاح العظيم الذي حالف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته كان مجرد فلتة أو كان مجرد معجزة يبدأ دعوته بثلاثة نفر امرأة وصبي وعبد ثم وفي خلال ثلاثة وعشرين عاما يغير وجه جزيرة العرب من جزيرة وثنية كئيبة إلي جزيرة إيمانية مشرقة وقاعدة إسلامية تنطلق منها جيوش الدعوة والجهاد لتحدث ذلك التغير نفسه في وجه البشرية جميعا, لم يكن ذلك النجاح النبوي العظيم مجرد نتيجة بلا مقدمات ولا مسببات بلا أسباب فقد ثابر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثابرة عظيمة وصبر صبرا عظيما علي دعوة قومه وكان شديد الحرص علي هدايتهم وإرشادهم حتى كانت نفسه الشريفة الرقيقة تكاد تتقطع من شدة الحزن إذا رأى إعراضهم وعدم استجابتهم لنداء الإيمان حتى كاد صلى الله عليه وسلم يهلك نفسه من شدة الحزن والحسرة والألم علي قومه إذ لم يستجيبوا لنداء الإيمان فخفف عنه ربه عز وجل بقوله: فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون [فاطر:8]. وبقوله: فلعلك باخع نفسك على أثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا  [الكهف:6]. وباخع نفسك أي مهلك نفسك.

لم يكن هم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحقيق مجد سياسي ولا جمع أموال ومتاع ولا حشد أنصار وخدم وأتباع كان كل همه صلى الله عليه وسلم تبليغ دعوة ربه وإنقاذ أولئك البؤساء الأشقياء الذين عبدوا غير الله إنقاذهم من ربقة الشرك والوثنية. بينما كان أولئك البؤساء الأشقياء يناوئونه ويحاربونه ويسبونه ويهينونه ويلحقون به الأذى كلما أمكنهم ذلك بينما يفعلون ذلك به صلى الله عليه وسلم كان هو في مقابل ذلك شديد الحرص على هدايتهم وإرشادهم وإنقاذهم من ربقة الشرك والوثنية لسان حاله ومقاله كلما اشتد صلفهم وعظمت نكايتهم به صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون)).

ولم يكن ربه عز وجل غافلا عن كل ذلك فمحمد نبيه ومصطفاه وخليله ومجتباه ما ودعه ربه وما قلاه وما وكله إلى خلقه حتى يستضعفوه ويقهروه صلى الله عليه وسلم, بل كان صلى الله عليه وسلم بعد أن يستنفذ كافة قدراته البشرية يأتي بعد ذلك المدد الرباني ليبدد حلكة الظلمات ويزيل وعورة المسالك, يوم أحد نظرت حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجه أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها فإذا الحبيب المصطفي جريح تسيل الدماء من وجنتيه صلى الله عليه وسلم إذ دخلت حلقة المخفر في خده وكسرت ثنيتاه فعجبا لقوم أدموا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم, يدعوهم إلى النجاة قالت أم المؤمنين عائشة للحبيب المصطفي صلى الله عليه وسلم: هل أتى يا رسول الله عليك يوم كان أشد من يوم أحد. فقال صلى الله عليه وسلم : ((لقد لقيت من قومك - أي ما أكثر ما لقيت منهم - من الشدة والأذى والبلاء وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد كلال فأبى أن يجيبني إلي ما طلبته فانطلقت مهموما على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني: يا محمد إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث معي ملك الجبال لتأمره بما أردت فيهم. قال صلى الله عليه وسلم ثم ناداني ملك الجبال فسلم علي وقال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وقد بعثني إليك لتأمرني بما شئت فيهم فإن شئت أطبقت عليهم الأخشبين, - والأخشبان جبلان عظيمان حول مكة - فقال صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا))[1].

فصلى الله تعالى وبارك على النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم ما أرحمه وما أشد شفقته وما أعظم رقة نفسه الشريفة, آذاه قومه وسبوه وأهانوه وأحزنوه حتى إنه من شدة ما لقي منهم هام على وجهه حزينا مغموما وغضب الجبار عز وجل لنبيه ومصطفاه وخليله ومجتباه فبعث إليه ملك الجبال وأمره أن يضع نفسه تحت تصرف النبي صلى الله عليه وسلم وأن ينفذ ما يأمره به فان أمر بأن يمحو قومه من الوجود ويطبق عليهم الجبلين العظيمين نفذ ما يأمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أبى النبي المصطفي أن ينكل بقومه الذين عادوه وآذوه رجاء أن يخلق الله من أصلابهم من يستجيب لنداء الإيمان, فإذا كان هؤلاء العصاة الطغاة البؤساء الأشقياء من مشركي قريش لم يستجيبوا لنداء الإيمان فإن النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم يرجو أن يخلق الله من ذرياتهم ويخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا وقد كان ذلك فأخرج الله من أصلاب أولئك المشركين من عبد الله وحده لا شريك له وأبلى في الإسلام بلاء حسنا وأبلى في الجهاد بلاء عظيما كأمين هذه الأمة أبي عبيدة لقد أخرجه الله من صلب كافر وهو الجراح وكعكرمة رضى الله عنه أحد أبطال الجهاد من الصحابة العظام أخرجه الله من صلب كافر, من صلب عدو الله ابن أبي جهل.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم [التوبة:128-129].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم  فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


 



[1] البخاري :ك:بدء الخلق (3059).

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى. ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا.

أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هديه صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله علي الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة وبمنهج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [آل عمران:102].

يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا [النساء:1].

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم  ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما [الأحزاب:70-71].

يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تدان. ثم اعلموا يا أيها المسلمون أن الله قد افترض عليكم في هذا الموسم العظيم وهذا الشهر الكريم زكاة الفطر وهي واجبة على كل مسلم ذكرا كان أو أنثى, صغيرا أو كبيرا إذا فضل عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته صاع, فإنه يخرج هذه الزكاة فيبدأ بنفسه فيخرج زكاة الفطر عن نفسه ثم يخرجها عمن يعول إذا ملك أكثر من صاع ويخرج هذه الزكاة صاعا من بر أو شعير أو أقط أو تمر أو زبيب , ويجوز أن يخرجها صاعا من طعام أهل البلد وقوتهم , من أرز مثلا ويجوز أن يخرج قيمة الصاع إذا كان ذلك أنفع للفقير لأن المقصود هو إغناء الفقراء يوم العيد عن السؤال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أغنوهم عن الطلب يوم العيد)) كما رواه سعيد بن منصور في سننه.

ووقت هذه الزكاة من غروب الشمس ليلة عيد الفطر إلي صلاة العيد وإن عجلها قبل ذلك بيوم أو يومين جاز ذلك, أما إذا عجلها قبل ذلك لم يجز, ولا يجوز له أن يؤخرها عن صلاة العيد فإن أخرجها بعد صلاة العيد أجزأته وقد خالف السنة وإن أخرها بعد صلاة العيد أثم ولكنها تجزؤه ولا تسقط عنه بل هي في ذمته حتى يخرجها.

فعليكم أيها المسلمون أن تبادروا لهذه الزكاة, زكوا عن أنفسكم ولا تنسوا إخوانكم الفقراء يوم العيد, ادخلوا السرور على أنفسهم وأغنوهم يوم العيد عن السؤال كما أمركم بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال عز من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب:56]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي واحدة صلى الله بها عليه عشرا))[1]. اللهم صل وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبى بكر الصديق وعمر الفاروق و ذي النورين عثمان  وأبي السبطين علي وعن بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.


[1] صحيح مسلم (408) عن أبي هريره رضي لله عنه.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً